رفضت لجنة الاحزاب السياسية أخيراً قيام "حزب الوسط المصري"، أي النسخة المعدلة من حزب الوسط، الذي سبق ان رفضته اللجنة وأيدتها في ذلك محكمة الاحزاب. وأكد المهندس ابو العلا ماضي وكيل مؤسسي "حزب الوسط" ثم "حزب الوسط المصري"، لپ"الوسط" ارتياحه الى ان المحكمة قضت برفض "حزب الوسط" لانه "كان سيتوجه وجهة غير مستقلة اي يمكن ان يسيطر عليه الاخوان. وشن هجوماً حاداً على قيادة جماعة الاخوان قائلاً ان قيادة النظام الخاص القديم التي ارتكبت الجرائم والكوارث هي التي تقود الجماعة حالياً، وانها تحمل افكاراً تكفيرية للدولة اذ ترى انها غير اسلامية، وقال انها قيادة لا تطبق الشورى في قيادة الجماعة، وان الشخصيات القيادية الاخرى في الجماعة، ليست إلا وجها لتجميل صورة الجماعة ولا يملك احد منهم ان يصدر امراً، ويقول ماضي "لقد خدعنا في جماعة الاخوان على هذا النحو، وهي تعيش حالياً اسوأ حالاتها منذ 25 سنة". كنتم تتوقعون الرفض، فلماذا تقدمت مرة ثانية للجنة نفسها التي رفضت تأسيس حزب الوسط؟ - من يتقدم بطلب تأسيس حزب جديد في مصر، تكون عينه نصب محكمة الاحزاب وليس لجنة الاحزاب، فمنذ تاريخ انشاء اللجنة وحتى الآن، لم توافق على التصريح بانشاء اي حزب قدم لها اوراقه، وبالتالي فان اللجنة اصبحت جهة يتقدم اليها طالب التأسيس لحزب كاجراء قانوني، لكي يذهب بعد ذلك الى محكمة الاحزاب. اذن كان الرفض متوقعاً، ومن ثم فالخطوة الرئيسية هي الذهاب الى المحكمة، للدخول في صراع قانوني طويل حول أحقية هذا الحزب من الناحية القانونية للحصول على رخصة، وحسب نص قانون الاحزاب سنتقدم بطعن في قرار اللجنة خلال 30 يوماً من تاريخ ابلاغنا رسمياً. خضت صراعاً قانونياً وسياسياً من اجل الحصول على رخصة لحزب "الوسط"، وفي هذا الصراع سحب 62 من المؤسسين من الاخوان من اصل 74 مؤسساً توكيلاتهم، ثم جاء قرار المحكمة برفض الحزب وفي سياق ما قلته، هل كان سيسعدك لو صدر القرار بتأسيس الحزب؟ - الحقيقة لا. انني سعيد بهذا القرار، وتمنيت في مثل هذا الظرف الا تصدر المحكمة قراراً لمصلحة تأسيس الحزب، فالذين سحبوا توكيلاتهم من الحزب، على رغم قناعة الكثيرين بعدم صحة الانسحاب الذي تم كاستجابة لارادة مجموعة من الناس جعلت هذا المشروع هدفاً لها، هؤلاء الناس ثبت بالتجربة العملية خطأ وجودهم في هذا المشروع منذ البداية، وثبت انهم ليسوا مرتبطين بالفكرة كما كان مطلوبا، وبالتالي لو اصدرت محكمة الاحزاب حكما لمصلحة الحزب في وجودهم، لكانوا وجهوه الى وجهة غير ما نتمنى، وهي ان يكون مشروعاً مستقلاً، فاستجابتهم للضغوط التي مورست عليهم اكدت عدم استقلالهم للدخول في هذا المشروع، وبالتالي اثبتوا ما كان يتهم به المشروع من انه مرتبط بجهة اخرى، والذين بقوا على موقفهم من استقلال المشروع، لم يكن يسعدهم ان تكون هذه هي تركيبته. ما الجديد الذي تقدمونه في "حزب الوسط المصري"؟ هل هناك اختلاف حقيقي في البرنامج؟ وهل هذا الاختلاف ناتج عن ضغوط لجنة الاحزاب؟ - من المؤكد ان النقطة الاولى موجودة في البرنامج، والاشياء الكثيرة التي غيرناها في البرنامج، جزء منها يعود الى تطور ونضج فكري في مجموعة المؤسسين الرئيسيين الذين صاغوا المشروع، والحقيقة انهم لم يضعوا لجنة الاحزاب نصب أعينهم، بل كانت أعينهم على المجتمع والرأي العام، لكن بما انك تتقدم الى لجنة الاحزاب ووفق القانون الذي ينظمها فمن الضروري ان تتوافق معه، حتى لو كان لك عليه اعتراض، فأنت تعمل وفق قواعد اللعبة التي تمارس من الناحية السياسية، فاذا قيل عن البرنامج انه غير متميز - على رغم قناعتنا بأنه متميز - فلا بد من ان تستجيب باعادة الصياغة، ومن خلال اضافة قضايا اخرى تؤكد التميز. اذا ثبت ان مجموعة كبيرة من المؤسسين لم يكونوا ممثلين خير تمثيل لفكرة "الوسط"، وانسحبوا بطلب من قيادة جماعة الاخوان المسلمين، فهل المجموعة الجديدة المؤسسة لحزب "الوسط المصري" من روافد اخرى غير الاخوان؟ - الحقيقة ان هذا هو احد تجليات "الوسط" - حسب تعبير صديقي الدكتور رفيق حبيب، فالوسط مشروع يعرب عن مساحة مهمة من ضمير الامة، المعركة الاولى لفتت الانتباه اليه، فسعى اليه جمهوره الحقيقي، فتشكلت من المؤسسين الجدد مجموعة مصرية وطنية تقف على ارضية المشروع الحضاري الاسلامي، ولم يكن جزء كبير منها مستوعباً في اي تيار. الآن وبعد مضي وقت على خروجكم من جماعة الاخوان وسعيكم الى تأسيس حزب، هل اثر نشاطكم في الوضع التنظيمي داخل الجماعة؟ - ابدأ اجابتي بنقطة مهمة، وهي قضية شغلتنا فترة طويلة واصابتنا بحال من الذهول والصدمة فترة طويلة الى ان استوعبناها، وهي لماذا كانت كل هذه الحرب التي اعلنت علينا من مجموعة من الافراد الذين لا يزيدون على عدد اصابع اليد الواحدة المتحكمين في جماعة الاخوان المسلمين؟ هذه الحرب كانت حول المشروعية لان هناك مشروعاً اسلامياً متطورا يتشكل ليواجه المشكلات العويصة التي لم يستطع قادة الجماعة ان يجيبوا عنها، ما هو الخطاب المناسب للظرف؟ وما هو الفعل المناسب، المحاولة كانت محاولة بتر بحجج تنظيمية، لكنها في الحقيقة، كانت محاولات مضنية لقتل المشروع. وبمرور الوقت تحدث تداعيات كما نسمع، هناك افراد إدراكهم بدأ يزيد بتعقد المشكلة، وشعروا انهم وصلوا في داخل الجماعة الى طريق مسدود، فبدأوا يستقيلون او يخرجون من دون استقالة، هناك حالات كثيرة على هذا النحو، فالحالة التي عليها جماعة الاخوان المسلمين في مصر من اسوأ الحالات التي مرت بها خلال ال 25 عاماً الماضية، بدأ الكثيرون يدركون انهم يسيرون في طريق مسدود ويعانون في داخل الجماعة من الاقصاء، وتجاهل اللوائح، ومحاولة الهروب من مواجهة المشكلات باتهام الاخرين. ما هي الاسئلة الاساسية التي طرحها حزب "الوسط" فأظهرت المأزق السياسي والتنظيمي لجماعة الاخوان، ومن ثم حدثت التفاعلات التي أشرت اليها؟ - السؤال المهم هو ما الهدف الحالي الذي يسعى الناس الى تحقيقه، الاهداف التي وضعها مؤسس الاخوان الإمام حسن البنا، كلام عام لكن الوضع الراهن يحتاج لتجديد هذه الاهداف، لكن هم يضعونها كأهداف تعجيزية لا يمكن تحقيقها على مدى عشرات السنين، وتحت حجة انه ليس شرطاً ان يتحقق في جيلنا او الجيل التالي، ذلك لان كل دعوة تحققت في جيلها، هم لا يحددون اهدافاً يمكن تحقيقها في هذه المرحلة، ولا يحددون استراتيجية للحركة، بالنسبة اليهم مسألة الوضع القانوني امر غير مطروح، وما يقال غير ذلك هو كلام للتخدير، التواصل مع الوضع الحديث وتطورات المجتمع الحديث داخليا وعربيا ودوليا غير موجود، الخطاب الذي يوجه لا علاقة له بالواقع، ادارة الجماعة لا علاقة لها بالشورى او الديموقراطية، ولا تحترم اللوائح. هل تقصد ان قيادة جماعة الاخوان لا تلتزم الشورى في قيادتها؟ - نعم.. آه طبعاً، وأنا اخيراً ادركت أوهامها جيداًً، ادركته بعد قراءة كتاب اصدره محمود الصباغ، تحت عنوان "التصويب الأمين في ما نشره بعض القادة السابقين عن التنظيم الخاص للاخوان المسلمين"، المعلومات التي وردت فيه، كشهادة منه وهو احد قادة التنظيم الخاص للاخوان، اعتبرها معلومات كارثية، فهو يبرر قتل النقراشي والخازندار هذه الافعال بررها وقدم لها فتاوى، وانا اول مرة أفاجأ بأنه يحدد مجموعة قيادة النظام الخاص في خمسة هو احدهم. بالفعل تمت عسكرة الجماعة، نحن خدعنا في هذه التجربة، انا احد الذين خُدعوا في تجربة جماعة الاخوان، وقد أفزعني في الحقيقة ما حكاه عن ان صالح عشماوي كان يغطي نفسه "بغطاء ملائكي ابيض ويخفي تحته المصحف ومسدساً ليبايعه الناس" وقد كانوا ينكرونها من قبل، وها هو يكشف عنها، ما الملائكية في لبس ابيض تحته مصحف ومسدس، هذه سذاجة، هذه دروشة. هذا الكتاب يروي وقائع يشيب لها الولدان. وهو من أخطر الاعترافات خصوصاً أنه يقول إنه عرض هذا الكتاب على مصطفى مشهور وأحمد حسنين وأقرا بصحة ما فيه. لكنهم طلبوا منه عدم نشره وعطلوه، ثم اصدروا قراراً بعدم قراءته في جماعة الإخوان. الحقيقة التي ادركناها متأخراً هو حدوث حالة زحف تدريجي لإبعاد القيادة الشرعية للجماعة وعسكرة الإخوان. وهو واقع حالي فعلي، إذ أن قيادات كثيرة في الجماعة تعرف أن وجودها مرتبط بقرار أعضاء التنظيم الخاص. وبالتالي هم لا يصدرون تعليمات ولا يملكون، وهم مجرد واجهة سياسية لتحسين وجه الجماعة. وإذا تجرأوا واصدروا امراً سيعود متلقي الأمر في النهاية الى قيادة النظام الخاص. ولذلك فإن الشعور الذي يتملكني هو الشعور بالخديعة، نحن خُدعنا. ظننا أن هؤلاء هم قيادة شرعية، لكن اكتشفنا أن قيادة النظام الخاص هي التي استولت على الجماعة. مجموعة 1965 هل هناك اختلاف فقهي ورؤى أوسع من بعض الممارسات السياسية؟ هل هناك خلاف واضح بينكم والإخوان حول إسلامية الدولة؟ - الحقيقة أنه كانت هناك رؤيتان داخل جماعة الإخوان، رؤية الجيل الجديد الذي ارتبط بالعمل العام منذ فترة السبعينات، والجيل القديم من قيادة النظام الخاص، وهؤلاء منهم مجموعة افكارها تكفيرية فعلاً، خصوصاً مجموعة 1965، هم يعتبرون أن النظام الراهن نظام غير إسلامي. وتسقط عليه احكام غير اسلامية، وهي أفكار تكفيرية بالفعل، وأنا أرى أن هناك خليطاً من الأفكار داخل جماعة الإخوان، لكن الأقوى في التأثير في القرار هي هذه الفكرة التكفيرية، أعلى قيادة في الجماعة تقول: ستقوم الدولة الإسلامية بعد 100 سنة، فماذا يعني هذا؟ يعني أن هذه دولة غير اسلامية، وهذا كلام خطير، وهو يعني بالطبع خلافاً فقهياً، فنحن لا نرى هذا، وهناك مفكرون عقلاء من أمثال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور محمد سليم العوا، والمستشار طارق البشري والدكتور محمد عمارة حسموا هذه المسألة بشكل واضح ودقيق. هل هذا هو الأساس في حدوث صدام بينكم في اساليب التعامل مع الدولة وقضية الوضع القانوني للجماعة واساليب التغيير؟ - نعم. هناك رغبة من قبل القيادات التي تحدثت عنها في بقاء الحال على ما هو عليه من عدم قانونية الجماعة، وبعض الناس يظن تلك هي رغبة النظام فقط، لكن الواقع أنها ايضاً رغبة قيادة النظام الخاص المسيطرة على الجماعة الآن، لأن الوجود القانوني كاشف، لأنه يطرح المواضيع وفق معايير وأهداف محددة ولوائح منظمة يكون رقيباً عليك فيها المجتمع والقانون، فإذا أخطأت القيادة، من حق أي عضو اللجوء الى مؤسسات الدولة. فإذا أصدرت أنا قراراً وأنا صاحب سطوة في نقابة أو حزب من حق المتضرر أن يلجأ للجمعية العمومية، ومن حقه أيضاً أن يلجأ للقضاء، هنا يصبح المجتمع رقيباً، وكذلك يصبح القضاء رقيباً على اللوائح والنظم التي تضعها أي مؤسسة، أما أن تغيب عن كل هذا بحجة الأمن وتكرس الديكتاتورية وتلبسها ثوباً من القداسة، فهذا أمر خطير