ملف محاولة اغتيال مبارك لدى الأممالمتحدة الأفغان العرب دخلوا السودان وغادروه قال الرئيس السوداني الفريق عمر حسن البشير أن أميركا جعلت من أسامة بن لادن "بعبعاً ترى صورته في كل مكان"، وأشار إلى أن بلاده تلقت أخيراً تهديداً من أميركا بأنها "سترد على أي أذى يصيب مصالحها وبزعم أنه سيكون من مجموعة بن لادن وشبكاته التي تتركز في السودان". وأكد البشير: "أن السودان لا يستقبل إرهابيين وليس في أرضه مثل هذا النوع من الأجانب" معتبراً أن أميركا ليست طرفاً في الملف المتعلق بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا لتطالب بتسليم المتهمين. ووصف العلاقات السودانية المصرية بأنها "عميقة وشائكة" مشيراً إلى أنها تتحسن حالياً ومسجلاً تحفظات عن طريقة استقبال القاهرة للمعارضة السودانية. وأوضح البشير أن مصنع الشفاء للأدوية قصف بالصواريخ وليس بالطائرات كما قال السودان في أعقاب الحادث. وحمل الرئيس السوداني على فريق من المعارضة السودانية في الخارج واتهمه بالمتاجرة حتى بالقضايا القومية ونفى وجود اتجاه شمالي لتأييد انفصال الجنوب معتبراً مشاعر اليأس عابرة. ونفى الادعاءات القائلة أن الدكتور حسن الترابي رئيس المجلس الوطني "يمسك بمقاليد كل شيء في السودان" قائلاً أنهم "ينسبون إليه أموراً كثيرة تحدث خارج البلاد". وسألت "الوسط" الرئيس السوداني عن علاقات بلاده بجيرانها وهنا نص الحوار: حصل السودان على دعم الدوائر التي ينتمي اليها عربية وافريقية واسلامية وعدم انحياز لكن مناخ المواجهة مستمر مع اميركا، فهل هناك مشروع وساطة يقوم بها المغرب مثلاً بعد زيارتكم له؟ - الزيارة للمملكة المغربية كان مخططاً لها من قبل العدوان الاميركي على السودان بوقت طويل في إطار العلاقات الثنائية بين المملكة المغربية والسودان وفي اطار الجهد العربي المشترك لوحدة الصف العربي وتطوير علاقات الأمة العربية، وكنا نتطلع للقاء جلالة الأخ الكريم الملك الحسن الثاني منذ مدة طويلة لما له من ثقل كبير في الرأي والتجربة، ولما للمغرب من صلات تاريخية بعيدة الغور مع السودان تمتد لقرون من الهجرات والعلاقات الثقافية، فالمغاربة كانوا رافداً مهماً في عروبة السودان وإسلامه وهم موجودون في لحمة العنصر السوداني عرفاً وثقافة وعلوماً وقرآنا، ولذلك الزيارة للمغرب أمر طبيعي، ويمكن ان نقول ان الظروف التي أفرزها العدوان قد أخرت الزيارة قليلاً. أما في ما يتعلق بموقف المملكة المغربية من العدوان الاميركي فقد قدمنا شرحاً وافياً لجلالة الملك حول ما حدث وتركنا لحكمته اتخاذ ما يراه مناسباً من مواقف، ولم نتحدث عن وساطة مع اميركا. هل تعتقدون بأن ثمة فرصة لحوار أميركي - سوداني، وما هو الثمن المطلوب من الخرطوم لمثل هذا الحوار؟ - منذ أول يوم لثورة الإنقاذ الوطني في 30 حزيران يونيو 1989م دعونا الى علاقات طيبة مع كل العالم خصوصاً قواه العظمى مثل اميركا، مؤسسة على الحوار والمصالح المشتركة، ولقد بذل السودانيون بالفعل جهداً متواصلاً لفتح منافذ للحوار مع اميركا واجتهدوا في شرح المواقف كافة وإزالة كل التباس حول مواقف الحكومة السودانية. وقد تعاقب على اميركا سفراء من خيرة من يقدم الحوار ويشرح الحقائق، لكن اميركا أو بالأحرى الإدارة الاميركية، تريد عالماً موحداً تحت رغباتها، ونحن بشر أحرار مؤمنون بالله وبحق البشرية في التنوع والتعدد، لذلك ظلت أميركا تسيء تفسير المواقف السودانية وتتربص بالسودان. وقد قدم السودان مواقف كثيرة عبر فيها عن حسن النوايا، فليس عليه شيء يقدمه بل على اميركا ان تعيد النظر في مواقفها حياله بما تمليه عليها مصلحة الشعب الاميركي وليس مصالح قوى الضغط في الادارة الاميركية، وقد طلبنا منها اعتذاراً علنياً عما اقترفت في مصنع الشفاء للأدوية وعما اعتدت على بلادنا وحرماتنا ثم تعويضاً كاملاً لما ألحقت بنا من خسائر. تطالبكم الولاياتالمتحدة بتسليم المتهمين بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك وبالامتناع عن استقبال مجموعات تتهمها بممارسة الارهاب، فما هو ردكم؟ - سبق أن أوضحنا لكل الدول المعنية بمحاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت الأخ الرئيس حسني مبارك ان ظروف وملابسات الحادث تجعل من المستحيل على الحكومة السودانية العثور على المتهمين وتسليمهم للدول المعنية لمحاكمتهم، وقد وجدت كثير من الدول رد الحكومة السودانية واضحاً ومقنعاً، إلا تلك التي تريد ان تجعل هذا الملف في خدمة أجندة أخرى، وقد أودع هذا الملف بجملته في الاممالمتحدة بعدما كان بين السودان ومصر واثيوبيا، وأميركا أصلاً ليست طرفاً حتى تطلب تسليم المتهمين. كما سبق ان دعونا أي بلد يشك في وجود مجموعة ارهابية تهدد مصالحه في السودان ان يأتي ويختبر ذلك بنفسه. فالسودان يستقبل أعداداً من العرب أغلبهم للاستثمار وقلة منهم في الجامعات والمعاهد العليا السودانية، ويستقبل كذلك مجموعات من الاجانب العاملين في مجالات استثمارية، والسودان بلد بطبيعته مفتوح لا يتكتم على أسرار ولا يستطيع ذلك، بل إن قلة قليلة جاءت للسودان بعد نهاية الحرب السوفياتية - الافغانية وخرجت منه بعد مدة قليلة لأننا استشعرنا ان وجودها قد يسبب ضيقاً لبعض اخوتنا العرب. فالسودان لا يستقبل ارهابيين وليس في أرضه مثل هذا النوع من الاجانب. هل لا يزال السودان متمسكاً بقوله ان مصنع الشفاء قصف بالطائرات؟ ومن أي أجواء جاءت؟ - المهم عندنا ان عدواناً اميركياً صارخاً وقع على بلادنا وجاء الاعتراف بعد لحظات على لسان رئيس الولاياتالمتحدة، وإزاء ذلك لا يهم نوع السلاح الذي استخدم لضربنا إلا لدى الفئة الفنية المختصة، وقد فهمنا منذ البداية كعسكريين انه يصعب على طائرة ان تخترق الأرض السودانية الشاسعة من الحدود من دون التزود بالوقود من مكان مناسب من حيث المسافة للعاصمة السودانية، وأصبح الراجح لدينا بعد ذلك ان الذي استعمل لضرب السودان نمط متطور جداً من الصواريخ التي تماثل في حجمها وتصميمها فكرة الطائرة بغير طيار، ولدى الجهات الفنية المعلومات حول ذلك. أما مسألة الجهة التي جاءت منها القاصفات فقد شاهدها مواطنون سودانيون في قرى تقع في شمال السودان، وقد أشرنا الى ذلك في بعض التصريحات أول وهلة العدوان، وحاولت بعض التحليلات السياسية والصحافية ان تفسر ذلك باتهامات لدول صديقة من حولنا، وفي الواقع لا تحتاج اميركا في هجماتها الى أذونات من هذه الدول أو تلك، ولو كانت تفعل لاحترمت الشرعية الدولية ولبررت عدوانها بقرار دولي. شبكات بن لادن تتحدث واشنطن عن وجود شبكة لپ"بن لادن" في السودان على الأقل اقتصادياً؟ - جاء بن لادن الى السودان في أعقاب الحرب الافغانية من مدخل الاستثمار في مجال الطرق والمطارات والزراعة، وهي مجالات ظل يعمل فيها وتعمل فيها شركات تابعة لأسرته منذ أمد طويل، وليس له أتباع أو شبكات تنبث بهذا المعنى في السودان سوى مجموعة قليلة من مساعديه ظلت حوله دائماً، وظلوا جميعاً بعيدين عن الاعلام واجهزته على أي مستوى، بل ولم يشاركوا حتى في مناسبات ونشاط المجتمع العادي. لكن اميركا جعلت منه بعبعاً ترى صورته في كل مكان وحتى بعد ان خرج من السودان، لأنه شعر ان وجوده قد يتسبب في احراج للعلاقات مع المملكة العربية السعودية. ظلت اميركا تلاحق استثماراته وتتحرى حولها بما في ذلك التهديد الأخير الذي أبلغ به السودان من أن اميركا سترد على أي أذى يصيب مصالحها، بزعم انه سيكون من مجموعة بن لادن وشبكاته التي تتركز في السودان وهي تعلم جيداً انه يعيش في شبه عزلة في بلد بعيد، لكن هواجسها تغلب معلوماتها. اعترف تنظيم "الجهاد" الاريتري بتلقي دعم سوداني، فهل المعركة بينكم وبين اريتريا مفتوحة؟ وهل تنذر بحرب شاملة؟ - السودان لم يبادئ اريتريا بشن حرب كما فعلت هي مستعينة بأميركا وغيرها، وجعلت عاصمتها مأوى ومكاتب ومؤتمرات ونشاطاً للفصائل المعارضة للحكومة السودانية، في حين ان جيوبها المسلحة توالي تدريبها وشن هجماتها على السودان من داخل الأراضي الاريترية. وقد كانت الجماعة الحاكمة اليوم في اريتريا موجودة لما يقارب ثلاثة عقود في الأراضي السودانية توالي منها نشاطها العسكري والسياسي، واذا فتح السودان أراضيه اليوم لمعارضة ضد دولة تحتل أرضه وتوالي قصف القرى الآمنة ومعسكرات اللاجئين وهي تعلم ان السودان يواجه الآن محنة فيضانات في ذات المناطق الشرقية التي يقصفها، فإن ذلك رد طبيعي للعدوان ليس بالمثل ولكن أقل منه بكثير. ولكننا من بعد رد العدوان نحرص على ان نطيب علاقاتنا مع دول جوارنا الاقليمي ونريد دائماً ان نضرب المثال في القارة الافريقية لنعود من بعد النزاع والحروب قارة آمنة موحدة منتجة، لذلك لا نجنح لمفهوم الحرب الشاملة، وان تحولت موازين القوى اقليمياً وعالمياً لصالحنا، فنحن لا ننتهز الفرص لمزيد من الحرب. تردد ان تحسناً طرأ على علاقة السودان مع اثيوبيا، فهل يصل التحسن الى حد دعمها عسكرياً في مواجهتها مع اريتريا؟ - نعم تتحسن العلاقات بين اثيوبيا والسودان، ولكنها لم تصل بعد إلى مستوى التطبيع الذي يتيح لنا ان نتحالف معها عسكرياً، لكننا - على أية حال - لا نريد حرباً بين اثيوبيا واريتريا ولا ندعم طرفاً ضد الآخر لأن أي حرب في هذه المنطقة تؤثر سلباً على السودان. كيف تنظرون الى الدور الذي تلعبه كل من أوغندا ورواندا؟ - أوغندا هي الجارة الأقرب موقعاً ناحية جنوب السودان وظلت بسبب هذا الجوار الوثيق موصولة بجنوب السودان تتداخل بيننا القبائل واللهجات ويسود بيننا السلام. لكن القيادة الحالية في اوغندا قلبت ذلك الى دعم غير محدود لحركة التمرد ضد السودان وظلت حبيسة أوهام لا تليق بتلك العلاقة، وقطعتها فجأة وطردت البعثة الديبلوماسية السودانية على نحو لا يليق بمن يدعون الى وحدة افريقية. أما رواندا فربطتها بالسودان علاقات الاقليم الكبير الذي يصلنا بهم عبر أوغنداوالكونغو، وفي أثناء حركة الثوار نحو العاصمة الكونغولية بقيادة كابيلا وبدعم من رواندا وبمباركة اميركية في اطار خطة اميركا لإعادة ترتيب الأوضاع في منطقة البحيرات، وقف السودان موقفاً متوازناً، ولكن اليوم يشتد الضغط على كمبالا من ناحية الشرق بمقاومة الحكومة الكونغولية الشرعية التي تحظى الآن بدعم افريقي كبير ومن الدول ذات الوزن في القارة، وبعد تبدل موازين القوى تحاول أوغندا خصوصاً الهجوم على السودان عسكرياً في شرق الاستوائية تحت غطاء حركة جون قرنق وبمساندة اميركية. لكن مهما يكن من شيء نتطلع لأن تبلغ القيادة الأوغندية وعياً بمشاكل افريقيا، وهي دولة عضو في مجموعة "ايغاد" التي تتوسط بين الحكومة السودانية وحركة التمرد وترعى المفاوضات بينهما، وان تقف الموقف الرشيد المتوسط الذي يقتضيه التصدي لمهمة الوساطة. تبدو العلاقات المصرية - السودانية أسيرة سوء تفاهم دائم يتخطى موضوع حلايب، ما هو رأيكم في هذه العلاقات حالياً وما هو تعليقكم على استقبال القاهرة أركان المعارضة الشمالية وقرنق؟ - صحيح ان العلاقة بين القاهرةوالخرطوم تتعرض أحياناً لسوء تفاهم يبلغ أحياناً مستوى كبيراً ولكن ذلك طبيعي بسبب الصلات الكثيفة الشديدة بين مصر والسودان، لذلك فالعلاقة عميقة وشائكة بأكثر من موضوع حلايب. لكن حالياً تتحسن العلاقات نحو الأفضل، ومصر الرسمية والشعبية وقفت مع السودان ضد العدوان الاميركي وتقف اليوم معه في المساعدات الانسانية لمواجهة محنة فيضانات النيل وهو الشريان المشترك بيننا. أما موضوع استقبال القاهرة لمجموعة المعارضة السودانية وجون قرنق فالحكومة السودانية لم ترفض أبداً الوساطة التي يقوم بها أي طرف عربي، مثل المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية وليبيا ومن باب أولى مصر، ولكن السودان كانت له تحفظات إزاء المناخ الاحتفالي الذي بدا من ممثل الحكومة المصرية في افتتاح الاجتماعات وفي الكلمة التي ألقاها مما يخل - أيضاً - بدور الوسيط الذي يقتضي الاعتدال والحذر، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة انه تعبير دقيق عن موقف الحكومة المصرية. كيف تقومون علاقات السودان الخليجية حالياً؟ - العلاقات، بحمد الله، طيبة جداً مع دول الخليج، وقد وقفت مع السودان من خلال الجامعة العربية في إدانة العدوان الاميركي، وزار السودان في احتفالات البلاد بالثورة وإجازة الدستور أمير دولة قطر، والزيارات مستمرة من السودان الى السعودية وغيرها من دول الخليج على مستوى وزير الخارجية وعلى مستوى المسؤولين كافة. المعارضة و"التجارة" كيف تنظرون الى موقف المعارضة السودانية من الهجوم الاميركي على مصنع الشفاء؟ - تباينت مواقف المعارضة الخارجية من العدوان واضطربت بين تأييد العدوان، أول مرة، ثم بعد ان رأوا رد الفعل الشعبي العارم ضد اميركا وانتظام العالم العربي والاسلامي كله ضده، حاولت بعض عناصر المعارضة التملص من تصريحاتها التي أعلنتها على الملأ في وسائل الاعلام. لكن المعارضة في الداخل ومن خلال أبرز وجوهها خرجت في مسيرة التنديد بالعدوان التي خاطبها رئيس الجمهورية ولفيف من المسؤولين وانتظمت كلها ضد العدوان، لكن الشخصيات ذات الوزن حتى في الخارج رفضت العدوان. وتبقى عناصر في المعارضة الخارجية تمتهن التجارة حتى بالمصالح القومية العليا للشعب السوداني من أجل مصالحها الشخصية جداً، وهذه لا يوجد في السودان من يلقي لها بالاً كثيراً، وعناصر أخرى تحركها أحقاد شخصية، وهي كذلك لا تحظى بأي احترام من السودانيين في الداخل والخارج، فهؤلاء أيدوا العدوان وتمادوا في ذلك. تستعدون لإصدار قانون الأحزاب، فهل تسلمون فعلاً بمبدأ تداول السلطة أم سيكون التداول مشروطاً أو التعددية مشروطة عبر قيود على الاحزاب التقليدية؟ - بمطالعة نص الدستور الذي أجازه الاستفتاء الشعبي بغالبية كبيرة جداً تقارب الإجماع بعد إجازته من المجلس الوطني ومن رئيس الجمهورية، لا يبقى مجال للبس في ما يتعلق بمبدأ تنظيم التداول السلمي للسلطة. ولا شروط على التعبير والتنظيم إلا ما حدده الدستور وأهمها البناء الديموقراطي لأي تجمع أو حزب أو مؤتمر أو رابطة سياسية، بمعنى ان تجيء قيادات الحزب وهياكله عبر عملية ديموقراطية نزيهة معلنة لنحمي بلادنا من خطر الديكتاتورية بأي مسمى جاءت ومن الدوائر الجهنمية التي تجلت في تاريخنا المعاصر، اذ تنهار الديموقراطية كل مرة بسبب الفوضى الحزبية، ولا توجد شروط سوى ذلك، ولا يمكن لقانون تنظيم التوالي السياسي أو قانون الاحزاب ان يجافي روح الدستور ونصوصه. ظهرت أخيراً بوادر اتجاه شمالي يؤيد انفصال الجنوب للانتهاء من الحرب وثمنها الباهظ عسكرياً واقتصادياً، ما هو موقفكم؟ - الحرب استمرت طويلاً. بدأت قبل عام من استقلال السودان وحصدت أرواحاً عزيزة كثيرة وأجهضت آمالاً عراضاً في التنمية البشرية والاقتصادية، لذلك من الطبيعي ان تظهر أصوات يائسة هنا أو هناك. والاتجاه الشمالي خصوصاً هو تعبير عن هذه الحال، لكنه يعود سريعاً لصوت العقل. والاتجاه الجنوبي حتى المتطرف المؤسس على الانفصال يضعف كل يوم لأنه يرى الجنوب قد اندمج بالفعل في الشمال بحركة الملايين من الجنوبيين التي تعيش اليوم في الشمال وتتواصل مع أهله بعفوية وبلغة مشتركة، فنحن شعب واحد نزداد وحدة كل يوم وهي التي ستهزم في النهاية دعاة الانفصال، وهم في غالبهم يؤيدونه خدمة لأوليائهم الذين لا يريدون للسودان وحدة ولا تقدماً ولا استقراراً. ما هو حجم الخسائر البشرية والاقتصادية في حرب الجنوب؟ - حجم الخسائر البشرية والاقتصادية في حرب الجنوب كبير كما يعلم الجميع. هناك انتقادات متزايدة للأداء الاقتصادي للحكومة، كيف تنظرون الى الوضع الاقتصادي؟ وما هو حجم الأضرار الناجمة عن العقوبات الدولية والاميركية؟ - في الحقيقة كان الاقتصاد السوداني معتمداً بالكلية على المعونات الاجنبية قبل 30 حزيران يونيو 1989م، وبمجرد بروز رغبة الحكومة السودانية في الاستقلال بقرارها السياسي والاقتصادي توقفت المعونات كلية عن السودان، وفي فترة مبكرة من عمر الثورة قبل ان تصبح هذه السياسة معلنة في شكل عقوبات اقتصادية تتولى اميركا دوراً كبيراً في حمل الآخرين عليها خصوصاً من دول أوروبا الغربية. ولكن هذه المحاولة لخنق الثورة جاءت بثمار ايجابية على السودان بعد ان أصبح معتمداً على ذاته وتحركت فيه كل قطاعات الانتاج والعمل، واقتصادنا اليوم بخير ينتظر ثماراً أفضل في المستقبل القريب ان شاء الله.أما السياسات الاقتصادية فقد أقر توجهها العام الاساسي عبر مؤتمر للحوار حول قضايا الاقتصاد، اجتمعت فيه زبدة الاقتصاديين السودانيين وهم الذين أقروا سياسة التحرير في البرنامج الثلاثي للانقاذ الاقتصادي الذي انتهى في عام 1995م، والتزمت الحكومة بذلك بعد ان سلمت توصيات وقرارات المؤتمر، لكن تفاصيل السياسات الاقتصادية تصيب وتخطئ كما يحدث في كل العالم، والانتقاد المتزايد يأتي من جانب ذوي الدخل المحدود في الوظائف والمهن المرتبطة بالدولة وجهات أخرى محدودة تدفع أكثر من غيرها ثمن التضخم الذي يؤدي الى ارتفاع اسعار السلع. ولكن حتى هذه الفئة استقرت أوضاعها الآن بطريقة أفضل بعد ان بدأت السياسات الاقتصادية تؤتي ثمارها الأولية، وبدأ معدل التضخم في التراجع وظلت قطاعات الانتاج عامة والانتاج التقليدي الحيواني والزراعي تشهد تطوراً سيزداد ان شاء الله في المواسم المقبلة بعد انحسار الفيضان وخروج ثمرات الأرض. يبدو السودان منشغلاً بدوره الافريقي وهناك جهات غربية تتهمكم بزعزعة الاستقرار، ومحاولات قسرية للتعريب والأسلمة داخل السودان وخارجه، فما هو ردكم؟ - السودان هو أكثر أقطار القارة تمثيلاً لها، تتواجد داخله كل لغات القارة وأعراقها وثقافتها، وهو كذلك يملك اشعاعاً وتأثراً كبيراً باسمه وتاريخه وفنه في محيطه الافريقي، فهو افريقيا المصغرة، لكن أصحاب النفوذ الاستعماري القديم وأصحاب الاستبداد الأحادي الجديد لا يريدون ان تجد هذه القارة الكلمة التي تهديها الى الحرية والديموقراطية والاستقلال. إنهم يريدون ان تغرق في الحروب والمجاعات والأوبئة فهي قارة الاحتياط لأجيالهم المقبلة، ومن ثم ينشطون في اتهام السودان بزعزعة الاستقرار في القارة وهم يعلمون جيداً من الذي شن حرباً على كل دول جواره وظل يتلقى منهم المساعدات سراً وعلناً كي يؤدي دوره ثم تدور الدائرة عليه ويتخلصون منه، أما العروبة والاسلام فليسا دخيلين على افريقيا إلا لمن يريد ان يزور التاريخ، لذلك نحن لا نجنح لفرض لغة أو دين بالقوة. ومعلوم من هو الذي جاء بجيوشه واحتل افريقيا وفرض لغته بالقوة واقتاد الأفارقة بالملايين عبيداً لأرضه، فالسودان لا يرجو لأرضه الافريقية إلا الأمن والسلام والاستقرار. تردد ان الرئيس كابيلا زار السودان سراً فماذا كان الغرض من زيارته؟ وكيف تنظرون الى ما يجري في منطقة البحيرات الكبرى؟ - طبيعي ان يزور كابيلا السودان وقد كان فيه أيام نضاله القديم مع لوممبا ومكث فيه فترة عرف أهله وأخلاقهم ولغتهم وقد زار ليبيا ودولاً افريقية اخرى جنوب القارة وشمالها، وكل الدول الافريقية معنية جداً بمشكلة الكونغو. ونحن بدورنا نؤمن بأن كل بلد وشعب يختار طريقه ولا يفرض عليه قدر بالقوة وبالتدخل الاجنبي، ونحن نريد الاستقرار لدول منطقة البحيرات الكبرى من دون ان يكون ذلك مطية لمخطط اجنبي يريد ان يقسم القارة ليفرض إرادته أو يهيئ المنطقة لحرب المياه القادمة وفقاً لمصالحه، فنحن مع ميثاق منظمة الوحدة الافريقية الذي يرفض التدخل الاجنبي. في الغرب من يقول ان المشكلة في العلاقة مع السودان تكمن في دور الدكتور الشيخ حسن الترابي، فما هو ردكم؟ - الترابي من أفضل السودانيين معرفة بالغرب وثقافته ولغاته وقد عاش فيه ودرس وتخصص، وهو يؤمن بالحوار والحسنى ويعبر عن ذلك في محاضراته التي يدعى لها من قبل أكبر المؤسسات العلمية والفكرية في الغرب. لذلك من التبسيط الشديد للمشكلة نسبتها الى شخص واحد، فهم يدعون ان الترابي يمسك بمقاليد كل شيء في السودان، وذلك أمر مستحيل لبلد فيه دولة ومؤسسات، بل وينسبون الى الترابي أموراً كثيرة تحدث خارج السودان، وهو بشر واحد لا يمكن ان يحيط بكل ذلك