الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    انطلاق النسخة الثانية من المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير    ضاحية بيروت.. دمار شامل    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    خسارة الهلال وانتعاش الدوري    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    الأهلي والنصر يواصلان التألق آسيوياً    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    ألوان الطيف    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    سعود بن مشعل يشهد حفل «المساحة الجيولوجية» بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمراً دولياً يحصلون على الإقامة المميزة    تطوير الموظفين.. دور من ؟    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    قطار الرياض.. صياغة الإنسان وإعادة إنتاج المكان    في خامس جولات دوري أبطال أوروبا.. قمة تجمع البايرن وباريس.. ومانشستر سيتي لاستعادة الثقة    الهلال يتوعد السد في قمة الزعماء    رئيس هيئة الغذاء يشارك في أعمال الدورة 47 لهيئة الدستور الغذائي (CODEX) في جنيف    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    311 طالباً وطالبة من تعليم جازان يؤدون اختبار مسابقة «موهوب 2»    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    الرخصة المهنية ومعلم خمسيني بين الاجلال والإقلال    الباحة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 82.2 ملم    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقة وثيقة بين المرض "الخبيث" وبعض العوامل البيئية والصناعية والغذائية . أكل الخضار والفاكهة الطازجة يحميك من ... السرطان
نشر في الحياة يوم 04 - 07 - 1994

يحاول العلماء قدر المستطاع ان يفسروا العلاقة بين بعض أمراض السرطان والعوامل البيئية والصناعية والغذائية. وعلى الرغم من كافة الابحاث والدراسات التي انجزوها فان الشكوك ما زالت تكتنف هذا الموضوع نظراً لعدم وجود أدلة ثابتة تؤكد صحة هذه العلاقة مئة في المئة أو تدعمها بالبراهين العلمية التي لا يمكن دحضها.
الهواتف المنقولة وسرطان الدماغ
أثارت الادعاءات المتزايدة حول العلاقة بين الاستخدام المتواصل للهواتف المنقولة والاصابة بسرطان الدماغ، موجة ذعر كبيرة بين مئات الألوف من مستخدمي هذه الاجهزة في العالم، خاصة اثر الدعوى القضائية التي أقامها ديفيد رينارد، رجل الاعمال الاميركي، ضد شركة NEC المصنعة لأحد انواع هذه الهواتف، محملاً اياها مسؤولية وفاة زوجته التي كانت تكثر من استخدام الهاتف المنقول، بسرطان الدماغ. وقد ازدادت المخاوف بعد وفاة رجينالد لويس، أحد كبار الاداريين الاميركيين، واصابة رجل اعمال آخر يدعى مايكل والش بسرطان الدماغ. وكلاهما كانا يكثران من استخدام هذه الهواتف. وتتضارب آراء العلماء بين مؤيد لتلك النظرية ومعارض لها. فهنالك من يعتقد بأن الهواتف المنقولة ترفع حرارة اجزاء معينة من الدماغ قريبة من الاذن التي توضع فوقها سماعة الهاتف. الامر الذي يؤدي الى تزايد سرعة توالد الخلايا السرطانية. ولا توجد ادلة ثابتة تؤكد ذلك او ان زيادة تسخين الدماغ تولد سرطاناً غير موجود في الدماغ أصلاً. وكانت احدى التجارب العلمية بينت ان تعريض الخلايا السرطانية للدماغ لحرارة الميكروويف لمدة ساعتين يزيد من سرعة نموها بنسبة 30 في المئة. الا ان الطاقة الحرارية المستخدمة في تلك التجربة فاقت بكثير الطاقة الصادرة عن الهواتف المنقولة. ويعتقد العلماء ان الموجات الحرارية الدقيقة التي تمد عبر هوائي الهاتف قد تكون خطيرة نظراً لقربها من الرأس. بينما يعزو الدكتور كيث ماكلوكلان، الكيميائي الخبير في دراسة تأثير الموجات الحرارية الدقيقة على المواد الكيميائية في جامعة أكسفور، خطورة الهواتف المنقولة، الى تأثيرها على الذرات الحرة التي تتوالد في الجسم، وهي في معظمها سليمة، الا ان بعضها لديه القدرة على تدمير المادة الوراثية DNA عدد الذرات الحرة الضارة التي تهاجم المادة الوراثية. غير انه يصر على عدم وجود أدلة مؤكدة تثبت خطورة الهواتف المنقولة.
وفي دراسة هامة للمجلس الوطني للوقاية من الاشعاع، حول تأثير الاشعة الكهرومغناطيسية وعلاقتها بسرطان الدماغ، قامت مجموعة من العلماء بفحص الاشعاع الصادر عن اجهزة الارسال الاذاعي والتلفزيوني والخطوط الكهربائية وأفران المايكروويف، حيث تبين لهم عدم وجود أية علاقة بين ذلك الاشعاع والاصابة بالسرطان. الا ان هذه الدراسة لم تعالج امكانية تأثير الموجات الحرارية الصادرة عن التلفونات المنقولة على المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ، كما اشار الدكتور ماكلوكلان.
ان الاشعة الصادرة عن اجهزة المايكروويف والهواتف المنقولة هي من النوع غير الشارد الذي يختلف عن الاشعة الشاردة الصادرة عن المفاعلات النووية القادرة على تدمير المادة الوراثية DNA والتسبب بأمراض السرطان. بينما لا تملك الاشعة غير الشاردة الطاقة الكافية للتأثير على المادة الوراثية.
وتشير المتحدثة باسم المجلس الوطني للوقاية من الاشعاع جيل ويلكنسون الى ان الانسان يتعرض يومياً للأشعة الصادرة عن الخطوط الكهربائية والرادارات والثلاجات والافران وشاشات الكومبيوتر، وان تعرضه للأشعة الصادرة عن الهواتف المنقولة لن يزيد من سخونة الدماغ ولن يؤثر على الخلايا السرطانية، خاصة وان قوة هذه الاشعة لا تتجاوز 2 في المئة من قوة أشعة افران المايكروويف، وهذا يناقض الى حد كبير ادعاء ديفيد رينارد بأن قوة الاشعة الصادرة عن الهواتف المنقولة تصل الى 3 أضعاف قوة أشعة اجهزة المايكروويف.
وعلى الرغم من كافة التناقضات، قامت ادارة الادوية والاغذية الاميركية بارشاد مستخدمي الهواتف المنقولة الى ضرورة استخدام الهواتف العادية عند قيامهم بالمكالمات الخارجية. كما باشرت وزارة التجارة والصناعة البريطانية بمشروع ضخم لدراسة عواقب التفاعل بين الموجات الدقيقة ورأس الانسان. وهذا يدل على ان المسؤولين في كلا البلدين ما زالوا يأخذون هذه الادعاءات على محمل الجدية والحذر.
مبيدات الحشرات وسرطان الثدي
حذرت اخصائية علم السموم ومستشارة وكيل وزارة الصحة المساعد في الولايات المتحدة الاميركية، الدكتورة ديفرا لي ديفيس ان مبيدات الحشرات الكيماوية المعروفة ب DDT وPCB المتواجدة في البيئة تتصرف وكأنها هورمونات بشرية مشابهة للايستروجين، وهي لذلك قد تكون وراء الازدياد الكبير الذي لا يمكن تفسيره في حالات الاصابة بسرطان الثدي. وتقول الدكتورة ديفيس وفريق الباحثين العاملين معها ان عوامل الخطر المعروفة بتورطها في بروز سرطان الثدي مثل الحيض المبكر والتأخر في الانجاب أو بلوغ سن اليأس، بالاضافة الى وجود تاريخ عائلي للأصابة بالمرض تشكل 30 في المئة فقط من هذه الحالات. وكانت الدكتورة ماري وولف من مستشفى ماونت سينا في نيويورك اكتشفت ان تحليل عينات من دم بعض المصابات بسرطان الثدي أظهر وجود كميات كبيرة من مشتقات مادة دي. دي. تي D.D.T مقارنة بالنساء غير المصابات بهذا المرض. ويعتقد الباحث ليون برادلو من جامعة كورنيل في نيويورك انه اكتشف الأسباب المسؤولة عن هذه الظاهرة. فقد تبين له ان الكلورينات العضوية الموجودة في الكيماويات الصناعية والمبيدات تسارع في تحويل الايستراديول، وهو من اقوى انواع الايستروجين، الى الايسترون الذي يقوم بدوره بتنشيط انقسام خلايا الثدي مشجعاً بذلك بروز الاورام. وتحذر الدكتورة ديفيس من ضرورة عدم الخلط بين الدور الذي يلعبه هذا النوع المشابه للايستروجين وبين الايستروجين المستخدم في حبوب منع الحمل والمعالجة القائمة على تعويض الهورمونات Hormone Replacement Therapy Hrt، خاصة وانه لم يثبت حتى الآن ارتباط هذه المواد بسرطان الثدي.
الاشعاع واللوكيميا
اكتشف الباحثون البريطانيون أخيراً ان الاشعة قادرة على تدمير خلايا الجسم بطريقة لم يتصورها أحد من قبل. وأثارت نتائج ابحاثهم تساؤلات جديدة حول غيوم اللوكيميا سرطان الدم التي تخيم على المنشآت النووية. اذ وجد العلماء ان الخلايا الجذعية، وهي أشكال غير ناضجة من خلايا الدم البيضاء والحمراء، تعاني من اضرار مدمرة نتيجة تعرضها للاشعاع، بينما لا تظهر هذه الاضرار على الخلايا الاصلية المتكاملة النضوع، بل تظهر على الخلايا الفتية بعد بضع مراحل من عملية انقسامها. وتنقسم الاشعة الى نوعين. الأول يشمل أشعة أكس وأشعة غاما، ويمتاز هذا النوع بقدرته على اختراق المادة بسهولة. اما النوع الثاني فيشمل الاشعة الصادرة عن جسيمات ألفا التي وجد الباحثون ان لها تأثيراً فريداً من نوعه. اذ انها تمكنت من قتل معظم الخلايا الجذعية التي تعرضت لها. اما الخلايا الباقية فقد تعرضت لأضرار كبيرة لم تظهر الا بعد انقضاء مراحل عدة من عملية انقسامها. وهذا يدل على ان الخلايا الجذعية التي لم تقتل، نقلت معها نوعاً من الاضطراب أثر على الكروموسومات الوراثية بعد مراحل عدة من انقسام الخلايا.
يتعرض الناس عادة للأشعة الصادرة عن جسيمات ألفا من خلال تعرضهم لغاز الرادون ومادة البلوتونيوم الموجودة في منشآت الاسلحة النووية والمصانع النووية الاخرى. الا انه حتى الآن لم يتمكن العلماء من القاء اللوم كلياً على الأشعة الصادرة عن هذه المنشات والتأكد من انها السبب في ظهور غيوم اللوكيميا حول المواقع النووية. كما ان الجرعات التي يتعرض لها الناس نتيجة التلوث البيئي في تلك المناطق ليست كبيرة الى حد التسبب في المرض، اضافة الى انه لم يتمكن أحد حتى الآن من تفسير كيفية تأثير الأشعة على الكروموسومات الوراثية وكيف يؤدي الاضرار بها الى الاصابة بمرض اللوكيميا أو سرطان الدم.
ان أهمية هذا البحث هي في ثبوت تأثير أشعة ألفا على الخلايا الجذعية بعد انقسامها وتسببها في أضرار مختلفة للكروموسومات الورثاية. وهذا شيء لم يحدث عندما تم تعريض الخلايا الجذعية الى أشعة أكس، علماً بأن اغلب المحاولات السابقة لدراسة تأثير الاشعة على الخلايا اقتصرت على خلايا الدم الناضجة. وسواء كانت أشعة ألفا مسؤولة مباشرة عن اصابة بعض الناس الذين تعرضوا لها، بمرض اللوكيميا، أم لا، فان الدكتور "أريك رايت" وفريقه من الباحثين العاملين في وحدة البيولوجيا الاشعاعية في مجلس الابحاث الطبية في بريطانيا مصممون على متابعة أبحاثهم لتشمل دراسة تأثير أشعة ألفا على الخلايا الجذعية المأخوذة من مخ العظام عند الانسان للتأكد مما اذا كانت مخاوفهم في محلها أم لا. وتجدر الاشارة الى ان اللجنة الدولية للحماية من خطر الاشعاع كانت وضعت معايير محددة لتعرض الانسان للاشعاع يؤدي تجاهلها الى خطر الاصابة بمرض السرطان. ولقد رسمت هذه اللجنة حدود السلامة بناء على التجربة التي تعرض لها الناجون من سكان مدينتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان بعد انفجار القنبلة النووية التي سقطت عليهم اثناء الحرب العالمية. الا ان هذه الحدود تركزت على الاشخاص الذين تعرضوا لجرعات كبيرة من الاشعاع خلال فترة قصيرة من الزمن. وهذا ما قامت به اللجنة البريطانية الوطنية للوقاية من الاشعاع، من خلال دراستها لتأثير الاشعة على العاملين في مؤسسات صنع الاسلحة النووية والوقود النووي ووزارة الدفاع ومراكز توليد الكهرباء النووية وهيئة الطاقة النووية. ولقد أكدت هذه الدراسة، مع نتائج دراسة اخرى نشرتها المجلة الطبية البريطانية ان هنالك علاقة واضحة بين كمية الاشعاع التي يتعرض لها الانسان وبين ارتفاع خطورة الاصابة بأمراض السرطان، خاصة اللوكيميا. ونوهت اللجنة البريطانية الوطنية للوقاية من الاشعاع الى ان حدود السلامة التي وضعتها اللجنة الدولية للتعرض للاشعاع قد تكون دون المستوى المطلوب. بينما أظهرت دراسة اميركية اخرى ان مستوى الحدود الدولية للتعرض للاشعاع هو أعلى من المستوى المطلوب. ولو تم جمع نتائج كلا الدراستين، البريطانية والاميركية، وقام الباحثون بتحليلها لتبين ان حدود السلامة التي وضعتها اللجنة الدولية هي حدود ومقاييس معقولة وصالحة يمكن الاعتماد عليها.
أما محاولة ربط بعض حالات الاصابة بسرطان البروستات وسرطان الغدد الدرقية واللوكيميا عند العاملين في المؤسسات النووية فانها لا تزال بحاجة الى المزيد من الابحاث والدراسات لتأكيدها أو نفيها. ويبدو ان آخر الدراسات البريطانية تؤيد العلاقة بين الأشعة النووية وسرطان البروستات.
المواد الغذائية والسرطان
بينت أبحاث عديدة أهمية العلاقة بين نوعية الغذاء الذي يتناوله الانسان ومدى خطورة الاصابة بأمراض السرطان أو الوقاية منها. فاستهلاك المواد الغذائية الغنية بالألياف يقلل من خطورة الاصابة بسرطان الامعاء الغليظة، وذلك لأن الألياف تخفف من قوة العناصر الكيماوية الضارة الموجودة في وجبات الطعام، كما انها تغير حموضة البراز فتؤثر على نشاط المواد الكيماوية التي تعرض الانسان لخطر الاصابة بالسرطان. وكان الجراح البريطاني الشهير "دنيس بوركيت" أشار في بداية السبعينات الى ان الألياف الموجودة في الطعام تخفف من خطورة الاصابة بسرطان الامعاء الغليظة. وأيدت اكثر من 32 دراسة وبائية هذه العلاقة الوقائية للألياف. حيث اظهرت احدى الدراسات الفنلندية الهامة ان المواطنين الريفيين الذين يتناولون الألياف بكثرة هم أقل اصابة بسرطان الامعاء الغليظة مقارنة بسكان الولايات المتحدة الاميركية وبعض الدول الاوروبية، وان معدل الوفاة من هذا المرض هو أقل من النصف مقارنة بسكان انكلترا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة. ويبدو ان الألياف الموجودة في نخالة القمح هي أكثر الانواع فاعلية يليها الفول والفاصوليا والبازيلاء وخبز القمح والسبانخ وثمر العليق والموز والجزر والتفاح والاجاص والبطاطا والرز الأسمر.
أما استهلاك الشحوم الحيوانية فقد تم اعتباره كأحد العوامل الهامة التي يمكن ان تساهم في الاصابة بسرطان الثدي. واعتمد الباحثون في ذلك على مقارنة معدل استهلاك سكان بعض الدول لها وارتفاع أو هبوط نسبة الاصابة بسرطان الثدي. ومن المثير للاهتمام ان مواطني الدول التي تستهلك كميات ضئيلة من الشحوم الحيوانية وتتعرض لاصابات منخفضة بسرطان الثدي، تتغير اوضاعهم الصحية بتغير العادات التي يكتسبونها اذا ما هاجروا الى بلاد أخرى تستهلك الشحوم الحيوانية بكثرة. فاليابانيون والبولنديون من الجيل الثاني الذين هاجر آباؤهم الى الولايات المتحدة الاميركية تزداد خطورة اصابتهم بسرطان الثدي بصورة مشابهة للاميركيين، علماً بأن خطورة الاصابة بسرطان الثدي في بلادهم الاصلية هي أقل بكثير من تلك الموجودة في الولايات المتحدة، وكذلك استهلاكهم للشحوم الحيوانية.
من جهة أخرى يلعب استهلاك الخضار والفاكهة دوراً رئيسياً هاماً في الوقاية من أمراض السرطان. فقد أظهرت احدى الدرساات الحديثة التي تعتبر من أهم الدراسات الوبائية المعنية بهذا الأمر نظراً لشمولها على أكثر من 150 بحثاً سابقاً من مختلف انحاء العالم في هذا الموضوع، ان هناك علاقة وثيقة بين استهلاك الخضار والفاكهة وامكانية الوقاية من أمراض السرطان. وقد أكدت الدكتورة "غلاديس بلوك" المسؤولة عن تلك الدراسة مع مجموعة من الباحثين المختصين بعلم التغذية في جامعة كاليفورنيا، ان تجاربهم الاخيرة تؤكد على فعالية الخضار والفاكهة في الوقاية من سرطان الرئة والقولون والمعدة والبنكرياس والفم والبلعوم والثدي، وذلك لانها تحتوي على نسب عالية ومتكافئة من الفيتامينات والمعادن المضادة لعمليات التأكسد الضارة، والألياف الطبيعية ذات الأثر الحاسم في صيانة خلايا الجسم والحفاظ على حيويتها. الأمر الذي يقلل كثيراً من امكانية تحولها الى خلايا سرطانية.
وكانت تجارب علمية سابقة اثبتت دور فيتامينات "سي" و"إي" و"آي" و"بيتاكاروتين" ومعدن السيلينيوم في منع حصول الانقسامات المرضية داخل الخلايا. فهي قادرة على التهام الخلايا الغريبة الناجمة عن تقدم الانسان في السن وتعرضه للملوثات البيئية الغريبة الناجمة عن تقدم الانسان في السن وتعرضه للملوثات البيئية كالتدخين وأشعة الشمس فوق البنفسجية UVB وغاز الاوزون ودخان عوادم السيارات وغيرها.
تمتاز هذه الدراسة الرائدة في انها الأولى من نوعها التي تؤكد ان تناول غذاء صحي متوازن يزود الانسان بكل ما يحتاجه من عناصر ضرورية لسلامة الجسد وبعث النشاط فيه. وهي المرة الاولى التي ينصح فيها بزيادة تناول الطعام وخاصة الألياف والخضار والفاكهة بدل انقاصها. وتشدد الدكتورة بلوك على ضرورة تناول الفاكهة والخضار الطازجة التي لم تفقد بعد أياً من عناصرها الغذائية الهامة، خاصة وان التجارب أكدت على نجاحها الفائق في وقاية الانسان من سرطان الرئة وسرطان العنق والامعاء والمبيض، الا انها كانت أقل نجاحاً في الوقاية من سرطان الثدي الذي يعتقد ان أسبابه هرمونية ووراثية بالدرجة الاولى.
وكان الدكتور "ريتشارد بيتو" أحد ابرز اخصائيي علم التغذية في بريطانيا أشاد بدراسة الدكتورة بلوك وفريقها معتبراً اياها دراسة رائدة تتوافر فيها الادلة الدامغة على ما يمكن ان تحققه الخضار والفاكهة من وقاية ضد أمراض السرطان. ويعتقد الدكتور بيتو ان هنالك نتائج ايجابية اخرى لهذه الدراسة، اذ انها تشير الى احتمال مساهمة العناصر الغذائية الموجودة في الخضار والفاكهة في الوقاية من امراض القلب ايضاً.
الحليب والسرطان الخصوي
في دراسة بريطانية هامة شملت مئات من الرجال المصابين بالسرطان الخصوي، تبين ان جميعهم كانوا يشربون الحليب بكثرة في سن المراهقة بمعدل نصف ليتر أو أكثر يومياً. ويقول الدكتور "توماس ديفيز" وفريق الباحثين في قسم طب المجتمع في جامعة كامبريدج ان هذه النتيجة لا تعني بالضرورة ان الحليب يسبب المرض ولكنها تبين ان الحليب يزيد من خطورة اصابة الرجال الذين يوجد لديهم استعداد سابق للاصابة بهذا النوع من السرطان. ويعتقد الدكتور ديفيز ان السبب في ذلك قد يعود الى وجود كميات زهيدة من هورمون الايستروجين في حليب البقر. الا ان هذا لا يستدعي التوقف عن تناول الحليب في سن المراهقة لانه لا توجد ادلة كافية تؤكد تلك العلاقة. أما بروفسور "تيم أوليفر" من مستشفى "رويال لندن" فانه يشير الى ان دراسات عدة اخرى قد اظهرت وجود علاقة بين بعض العوامل البيئية وازدياد عدد حالات السرطان الخصوي وتشوهات اعضاء الرجل التناسلية وهبوط عدد الاحياء المنوية في سائل المني. لذلك تبقى أفضل طرق الوقاية مرتكزة على ممارسة التمارين الرياضية وأكل الخضار والفاكهة والقيام بالفحوصات الدورية للكشف عن المرض في مراحله المبكرة.
الفستق وسرطان الكبد
تمكن علماء سويسريون من اكتشاف سر العلاقة المشبوهة بين فطريات الفستق وسرطان الكبد. ويعتبر هذا الانجاز الطبي خطوة هامة في طريق الوقاية من هذا المرض. وكان بعض الدراسات الوبائية اظهر ان سم "افلاتوكسين - ب 1" الذي تنتجه الفطريات التي تنمو فوق الفستق في اجزاء من القارتين الآسيوية والافريقية، يلعب دوراً في بروز سرطان الكبد. وفي عام 1991 لاحظ باحثون اميركيون ان نصف حالات سرطان الكبد في تلك المناطق يوجد فيها تغايرات احيائية خاصة في الجينة P53، الأمر الذي يؤدي الى ظهور بروتين معطوب يعجز عن تنظيم نمو الخلايا فيسمح بنمو الأورام السرطانية.
وتبين الدراسات ان تأثير البروتين المعطوب يتزايد واخطار الاصابة بسرطان الكبد ترتفع بمعدل 4 أو 5 أضعاف اذا كان الانسان مصاباً بالتهاب الكبد Hepatitis B. وتتضاعف نسبة الخطر اذا تعرض الانسان لسم "أفلاتوكسين - ب 1"، بينما تصل نسبة الخطر الى 50 ضعفاً اذا كان الانسان مصاباً بالتهاب الكبد ومعرضاً لسم أفلاتوكسين - ب 1 أيضاً.
التدخين وسرطان الرئة
التدخين عادة يمارسها الانسان منذ اكثر من 300 سنة، الا ان العلاقة بين التدخين والاصابة بسرطان الرئة لم تظهر الا في بداية القرن العشرين. اما دلائل هذه العلاقة فهي ازدياد عدد الاصابات بسرطان الرئة مع ازدياد عادة التدخين بين الناس خلال السنين، وارتفاع عدد ضحايا سرطان الرئة بين المدخنين مقارنة بغيرهم، وازدياد خطورة الاصابة بهذا المرض كلما ازداد عدد السجائر التي يدخنها الانسان. هذا بالا ضافة الى ان التوقف عن التدخين يخفف من امكانية الاصابة بسرطان الرئة وان تدخين السجائر التي تحتوي على كمية منخفضة من القطران يقلل من خطورة الاصابة به. كما تجدر الاشارة الى ان المواد الكيماوية الموجودة في قطران السجائر هي من المواد المكونة للسرطان والمغيرة للجينات الوراثية.
التدخين مسؤول عن 93 في المئة من حالات الاصابة بسرطان الرئة بين الرجال في المملكة المتحدة و90 في المئة بين الرجال في الولايات المتحدة، مقارنة ب 86 في المئة بين النساء في المملكة المتحدة و80 في المئة في الولايات المتحدة. وفي دراسة وبائية هامة شملت 13 دراسة وبائية سابقة أكد البروفسور نيكولاس وولد ومجموعة من الباحثين في جامعة أكسفورد ان هنالك ادلة دامغة حول ازدياد خطورة الاصابة بسرطان الرئة بين الاشخاص غير المدخنين اذا كان ازواجهم من المدخنين وتصل نسبة ازدياد الخطر الى ما يقارب 35 في المئة. وتشير الكلية الملكية للاطباء في بريطانيا الى ان التدخين داخل المنازل يهدد صحة الاطفال. فأبناء المدخنين أقصر قامة وأكثر اصابة بالامراض الصدرية المزمنة، كما تتضاعف نسبة اصابتهم بمرض الربو ويتهددهم الموت أكثر من ابناء غير المدخنين.
سرطان الرئة واحد من أكثر انواع السرطان انتشاراً في العالم، يعاني منه قرابة 700 ألف شخص سنوياً، وهو لذلك يعتبر من أخطر أوبئة القرن العشرين. ومن المؤسف جداً ان نتائج المعالجة الجراحية لهذا المرض هي الأسوأ بين باقي حالات السرطان، اذ ان نسبة الشفاء منه لا تتعدى 10 في المئة. اما المعالجة الاشعاعية التي اصبحت اكثر تطوراً واكثر سلامة وبساطة فانها لا تساعد الا في شفاء عدد قليل جداً من الحالات. كما ان المعالجة بالادوية الكيماوية المختلفة لم تنجح سوى جزئياً في شفاء البعض.
ان العلاقة بين سرطان الرئة والتدخين قوية جداً لا يمكن دحضها حتى ان الاكثرية العظمى من حالات الاصابة بسرطان الرئة يمكن نسبها تقريباً الى التدخين. وتجدر الاشارة الى ان المدخنين معرضون للاصابة بسرطان الرئة اكثر بعشرين مرة من غير المدخنين. وهذا ما يجعل التدخين واحداً من أخطر آفات الصحة العامة التي تواجه منظمة الصحة العالمية حالياً وعلى مشارف القرن الواحد والعشرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.