أجرت "الوسط" حواراً مع وزيري خارجية السودان علي عثمان محمد طه ومصر عمرو موسى أثناء وجودهما في هراري لحضور المؤتمر الثالث والثلاثين لرؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الافريقية. وأجري الحوار مع كل من الوزيرين على حدة، غير أن تشابه الأسئلة واختلاف الاجابات ينمان عن جفوة كبيرة بين البلدين. واتفق الوزيران في موقفهما حين أجابا عن سؤال "الوسط" عن ضرورة إحداث تغيير في هياكل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وحيال الموقف الافريقي من الحق العربي وقضية السلام. فقد أكدا رضاءهما لما خرجت به القمة من مساندة للموقف العربي ومناشدة اسرائيل الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية ووقف بناء المستوطنات وتأييد حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة. سألت "الوسط" الوزيرين عن موقف بلديهما من المساعي الرامية الى اصلاح بنية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وجاءت اجابتاهما كالآتي: علي عثمان طه: نؤيد ما جاء عن هذا الموضوع في بيان القمة الافريقية وقد كان السودان من أول الدول التي نبهت الى ضرورة اجراء تعديلات جوهرية وشكلية في عضوية مجلس الأمن بما يتماشى مع التطورات الجديدة في العالم وحق شعوب دول العالم الثالث في ممارسة دورها من خلال هذا المنبر الدولي المهم. ونحن مبدئياً نوافق على رفع عضوية المجلس الى 26 عضواً، مع منح قارة افريقيا سبعة مقاعد بينها مقعدان دائما العضوية بكامل الصلاحيات ومنها بالطبع استخدام حق النقض الفيتو. عمرو موسى: ترى مصر ان الموضوع ليس زيادة مقاعد فقط، وانما هناك ضرورة لاصلاح العمل في مجلس الأمن بما في ذلك طريقة عمل المجلس وفاعليته وذلك بالنظر الى شفافية العلاقة وموضوع استخدام حق النقض. ليس مهماً أن تكون العضوية ل 15 أو 20 أو 26 دولة، المهم الاحاطة بالموضوع واعطاؤه القدر اللازم من المناقشة والدراسة والا يحسم في جلسة أو جلستين قبل أن ينضج تماماً. حالياً تتمتع بعضوية مجلس الأمن 15 دولة من مجموع 184 دولة. والعدد قليل جداً والمطلوب زيادة فاعلية المجلس قبل زيادة المقاعد، وان كنا في مصر مع الرأي الذي يطالب برفع العدد الى 25 أو 26 دولة في حين ترى الدول ذات العضوية الدائمة في المجلس الآن ألا يزيد العدد على 21 دولة. وفي ما يختص بالدول ذات العضوية الدائمة التي تتمتع بحق النقض، هنا تظهر التفرقة الواضحة. فألمانيا واليابان تريدان العضوية الدائمة وحق الفيتو، والدول النامية في العالم الثالث كذلك تريد العضوية الدائمة وحق الفيتو والعضوية العادية. وبالنظر الى التقسيم الحالي للمجلس فهناك مجموعة أوروبا الغربية وغيرها والمقصود بغيرها الولاياتالمتحدة ولها 7 مقاعد، منها 4 دائمة العضوية تملك حق الفيتو، ولو أضيفت المانيا فسيرتفع العدد الى 8 في حين ان مجموعة افريقيا لها ثلاثة مقاعد، وأميركا اللاتينية والدول الكاريبية لها مقعدان، ومجموعة آسيا بكل جبروتها لها مقعدان فقط، احدهما بعضوية دائمة وفيتو وهو الصين. وهنا تظهر المفارقة. نحن مع رفع عدد مقاعد افريقيا لخمسة مع مقعد أو مقعدين على الأقل بعضوية دائمة بكامل الصلاحية بما فيها استخدام حق النقض. وهذه يمكن أن تعطى لدول لها وزن اقليمي أو جغرافي أو اقتصادي وغير ذلك. قلت لوزيري خارجية البلدين ما ذكره الرئيس السوداني عمر البشير حول خصوصية العلاقة بين بلديهما وأنها يجب أن تتعدى الجوار الى التكامل... وهي رغبة شعبي وادي النيل. فلماذا استمرار القطيعة والتدهور؟ علي عثمان طه: أنا مع وضع إطار موضوعي لمستقبل علاقة البلدين يقوم على القواسم المشتركة ومنهجية الحوار حول القضايا الخلافية، ونرى أن جمود العلاقة عند محطة واحدة رغم تعاقب السنوات في عالم سريع الايقاع والتغيير، خصوصاً ما يجري حولنا في منطقة القرن الافريقي من شأنه أن يعرض الأمن القومي في كلا الدولتين لمخاطر لا تقل درجة عن نقطة توقف العلاقة بينهما. عمرو موسى: الرئيس البشير يأمل أن تتجاوز العلاقة بين البلدين مرحلة حسن الجوار الى التكامل. فلننظر أولاً الى حسن الجوار قبل التطلع لآفاق أرحب، ويجب أن نكون واقعيين فمصر والسودان مهما اختلفا فهما أقرب شعوب الأرض بعضهما الى بعض. ولكن يجب الاعتراف بوجود خلاف حقيقي في السياسة وصل الى موضوع أخطر لا يمكن التساهل فيه، وهو وجود اتهام بالضلوع في محاولة اغتيال رئيس مصر وهذا أدى الى أن تصل الأمور الى درجة بعيدة وغير طبيعية. علي عثمان طه: أوضحنا بجلاء شديد أن لا علاقة للسودان بمحاولة اغتيال الرئيس المصري، وفي ما يتعلق بملابسات دخول بعض المصريين المتهمين في المحاولة السودان قبل المحاولة أو بعدها، تسلمنا هذه المعلومات بعد شهر كامل من الحادثة واتخذنا عدداً من الخطوات بعد ذلك لحماية جدار أمننا الوطني مما يساعد في تأمين الأمن الاقليمي، بما فيه الأمن المصري. وهي خطوات واضحة شهد بها العالم. وأكدنا استعدادنا للتعاون الثنائي مع الجانب المصري في التفاصيل أو الكليات. وكان هذا الأمر يقابل بجفاء من الطرف المصري على الدوام. ومن ذلك عدم حضوره حتى للاجتماعات التي تعقد في الخرطوم. عمرو موسى: المسألة ليست حضوري للخرطوم أو عقد اجتماعات اللجان، المسألة كسر الجمود والتفاعل الجاد مع الأمور. ومحاولة اغتيال مبارك مسألة خطيرة، ومصر كانت في حاجة الى ترضية ولا أنكر أن الحساسية التي خلفتها هذه المحاولة لا تزال موجودة. ولا تصدق استمرار هذه الأساليب الارهابية في نهاية القرن العشرين والعالم يشهد تحولات سياسية واقتصادية. وأقول رغم هذه الحساسية التي لا تزال تعيشها فإن لمصر مواقف ثابتة ومبدئية لن تحيد عنها، ومنها عدم الاضرار بالشعب السوداني ولم نقف مرة واحدة في مجلس الأمن أو المنظمات المالية والاقتصادية لتوقيع عقوبات على السودان، على رغم أن السودان وقف وصوَّت في منظمة التجارة التفضيلية ضد دخول مصر هذه المنظمة، الأمر الذي وضع علامة استفهام كبيرة. علي عثمان طه: أولاً من ناحية حقائق تاريخية أوضحنا أكثر من مرة للجانب المصري ان السودان لم يبادر ويعترض على دخول مصر في منظمة التجارة التفضيلية، وهذا موضوع سهل حسمه بالرجوع للمضابط. ومصر لم تلهث وراء وضع السودان في دائرة العقوبات، لكنها كانت طرفاً أساسياً في طرح الموضوع في مجلس الأمن. عمرو موسى: نحن في مصر نضع العلاقة والخلافة في حدود اطاره فقط ونحاول أن ننسى وجود متطرفين مصريين مطلوبين لأجهزة العدالة المصرية في السودان، ولم نتصرف بعصبية. وهذا واضح من موقفنا المبدئي من وحدة السودان. ولا نقبل بأي صورة من الصور فصل الجنوب عن الشمال على رغم وجود أصوات نسمعها أحياناً داخل السودان تنادي بالانفصال لأننا نعرف السودان بحدوده الحالية بشماله وجنوبه. وحين يطلب منا أي سوداني الحوار نوافق دون تأخير. ولو كان الأمر يتعلق بجون قرنق أو الصادق المهدي أو محمد عثمان الميرغني فكلهم سودانيون، وحتى أنت لما طلبت مني الحوار وعرفت أنك سوداني وافقت على طول. ولكن ما نحس به من حوار مع الحكومة عدم وجود أي تقدم. والحكومة السودانية لم تغيّر سياستها وتوجهها الذي وسع دائرة معارضيها حتى داخل السودان، بمعنى أن الخلاف لم يعد بين حكومة السودان ومصر فقط، وانما بين حكومة السودان وشعبها وقرنق والمهدي والميرغني في المعارضة. ونحن نعرف السودان جيداً. علي عثمان طه: الشعب السوداني هو سيد أمره ولا تزال السياسة المصرية تقف عند محطة الوصاية الاستعمارية التي كان عليها أن تراجعها وتتجاوزها. هذه المحطة هي السبب في الخلاف والتوتر الدائم بين البلدين وهو لم يبدأ مع هذه الحكومة، وانما مع كل الحكومات السابقة منذ الاستقلال وحتى الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني اللذان تحتضنهما القاهرة الآن. من السهل علينا أن نصدر أحكاماً من هنا حول حجم التأييد والشعبية اللذين يحظى بهما النظام المصري وموقف كتل الشعب المصري منه لكننا نرى أن ذلك شأن داخلي يحكمه كل شعب وفقاً لخياراته. عمرو موسى: النظام السوداني يعرف مطالبنا جيداً بشأن عودة العلاقات لمسارها الطبيعي، وحديثهم عن خطوات قاموا بها تكذبه تقارير تصلنا باستمرار. نحن نود من الحكومة في الخرطوم ان تعيد النظر في توجهها كله حتى لا ينطبق عليهم المثل المصري الذي يقول "يخرج من ترعة يوقع في قناية". والشعب السوداني تضرر كثيراً ونود من الحكومة السودانية ألا تتعامل معنا بسياسة "المتطرفين خرجوا ومنعنا دخولهم". طيب ما كانوا موجودين. ألخص وأقول ان المسألة عاوزة قرار سياسي كبير والسودان مالهوش غير مصر. علي عثمان طه: إذا كانت مصر تريد أن يتخلى السودان عن سياساته وتمتعه باستقلاله، فإن هذا أمر تم حسمه. والسودان ظل منذ الاستقلال عن مصر وبريطانيا يحاول اعطاء رسالة واضحة عبر كثير من المحاولات لتعزيز استقلاله وآخرها التي تركزت منذ عام 1989 بأن يتحقق الاستقلال الموضوعي والسياسي والخصوصي، وهذا هو جوهر التوجه السوداني وليس من المطلوب أن نقبل التدخل في شؤوننا الداخلية. الخلاف مع جون قرنق قديم، وبدأ بعد بداية الحركة الشعبية لتحرير السودان بقليل والخلاف ليس شخصياً أو قبلياً انما هو خلاف حول ثلاث قضايا ونقاط جوهرية، الأولى: حق شعب الجنوب في تقرير المصير وجون قرنق كان يعمل لما يسميه تحرير السودان كله. والثانية: تحقيق الديموقراطية داخل الحركة، إذ ان قرنق يستبد بالرأي ولا يأبه لآراء أخرى داخل الحركة. والثالثة: انه لا يحترم حقوق الانسان في الجنوب .