في العام 2002، زار البروفسور أحمد زويل بيروت لحضور مؤتمر عن التكنولوجيا فيها، باعتباره عالِماً عربياً فائزاً بجائزة «نوبل» علميّة ولديه مشروع في نقل العلوم والتكنولوجيا إلى الوطن العربي. وحينها، أوضح زويل أنّه عند بداية القرن العشرين، كانت أكبر سرعة ممكنة في التقاط الصور هي سرعة العين البيولوجية نفسها، أو أسرع قليلاً، لنقل: جزء من ألف جزء من الثانية. وفي منتصف ذلك القرن أصبحت جزءاً من مليون جزء من الثانية. ومع ذلك بقي الكثير من الصور «مهزوزاً»، ما يعني وجود فارق بين سرعتي الكاميرا والشيء المراد تصويره. كان المثال الأبرز عن «الاهتزاز» هو الصور عن حركة الذرات والجزيئات المُكوّنة للمواد كافة، وهي المسؤولة أيضاً عن التفاعلات بين المواد، بل حتى عن العمليات الحيويّة في الكائنات البيولوجيّة. ويحصل معظم تلك العمليات في زمن يقل عن جزء من مليون من مليون جزء من الثانية. تجميد الزمن حينها، بيّن زويل أن الإنجاز العلمي الذي صنعه مع فريق جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا («كالتك»)، تمثّل في إيجاد طريقة لرصد الزمن على مستوى جزء من مليون من بليون من الثانية، وهو ال «فيمتو ثانية» Femtosecond. بقول آخر، تساوي ال«فيمتوثانية» جزءاً من مليون جزء من ال «نانوثانية» Nanosecond، فكأنما توصّل زويل وفريقه إلى «تجميد» الزمن. وعند تلك السرعة، صار من الممكن رؤية تفاعل الذرات والجزيئات داخل المادة في أشكالها كافة، ما يعني أنّ عالماً مجهولاً تماماً صار قابلاً للرؤية. وأوضح زويل أنّه جال في الدول العربية بعد نيله جائزة «نوبل»، وقابل رؤساء تلك الدول وزعماءها. ووجد دوماً أنّ الحكام متفقون معه على أنّ العالم العربي لديه مشكلة كبيرة في البحث العلمي. وقال: «أجدهم متفقين معي عندما أحدّثهم عن الفارق علميّاً بين العرب والعالم، وأعطيهم أرقاماً عن الإنفاق على العلم عالمياً وعربياً، وأحدثهم عن مدى التخلّف الذي تعيشه المؤسّسات العلميّة والبحثيّة العربيّة، وعن الشباب والمستقبل المظلم الذي ينتظرهم إذا لم يحصل تطوّر علمي مناسب في الدول العربية. ولكن عند التنفيذ، تأتي البيروقراطية القاتلة وغيرها من المشكلات والعلل العربية. قبل سنوات، حدث نقاش مع بعض زملائي من العلماء الأميركيين أثناء ندوة أكاديمية عن موضوع «نقل التكنولوجيا». تحدّث أحد هؤلاء عن «ظاهرة العرب». ظننت أنّه يتحدث بعنصرية، لكنه أوضح أنه يقصد شيئاً آخر. وبيّن أنّ خبرته تفيد بأن العرب يأتون بأحسن الخطط والدراسات والتقارير والرؤى، ما يعطي انطباعاً بإمكان حل الأمور كلها. ثم يأتي التنفيذ، فتكون النتيجة صفراً من ذلك الكلام العربي الجميل»! العقل العربي مظلوم بعد «نوبل»، حاول زويل نشر الوعي عربيّاً بأنّه من دون قاعدة علميّة عميقة يخرج العرب من مسار الإنسانيّة وتاريخها، ولكنه لاحظ أنّ كثيرين يظنون أنّ التكنولوجيا شراء واقتناء، ومن الممكن شراء التكنولوجيا، فكأن دخول عصر الكومبيوتر ينجز بشراء الأجهزة والبرامج؛ وهو فهم مغلوط تماماً. ودعا زويل إلى بناء «مراكز تفوّق» في العالم العربي، كي تأتي على شاكلة المؤسّسات العلميّة في الغرب. «هل لدى العرب مركز يقارن ب «مؤسّسة وايزمان» أو «معهد تخينون» في إسرائيل، أو «المؤسّسة التكنولوجيّة» في الهند، أو «كوليج دو فرانس» في باريس، أو «معهد ماكس بلانك» في ألمانيا؟ أين تذهب موارد العرب وعقولهم وأموالهم الطائلة؟ لم يسألني حاكم عما يتوجّب فعله للحصول على مركز تفوق». لاحظ زويل أيضاً أن كثيرين يرون في تفوّقه علمياً دليلاً على أن الفرد العربي يملك من القدرات ما يؤهله لتلقي العلم، وأنه ليس متخلفاً بطبيعته! قبل «ثورة 25 يناير»، حدث خلاف بين زويل ونظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، عن مسعى زويل لإنشاء مدينة جامعية تكون «مركز تفوّق». وبعد الثورة، عاود زويل جهوده التي تكلّلت بتبني هذه الفكرة وتحقيقها عبر «مدينة زويل للعلوم».