ترحيب سعودي باتفاق طاجيكستان وقرغيزستان وأوزبكستان    طيفُ التوحدِ همٌ أُمَمِي    مجمع الملك سلمان للغة العربية يُطلق برنامج "شهر اللغة العربية" في إسبانيا    خالد عبدالرحمن يشعل أولى حفلات العيد بالقصيم    المملكة ترحب بتوقيع طاجيكستان وقرغيزستان وأوزباكستان معاهدة الحدود المشتركة    عقد قران المهندس أحمد حسن نجمي على ابنة محمد حمدي    الخواجية يحتفلون بزواج المهندس طه خواجي    المملكة: حماية الأطفال في الفضاء السيبراني استثمار استراتيجي    الاتحاد «جحفل» الشباب بثلاثية    القادسية والرائد للبحث عن بطاقة التأهل الثانية    نواف بن فيصل يُعزّي أسرة الدهمش في وفاة الحكم الدولي إبراهيم الدهمش    محافظ البكيرية يرعى احتفالات الأهالي بعيد الفطر    ساكا يهز الشباك فور عودته من إصابة طويلة ويقود أرسنال للفوز على فولهام    رجال أعمال صبيا يسطرون قصص نجاح ملهمة في خدمة المجتمع وتنمية الاقتصاد المحلي    المملكة توزّع 1.500 سلة غذائية في محلية الدامر بولاية نهر النيل في السودان    مدرب الشباب ينتقد التحكيم عقب الخسارة أمام الاتحاد    القيادة تعزي حاكم أم القيوين    العيد يعزز الصحة النفسية    الاتحاد يقلب الطاولة على الشباب ويتأهل لنهائي أغلى الكؤوس    المملكة تدشّن مشاركتها في معرض بولونيا الدولي للكتاب    القبض على (5) إثيوبيين في عسير لتهريبهم (90) كجم قات    الولايات المتحدة: من المبكر تخفيف العقوبات السورية    عضو الشورى الشيخ الدكتور سالم بن سيف آل خاطر يحتفي بزواج ابنه "عبدالعزيز"    أهالي وادي الدواسر يحتفلون بالعيد    8 دول في أوبك+ تجتمع الخميس وتوقعات ببدء خطة رفع الإنتاج    أخضر الصالات يعسكر في فيتنام استعداداً لتصفيات كأس آسيا    أمير تبوك يلتقي أهالي تيماء    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى أكثر من 2700 قتيل    تجربة سعودية لدراسة صحة العيون في الفضاء    49.8 مليار ريال فائض تاريخي لبند السفر في ميزان المدفوعات بالمملكة    محافظ الطوال يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك في جامع الوزارة ويستقبل المهنئين    باحثون روس يطورون طريقة لتشخيص التليف الكيسي من هواء الزفير    جوارديولا يُعلن مدة غياب هالاند    بلدية محافظة الشماسية تحتفل بعيد الفطر المبارك    الدولار يشهد أداءً متقلبًا ترقبًا للرسوم الجمركية الأمريكية    إصابة الكتف تنهي موسم «إبراهيم سيهيتش»    جمعية " كبار " الخيرية تعايد مرضى أنفاس الراحة    توجيهات ولي العهد تعزز استقرار السوق العقاري    التجارة: 5 شوال دخول نظامي السجل التجاري والأسماء التجارية الجديدين حيز التنفيذ    أكثر من 122 مليون قاصدٍ للحرمين الشريفين في شهر رمضان    أكسيوس: ترمب سيزور السعودية مايو المقبل    إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة بيشة تُنهي استعداداتها .    "أمانة الطائف" تنهي استعداداتها لعيد الفطر المبارك    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بعيد الفطر    جمع مهيب في صلاة عيد الفطر في مسجد قباء بالمدينة المنورة    مختص ل «الرياض»: 7% يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي خلال الأعياد    محافظ الجبيل يستقبل المهنئين بالعيد ويزور المرضى المنومين    ما أصل "العيديّة"، وكيف تغيّر اسمها عبر العصور؟    ترامب: لا أمزح بشأن سعيي لفترة رئاسية ثالثة    المعالم الأثرية بالأحساء تجذب الأهالي والمقيمين في عيد الفطر    إنجاز إيماني فريد    بين الجبال الشامخة.. أبطال الحد الجنوبي يعايدون المملكة    عيد الدرب.. مبادرات للفرح وورود وزيارات للمرضىع    توقعات بهطول أمطار غزيرة على 7 مناطق    العيد انطلاقة لا ختام    الرئيس عون: لبنان دخل مرحلة جديدة بعد عقود من العنف والحروب    تجمع الرياض الصحي الأول يُطلق حملة «عيدك يزهو بصحتك» بمناسبة عيد الفطر المبارك 1446ه    أكثر من 70 ألف مستفيد من برامج جمعية الدعوة بأجياد في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جسد "المتشائل" على الخشبة وفي "حيفا" يؤدي دور المجنون . محمد بكري ل "الوسط" : ولدت بعد ضياع فلسطين وأشعر بأنني أحتكر الهزيمة لنفسي
نشر في الحياة يوم 21 - 10 - 1996

لم يزر محمد بكري، بحكم عبثية وضع المواطنين العرب في الاراضي المحتلة سنة 1948، سوى مدن عربية قليلة. لكن الجمهور العريض يعرفه من خلال أفلام عالمية عدة. خلال هذه الايام، يعرض في تونس فيلم لافت من بطولته هو "حيفا" عمل رشيد مشهراوي الجديد. ويدرس "مهرجان لندن المسرحي" امكان دعوته قريباً لتقديم عرض "المتشائل" الذي اشتهر به منذ عقد كامل. من هو هذا الفنان الفلسطيني؟ كيف يعمل؟ وفي أية أجواء ثقافية وسياسية؟
قليلة هي العواصم العربية التي تعرف مسرح محمد بكري. فهذا المسرحي والممثل الذي يعيش في الاراضي العربية المحتلة سنة 1948، هو بنظر القوانين مواطن... اسرائيلي. لكن الجمهور القاهري او الباريسي شاهد مثلاً مونودراما المتشائل التي تحمل توقيعه تمثيلاً واخراجاً. والعرض الذي قدم للمرة الاولى في حيفا سنة 1986، مأخوذ عن رواية شهيرة للراحل إميل حبيبي. كما شاهد الجمهور في تونس وباريس مسرحية "رمزي أبو المجد" عن نص لكاتب من جنوب افريقيا هو أتول فوغارت التي قام باخراجها.
لكن محمد بكري يدين بحضوره عربياً وعالمياً الى السينما، منذ مشاركته مع كوستا غافراس في فيلم "هانا ك." الشهير عن القضية الفلسطينية... مروراً ب "حكايات الجواهر الثلاث" لمشيل خليفي، ووصولاً الى "حيفا" آخر افلام رشيد المشهراوي، الذي يؤدي فيه دور البطولة. خلال وجوده في باريس التقنياه، وكان هذا الحوار.
* أديت في فيلم رشيد مشهراوي الاخير دور "حيفا"، وهي شخصية في غاية التعقيد من حيث كونها رجلاً ومدينة وذاكرة في الوقت نفسه. كما ان "حيفا" في الفيلم هو المجنون - الحكيم الذي يقول ويأتي ما لا يجرؤ الآخرون عليه. فما هي المقاربة التي اعتمدتها لتجسيد هذه الشخصية، علماً انها في السيناريو الاصلي كانت مجرد فكرة حالمة وغير واضحة المعالم؟
- حين أؤدي دوراً سينمائياً او مسرحياً ما، أحاول منذ البداية ان اتخلص من كل الشوائب الفكرية او السياسية التي يمكن ان تشوش تقمصي للشخصية المطلوبة مني. فأنا كممثل لا استطيع ان أؤدي دور شعب او مدينة او ضمير او شيء ما مجرد من التعريف، بل ألعب دور انسان ولكي استطيع تجسيد شخصية "حيفا" توجب علي ان ابحث عن مجنون حقيقي، اتعلم منه الجنون او كيف يتصرف المجنون في حالات معينة بحثت في المستشفيات العقلية برفقة مخرج الفيلم رشيد مشهراوي، الى ان وقعنا في جناح الحالات الصعبة التابع لأحد مستشفيات بيت لحم، على شخص اصله من مدينة الخليل يدعى ابو ماجد. وأبو ماجد هذا تعرض لحالة نفسية متأزمة إثر صدمة عاطفية وأصيب بالجنون. منه اقتبست عيون ونظرات "حيفا" ونبضه الداخلي، وأدخلت جوانب كثيرة من حياة ابو ماجد هذا على شخصية "حيفا"، لكي يكون لدي مرجع ملموس يساعدني على التحدث بطلاقة، وعلى البقاء طبيعياً.
* حين تقارن شخصية "حيفا" في شكلها النهائي الذي نراه في الفيلم، بالملامح الأولية كما كانت مكتوبة في السيناريو الاصلي. الى اي حد تجد انها تغيرت؟
- السيناريو بحد ذاته هو مجرد قاعدة ارتكزنا عليها. بمجرد الانطلاق في العمل، بدأت اشياء كثيرة تزداد او تحور او تتغير، لكي تكون في النهاية اكثر انسانية وقرباً الى القلوب. اعتبرت المجنون انساناً قبل كل شيء، ولذلك تصرفت في تقمصي للشخصية بحيث اجعل الناس تتعاطف مع هذا المجنون وتحبه، لأنه يدق على الأوتار الحساسة المتعلقة بما يريد هؤلاء الناس سماعه، او ما لا يجرؤون على قوله بأنفسهم. إذ يجوز للمجنون ما لا يجوز لسواه. والجنون في الفيلم هو في النهاية مجرد مبرر لقول ما لا يقال عادة بسهولة.
* تخوف رشيد مشهراوي في البداية من اسناد الدور اليك، بسبب مكانتك البارزة في السينما الفلسطينية، وشهرتك الواسعة. فهو أراد الشخصية رمزاً، وحاول تفادي التأثيرات الخارجية على الجمهور وكيفية تلقيه واستقباله للعمل.
- تخوف رشيد كان بالفعل في محله. ولو اني كنت مكان المخرج لراودتني هذه المخاوف نفسها. ذلك ان شخصية "حيفا" تختلف عن الادوار التي اعتاد جمهور السينما الفلسطينية ان يرى محمد بكري يجسدها على الشاشة. ففي العادة يطلب مني ان أؤدي دور المقاتل او الضابط الفلسطيني، القوي والمتعقل، الذي تلهب صورته الخيال والوجدان. ولكي أؤدي "حيفا" كان يجب عليّ ان ألبس جلداً جديداً وان انزع وجهي القديم الذي تعود عليه الناس في افلامي السابقة. هل نجحت في ذلك؟ السؤال مطروح على أهل النقد، وعلى مشهراوي نفسه.
* الى هذا الحد كان اشتغالك على الدور مختلفاً عن أدوارك السابقة؟
- كل الاختلاف. لم أعمل في حياتي كلها، على دور سينمائي كهذا. ومصدر الصعوبة في "حيفا" كان في كيفية اقناع نفسي بأني امثل رجلاً، وليس مدينة او رمزاً او ضميراً. ف "حيفا" بالنسبة اليّ كممثل، ليس مدينة وليس ضميراً. انه يحيل الى المدينة والى الضمير، لكنه يبقى انساناً يأكل ويشرب وينام ويضحك ويبكي... وكما قلت قبل قليل، الممثل لا يستطيع ان يتعامل مع الرموز. المشاهد هو الذي يحلل الامر ويستنتج اشياء او ابعاداً رمزية للشخصية. اما انا كممثل، فحين اعمل على تركيب الدور، افكر وأتصرف كانسان يحس ويحب ويكره ويغضب ويثور ويخجل...
* أديت "دوراً مستحيلاً" آخر في المسرح، لا يقل صعوبة عن "حيفا"، هو دور سعيد ابي النحس المتشائل في مونودراما عرض ممثل واحد مقتبسة عن رواية حبيبي الشهيرة. هل لاقيت الصعوبات نفسها بالنسبة الى هذا الدور؟
- كانت بالفعل مغامرة صعبة. لم أتجرأ على ارتياد هذه الرواية إلا بعد استشارة إميل حبيبي وأذكر اني ذهبت اليه للمرة الاولى سنة 1986، وطلبت منه الاذن لتمثيل "المتشائل". فسألني: كيف ستفعل ذلك؟ وأجبته: "مش عارف"! فأعجبه جوابي هذا، وشجعني على العمل وساعدني كثيراً. وكنت كلما قمت بمسرحة فصل من الرواية، أذهب اليه وأقرأ عليه ما أنجزته، فكان يضحك احياناً واحياناً يغضب، احياناً يصلّح لي وأحياناً يشتمني... وأنا اعتبره شريكاً كاملاً في العمل، وهو شريك عظيم فعلاً. احتفظ بذكريات كثيرة وجميلة جمعتني به اثناء هذا العمل، وكنت أعزّه كثيراً، رحمه الله.
* كيف جاءتك فكرة تقديم "المتشائل" في مونودراما؟ ألم تخش ان يكون في ذلك اختزال للعمل الروائي الاصلي وانتقاص من قيمته؟
- لا أخفي اني كنت خائفاً كثيراً من الانتقاص من قيمة العمل الأصلي. ولكني كنت واثقاً من ان الانسان، حين يكون أميناً وصادقاً، لا يمكنه ان يفشل. وفي النهاية اعتز كثيراً بالعمل الذي قدمته. وحين قمت بمسرحة النص الروائي الواسع والمتشعب والغني جداً، اخذت منه اساساً شخصية سعيد. واستفدت كثيراً من اسلوب حبيبي المتميز، في تصوير حياة سعيد عبر الرسائل التي كان يكتبها الى المؤلف. لكني استعضت عن تلك الرسائل المكتوبة برسائل شفوية تصورت ان سعيد يرويها في مستشفى المجانين على أطبائه، او على الضيوف الذين يزورونه. ولا اعتقد ان العمل الفردي هو بالضرورة عمل اختزالي.
* عندما كتب حبيبي روايته، سنة 1973، غاص في عمق الذات الفلسطينية. تحدث سعيد مباشرة عن ذاته المهزومة، وكانت الرواية يومها مقلقة ومهمة. ألا تعتقد ان الزمن السياسي الذي مر عليها امتص شحنتها، لتصبح مجرد نص أدبي مرجعي؟!
- لا يمكن للكلاسيكية ان تموت، وللصدق ان يذوب. قدمت المسرحية للمرة الاولى في العالم 1986، وكان عمري 32 عاماً. وأنا الآن امثلها وعمري 42 عاماً. والنص باق لم يتغير. قال لي إميل ذات يوم عن الرواية: "كان طموحي ان اكتب ادباً يعيش من بعدي ومن بعدك". وجاء كلامه في معرض الرد على طرح احد المنظرين الاسرائيليين إيغال آلون الذي قال بما معناه انه لو كان هناك شعب فلسطيني لكان أورث أدباً فلسطينياً وحضارة فلسطينية. رواية حبيبي لا تفقد من حدتها وراهنيتها ما دامت هناك اكثرية طاغية بالقوة، وأقلية مستضعفة حقوقها مهضومة. هذا العمل ليس ملكاً للشعب الفلسطيني وحده، انه ملك للانسانية. وهكذا فالزمن لا يمس راهنية الموضوع ان دخل على الذاكرة.
* أنت مقيم في عزلة عن العالم العربي، وحتى عن الشتات الفلسطيني. من هو الجمهور الذي تتوجه اليه؟
- اختار النصوص لنفسي قبل الجمهور، وقبل ان احسب حسابات المرحلة. لكن بما انني امثل للناس، فأنا اختار اللغة التي يفهمونها... من دون "شطارة". قال لي احد المشاهدين في الخارج: "كنت قاسياً على المواطن العربي في مسرحيتك". هذا التعميم الذي ألبسني إياه جعلني اشعر انني، كفلسطيني، احتكر الهزيمة لنفسي. وكأن الألم لي وحدي والعرب لم يُهزموا.
انا اعتقد حقاً ان الانسان العربي مهزوم، تاريخياً ومستقبلياً، وآنياً. لكنني لا أمثل دور سعيد المتشائل لكي اتشفى به، وأزيد من حول شعوره بالهزيمة، بل لكي أمد له يدي كمهزوم. هكذا قد نستطيع الخروج معاً من الهوة. لا اشك ابداً في ان الانسان العربي يتعاطف معي ويحس بسحقي. فهذا ما يمر على جسده منذ مئات السنين. كل ما في الأمر انني اذكّر، اعمل على الذاكرة. لكنني لا اريد ولا يجب ان ازيد الهزيمة مضاضة.
أمثل نفسي فقط
* اشتركت قبل فترة في عمل مسرحي فلسطيني - اسرائيلي مشترك مقتبس من مسرحية "روميو وجولييت". وعرف العمل شهرة واسعة خارج اسرائيل، إذ قرأه البعض في سياق عملية السلام واعادة اكتشاف الآخر - العدو من خلال قصة الحب الشهيرة. ماذا كانت دوافعك للاشتراك في هذا العمل؟
- فكرة هذه المسرحية لم تكن فكرتي، بل فكرة المخرجين فؤاد عواد وعيران بانيل. وهما طلبا مني ان أؤدي احد ادوار المسرحية فأديته. وأنا لا أرى ابعد من ذلك. وأعتقد ان الفنان قبل ان يكون مسيساً، عليه ان يكون فناناً بالدرجة الاولى. فإذا لم تكن فناناً ناجحاً، فإنك لن تستطيع تمرير اية سياسة. وأنا اشتركت في المسرحية كفنان لا كسياسي.
* ولكن في هذا العمل بالذات، وهو اول عمل مسرحي فلسطيني / اسرائيلي مشترك، حيث جولييت اسرائيلية وروميو فلسطيني، يكتسي الجانب السياسي اهمية لا يمكن تجاهلها...
- بالطبع هناك جانب سياسي. لكن لا دخل لي في هذا الجانب. فأنا في المسرحية لا امثل الفلسطينيين ولا الاسرائيليين، بل امثل نفسي فقط. واشتراكي في المسرحية لا يعني اني اشترك في سياسة محددة، او نهج مسرحي معين دون سواه. هذا لا يعني انني اتنصل من تحمل مسؤولية العمل، بسلبياته وايجابياته. انا مسؤول، مثل الآخرين، ما دمت قبلت الاشتراك فيه...
* اخذ النقاد العرب على المسرحية التفاوت الذي تظهره بين الممثلين الفلسطينيين وأقرانهم الاسرائيليين. فالفريق الاول يمثل بالعربية، بينما يمثل الثاني بالعبرية، وهذا منطقي. اما في المشاهد المشتركة، فنجد الفلسطينيين يمثلون بالعبرية، فيما لا يتلفظ ممثل اسرائيلي واحد بكلمة عربية!
- العيب ليس في الجانب الفلسطيني بنظري، فأنا أتحدث اللغة العبرية، ولا اعتبر هذا شيئاً سلبياً، بل هو يدل على تحضري وانفتاحي تجاه لغة الآخر، ولو كان عدوي! العيب هو في انغلاق عدوي وجهله لغتي. وكان المفروض في عمل مشترك مثل هذا، يحمل طموحات جريئة وجديدة، ان يتحدث الممثلون الاسرائيليون - اذا كانوا فنانين حقاً - باللغة العربية، مثلما تحدثنا نحن بلغتهم. فالعيب فيهم وليس فينا.
* كيف تتواصلون في "الداخل" مع العالم العربي؟
- منذ العام 1948 انقطعنا عن العالم العربي جغرافياً وثقافياً. جواز سفري اسرائيلي، كيف بامكاني الذهاب الى العالم العربي؟ تبقى لنا الاجتهاد الشخصي. نحاول الحصول على النتاج الثقافي العربي، من كتب مثلاً. بعد احتلال فلسطين حدثت جهود فردية من اجل رأب الهوة، ولم تكن هناك هيئة شعبية او مدرسة توجهنا نحن الفلسطينيين. الى ان جاءت نكسة ال1967، فصارت هنالك محاولة لجمع الاطراف الممزقة. غياب اي تبادل ثقافي ليس مجرد مصادفة.
انا ولدت بعد ضياع فلسطين، في ما يسمى اسرائيل. قصص الأقدمين عن النكبة حمتنا، وساعدتنا على التمسك بهويتنا الروحية. درست في المدارس الاسرائيلية، ودخلت الجامعات الاسرائيلية... وتهت في دوامة الاسئلة: من نحن؟ وما مصيرنا؟ وحدها المنارات الثقافية ساعدت جيلي على عدم الضياع. غسان كنفاني، ثم اميل حبيبي، ثم محمود درويش، وأيضاً الطيب صالح، سعدالله ونوس، الطاهر وطار، حنا مينه...
لم يُجردني الانقطاع الثقافي من عروبتي. انا افخر بانتمائي الى هذه الحضارة. لكننا في حالة تبعث على الحزن. نحن في عصر انحطاط. نسبح في بحر بلا منارة. قُمنا في حيفا بتمثيل وعرض مسرحية ونوس "الملك هو الملك" في الموسم الماضي. اذا استطعنا ان نُربي جيلاً جديداً ضد الانحطاط، قد نعود أمة تحترم نفسها في يوم من الايام...
* ما هو نوع الرقابة المفروضة عليكم؟
- لحسن حظي، ولسوء حظي! انني اعيش في اسرائيل... حيث لا توجد رقابة على المسرح. في العام 1986، قبل إلغائها، حضرت العرض الاول لمسرحية "المتشائل" لجنة رقابة مؤلفة من احد عشر رجلاً وامرأة. في تلك الليلة، وقف حبيبي امامهم وقال بما معناه: "قالوا لي ان الرقابة مكونة من اشخاص عديمي الاحساس. لكن بعد مشاهدتي لردود فعلكم على العرض هذا اليوم، أيقنت انهم كانوا مخطئين. لقد رأيت اليوم اناساً يبتسمون". فضحك الجميع. كان باستطاعتهم طبعاً منع العرض لكنهم لم يفعلوا. منذ ذلك التاريخ أُبطلت الرقابة على المسرح داخل الخط الاخضر، اي في اسرائيل. لكنها ما زالت موجودة على السينما، فهم يعتقدون ان السينما أخطر اعلامياً.
اما السلطة الوطنية فلم تفرض حتى الآن رقابة مسرحية. مع ان مسرحية "رمزي أبو المجد"، تنتقد السلطة التي صنعت سلاماً لا يأتينا بخبز يومنا وخُبز أطفالنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.