قد يكون شهر كانون الأول ديسمبر المقبل محطة مهمة في تاريخ جماعة "الاخوان المسلمين" المحظورة في مصر، وربما نقطة فاصلة تحدد مستقبل الجماعة. ففي يوم 14 منه ستنظر محكمة الأحزاب في طعن أقامه مؤسسو حزب "الوسط" ضد قرار اصدرته، لجنة شؤون الاحزاب في حزيران يونيو الماضي بالاعتراض على تأسيس الحزب، وليس سراً ان جماعة "الاخوان المسلمين" تواجه حاليا أخطر ازمة في تاريخها، لم تشهد مثلها منذ تأسيس الجماعة على يد مرشدها الأول حسن البنا العام 1928. فالصراع بين جيل الشباب الذي خرجت منه مجموعة كونت حزب "الوسط" من جهة، والحرس القديم الذي يهيمن على مقدرات الأمور في الجماعة، من جهة اخرى، وصل إلى الذروة. لكن الأمر لم يقف عند حد مواجهة بين فريقين داخل الجماعة، اذ امتد حينما أصر كل طرف على موقفه، فانقسمت الجماعة إلى فريقين: الأول يضم الشباب وبينهم مؤسسو حزب "الوسط" إضافة الى آخرين لا علاقة لهم بالحزب لكنهم يعترضون على مجمل السياسات والتصرفات التي ينتهجها رجال الحرس القديم، والثاني يتزعمه المرشد مصطفى مشهور ونائبه المستشار مأمون الهضيبي ويرى ان الحفاظ على التنظيم هو "خير المراد من رب العباد" بغض النظر عن الهدف من وجود التنظيم وطبيعة العلاقات بين اعضائه والدور السياسي الذي يمكن ان يقوم به. ولا يمكن تجاهل دور الحكومة في أزمة "الاخوان" الحالية. أذ ليس سرا انها لا تريد الاستقرار للاخوان باعتبارهم تنظيما دينيا سياسيا يسعى الى السلطة. ومن الطبيعي أن تسعى الى تفعيل الازمة واستثمار نتائجها لضربهم، خصوصا بعدما تبين أن التدخل الحكومي في قضية حزب "الوسط" منذ تقديم أوراق تأسيسه إلى لجنة شؤون الاحزاب في كانون الثاني يناير الماضي ساهم في تجميد الازمة بين شباب الاخوان وشيوخهم لفترة، وحينما اكتشفت الحكومة أن قضية "الوسط" ليست تمثيلية أو خطة اعتمدتها الجماعة لخداعها غيرت من اسلوب تعاملها مع الازمة، وصارت تراهن على عنصر الوقت لعله يكون كفيلا بتفتيت الجماعة فتسهل مواجهتها من دون جهد كبير. ويدرك "الاخوان" ان الازمة الحالية تختلف تماما عن الازمات الأخرى التي مروا بها، فهي هذه المرة تأتي من الداخل في حين أن الصراع مع الحكومات المتعاقبة جاء في النهاية لمصلحة الجماعة نفسها التي التف حولها اعضاؤها لمواجهة الاخطار الآتية من الخارج. وكلما اتخذت الحكومة اجراء ضد "الجماعة" نجح شيوخ "الاخوان" بخبرتهم الطويلة في استثماره لكسب عطف الاخرين وتجاوز التناقضات الداخلية للحفاظ على "الجماعة" ووجودها ومستقبلها. أضواء الاعلام غير ان "الاخوان" يدركون ايضا ان الازمة الداخلية كانت ترحل من وقت الى آخر، وان ظهورها على السطح امر لا مفر منه، ولم يكن من السهل ان تستمر حالة التعتيم على ما يجري داخل صفوف "الاخوان" الى الابد، خصوصا أن المتذمرين والمعترضين من شباب "الجماعة" وأقطابها كانوا في ازدياد مستمر، كما ان ارتفاع عدد المستقيلين اخيراً من عضويتها والذين انضموا على الفور الى مؤسسي حزب "الوسط" شكل ضربة للشيوخ الذين حاولوا عند تفجر الخلاف مع مؤسسي "الوسط" الايحاء بأن هؤلاء مجرد شرذمة خارجة على شرعية الجماعة جذبتهم اضواء الاعلام وانبهروا بتسابق الصحافيين والمراسلين الاجانب عليهم للحصول على احاديث صحافية منهم، وما زاد الازمة تفاعلا ان مؤسسي "الوسط" مارسوا مع رجال الحرس القديم "تكتيكاً" جديداً لم يألفه الشيوخ من قبل، فهم يخرجون كل فترة بمفاجأة تكون نتيجتها دائما لمصلحتهم في حين يظل الشيوخ يبحثون عن سبيل لتبرير الازمة امام جموع "الاخوان" في القاهرةوالمحافظات الاخرى. هكذا صار رجال الحرس القديم في موقف رد الفعل على رغم انهم ارادوا منذ بداية الازمة ان يضعوا مؤسسي "الوسط" في الموقف نفسه إلا أن هؤلاء الشباب لم يعودوا في الحقيقة شبابا، فهم وجدوا من الصعب الاستمرار في العمل تحت جناح رجال الحرس القديم وبالاسلوب نفسه الذي ظل الشيوخ يعملون به منذ تأسيس "الجماعة". وتعلم اوساط "الاخوان" ان ابناء جيل السبعينات وابرز رموزهم الدكتور عبدالمنعم ابو الفتوح والدكتور عصام العريان والدكتور محمد عبداللطيف والمهندس ابو العلا ماضي والدكتور صلاح عبدالكريم، هم الذين اعطوا "الجماعة" زخماً، حينما انضموا اليها في نهاية السبعينات بعدما مارسوا العمل العام من خلال قيادتهم للاتحادات الطلابية التي كانت في تلك الفترة افضل وعاء سياسي يتمتع بقدر كبير من الحرية والدعم المالي والمساندة الجماهيرية من خلال القاعدة الطلابية العريضة. ودخل هؤلاء الى "الاخوان" على رغم تحفظاتهم عن امور كثيرة خاصة بافكار "الجماعة" وأسلوبها. والثابت ان مرشد "الاخوان" الحالي مصطفى مشهور لعب دورا مهما في اقناعهم بالانضمام الى "الجماعة" وحينما ابلغوه بتحفظاتهم رد قائلا: "فلتنضموا الى الجماعة ولتغيروا من الداخل". غير ان واقع الامور لم يكن على هذه الدرجة من السهولة، فرجال الحرس القديم كانوا يحكمون سيطرتهم على "الجماعة" ما دفع عددا من ابرز رموز "الاخوان" الى الابتعاد كما فعل توفيق الشاوي وصالح ابو رقيق وفريد عبدالخالق. وواجه الشباب صعوبات جمة الا انهم ظلوا على محاولاتهم لتغيير قناعات استقرت في عقول "الاخوان" لسنوات طويلة وكسبوا جولة مهمة حينما غيروا من فكر الجماعة تجاه العمل العام. فرجال الحرس القديم كانوا يرون أنه كثير المخاطر، وان سرية العمل تضمن للجماعة الاستمرار وتحفظ لها وجودها. ضغط الشباب في اتجاه المشاركة في انتخابات مجلس الشعب وخوض معارك الانتخابات النقابية. وسيظل التاريخ يذكر فضل هؤلاء فيما وصل إليه "الاخوان" من نفوذ وسيطرة على مجالس اهم النقابات المهنية: المحامين والاطباء والمهندسين. تمرد جيل الشباب لقد انضم جيل كامل الى "الاخوان" خلف تلك الرموز، بعضهم اندفع إلى "الاخوان" هربا من جماعات اخرى تؤمن بمبدأ تغيير المنكر باليد أي ممارسة العنف، وبعضهم رأى أن قبول الرموز الانضمام الى الجماعة دليل على ان "الاخوان" هي افضل وعاء يمكن ان يجمعهم ويمارسون من خلاله نشاطا سياسيا. الا ان التفاعلات داخل "الجماعة" واصرار الحرس القديم على بسط نفوذه واستبعاد المعارضين جعل هذا الجيل يعلن تمرده ورغبته في العمل مستقلاً، ارهقته الضربات الحكومية المتتالية لذلك أصر على أن يعمل في النور بعيدا عن العمل تحت الارض وفي جوف الظلام. جيل رأى أن ممارسات الشيوخ ادخلت "الجماعة" في صراع تلو الاخر مع الدولة كانوا هم اول ضحاياه، والدليل على ذلك ان سجن طرة يحتضن بين جدرانه عصام العريان وعبدالمنعم ابو الفتوح وابراهيم الزعفراني واخرين من الجيل نفسه، في حين ان اعضاء مكتب الارشاد يعقدون اجتماعات دورية ويلتقون في شقة على كورنيش النيل في ضاحية منيل الروضة بصورة يومية تحت أعين اجهزة الامن من دون ان يكون امرهم خافيا على أحد. وهكذا فإن ما اقدم عليه بعض من هؤلاء وعلى رأسهم المهندس ابو العلا ماضي والصحافي صلاح عبدالمقصود والمحامي عصام سلطان وعصام حشيش حينما اجتمعوا سرا وقرروا تأسيس حزب "الوسط" وسعوا الى اقناع اخرين من "الاخوان" للانضمام اليهم ليس بداية لازمة داخل "الاخوان" لكن نتيجة طبيعية لما حدث خلال السنوات الماضية من صدامات مكتومة وصراعات غير محسوسة ساهمت المواجهات التي كانت تدور بين "الجماعة" والحكومة في تأجيل خروجها الى السطح. واذا كان شيوخ "الاخوان" يرددون ان الرموز الموجودين داخل السجن مازالوا على ولائهم لپ"الجماعة" وانهم يرفضون سلوك ابناء "الوسط" الا ان اوساط "الجماعة" تعلم ان العريان وابو الفتوح والزعفراني وغيرهم غير راضين عن سلوك الشيوخ وان احد هؤلاء بعث اخيرا برسالة الى المرشد مشهور ابدى فيها اسفه لموقف قادة "الجماعة" من قضية "الوسط" معتبراً ان الاوضاع في "الجماعة" بلغت حداً من السوء لم تبلغه من قبل. ولعل اكبر انتقاد يوجهه شباب "الاخوان" الى مؤسس "الجماعة" حسن البنا انه لم ينجح في تكوين كوادر تكون لديها القدرة على قيادة "الجماعة" من بعده، وربما كان ابرز دليل على ذلك ان "الاخوان" خالفوا في كل مرة لائحتهم الداخلية التي وضعت قواعد لانتخابات المرشد العام لپ"الجماعة" بعد البنا ولجأوا دوما الى "التعيين" بدلاً من الانتخاب وهو الحل التوافقي الذي مكن رجال التنظيم الخاص وعلى رأسهم مصطفى مشهور، من السيطرة على "الجماعة" والهيمنة على مقدرات الامور فيها بغض النظر عن شخصية المرشد. فالمرشد الثاني حسن الهضيبي تسلم منصبه في 19 تشرين الاول اكتوبر العام 1951، أي بعد حوالي ثلاث سنوات من اغتيال البنا، ووسط ظروف سياسية وتنظيمية معقدة. فالعلاقات مع الحكومة كانت مضطربة وتحتاج الى تهدئة. والتنظيم الخاص للاخوان بقيادة عبدالرحمن السندي وصل الى درجة من التضخم المادي والادبي على حساب سمعة "الاخوان" ومكانة "الجماعة" السياسية والاعتبارية. ويقول الدكتور عبدالله النفيس في كتابه "الحركة الاسلامية رؤية مستقبلية": "كانت الشخصيات البارزة والقديمة في "الجماعة" تنظر الى هذا الوافد الجديد الهضيبي والذي لم يكن في وقت من الاوقات معروفا بشيء من عدم الارتياح، ودخل الهضيبي بذلك الى عالم عجيب وغريب لم يعتده من قبل وهو المستشار في محكمة النقض الذي يؤمن بالقانون والقانونية، يكره العنف وحب الظهور امام الجمهور كما يكره السرية. دفع الهضيبي ومعه "الاخوان" الثمن غاليا جراء هذا الخلط الخطير في مقادير التركيب القيادي بين "أهل الثقة" و"اهل الكفاءة". أعضاء النظام الخاص وليس سرا ان اختيار الهضيبي مرشداً عاماً لپ"الاخوان" كان حلا وسطا كي تخرج "الجماعة" من ورطة كثرة المرشحين لهذه المسؤولية، فالمرشحون كانوا عبدالرحمن البنا شقيق حسن البنا وصالح عشماوي وكيل "الجماعة" الذي كان يحظى بتأييد النظام الخاص لپ"الجماعة" وعبدالحكيم عابدين سكرتير "الجماعة" انذاك، والشيخ احمد حسن الباقوري، ونظراً الى الخلاف الكبير على المرشحين انتهى الامر الى اختيار الهضيبي الذي لم يكن معروفا للكثيرين من اعضاء "الجماعة". فحاول ان يمنع اعضاء النظام الخاص من ان يكونوا اوصياء على شؤون "الجماعة" غير ان هؤلاء استثمروا فترة السجن الطويلة في العهد الناصري لاعادة تنظيم انفسهم وتقسيم النفوذ فيما بينهم. وكانت وفاة الهضيبي في 11 اب اغسطس العام 1973 ايذاناً بانهيار كل مقاومة ذاتية في "الجماعة" ضد العسكرة وبداية لانتكاسة فكرية وادارية وسياسية عاشتها "الجماعة" ولم تزل. ولجأ اصحاب النظام الخاص الى ما اسموه مفهوم "المرشد السري" غير المعلن بعد وفاة الهضيبي وصار عناصر التنظيم الخاص: مصطفى مشهور وكمال السنانيري واحمد حسنين واحمد الملط وحسني عبدالباقي وغيرهم هم المهيمنون على مقاليد الامور، الا ان مطالبة "الاخوان" داخل مصر وخارجها بتصحيح الخطأ وانتخاب مرشد لپ"الجماعة" دفعت هؤلاء الى اختيار عمر التلمساني مرشدا وهو صاحب الشخصية الهادئة ليكون واجهة فقط. وآلت امور التنظيم تماما الى اصحاب النظام الخاص في حين انشغل التلمساني بان يكون صلة مباشرة ودائمة مع اقطاب الحكومة . وتوفي التلمساني في 22 ايار مايو 1986 وكان على "الاخوان" اختيار خلف له، وبدلا من تدارك ما حصل بعد وفاة الهضيبي، مضوا في الخط نفسه عندما عينوا محمد حامد ابو النصر مرشدا جديدا، وخلال عهده أحكم مشهور بمعاونة المستشار الهضيبي قبضته على مقاليد الامور وأمسك بكل الخيوط داخل "الجماعة". وعندما توفي ابو النصر اراد الهضيبي ان يحمّل مشهور جميلاً، فوقف وسط المقابر اثناء دفن ابو النصر واعلن ان "الاخوان" بايعوا مشهور مرشداً لهم. وفوجئ آلاف "الاخوان" ومئات من رجال الامن خصوصاً ان الجميع يعلم ان قواعد "الاخوان" لا تنص على ذلك وان هذه البيعة الاعلامية ليست من سمات "الاخوان" على طوال تاريخهم. رد مزدوج واعترض اقطاب في "الجماعة" والاف من شبابها على ما تم من اجراء، واعتبروا ان الهضيبي اراد احراج مشهور الذي كان يحظى باجماع على انتخابه مرشداً، وان المنصب كان له اذا اتبعت الاجراءات التي تنص عليها لوائح "الاخوان"، الا ان اخراج الامر على هذا النحو تم للايحاء لمشهور بان الهضيبي كان السبب وراء اختياره مرشداً وعليه ان يرد الجميل بأن يطلق العنان للهضيبي وهو ما حدث بالفعل. حينما قرأ مشهور والهضيبي وباقي اعضاء مكتب الارشاد خبر قيام عدد من شباب "الجماعة" بتقديم اوراق تأسيس حزب "الوسط" الى لجنة الاحزاب شعروا بان في الامر خديعة واعتبروا ان الشباب تآمروا على "الجماعة" ورأوا ان عدم الرد على هذه الخطوة يهدد مستقبل "الجماعة" ويضربها في الصميم، غير ان "الاخوان" يفضلون دائما ان يبدوا امام الجميع وكأن لا خلافات بينهم لذلك اتسم رد فعل شيوخ "الاخوان" بالازدواجية، فاعلنوا في الصحف ان لا علاقة للجماعة بالحزب وان الخطوة مجرد اجتهاد لمجموعة من الشباب وتمنوا لهم التوفيق، وفي الوقت نفسه اتخذ مكتب الارشاد سرا قرارا باحالة المشاركين في تأسيس "الوسط" من المنتمين الى "الجماعة" الى التحقيق، وطُلب منهم الرجوع عن تلك الخطوة والا فعليهم ان يعتبروا انفسهم خارج "الجماعة"، وحينما نشرت الصحف انباء التحقيق وما جرى فيه سارع "الاخوان" الى نفي الامر ولكن تفاصيل ووقائع اخرى نشرت حول تفجر الخلافات بين الفريقين واصرار الشباب على المضي في تجربتهم والاجراءات التي بدأ شيوخ "الجماعة" في اتخادها ضدهم، فما كان من الشيوخ الا ان اعلنوا ان مروجي هذه الاخبار "مباحث" يهدفون الى زرع بذور الشقاق داخل "الجماعة" ويسعون الى تدميرها الا ان ذلك لم يجد صدى في اوساط "الاخوان"، خصوصاً ان الذين بدأوا في نشر تفاصيل الازمة كان بينهم اكثر المقربين الى "الاخوان" بل انهم تعرضوا مرارا لمضايقات امنية لقيامهم بنشر بيانات "الجماعة" واتهموا لفترة طويلة بالترويج لها والاساءة الى الحكومة، وحينما شعر شيوخ "الاخوان" بان كلامهم صار غير مقنع وان أخبار الازمة انتشرت وتخطت محافظة القاهرة ووصلت الى محافظات الدلتا ذات الوجود "الاخواني" الكثيف عمدوا الى اتباع سياسة "الهجوم خير وسيلة للدفاع" ومارسوا ضغوطا شديدة على مؤسسي "الوسط" لدفعهم الى الانسحاب منه ووزعوا عليهم اقرارا امروهم بالتوقيع عليه واشهاره في الشهر العقاري بسحب التوكيلات التي كانوا منحوها الى وكيل مؤسسي الحزب المهندس ابو العلا ماضي. واستجاب عدد من المؤسسين تحت ضغوط الشيوخ ورفض البعض الاخر واصر على مواصلة السير في اجراءات تأسيس الحزب. وفي يد الشيوخ حاليا عدد من الاقرارات كلفوا احد محاميهم بتقديمها الى محكمة الاحزاب خلال الجلسة التي ستعقد للنظر في الطعن على قرار الاحزاب الشهر المقبل، غير ان مصير الحزب ومستقبل "الجماعة" ونتيجة الازمة بين جيل الشباب وجيل الحرس القديم ليس بيد "الجماعة" وحدها، فالحكومة تترقب وتدرس وسيكون لموقفها من الحزب التأثير الاكبر على ما سيحدث مستقبلاًَ. تمثيلية مكشوفة؟ لقد قام موقف الحكومة تجاه قضية حزب "الوسط" منذ البداية على اساس عدم تصديق ان الشباب على خلاف مع الشيوخ، وصدرت تصريحات رسمية عدة وصفت ما يحدث بانه "تمثيلية" واعتبرت وجود احد ابرز المفكرين الاقباط وهو الدكتور رفيق حبيب بين مؤسسي الحزب بانه "مجرد ديكور لاستكمال الصورة" حتى ان صحفاً اعتبرت ان نشر أخبار الخلافات داخل "الاخوان" محاولة مكشوفة لترويج فكرة الخلاف، واتهمت "الاخوان" باستخدام بعض الصحافيين لپ"الضحك على الحكومة". وفي نيسان ابريل الماضي اعتقلت السلطات 13 من قادة "الاخوان" بينهم ثلاثة من مؤسسي "الوسط" هم ابو العلا ماضي وعصام حشيش ومجدي الفاروق، واحالتهم على نيابة امن الدولة العليا، وحوت مذكرة التحريات التي قدمتها الشرطة الى النيابة معلومات تفيد بان "الاخوان" اعتمدوا قرارا بتشكيل حزب سياسي وعهدوا الى ابو العلا ماضي بتأسيسه واستغلوا وسائل الاعلام لترويج انباء عن وجود خلافات بينهم للالتفاف على الشرعية والحصول على ترخيص للحزب بمزاولة نشاط سياسي. واحيل المتهمون جميعا على محكمة عسكرية غير ان التفاعلات التي كانت تجري وقتها داخل "الجماعة" كشفت عن ان الخلافات حقيقية وان شيوخ "الاخوان" يهدفون الى ضرب الحزب ومنعه من الحصول على الترخيص بدرجة تفوق رغبة الحكومة في ذلك. وحصل مؤسسو "الوسط" الثلاثة على البراءة وبدأت التصريحات الرسمية تأخذ شكلاً اخر وتؤكد ان امر الحزب مرهون بقرار قضائي بعدما طعن المؤسسون امام لجنة الاحزاب ضد قرار رفض تأسيس الحزب. محكمة الاحزاب ويدور تساؤل على موقف محكمة الاحزاب من الحزب في الاوساط السياسية المصرية، وتتألف المحكمة من خمسة قضاة وخمس شخصيات عامة، لذلك فان الرأي الحكومي امر يظل في الحسبان، ولا شك في ان شيوخ "الاخوان" يتمنون ان ترفض المحكمة الحزب من الجلسة الاولى، اذ ان ذلك سيدعم موقف الحرس القديم بشدة ويثبت لكل "الاخوان" ان وجهة نظر الشيوخ هي الصائبة دائما وان الحكومة لن توافق ابدا على قيام حزب يحتل الاسلاميون الغالبية فيه، وفي الوقت نفسه فان قبول الطعن يعني اشهار الحزب الامر الذي سيعد اكبر ضربة توجه للاخوان وسيمثل انتصارا ساحقا للشباب، اضافة الى ان كثيرين يعتقدون بأن القرار في حال صدوره سيؤدي الى هجرة جماعية "من الجماعة الى الحزب وسيندفع الاف الاخوان للحصول على عضوية الحزب وممارسة نشاط علني قانوني دون ملاحقة قانونية او متابعة امنية". غير ان حسابات الحكومة لا تقف عند هذا الحد، فالمؤكد انها لا تستطيع ان تراهن على وجود حزب اسلامي حتى ولو كان على خلاف مع "الاخوان" الجماعة وحتى لو كان من بين اعضائه بعض الاقباط، فتجربة الجزائر مازالت عالقة في الاذهان. ويبقى ان بعض المراقبين يتوقع ان تراهن الحكومة على استغلال عنصر الوقت لتفعيل التناقضات بين الطرفين والوصول بالازمة الى اقصى درجاتها، وذلك في حال تأجيل نظر الطعن لاشهر عدة او حتى سنوات عدة، ربما تكون كفيلة بان تنهك قوى الشباب وتستنفد طاقتهم وفي الوقت نفسه تؤدي الى تآكل "الجماعة" وانهيارها. واخيرا فان كل طرف يحاول استغلال الازمة لمصلحته. فشيوخ "الاخوان" انزعجوا بشدة اثر صدور تصريحات لاقطاب من "الجماعة" كالشيخ يوسف القرضاوي والدكتور توفيق الشاوي، تعارض مسلك الشيوخ وتنتقد اسلوب تعاملهم مع ازمة "الوسط"، فيما يحاول الشيوخ من خلال جولات في المحافظات الحفاظ على وحدة الصف وتجاوز الازمة. أما الشباب فيستثمر خبرته في العمل العام لفتح قنوات مع القوى السياسية الاخرى، ومع كل يوم يحصل على رصيد جديد، والدليل على ذلك انضمام عدد من ابرز كوادر "الاخوان" الى حزب "الوسط" بعدما استقالوا من عضوية "الاخوان"، على رغم انهم لم يكونوا من المؤسسين منذ البداية، ويعد انضمام كل من الدكتور محمد عبداللطيف والدكتور صلاح عبدالكريم والباحث ابراهيم البيومي غانم الى "الوسط" انتصاراً للشباب، كما جاءت تصريحات القرضاوي والشاوي لتخدمه، لجهة تأكيد ان الازمة داخل "الاخوان" لم تتفجر بسبب خروج الشباب على النظام العام لپ"الجماعة"، وانما بسبب سياسة الشيوخ واسلوب ادارتهم. والجديد في الامر ان اقطابا بارزين في الحركة الاسلامية بدأوا يتحدثون عن مستقبل هذه الحركة، وكان من اللافت ان السيد جمال البنا شقيق مرشد "الاخوان" الاول حسن البنا اصدر كتاباً بعنوان "ما بعد الاخوان المسلمين" حمل كثيراً من التساؤلات عن مستقبل "الجماعة" وما آلت اليه اوضاعها