قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    وزير السياحة يدشن شركة رملة للرحلات السياحية والمنتجعات البرية في حائل    الطقس يهدد الولايات المتحدة    أسبوع واحد نقل الحرب في أوكرانيا إلى التصعيد    الخليج يفجر مفاجأة ويلحق بالهلال هزيمة هي الأولى منذ 2023    ضبط مواطن في القصيم لترويجه الحشيش وأقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    عن الدراما المسرحية والتجاهل الأكاديمي أتحدث    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة    الدانة يفقد اللقب القاري    1850 متدربا ومتدربة على المانجا في اليابان    فنانو المدينة يستعرضون أعمالهم في جولتهم بجدة    «حلاه يشدف» أحدث أغاني إبراهيم فضل بالتعاون مع محمد الخولاني    ضيوف خادم الحرمين يتجولون في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف    أرسنال يعود بطريق الانتصارات في الدوري الإنجليزي بثلاثية في فريق نونو سانتو    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    الحارثي في ذمة الله    دوري روشن: الوحدة يداوي جراحه بفوز هام على التعاون    الانسانية تحتضر    الالتزام بالمواعيد الطبية: مسؤولية مجتمعية تحفظ الصحة وتُحسن الخدمات    انترميلان يقسو على هيلاس فيرونا بخماسية في شوط    الطاقم الطبي يحدد موقف محترف الأهلي من مواجهة العين    ابن وريك يدشن معرض الأمراض المنقولة بالنواقل في مهرجان الدرب    5 مطارات تتصدر تقارير الأداء لشهر أكتوبر 2024    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    اتحاد الغرف يعلن تشكيل أول لجنة من نوعها لقطاع الطاقة والبتروكيماويات    يناير المقبل.. انطلاق أعمال منتدى مستقبل العقار في الرياض    ترمب يرشح سكوت بيسنت وزيراً للخزانة    الفنان المصري وائل عوني يكشف كواليس طرده من مهرجان القاهرة السينمائي    معتمر فيتنامي: أسلمت وحقق برنامج خادم الحرمين حلمي    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    التحقيق مع مخرج مصري متهم بسرقة مجوهرات زوجة الفنان خالد يوسف    مصدر أمني يؤكد استهداف قيادي في حزب الله في الغارة الإسرائيلية على بيروت    "الجامعة العربية" اجتماع طارئ لبحث التهديدات الإسرائيلية ضد العراق    بريدة: مؤتمر "قيصر" للجراحة يبحث المستجدات في جراحة الأنف والأذن والحنجرة والحوض والتأهيل بعد البتر    ضبط 19696 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مشروع العمليات الجراحية خارج أوقات العمل بمستشفى الملك سلمان يحقق إنجازات نوعية    24 نوفمبر.. قصة نجاح إنسانية برعاية سعودية    موديز ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "Aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    أشبال أخضر اليد يتعثّرون أمام تونس ويواجهون الجزائر في ختام "البطولة العربية"    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قوى مع التغيير وقوى ضده ... والصراع مفتوح من دون أن يتنازل أي طرف . حرب المحافظين لاعتقال جمهورية خاتمي
نشر في الحياة يوم 20 - 04 - 1998

هدنة عيد رأس السنة الايرانية عيد النوروز في 20/3/98 انتهت قبل ان تبدأ مع القاء القبض على غلام حسين كرباستشي رئيس بلدية طهران، وهو خارج من مراجعة دورية من احدى المحاكم القضائية التابعة لعدلية طهران، بتهمة اختلاس الاموال العامة وهدر مئات الملايين من الدولارات".
واختار تيار المحافظين المتشددين، الذي يشكل اية الله محمد يزدي رئيس السلطة القضائية، "ورأس حربته"، ان يبدأ هجومه الوقائي قبل ان يكون التيار الاصلاحي قد اكمل استعداداته للهجوم مستفيداً من دروس الانتخابات الجزئية التي جرت في اصفهان وطهران وغيرهما من المدن 13/3/98 حيث كانت المقاطعة الشعبية بين 85 و90 في المئة سيدة الموقف واكثر القوى واكبرها حجماً ووضوحاً في ابداء موقفها.
ولم يكن خافياً في طهران، على رغم التكتم الشديد، ان الرئيس محمد خاتمي الذي يعتمد تكتيك تجزئة المواجهة، والتقدم خطوة خطوة بعد حل كل جزء على حدة، يريد تغيير القانون الانتخابي بحيث يحد من صلاحية "مجلس صيانة الدستور" في استبعاد المرشحين للانتخابات، من دون توضيح الاسباب التي تفرض هذا الاستبعاد وبذلك لا يقع استبعاد مرشحين كانوا نواباً في مجلس الشورى أو سبق لهم وشاركوا في الانتخابات العامة السابقة كما حصل في الانتخابات الجزئية، واستثمرت هذه الصلاحية لاستبعاد المرشحين المؤيدين للرئيس خاتمي او لخطه بشكل عام. وكان من الطبيعي في حال حصول مثل هذا التعديل ان يدفع آية الله محمد يزدي الثمن ويتم استبعاده عن رئاسة السلطة القضائية.
صحيفة "جامعة" المجتمع التي صدرت بعد فوز خاتمي بالرئاسة والتي تعتبر المعبرة عن خطه وتياره، كتبت عشية القاء القبض على كرباستشي: "ان يزدي ودع سلطته مع عيد النوروز وحتى لا يقع ذلك فجَّر قضية كرباستشي بعدما اخذ ضوءاً أخضر".
وفي عملية لتفكيك الرموز في الخطاب السياسي والاعلامي الايراني، فان التلميح والغمز يصبحان اتهاماً واضحاً فاذا كان الرئيس خاتمي ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، لا يمكنهما اعطاء هذا الضوء الاخضر، لأنهما المستهدفان منه، فلا تبقى سلطة أعلى من السلطة القضائية ورئيسها يزدي سوى المرشد آية الله على خامنئي.
وبدا منذ اللحظة الاولى لاعتقال كرباستشي الذي سبق له ان دفع كفالة بقيمة نصف مليون دولار ان أسباب الاعتقال ليست قضائية بل سياسية، لذلك يجب التعامل مع الملف من منظور سياسي، وقد اختصر آية الله طاهري ممثل المرشد خامنئي في أصفهان القضية بقوله: "ان موضوع كرباستشي سياسي مئة في المئة"، اما بهزاد نبوي احد أبرز قادة اليسار المتشدد زعيم مجاهدي انقلاب اسلامي فوصف الاعتقال "بأنه اعتقال سياسي". ولتأكيد كل ذلك وجه وزير الارشاد الناطق باسم الحكومة عطالله مهاجراني اصابع الاتهام الى السلطة القضائية ممثلة بأية الله يزدي وقال "ان تعاطي السلطة القضائية مع الملف احاطت به الشبهات". اما فائزة رفسنجاني ابنة الرئيس السابق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام فأعادت ما حصل الى ان اليمين المحافظ فشل ومني بهزيمة لا يريد الاعتراف بها".
ومن خلال حل رموز كل التصريحات يتبين ان لقضية كرباستشي ثلاثة أبعاد:
1 - بعد سياسي يتجاوز موضوع الفساد المالي وتحويل أموال عامة.
2 - ان اليمين المحافظ مني بالهزيمة ومن الطبيعي ان يدفع ثمن هزيمته، لكنه يعمل بما لديه من مواقع نفوذ ومراكز قوى على حصر الخسائر ضمن حدود معينة.
3 - ان هيئة القضاء ليست كما يجب ان تكون فوق كل الحساسيات، لأن العدالة فوق الجميع وللجميع، لذلك حامت حولها "الشبهات". ومن الواضح ان الذي أعطى الأوامر، أي رئيس الهيئة القضائية يزدي، هو المسؤول عن هذه "الخطيئة".
طبعاً، طهران ليست مدينة عادية في ايران، فهي أكثر من عاصمة، لأنها تشكل مع أصفهان عصب البلاد. ولذلك فإن رئيس بلديتها هو برتبة وزير، يحضر جلسات مجلس الوزراء، فالمسألة تتعلق بعشرة ملايين ايراني، يشكلون واجهة البلاد، سياسياً واجتماعياً وأمنياً.
ومع ذلك فإن هذا الموقع وحده لا يكفي لو لم يمتزج بشخصية كرباستشي نفسه، بكل ما يمثله، ويتمحور حوله وأيضاً وهذا الأهم في اختصاره من خلال ذاته لخصوصية الجمهورية الخاتمية. فكرباستشي هو ابن آية الله محمد صادق طهراني كرباستشي، درس أولاً في حوزة قم، ثم انتقل الى جامعة طهران، حيث درس الرياضيات ونشط سياسياً ودخل السجن، وعندما انتصرت الثورة خرج من السجن، وفي اول اختبار اداري له نجح في ادارة البرامج في التلفزيون. ثم تسلم منصب والي أصفهان، وبعد ذلك عمدة طهران العام 1989 برتبة وزير. ونشط في اعادة تنظيم العاصمة وتحديثها واخراج المصانع منها ووقف الاعتداءات على الملكيات العامة والخاصة. واذا كان كرباستشي قد بدأ حياته السياسية في التيار اليساري فإنه سرعان ما وقف الى جانب الرئيس رفسنجاني ليكون في عداد الشخصيات الستة التي أسست تيار "كوادر البناء".
وعندما تبين للتيار استحالة فوز أحد مرشحيه في الانتخابات الرئاسية، ساند ترشيح خاتمي وشكل كرباستشي لولب الحملة الانتخابية، خصوصاً انه الخبير والعارف بتركيبة اكبر مدينتين في البلاد، أصفهان وطهران. وبهذا نجح في ان يكون الجسر الذي يربط بين رفسنجاني وخاتمي، وان يشكل أفضل مثال للمسؤول الذي ولد إدارياً وسياسياً مع الثورة ونشأ ونما مع فكرتي تزاوج المؤسسة الدينية بعلمائها مع مثقفيها، ونهوض المجتمع المدني وضرورة الحوار بين الثقافات والحضارات، إلى جانب كونه أحد أبناء الطبقة المتوسطة الناهضة التي تشكل حالياً أحد أعمدة الجمهورية الخاتمية.
لقد جعل كل ذلك من اعتقال كرباستشي اعتقالاً للجمهورية الخاتمية واختصرت صحيفة "جامعة" التي صدرت بعد فوز خاتمي بالرئاسة وتعتبر أقرب الصحف إليه، اعتقال رئيس البلدية بكاريكاتور بسيط وغني، إذ صورت كرباستشي وقد تدلى رقمه على صدره وهو 3/3/، وهو حسب التقويم الإيراني يوافق 23/5/1997 تاريخ انتخاب خاتمي رئيساً.
والواقع ان اعتقال كرباستشي وإن كان مهماً وخطيراً، إلا أنه لم يكن ليتحول إلى محور للمواجهة، وارتفاع أصوات تتخوف من "فتنة تحرق الأخضر واليابس"، لو لم يشكل الدقيقة الاخيرة في التوقيت للتفجير الذي بدأ مع انتخاب خاتمي بأكثرية عشرين مليون ناخب، وعدم رغبة اليمين المحافظ الذي خسر المعركة بالتسليم بخسارته، فعمل على المواجهة اينما استطاع ذلك، ويكفي للتدليل على ذلك أنه بعد مضي 11 شهراً على انتخاب خاتمي وثمانية أشهر على تشكيل الوزارة، لا سلطة لوزير الداخلية عبدالله نوري، على رجال الأمن والدرك، مع أنه كان وزيراً للداخلية ويعرف جيداً وزارته وصلاحياته وامكاناته، لذلك فإن التشكيل المتكامل من القوى والشخصيات والتجمعات حول دعم خاتمي لاطلاق سراح كارباستشي وبعد ذلك محاسبة المسؤولين عن ذلك، بدا طبيعياً، وبرز للمرة الأولى بوضوح في مواجهة اليمين المحافظ.
ولقراءة هذا التشكيل يكفي الاطلاع على أمرين: الأول التصريحات المتتالية لمختلف الشخصيات ابتداء من وزير الداخلية وصولاً إلى السيدة زهراء مصطفوي ابنة الإمام الخميني التي رأت في العملية اضعافاً للنظام، مروراً ب "حركة الحرية الليبرالية" والثاني الرسالة المفتوحة الموقعة من 34 شخصية إلى المرشد خامنئي للتدخل شخصياً لوضع حد لتدخلات المحافظين الهادفة إلى اضعاف الحكومة مما يعرض النظام والبلاد لأزمة خطيرة.
دور البازار والتجارة
في مواجهة هذا التشكيل السياسي الواسع، يقف اليمين المحافظ، في ظل "قبعة" اسمها محمد يزدي. فهذا التيار الواسع أيضاً والذي يضم المؤتلفة والحجتية وجمعية علماء ومدرسي حوزة قم، والبازار، لم يظهر على السطح خلال فترة اعتقال كرباستشي. واكتفى بالمواجهة عبر تصريحات شخصيات في الدرجة الثالثة بتأكيد ان "الجميع سواسية أمام القانون" في محاولة لابقاء القضية في اطارها القضائي والقانوني ونزع أي صفة سياسية عنها.
وفي الواقع فإن هجوم اليمين المحافظ بهذه الطريقة وعبر اختيار هذا الهدف يؤكد دور البازار في العملية. ذلك ان خاتمي الذي زاوج في برنامجه السياسي بين عملية اعادة البناء واقامة المجتمع المدني، عمق التحول القائم منذ عهد رفسنجاني في أواخر عهده، باتجاه تثبيت و"تنمية الرأسمالية الصناعية على حساب الرأسمالية التجارية التي شكلت الحرب مع العراق فرصة تاريخية لنموها بشكل غير طبيعي نتيجة الصفقات والسمسرة".
ولذلك فإن تزايد الحديث عن الأزمة الاقتصادية هو ابراز لفشل سياسة خاتمي الاقتصادية.
الى جانب هذا الهدف، أراد اليمين المحافظ اشغال خاتمي وحكومته بقضايا ادارية وقضائية لمنعه من متابعة سياسته في الانفتاح على الداخل والخارج معاً. ومن الواضح ان الانفتاح في الداخل يقوم أساساً على جعل المجتمع المدني مستظلاً بعباءة القانون. اما في الخارج، على رغم اتفاق جميع الأطراف والقوى على ضرورة الانفتاح اقليمياً، خصوصاً على المملكة العربية السعودية واقفال الملفات العالقة مع العراق إلا أن الخلاف هو على من يقوم بهذا الدور.
ولا شك في ان مبادرة رفسنجاني الى دفع العملية الى مداها البعيد خلال زيارته للسعودية، ثم تطوير كل ذلك بزيارة وزير الداخلية عبدالله نوري خلال فترة الحج، واستعداد الرئيس خاتمي لتتويج هذه السياسة بزيارة المملكة أثارت حفيظة هذا التيار.
اما بالنسبة الى الانفتاح على الخارج في اطار "حوار الحضارات والثقافات" فإن تجاوز ايران لمشاكلها مع دول الاتحاد الأوروبي، ومبادرة مهاجراني الى زيارة فرنسا وغيرها من الدول أشعل كل الأحقاد. واكتمل ذلك بكل الاشارات الايجابية التي عبر عنها مهاجراني في لقائه الصحافي في باريس وفي حديثة الى مجلة "نيوزويك" عن العلاقات مع الولايات المتحدة، والتي كان اللقاء مع خاتمي على محطة "سي. ان. ان" بدايته. والواضح ان هذا الانفتاح العلني يغيظ اليمين المحافظ الذي يفضل ان يبقى سرياً على الصعيد السياسي ونامياً وعلنياً في الجانب الاقتصادي، لأن أي انفتاح مزدوج ومتوازن، يعني مباشرة "وفاة هذا اليمين المحافظ والمتشدد بالضربة القاضية" لذلك تبدو المواجهة مسألة حياة أو موت للطرفين.
ومما زاد في تعقيد هذه المواجهة، دخول قضية حسين علي منتظري على خط قضية كرباستشي. اذ فجأة وخلال صلاة الجمعة في أصفهان وجه بعض المصلين دعوات الموت لمنتظري وكرباستشي علماً ان الأول في الاقامة الجبرية على رغم التحسن الطفيف الذي طرأ على وضعه منذ خطابه الشهير قبل بضعة أشهر.
اللعب بنار المرجعية
واستناداً الى كلام منسوب لسعيد منتظري فإن محمد صادق طهراني كرباستشي والد رئيس بلدية طهران، كان من أوائل العلماء الذين طالبوا برفع الحصار والاقامة الجبرية عن منتظري. وبهذا فإن اليمين المحافظ الذي يرى في كرباستشي "رمزاً" لكل ما يرفضه، اكتشف في والده ما يؤكد اللعب بپ"نار" المرجعية بالنيابة عن ابنه في ظل "شرعيته الدينية".
ولكن أين يقف مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي، خصوصاً ان خاتمي ورفسنجاني طلبا منه منذ البداية التدخل؟
يرى محللون، ان لعبة "البلياردو" بين الترويكا الحاكمة في طهران مستمرة، وان خامنئي نجح في توجيه ضربة مزدوجة لرفسنجاني وخاتمي معاً، وجلس ليلعب دور الحكم الذي تهمه مصلحة البلاد العليا. وان هذه الضربة تذكر خاتمي بحدود مشروعه الرامي الى وضع المجتمع المدني تحت سقف القانون، وتفرمل أي طموح لرفسنجاني يتجاوز دوره في مجلس تشخيص مصلحة النظام، خصوصاً في ما يتعلق بخلافته. وتذكر الجميع بأن دور خامنئي كولي فقيه يجعله فوق الخلافات، لأنه العباءة الشرعية للنظام التي يستظل بها الجميع.
وعندما جمع خامنئي الأربعة، خاتمي ورفسنجاني وناطق نوري ويزدي، فإنه أراد بذلك تأكيد المساواة بينهم، نظراً الى انهم يمثلون السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وتتفق معظم آراء الخبراء في الشؤون الايرانية على ان يزدي، ليس مجرد رئيس للهيئة القضائية، فهو ذو نهج سياسي يضعه على أقصى اليمين المحافظ، لذلك فإن السؤال البديهي هو: هل كان يزدي يقدر وهو يرسل رجاله للقبض على كرباستشي، استناداً الى المادة 50 التي تجيز الاعتقال بتهمة الاستيلاء على الأموال العامة في زمن كانت تدور فيه الحرب مع العراق، انه وان كان يضع خاتمي ورفسنجاني أمام الجدار، سيجد نفسه ومعه التيار المحافظ، في وضع مماثل وظهره الى الحائط؟".
ان المشكلة واضحة الآن. أي تراجع من هذا الطرف يعني الخسارة أمام الطرف الآخر. فالتخلي عن كرباستشي يعني ان دور وزير الداخلية عبدالله نوري هو الدور الثاني، وان عطاالله مهاجراني الثالث الخ… الى جانب التراجع عن تنفيذ البرنامج السياسي والاقتصادي للحكومة، وما يعنيه ذلك من بداية خلاف مع القاعدة الشعبية الواسعة التي اقترعت لخاتمي.
كذلك فإن اطلاق سراح كرباستشي يعني أولاً سقوط يزدي من منصبه أو اهتزاز موقعه بقوة، ومما يعزز ذلك ان الطامحين للمنصب، وأبرزهم حجة الاسلام ريشهري، يشاركون في الحملة عليه وعلى سوء تصرفه. ومن ثم ستشكل الانتخابات التشريعية المقبلة الضربة القاضية لتيار اليمين المحافظ لأنه سيتم اقتلاعه من العديد من مواقعه مما يسمح بابعاد رجاله من الادارة والمواقع الحساسة. ويضع ادخال خامنئي طرفاً في المواجهة، علامة استفهام كبرى أمام طبيعة ولاية الفقيه وما اذا كانت متوافقة مع القانون أم فوقه؟
والأخطر من كل ذلك ان الاحتكام الى الشارع الايراني، الذي يغلي منذ انتخاب خاتمي، وتطالب شرائحه الاجتماعية الواسعة من الشباب والنساء بالتسريع في سياسة الانفتاح وبناء المجتمع المدني، يجعل من الصعب ضبط ايقاع هذا الشارع، لذلك عمد خاتمي الى الغاء هذا التهديد من خلال الغاء دعوته للتجمع أمام جامعة طهران، وعلى رغم ذلك وقعت اشتباكات محدودة بين الشبان المؤيدين لخاتمي وأعضاء من "حزب الله".
لقد بدا واضحاً خلال الأيام الأخيرة ان النظام الايراني في كفة الميزان. الا ان تكرار تجربة الرئيس أبو الحسن بني صدر مع خاتمي تبدو مستحيلة حالياً لأسباب كثيرة أبرزها:
الفوارق بين شخصيتي بني صدر وخاتمي، الى جانب اكتساب الثاني دروس تجربة الأول.
وجود الامام الخميني والاختلاف على رغم وحدانية الموقع في الشرعية الثورية والفقهية والتمايز في الشخصية.
اختلاف الجو الثوري وانكفاؤه حالياً لمصلحة الانفتاح داخلياً وخارجياً.
غياب ضغوط الحرب مع العراق بكل تأثيراتها الوطنية.
اختلاف الوضع الاقتصادي، لأن البلاد كانت في وضع أفضل تحت عامل الدفع الذاتي للوضع الاقتصادي السابق على الثورة.
ونتيجة لكل هذه الأسباب فإن التحذير من "فتنة تحرق الأخضر واليابس" يصبح واقعاً، اذ لا أحد لديه القدرة على ضبط ايقاع الشارع على أوتاره. فأي تدخل لقوى الباسدران الحرس الثوري وحتى الجيش يشكل خطراً يفتح الأبواب على المجهول. لذلك لا يبقى سوى حل في اطار لا غالب ولا مغلوب، لعل التطورات المقبلة تفرض التغيير بهدوء مع ان لا شيء يشير الى استعداد أي طرف للتراجع أو للقبول بهزيمته، على رغم اطلاق سراح كرباستشي بعدما أمضى 12 يوماً في السجن، لأن الصراع يتجاوز اعتقال رئيس بلدية مدينة، حتى وان كانت العاصمة ليصل الى قمة السلطة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.