اهم الملاحظات ذات الصلة والدلالة معاً، على اعلان قياديين شباب ينتمون إلى جماعة "الاخوان المسلمين" المحظورة قيام حزب الوسط "تحت التأسيس"، انه تزامن مع وقائع ثابتة مهمة، اولها انه ارتبط بحالة متفاقمة من الحصار السياسي والقانوني المضروب حول الجماعة والذي أكد مجدداً ان حصولها كجماعة دينية على الشرعية السياسية القانونية من خلال الشارع في الانتخابات العامة او النقابية طريق مسدود، على رغم مضي نحو سبعين عاما من التجربة تأسست 1928. وثاني هذه الوقائع، ان احزاب المعارضة الاخرى ليست قادرة وربما كان بعضها غير راغب على اخراج الجماعة من مأزقها الحالي. اما ثالث الوقائع، انه جاء إثر اعلان واضح وحازم حذر فيه وزير الداخلية "الاخوان" من العمل السري. ورابعها أنه تزامن مع إعلان اتفاق مكتب الارشاد في "الجماعة" على تسمية نائب المرشد العام مصطفى مشهور 74 عاما، من ابرز متشددي الحرس القديم مرشدا عاما في حالة غياب مرشدها الحالي حامد ابو النصر 83 عاما الذي يعاني من ظروف صحية متدهورة. مما أوحى بأن التركيبة الداخلية لقيادة الحرس القديم ليست قابلة للتغيير. اذاً، إن الازمة التي يدور فيها "الاخوان" منذ وقت، على حالها. وكذلك لم تصدر عن الحكومة حتى الآن اية اشارة إلى أن المواجهة بينها وبينهم في طريقها إلى الانفراج. والحاصل ان اهتمام الشارع السياسي في مصر بإعلان "حزب الوسط" ارتبط بسؤال: هل الحزب امتداد تنظيمي وسياسي ل "الاخوان" أم هو خروج عليهم؟ وليس سراً ان الجزء الأخير من السؤال يلفت إلى أن الجماعة كانت شهدت حديثاً أي منذ الخمسينات خروجين شهيرين: أولهما خروج اعضاء من مكتب الارشاد لاسباب مختلفة بعد قيام "ثورة يوليو" أحمد حسن الباقوري، صالح عشماوي، محمد الغزالي، عبد العزيز كامل، أحمد عبد العزيز جلال... مثلا. وثانيهما خروج تنظيمي وسياسي وفكري من تحت عباءة الجماعة إلى العمل الأكثر سرية وعنفا جماعة التكفير والهجرة، الجماعة الاسلامية، جماعة الجهاد تأثر بالافكار التي طرحها المفكر الاخواني سيد قطب. محسوب على "الأخوان" كل المؤشرات حتى الآن، تفيد بأن "حزب الوسط تحت التأسيس" محسوب على جماعة "الاخوان" حتى إشعار آخر بحكم انتماء مؤسسيه، وكونه لم يعلن قيامه خروجاً علىهم، وبحكم ضرورات توفير التمويل، مع الاشارة الى أن اربعة من مؤسسيه كانوا رشحوا انفسهم في الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب الاخيرة ضمن ما عرف ب "قائمة الاخوان". أما افصاح كل من مؤسسي الحزب ورموز الجماعة، انه ليس "حزبا اخوانيا" فيدخل في حسابات عدم عرقلة طلب الاشهار القانوني للحزب. وإذا صح أن تفكير المؤسسين في اقامة "حزب الوسط" بدأ عام 1986 كما صرح وكيل المؤسسين إلى "الوسط"، فمن الصعب تصور أن اعلانه كان يحتاج الى عشر سنوات ! لاعداد برنامجه واوراقه. والأصح أن توقيت إعلانه الآن، يدخل ضمن تكتيكات الجماعة التي تمر بحالة من التفاعلات الداخلية، للحصول على الشرعية السياسية القانونية والخروج من مأزق الحصار. والأكثر دقة أن اتجاه "الاخوان" في مصر إلى إنشاء حزب سياسي مدني يكون بعيدا عن جسم الجماعة وليس بديلا منها، غير منقطع الصلة بالاتجاه الذي اقدم عليه "اخوان" الاردن حزب جبهة العمل الاسلامية و"اخوان" الجزائر حزب حماس والكويت حزب الحركة الدستورية و"حماس" فلسطين حزب الخلاص والمغرب العدل والاحسان واليمن المشاركة في حزب الاصلاح...الخ. وليس من قبيل الرجم بالغيب أن يدخل ذلك كله في اطار توجهات التنظيم الدولي ل "الاخوان". وليس مستبعداً ان يلبي هذا التوجه، نزوع جيل الوسط "الاخواني" الى خوض تجربته السياسية وبلورة قيادته الميدانية من خلال احزاب مدنية كخروج جديد ل "الاخوان"، فيما يحتفظ جيل الحرس القديم بقيادته لجسم الجماعة كمرجعية. وربما كان في هذه الازدواجية مخرج لمشكلة الطريق المسدود أمام جيل الوسط لتولي القيادة من دون ان يكون بديلا من قيادة الحرس القديم. وتستند شرعية نزوع هذا الجيل الى بلورة قيادته الميدانية المؤسسية، تستند الى حقيقة انه انخرط في العمل السياسي من خلال معارك شعبية في الانتخابات النقابية والعامة، وبرز افراده فيها نشطاء قياديين. وذلك على غير ما حدث مع جيل الشيوخ الذي انخرط في السياسة من خلال نشاط الدعوة الدينية أساساً وحواراتها. وليس سراً أن جيل الوسط هو الذي يضع يده على مفاتيح المعارك الانتخابية والنقابية. وتمكن من احتلال مناصب قيادية عدة في مجالس ادارة كثير من النقابات المهنية المعروفة الاطباء، المهندسين، الصيادلة، المحامين، واحتك من خلال هذه المعارك بالدولة والتيارات السياسية الاخرى والاقباط والمرأة، وجذبته الايجابيات التي يوفرها في العادة مناخ الجدل الديموقراطي على غير منهج "السمع والطاعة" المعمول به داخل الجماعة. وأياً كان سبب التسمية "حزب الوسط"، إما ارتباطا ببعد عقيدي امة وسطا او ببعد سياسي بين اليمين واليسار أياً كانا، او ببعد المجايلة جيل الوسط بين الشيوخ والشباب، فالحاصل ان طرح وجود حزب سياسي اسلامي سيثير قضايا وتساؤلات عدة ومتشعبة، تشمل في احد ابعادها تأثيره في مستقبل العملية الديموقراطية والحزبية. واذا صح انه سيظهر للجميع ان كل القضايا التي يطرحها هي قضايا سياسية، وليست دينية في الدرجة الاولى، فإن أحد ايجابيات ذلك ان محاورته الآخرين في هذه القضايا ينبغي ان تتم بمنطق الاختلاف او الاتفاق وليس بمنطق الايمان والتكفير. فرز داخل الأحزاب والارجح، إذا أُجيز الحزب، ان تشهد الحياة الحزبية حال فرز، ذلك ان تيار الاسلام السياسي موزع على اكثر من حزب ويشكل جماعة ضغط على اكثر من قرار حزبي. وقد لا يكون من باب المفاجأة تلاشي دور بعض الاحزاب وظهور احزاب اخرى. كذلك فان اجازته بقيادة جيل الوسط "الاخواني"، سيغذي نزوع بقية جيل الوسط إلى الترقي القيادي لدى الاحزاب القائمة خصوصاً ان رئاساتها جميعا من جيل الشيوخ. غير ان اهم التساؤلات - إذا اجيز "حزب الوسط" - يتصل بمصير جماعة "الاخوان" نفسها: هل يكفي ان تستند الى مرجعيتها التاريخية في الدعوة الاسلامية وقيادة التنظيم الدولي ل "الاخوان"؟ وربما تحسبا لنتائج الاجابات المحتملة عن هذا التساؤل، اعلن المستشار مأمون الهضيبي الناطق الرسمي باسم "الاخوان" ان "حزب الوسط ليس حزبا" و"ليس اخوانيا"، مثلما اعلنت "حماس" الفلسطينية من قبل ان "الخلاص ليس حزبا" و"ليس حماسا". مع انه يجدر الاشارة الى ان استمرار حركة "حماس" بعد قيام "الخلاص"، مسنود بزخم استمرار اعلانها انها لن تلقي سلاحها الذي تحمله ضد اسرائيل. ولأن لعبة العمل السياسي الحزبي لا تحتمل في الوقت الحالي الاحتفاظ طويلا بالأسرار عن شارع الاحزاب والسياسة، فمن المتوقع الا تتأخر الحكومة كثيرا عن اعلان اية اسرار ذات صلة حتى بشبهة قرار جرى التكتم عليه في مكتب الارشاد الخاص بالجماعة، وربما كان الاجتماع المقبل للجنة الاحزاب من أجل بت طلب قيام "حزب الوسط"، بإجازته او برفضه، احد مؤشرات حقيقة إلى ما تعلمه الحكومة. وعلي اي حال، فان إعلان "حزب الوسط تحت التأسيس" محاولةً لخروج جديد ل "الاخوان"، اشهر بالفعل نزوع جيل الوسط في كل الاحزاب الى بلورة قيادته المؤسسية.