"لعبة الديموقراطية يتقنها الاسرائيليون ببراعة: من ناحية يطلقون النار ومن الناحية الأخرى يدينون هذه التصرفات. هذا ما حصل في دير ياسين وكفرقاسم وصبرا وشاتيلا وكل المجازر..." : بهذه الكلمات القاسية، تحدّث محمد بكري معبّراً عن مرارته ويأسه من التعامل مع المؤسسة الاسرائيليّة، كعربي من الأراضي المحتلّة عام 1948. "الوسط" إلتقت الممثل والمسرحي البارز في عمّان حيث لاقت "المتشائل" استقبالاً عاصفاً، وعشيّة استعداده لخوض تجربة أولى في الاخراج السينمائي من خلال شريط تسجيلي بعنوان "حكايتي مع نكبتي". أخيراً وجد محمد بكري حلاً لاشكالية علاقته بالمؤسسة الاسرائيلية، تلك الاشكاليّة المطروحة على الكثير من مبدعي الأراضي المحتلّة عام 1948. وهذا الحل هو رفض هذه المؤسسة ومقاطعتها كلياً، بيسارها ويمينها، بصقورها وحمائمها، لأن "العملة واحدة مهما تعددت الوجوه". الممثل والمخرج الفلسطيني الذي تألّق في المسرح الاسرائيلي، وشارك في أفلام اسرائيلية حظيت بشهرة عالمية، يعلن اليوم ل "الوسط" تنكّره لتلك المرحلة، لأن اليسار الاسرائيلي كاليمين، يلتقيان على تغييب وإبادة الشعب الفلسطيني. يتأمل بكري اليوم تجربته السابقة مع أوري بارباش في فيلم "من وراء القضبان"، وعاموس غيتاي في فيلم "أستير"، وعيران ريكلس في فيلم "الكأس النهائي". يتأمل كل ذلك ليعلن خيبته من هذه التجارب التي أراد من خلالها أن يصحّح صورة الفلسطيني النموذجية في السينما الاسرائيلية. ولكن هؤلاء اليساريين الذين وثق بهم خدعوه، فقرر مقاطعتهم والعمل مع مخرجين فلسطينيين شباب من أمثال رشيد مشهراوي وعلي نصار، مضحياً بجزء من شهرة عالمية بدأها مع فيلم "هانا. ك" لكوستا غافراس أوائل الثمانينات. ابن قرية البعنة قضاء عكا خبر المجتمع الاسرائيلي من الداخل، وها هو يعلن القطيعة النهائية مع هذا المجتمع. ويعلن أنّه يتفهّم موقف الذين دعوا إلى مقاطعة عروضه عربياً معتبرين أنها تصب في خانة التطبيع. فهؤلاء هم "الضمانة الوحيدة التي تذكر الحكومات العربية بقضية فلسطين". في عمّان قدّم محمد بكري "المتشائل"، فحققت العروض الاقبال وأثارت النقاش. وكان الحدث أفضل طريقة لاستعادة التاريخ الأليم في الذكرى الخمسين لنكبة فلسطين، من قبل "أيّام عمّان المسرحيّة". يعمل الفنّان حاليّاً على انجاز شريط وثائقي عن النكبة، يزاوج فيه بين الجانب التاريخي الوثائقي والجانب الذاتي. كما انّه بصدد بدء التمارين على عمل مسرحي مقتبس في ضوء الواقع الفلسطيني عن نصّ محمد الماغوط "المهرّج" اخراج جورج ابراهيم - "مسرح القصبة". وفي الأردن، حيث التقيناه، دار هذا الحوار. هل تقبل "جائزة اسرائيل للإبداع" إذا عُرضت عليك؟ - كلا. اذا تمّ ذلك سأرفضها، قلباً وقالباً. لماذا؟ - لأنني لا أستطيع ان اكون جزءاً من المؤسسة الاسرائيلية. ان تحصل على جائزة اسرائيل اليوم، هذا يعني أنك جزء لا يتجزأ من هذه المؤسسة. أنا لست جزءاً من اسرائيل، انا فلسطيني أعيش في بلدي المحتل. حياتي الآن هناك هي محاولة لبناء استقلال فلسطيني داخل اسرائيل. بأي معنى؟ - بكافة المعاني السياسية والثقافية. لكنّ إميل حبيبي الذي ربطتك به علاقة روحيّة حميمة، قبلها! - ينتمي الأديب الفلسطيني الكبير إلى جيل آخر، ومرحلة أخرى، وكانت ظروفه وحساباته مختلفة. هل هذا تنكّر لتجربتك السابقة التي بدأت ضمن المؤسسة الاسرائيلية؟ - بشكل أو بآخر نعم، مع أنني لست نادماً على بعض مشاركاتي في السينما والمسرح الاسرائيليين. فلنستعرض تجاربك واحدة واحدة. فيلم أوري بارباش "من وراء القضبان" كيف تقوّمه اليوم؟ - لست نادماً على المشاركة فيه. عندما صوّرناه كانت حرب لبنان لم تخمد، واجتياح بيروت في الذاكرة. وكانت تجربة مؤلمة لي أنا كفلسطيني. الاجتياح أثّر فيّ كثيراً. جرائم وفظائع جيش الاحتلال في لبنان كانت تصلني عبر الأعلام فتوجعني: بدا الجيش الاسرائيلي قادراً على ابادة شعب بأكمله. كان من المهمّ والمثير بالنسبة إليّ ذلك الوقت، أن أعمل في فيلم ارسم من خلاله معالم هوية فلسطينية اندثرت ثقافياً، نتيجة الاصرار الاسرائيلي المنهجي على وصف الفلسطيني بالمخرب. صحيح أن فيلم "من وراء القضبان" اسرائيلي، لكنّني استطعت من خلاله أن أبدأ بتحطيم الصورة الشائعة عن الفدائي، من جرّاء حملات التشويه والتضليل. وصل جهدنا إلى مشاهدي العالم، والجمهور العربي، لأن الفيلم رُشّح ذلك الوقت للأوسكار. وفيلم "الكأس النهائي" الذي شاركت فيه مع عيران ريكلس؟ - نادم عليه كثيراً! ألم تقرأ السيناريو؟ - قرأت السيناريو، بل شاركت في كتابته. ولم يكن عندي أي اعتراض عليه؟ إذاً؟ - الخلل كان في المونتاج. حسب السيناريو كان من المفروض أن يموت بطلا الفيلم في النهاية: العربي الذي أؤدّي شخصيّته والاسرائيلي. كان من المفروض أن تطلق النيران من كل الجهات، ويقتلا في هذه الضوضاء، لكي نقول إن الحرب وويلاتها هي وبال على البشر. في المونتاج لم يلتزم المخرج بهذا، قتل العربي وكوهين لم يقتل. ألم تحتج؟ - بلى، طبعاً! لكن قيل لي إن المخرج حرّ في فيلمه. لفتّ نظر عيران إلى أن اتفاقنا كان مختلفاً. فأجابني: صحيح، لكن القرار الأخير لي وحدي، أنا صاحب الفيلم. وفي ما عدا نهاية الفيلم، كانت هناك ألاعيب كثيرة أنا ضدّها على طول الخط. كنا تسعة فلسطينيين مساهمين في هذا العمل، وانتدبني زملائي لمتابعة مراحل التنفيذ، فصرت أذهب بعد انتهاء التصوير وأرى المشاهد. كان لدينا احساس أننا عملنا فيلم لنا، لكن الإحباط أتى بعد عملية المونتاج. لا أؤمن باليسار الاسرائيلي! هل أصدرت بياناً؟ - بيان، واحتجاجات في الصحافة، ولم أحضر افتتاح الفيلم. وهل كانت ثمة امكانية لرفع دعوى قضائية؟ - كان ذلك صعباً لا يوجد لديّ اثباتات خطية. كان اتفاقنا شفهياً، وكان عندي انطباع بأن مخرج الفيلم هو شخص يساري مؤيد للعرب، وسبق له ان نفذ فيلماً عن أودي أديف، ممتاز من الناحية السياسية. بعد فيلم "الكأس النهائي" نكبت، صدمت وقررت ان لا أتعاون معهم سينمائياً، أنا اليوم لا أؤمن باليسار الاسرائيلي. لك تجربة مع عاموس غيتاي، فهل ينطبق عليها موقفك هذا؟ وهل خرجت منها بالخيبة نفسها؟ - عاموس غيتاي، نموذج أمين جداً من اليسار الاسرائيلي الكذاب. لكن عنده أفلام مثل "وادي" و"بيت" و"يوميات حملة" وهي مؤيدة للقضية الفلسطينية؟ - هذا صحيح إلى حد ما. ولكن ومن خلال تجربتي معه اكتشفت أنه تاجر. يقوم ببيعنا قصصاً، قد تكون مفيدة، وتصور عدالة قضيتنا، ولكن حسب التجربة معه أنا أعتقد بأنه من اليسار الصهيوني غير الصادق. هذه القناعة متى تكونت لديك؟ بعد فيلم "أستير"؟ - تماماً. بسبب اسناده لك دور اليهودي مردخاي. - لا... طبعاً انا أردت هذا الدور. بعد أن وصلت استير إلى الحكم ووصل مردخاي عن طريقها ذبح كل أهل خشكورشك. شخصيّة مردخاي خير تعبير عمّا فعله يهود اسرائيل بعد أن تحوّلوا من ضحايا لجرائم النازيّة إلى جلادين للشعب الفلسطيني. ما اعتراضك على الفيلم إذاً ؟ - لم يكن لديّ اعتراض. لكن غيتاي استغل اسمي ووجودي في الفيلم، وفهمت لاحقاً أن اسقاطات الفيلم وأفكاره ليست مهمة جداً للسيد غيتاي، بقدر ما يهمه بيع الفيلم وتسويقه، ولاحقاً بدأت أفهم أن الرجل لا علاقة له بالسينما. وكيف تفسر موقفه من اسرائيل وإقامته في باريس؟ - يدعي انّه غادر اسرائيل، وفي الحقيقة هو غير محبوب من الاسرائيليين نظراً لأسلوبه الرافض وشعاراته. ولكنّي على ثقة الآن بأن نقده لاسرائيل ليس صادقاً. كلّ ما في الأمر أنّه من اتباع مذهب "خالف تعرف". يهمّه كإسرائيلي أن يُظهِر كم هو ديموقراطي ومؤيد لحقوق الفلسطينيين. وكم هو ضد الوجه البشع للاحتلال. ولعبة الديموقراطية هذه يتقنها الاسرائيليون ببراعة: من ناحية يطلقون النار ومن الناحية الأخرى يدينون هذه التصرفات. هذا ما حصل في دير ياسين وكفرقاسم وصبرا وشاتيلا وكل المجازر... المجرم ينفذ المجزرة ويأتي اليساري ليعارض ويرفع صوته عالياً، ليقول للعالم انظروا كم نحن أصحاب ضمائر حية. متى تبلور لديك هذا الموقف الجذري من اليسار الاسرائيلي، ومن المؤسسة الاسرائيلية؟ بعد نيلك جائزة القدس مثلاً؟ - بصراحة، لا، تبلور عندي منذ السنة الأولى للانتفاضة، وتحديداً بعد فيلم "الكأس النهائي" 1989. ما موقفك من زملائك الممثلين الفلسطينيين من عرب ال 48 الذين اخذوا الجائزة، وما زالوا يعملون في هذه المؤسسة الاسرائيلية؟ - هم أصدقائي، أحترمهم وأحبهم. لكن سيأتي يوم يتوصّلون فيه إلى ما توصلت إليه. أنت واثق؟ - إنهم يتعذّبون في قرارة نفسهم. يعيشون التمزق نفسه الذي كان عندي، والذي أوصلني إلى القطيعة مع المؤسسة الاسرائيلية... ماذا عن مشاركتك في فيلم "هانا. ك"؟ - لهذه التجربة موقع مهمّ في قلبي. فيلم غافراس هو عملي العالمي الأول. لكنّني اذا نظرت اليوم إلى "هانا. ك" من موقع نقدي، مستفيداً من المسافة الزمنيّة التي تفصلني عنه، أرى فيه نقاط ضعف كثيرة. مثلاً؟ - لم يكن الفيلم حازماً بما فيه الكفاية. كانت لدى كوستا غافراس حسابات كثيرة، كان خائفاً من اليهود، وقد اتضح لاحقاً أنه كان مسيّراً وغير مخيّر في اختياره لهذا الفيلم. وقد حسم موقفه، وبرّأ ذمّته، وأوضح مواقفه الضبابيّة في فيلم "ميوزيك بوكس" الذي داهن فيه اليهود كثيراً! في تلك الفترة كنت في بداية مشوارك الفني، هل تعرضت لمضايقات من قبل الاسرائيليين؟ - الغريب أن المضايقات أتت من اليسار الاسرائيلي: لقد حاولوا منعي من المشاركة. في تلك الآونة كنت أمثل في مسرحية عن اجتياح بيروت اسمها "هم"، فحاول المخرج المحسوب على اليسار منع غافراس من أخذي في الفيلم بحجة توقيع عقود ملزمة. وكانت ادعاءاته كاذبة طبعاً، إذ لم يكن هناك بيننا عقود موقعة، بل مجرّد اتفاقات مبدئيّة وشفوية. لماذا حاولوا منعك؟ - الجواب يكمن في السؤال. لننتقل إلى المخرجين الفلسطينيين. أدوارك تتراوح بين البطولة والدور الهامشي، هل تقبل كل ما يعرض عليك فلسطينياً؟ - ليس إلى هذه الدرجة. وافقت على دوري الصغير في فيلم "حكاية الجواهر الثلاث" مع ميشيل خليفي لأني أحب هذا السينمائي، وأحب طريقة عمله. والفيلم جميل. بعد عرضه، أتى من يقول لي لماذا وافقت على دور صغير؟ وأجبت: لمَ لا، أنا لست نادماً، حتى ولو لم آخذ حقي سينمائياً، لكن المسألة هي ان تشارك في عمل وطني. سبق ان رفضت دوراً في فيلم "حتى اشعار آخر" لأنه دور صغير. اعتذرت من رشيد المشهراوي بمحبة عن عدم المشاركة. وأبديت له ملاحظاتي على السيناريو. و"حيفا؟" - أسئلتك صعبة. كيف للمرء أن يعطي رأيه بنفسه؟ أقصد رأيك بالتجربة. - الفيلم صادق، لكن ينقصه بناء درامي. ولديّ ملاحظات على التصوير. لقد صور الفيلم خلال الأشهر الحارّة فأتت الصور باهتة. الفيلم يفتقر إلى الحياة، لو صوّر في الربيع أو الشتاء لكان الامر أفضل. وعلى مستوى الخطاب والرؤية؟ - حيفا هو اسم الشخصيّة المحوريّة. هذا المجنون هو رمز الحلم، حلم العودة، حلم مجنون. يحق للانسان ان يحلم بجنون. أنا فهمت أن حيفا يرمز إلى الموقف السياسي العربي الذي ما زال يطالب بكل فلسطين ! - أنت حرّ في فهمك. كل فلسطيني أو عربي صادق يحلم بأن تعود فلسطين من البحر إلى النهر، وهي قصة معقدة ومؤلمة. الفيلم مثقل بالرموز؟ - ربما هي احدى نواقص الفيلم. يلاحظ المشاهد تفاوتاً كبيراً بين شخصية حيفا المكتملة وباقي الشخصيات التي ظهرت ككومبارس؟ - إنّها بنية العمل. ولعلّها من النقاط التي تسجّل ضد الفيلم. كيف عملت على هذه الشخصية المعقدة؟ - ربّما كانت طريقة عملي هي التي ساهمت في بلورة وتعميق البنية الدراميّة. درست الشخصية جيداً، وعثرت على شخص مجنون يدعى أبو ماجد في مشفى الدهيشة، فرسمته ورصدت حركاته ودرست ظروفه واستفدت منها إلى حدّ بعيد. لذا أتت الشخصية مليئة بالحياة. أريد أن أقول لك إن حيفا هو الطفل فينا. إذا عرفنا كيف نحافظ عليه، تتحرر فلسطين. لك تجربة سابقة مع رشيد مشهراوي في فيلم "الملجأ". هل ستستمر معه في تجارب لاحقة؟ - طبعاً. أحب العمل مع رشيد. إنّه سينمائي ذكي وموهوب، ونشيط جداً. أنا أحب هذا النوع من الناس الذين يصنعون شيئاً من لا شيء: إنّه ابن مخيم لم يكمل تعليمه، ووصل إلى كان ومهرجانات عالمية ونال جوائز، هذا جميل جداً. "درب التبانات" لعلي نصّار آخر افلامك الفلسطينية. ألا يشبه في بعض جوانبه فيلم خليفي المعروف "عرس الجليل"؟ - من ناحية الموضوع هو بعيد كل البعد عن "عرس الجليل"، لكن التشابه وارد من ناحية الاطار التاريخي للأحداث. فالفيلمان يتحدثان عن فترة الحكم العسكري في مناطق ال 48، وعن تواطؤ بعض الزعامات المحليّة مع سلطة الاحتلال. والفيلم على كل حال ايجابي، صورته جميلة جداً، وأنا أؤدي فيه دور شاب فلسطيني يعمل في الحدادة ويقاوم ويناضل ضد الاحتلال. أنا نقيض المتشائل! منذ اثني عشر عاماً وأنت تمثل مونودراما "المتشائل" كأنها أصبحت لازمة في مسيرتك الابداعيّة، ومحطّة لا بدّ من الرجوع إليها بين حين وآخر... - قضية فلسطين لم تُحلّ. نحن سيّبنا. والمتشائل فيه صرختي الأبدية، سأظل أعرضها حتى أموت. ولن أموت قبل أن أحولها إلى فيلم سينمائي. ما هي أوجه التشابه بينك وبين شخصيّة سعيد أبي النحس المتشائل التي تؤدّيها، والتي اقتبستها عن رواية شهيرة لحبيبي؟ - لا تربطنا أيّة قرابة، من وجهة النظر الواقعيّة، بل أن بيننا علاقة تنافر وتصادم. أنا نقيض المتشائل، وهذا يعطي للعمل عمقه وبعده الجدلي. لا أتعاطف مع شخصيّتي بل أؤدّيها انطلاقاً من مسافة نقديّة... وهذا يبرّر لجوئي إلى التغريب. أريد لسعيد، وما يمثّله من أطباع وممارسات وذهنيّات وقيم، ان يختفي من الوجود. اذا سألتني عن حلمي، سأجيبك على الأرجح: أن يختفي سعيد المتشائل من كل الوطن العربي. عند عرض مسرحياتك في بعض الدول العربية يأتي دائماً من يطرح قضية التطبيع. أنت هنا معني بالتهمة بشكل مباشر. كيف تنظر إلى ما يقال حول التطبيع الثقافي؟ - أنا أحترم بصدق واخلاص، كل من يناضل ضد التطبيع بين الأخوة العرب خارج فلسطين. لأنهم الضمانة الوحيدة لابقاء الرأي العام في حالة صحو، وقوّة الضغط الوحيدة التي تذكر الحكومات بأنه ما تزال هناك قضية اسمها فلسطين. أنا اعتقد أن هؤلاء مخلصون لحقوق الشعب الفلسطيني، فكيف أستطيع أن ألومهم، حتى لو كانوا اختزاليين أحياناً، وعشوائيين أحياناً أخرى، وحتّى لو كانوا غير منصفين بحقّي أنا شخصيّاً؟ آمل ان يأتي يوم قريب يدرك فيه بعض المغالين خطأهم تجاهي، لكنني أفهمهم. ألا ترى معي بأن تنامي نزعات التطرف في المجتمع الاسرائيلي هي التي تغذي حالات الرفض العربي؟ - بكلّ تأكيد. وهذا التنامي هو الذي دفعني إلى موقعي السياسي الراهن. أصبحت لا أثق بالمعادلة المطروحة الآن بصفتي مواطن يعيش في الداخل، وأرى بعيني ممارسات جيش الاحتلال الاسرائيلي يومياً ضد شعبي في الضفة والقطاع والقدس والمخيمات... لا أستطيع ان أثق بهم بعد الآن، لا باليسار ولا باليمين. وأفهم الاشخاص المعادين للتطبيع، ولكن ذلك لا يعني التعميم ووضعنا في خانة التطبيع! فما حيلتنا ونحن نعيش في الداخل، في أرضنا؟ هل الحلّ أن أترك بلادي وأرمي الهوية الاسرائيلية وأعيش في مخيم لاجئين كي أصبح وطنياً نظيفاً؟ لا أريد ان أغادر البعنة. بعد أن قطعت كل علاقاتك مع المؤسسة الاسرائيلية، ماذا يكون موقفك في حال طلبت منك سلطات الاحتلال المغادرة إلى مناطق الحكم الذاتي؟ - لا أدري. لم أفكر بالأمر. لا يحقّ لها أن تفعل ذلك من ناحية القانون. كل فلسطين وطني لكنني لا أرغب في مغادرة الجليل. لماذا قطعت علاقتك أيضاً مع المسرح العربي في اسرائيل؟ - لم أشترك معهم سوى في عمل واحد: "الملك هو الملك" لسعد الله ونّوس من إخراج الصديق مكرم خوري. بعد ذلك انسحبت بسبب التسمية لأنّني لست راضياً عنها. لو كان اسمه مسرح البلاد مثلاً لاستمريت. و"مسرح القصبة"؟ - تفرّغت للعمل في هذا المسرح الفلسطيني قلباً وقالبا، ففيه أجد نفسي أكثر... هل أنت متزوج؟ - منذ كان عمري 22 عاماً، ولديّ ولد عمره 22 عاماً يدرس المسرح الآن. سأسلمه الرسالة، وأنام مرتاح الضمير. وجديدك؟ - إنتهيت أخيراً من تصوير فيلم مع كلوديا كاردينالي. وأستعد لانجاز شريط تسجيلي عن نكبة فلسطين عنوانه المبدئي "حكايتي مع نكبتي"، سيكون أول تجربة لي في مجال الإخراج السينمائي 0