فاق رواج استخدام الهواتف الخليوية النقالة خلال السنوات العشر الماضية كل التوقعات، الا ان نمو شعبية هذه الاجهزة وتطور تقنيتها وتقلص حجمها لم يمنع العلماء من درس اخطارها الصحية، بعدما شكا عدد لا يستهان به من مستخدميها من اعراض ومشكلات صحية مختلفة دفعت منظمة الصحة العالمية الى بدء دراسة دولية غايتها تحديد هل ينطوي استخدام تلك الهواتف على مخاطر لها علاقة بزيادة عدد الاصابات بسرطان الدماغ. فالمخاوف التي أبداها الاطباء والعلماء الاستراليون حول احتمال وجود علاقة بين ازدياد حالات الاصابة بسرطان الدماغ وانتشار استخدام الهواتف النقالة لها ما يبررها. اذ لاحظوا انه خلال السنوات العشر الماضية التي انتشرت فيها تلك الاجهزة ارتفعت نسبة الاصابة بسرطان الدماغ لدى النساء بحوالى 62 في المئة، ولدى الرجال بأكثر من 50 في المئة. وكانت دراسات اجريت في كل من استراليا والولايات المتحدة على الفئران والجرذان بيّنت ان الهواتف النقالة تبث اشعاعات حرارية تصيب أدمغة تلك الحيوانات بأورام سرطانية وتسبب لها فقدان ذاكرة موقتاً وضعفاً في القدرة على التركيز. ولفت الباحثون الى ضرورة عدم تجاهل الحقائق العلمية التي تبين وجود اختلاف في طريقة امتصاص الجسم للاشعة عند الانسان والفئران. ولا ينكر العلماء عدم وضوح الطريقة التي تسبب فيها الحرارة الميكروفية مرض السرطان. الا انهم متفقون على ان هذا النوع من الحرارة لا يحمل طاقة كافية لتدمير المادة الوراثية، بعكس الطاقة الصادرة عن أشعة أكس والأشعة فوق البنفسجية. بينما يعتقد بعض الباحثين بان حرارة افران الميكروويف فيها من الطاقة ما يكفي للتسبب بهزّ المادة الوراثية DNA بصورة غير عادية قد تؤدي الى تغيرات في تركيبها الكيميائي. ويشير بعض التجارب المخبرية الى ان الأشعة ذات الطاقة الخفيفة المماثلة للحرارة الصادرة عن الهواتف النقالة قد تغير تركيب غلاف الخلايا، وتؤدي بالتالي الى تغيير طبيعتها. بينما يلفت العالمان ناريندراسنغ وهاري لاي من جامعة واشنطن الى احتمال تأثير الموجات الميكرووفية المنبعثة من الهواتف الخليوية في عملية اصلاح المادة الوراثية المعطوبة داخل الجسم، أو مهاجمتها مواقع تخزين الفضلات عن طريق اطلاق السموم الموجودة فيها لتهاجم المادة الوراثية السليمة واصابتها بأضرار شبيهة بتلك التي يعاني منها كبار السن أو المصابين بأمراض دماغية. غير ان هذا لا يعني ان كل من يستخدم الهواتف النقالة سيصاب بالخرف الزهايمر أو بداء الرجفة باركنسون. ولا يخفي الدكتور مايكل ريباتشولي، وهو العالم المسؤول عن مشروع التأثيرات الصحية للطاقة الكهرومغناطيسية في منظمة الصحة العالمية، قلقه الكبير من نتائج الابحاث الاخيرة في استراليا خصوصاً اذا ما تكررت استنتاجاتها في ابحاث مماثلة على الانسان. لذا فانه يطالب باعطاء الاولوية للمباشرة بدراسات وبائية على مستخدمي الهواتف النقالة. وتجدر الاشارة الى ان الحكومة الاسترالية باشرت بدراسة تستغرق 5 سنوات للتأكد من الاخطار الصحية التي يمكن ان تسببها تلك الاجهزة وغيرها من الادوات المستخدمة في تقنية الارسال والاتصالات. وكانت الادعاءات حول العلاقة بين الاستخدام المتواصل للهواتف النقالة واحتمال الاصابة بسرطان الدماغ قد ازدادت في الاونة الاخيرة وأثارت اصداؤها الاعلامية موجة ذعر وقلق بين الملايين من مستخدمي هذه الاجهزة في العالم. الا ان آراء العلماء مازالت متضاربة بين مؤيد لتلك النظرية ومعارض لها. فهنالك من يعتقد بأن الهواتف النقالة ترفع حرارة اجزاء معينة من الدماغ قريبة من الاذن التي توضع فوقها سماعة الهاتف. مما يؤدي الى تزايد سرعة توالد الخلايا السرطانية. لكن لا توجد أدلة تؤكد ذلك أو ان زيادة تسخين الدماغ تولد سرطاناً غير موجود في الدماغ أصلاً. وكانت احدى التجارب العلمية بيّنت ان تعريض الخلايا السرطانية الموجودة في الدماغ لحرارة بقوة حرارة الميكروويف لمدة ساعتين يزيد من سرعة نموها بنسبة 30 في المئة. الا ان الطاقة الحرارية المستخدمة في تلك التجربة فاقت بكثير الطاقة الصادرة عن الهواتف النقالة. ويعتقد العلماء بان الموجات الحرارية الدقيقة التي تمر عبر هوائي الهاتف قد تكون خطيرة لقربها من الرأس، بينما يعزو الدكتور سميث ماكلوكلان، الخبير الكيميائي المختص بدرس تأثير الموجات الحرارية الدقيقة على المواد الكيميائية في جامعة أكسفورد، خطورة الهواتف النقالة، الى تأثيرها على الذرات الحرة Free radicals التي تتوالد في الجسم والتي يمكن لبعضها ان يدمر المادة الوراثية ويتسبب بالسرطان. وهو يخشى ان تؤدي هذه الموجات الى زيادة عدد الذرات الحرة الضارة التي تهاجم المادة الوراثية، غير انه يصّر على عدم وجود أدلة ثابتة تؤكد خطورة الهواتف النقالة. وفي دراسة مهمة للمجلس الوطني للوقاية من الأشعاع، حول تأثير الأشعة الكهرومغناطيسية وعلاقتها بسرطان الدماغ، قامت مجموعة من العلماء بفحص الاشعاع الصادر عن اجهزة الارسال الاذاعي والتلفزيوني والخطوط الكهربائية وافران المايكروويف، حيث تبين لهم عدم وجود علاقة بين ذلك الاشعاع والاصابة بالسرطان. الا ان الدراسة لم تعالج امكانية تأثير الموجات الحرارية الصادرة عن الهواتف النقالة على المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ، كما أشار الدكتور ماكلوكلان. وتجدر الاشارة الى ان الاشعة الصادرة عن اجهزة الميكروويف والهواتف النقالة هي من النوع غير الشارد الذي يختلف عن الاشعة الشاردة الصادرة عن المفاعلات النووية القادرة على تدمير المادة الوراثية والتسبب بأمراض السرطان. بينما لا تملك الاشعة غير الشاردة الطاقة الكافية للتأثير على المادة الوراثية. وصرّح احد المسؤولين في المجلس بان الانسان يتعرض يومياً للأشعة الصادرة عن الخطوط الكهربائية والثلاجات والأفران وشاشات الكومبيوتر وان تعرضه للأشعة الصادرة عن الهواتف النقالة لن يزيد من سخونة دماغه ولن يؤثر على الخلايا السرطانية، خصوصاً ان قوة هذه الاشعة لا تتجاوز 2 في المئة من قوة اشعة افران المايكروويف. لقد أكد الاطباء تأثير الهواتف النقالة في ناظمات ايقاع القلب Pacemakers داخل المستشفيات وخارجها بصورة تجعلها غير قادرة على التمييز بين الاشارات الصادرة عن نبضات القلب وتلك الصادرة عن الهواتف الخليوية مما يؤدي الى ابطائها أو تسريعها. ويعرض ذلك 6 في المئة من المرضى المثبتة تلك الاجهزة داخل اجسادهم لمضاعفات صحية خطيرة. لذلك ينصح الخبراء بعدم حمل الهواتف الخليوية الشغالة في جيوب الملابس القريبة من موضع الناظمات القلبية. كما انهم أوصوا بتطوير صناعة الناظمات بحيث لا تتأثر بالموجات اللاسلكية الصادرة عن تلك الهواتف. وبدأت المستشفيات الاوروبية والاميركية تعليق اعلانات تطالب الزوار بأقفال اجهزة هواتفهم النقالة اثناء زيارتهم لتفادي الاضرار بالاجهزة والمعدات الطبية مثل ناظمات ايقاع القلب وأجهزة تفريغ الادوية والامصال. كما قام بعض المستشفيات بتركيب اجهزة انذار تطلق اصواتاً تحذيرية عند اكتشافها لحاملي هواتف خليوية شغالة قرب المعدات الطبية المذكورة. ويعتقد الدكتور جون هولت زميل الكلية الملكية للجراحين والكلية الملكية لأخصائيي الاشعة في بريطانيا ان الاشعة الكهرومغناطيسية الصادرة عن الهواتف النقالة تزيد من خطر العوامل المسببة للربو كالتلوث البيئي بمعدل عشرة أضعاف. كما انها تؤثر في فاعلية الأدوية الستيرودية الهرمونية المستخدمة في علاج مرض الربو. الا ان ضآلة نسبة المتضررين لا توجب امتناع ملايين المصابين بالربو عن استخدام الهواتف النقالة طالما ادركوا احتمال تعرضهم للخطر واتخذوا الاحتياطات اللازمة لتفاديه. وأعرب بعض مستخدمي الهواتف الخليوية النقالة في بريطانيا عن قلقهم من احتمال الاصابة بسرطان الخصية اليمنى أو اليسرى تبعاً لجهة الجيب التي يوضع فيها أو فوقها الهاتف. اذ اصيب اشخاص معروفون بالاستخدام المتواصل لتلك الهواتف بسرطان الخصية دون ثبوت الأدلة التي تربط بين استخدام تلك الهواتف والاصابة بالسرطان. كما شكا مستخدمون آخرون من اصابتهم بعفن الاسنان في الجهة التي توضع فوقها سماعة الهاتف. من جهة اخرى اكتشف الدكتور انتوني هوبكنز اخصائي جراحة الاعصاب في شارع هارلي ستريت في لندن ان احد مرضاه اصيب بانحدار شديد في احد كتفيه وصار يعاني من اوجاع لازمته 4 أسابيع لم يتمكن خلالها من رفع يده. وذلك إثر إجرائه مكالمة هاتفية استغرقت ساعتين مستخدماً هاتفه النقال اثناء قيادته سيارته. وأشار الدكتور هوبكنز الى ان تثبيت الهاتف النقال بين ذقن المريض وكتفه ادى الى انحباس العصب اللوحي، وأصاب عضلات الذراع بالوهن. كما انه اثر سلبياً على الاوعية الدموية المنتشرة بين الرقبة والكتف. وحذّر المجلس البريطاني لأمراض الروماتيزم والتهاب المفاصل من الاضرار التي قد تنجم عن استخدام الهاتف اثناء القيادة بالطريقة التي سبق ذكرها. اما الاعراض الصحية العامة التي يعاني منها مستخدمو هذه الهواتف بكثرة فهي: الصداع، والنسيان، واحترار جانب الوجه الذي توضع فوقه السماعة، مع احتمال تضرر العينين وطنين الاذنين. ولأدراك بعض الشركات للتساؤلات الدائرة حول الاخطار الصحية للهواتف النقالة، باشرت شركة "انترسيل" تصنيع هوائي متطور يمنع الاشارات الميكرووفية المنبعثة من الهواتف الخليوية من الوصول الى مستخدميها. اذ يغلف الهوائي الهاتف النقال بصورة واقية تحسن من ادائه وتحمي حامله من الموجات الميكروويفية التي قد تؤثر في الدماغ وتصيب مستخدمي تلك الهواتف بأعراض شبيهة بمرضي باركنسون والزهايمر. الا ان بعض العلماء والباحثين أكد عدم وجود أدلة كافية تبرر المخاوف المطروحة مع العلم بأن المفوضية الاوروبية وجهات صحية مازالت تواصل ابحاثها ودراساتها لمعرفة المزيد عن سلامة الهواتف النقالة ومخاطرها على الانسان على المدىين القريب والبعيد. هناك اكثر من 50 مليون أميركي يستخدمون الهواتف الخليوية النقالة معظمهم اثناء القيادة. كما ان دول مجلس التعاون الخليجي ستنفق نحو 4 بلايين دولار أميركي لتطوير شبكات الاتصال وانظمة الهواتف النقالة التي قد يصل عددها في منطقة الشرق الأوسط الى اكثر من مليوني جهاز نهاية العقد الجاري، نتيجة تزايد حاجات الاسواق المحلية في كل من السعودية وقطر والامارات والكويت وعمان والأردن ولبنان. مع احتمال استخدام عدد كبير من هذه الاجهزة في الدول العربية اثناء قيادة السيارات ايضاً. ولو اخذنا في الاعتبار نتائج الدراسة الاميركية التي تعتبر الأولى من نوعها في العالم حول الدور الذي يحتمل ان تلعبه الهواتف الخليوية النقالة وغير النقالة في زيادة حوادث السير والتي ظهرت في مجلة "نيو انغلند جورنال أوف مديسين" المعروفة. وبينت النتائج ان نسبة الحوادث تزيد بين 3 و6 اضعاف خلال الدقائق العشر الأولى من استخدام تلك الهواتف نظراً الى انشغال السائق بالمكالمة الهاتفية وهبوط سرعة ردود فعله العقلية والجسدية لما يدور حول السيارة. لو تمعنّا ذلك كله لتبين لنا ان القوانين التي تمنع استخدام الهواتف النقالة اثناء القيادة لها ما يبررها. اذ دفع ارتفاع عدد حوادث السير المرتبطة باستخدام تلك الاجهزة الشرطة اللبنانية الى اطلاق دوريات سيارة وراجلة لمكافحة استخدام الهواتف اثناء القيادة. بينما منعت وزارة النقل المغربية استعمال الهاتف النقال اثناء القيادة ايضاً تحت طائلة عقوبات مادية وجزائية تصل الى حد سحب رخصة القيادة من السائق. وعزت الوزارة قرارها الى ان الهواتف النقالة تساهم في ازدياد حوادث السير الخطيرة لعدم تركيز السائق على القيادة وتأثره وانفعاله وتفاعله مع المكالمة الهاتفية. وهذا ما أكدته الدراسة الأميركية الأخيرة. اما في بريطانيا فقد طالبت الجمعية الملكية للوقاية من حوادث السير، الحكومة بأصدار قوانين تمنع استخدام الهواتف النقالة والميكروفونية التي لا يحتاج السائق لرفعها بيده اثناء قيامه بالمكالمة الهاتفية. ان الغموض الذي يحيط بالمخاطر الصحية للهواتف النقالة واستمرار تضارب الآراء حولها، وسعي الشركات المصنعة لتلك الهواتف وغيرها من الشركات المختصة في الوقاية من الاشعاعات الحرارية الصادرة عنها الى الحد من انبعاثها، يتطلب منا توخي الحذر والروية في استخدامها الى حين ظهور ادلة دامغة تؤكد سلامتها وعدم الحاقها أي ضرر بصحة الانسان .