اقترب موعد انتخابات الرئاسة الايرانية وهي السابعة منذ سقوط نظام الشاه وقيام الجمهورية الاسلامية، وذلك بعدما سمح المجلس الدستوري الموكل بأهلية المرشحين لأية انتخابات لأربعة فقط من المتقدمين لخوض الانتخابات، ثلاثة من رجال المؤسسة الدينية ورابع مدني لكنه من المؤسسة الدينية الحاكمة. وفوجئ المراقبون بأن المجلس الدستوري لم يسمح للنائب المخضرم سعيد رجائي خراساني بالترشيح للانتخابات على رغم انه من المحسوبين على المؤسسة الدينية، وتحديداً من جناح اليمين الديني المحافظ، الا ان المراقبين لم يفاجئهم حذف اسماء مثل ابراهيم يزدي زعيم حركة الحرية المحظورة، وعزت الله سحابي الرئيس السابق لمنظمة الميزانية والتخطيط واعظم طالقاني ابنة آية الله محمود طالقاني. ومن اصل 238 تقدموا بطلبات الترشيح لم يسمح المجلس الدستوري الا لأربعة فقط في خطوة اعتبرها بعضهم تدخلاً في حرية الناخب لاختيار من يريد، ورآها آخرون من الاحكام المسبقة التي تحدد نتيجة الانتخابات بالطريقة التي يراها المجلس الدستوري. ويتألف المجلس الدستوري من 12 عضواً، ست من آيات الله يعينهم الولي الفقيه والاخرون يختارهم البرلمان من رجال القانون المعروفين. ويتخذ المجلس قراراته بغالبية الاصوات، وهو صمام امان يمارس دور الوصاية على مجمل الفاعليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال اقرار أو رفض اللوائح والقوانين التي يتبناها البرلمان لتصبح دستورية أو عن طريق الاشراف التنفيذي على جميع عمليات الاستفتاء والانتخابات التي تجري في ايران، بدءاً من تحديد اهلية المرشحين وانتهاءً بتعيين سلامة الانتخابات أو الاستفتاء. ويعد آية الله احمد جنتي الامين العام للمجلس أحد ابرز زعماء المؤسسة الدينية الاعضاء في المجلس الدستوري، واسمه بالفارسية "مجلس نكهبان" وتعني "مجلس الصيانة". وسألت "الوسط" جنتي المعروف ب "جرأته في انتقاد الحكومة" عن الاسباب الكامنة وراء قرار المجلس الدستوري بالسماح لأربعة مرشحين فقط بخوض معركة الانتخابات الرئاسية، فقال "ان الكثيرين ممن تقدموا بطلبات الترشيح لم يكونوا معروفين وان بعضهم كان أمياً لا يجيد حتى القراءة والكتابة، وينص الدستور على ان يكون الرئيس من الرجال السياسيين المشهود لهم بالكفاية، وان مجرد تطبيق نص المادة الدستورية على المتقدمين يجعلهم يتساقطون، الا الاربعة الذين سمح لهم بخوض الانتخابات". لكن هذا التفسير الذي قدمه جنتي يرفضه عزت الله سحابي، وهو مدير التحرير المسؤول لمجلة "ايران فردا" وتعني "ايران الغد" وهي تبشر بايران جديدة ذات معايير لا تتفق مع النظام الحالي، خصوصاً ما يتعلق بالحريات وعملية التنمية الاقتصادية ونموذج الديموقراطيات الغربية. ويقول سحابي وهو ليبرالي تكنوقراط وكان من انصار "حركة الحرية" التي اسسها الراحل مهدي بازركان، انه مندهش لانه رُفض بينما قبل المجلس الدستوري رضا زواره اي باعتباره من الرجال السياسيين. اما جنتي فيضيف شرط التزام ولاية الفقيه كنظام مقبول من غالبية الشعب الايراني في الاستفتاء بنعم أو لا، الذي جرى في الاول من نيسان ابريل 1979. ويؤكد جنتي ان المجلس راعى هذا النص الدستوري لانه من غير المعقول تسليم ادارة البلاد وثاني موقع قيادي فيها بعد المرشد لمن لا يعتقد بمبدأ ولاية الفقيه. ويشير الى ان بعض المرشحين رفض الاجابة على النص المتعلق بولاية الفقيه من استمارة الترشيح. اما عزت الله سحابي وزعيم حركة الحرية المحظورة ابراهيم يزدي فأقرا بانهما فعلا ذلك لانهما لا يقبلان بولاية الفقيه، اي بحاكمية رجال المؤسسة الدينية. وعلمت "الوسط" ان بعض الاقطاب السياسيين والدينيين كانوا مع السماح ليزدي وسحابي، او احدهما، بخوض الانتخابات الا ان جنتي أصر مع العديد من اعضاء المجلس الدستوري على التقيد بالدستور وعدم السماح لمن لا تتوافر فيه الشروط لخوض سباق مصيري لا يمكن المساومة فيه. لكن ما موقف المجلس الدستوري من صلاحية النساء المرشحات؟ وهل هناك توجه خاص لتقييد دور المرأة الايرانية في ضوء تصريحات اطلقتها ابنة الرئيس رفسنجاني السيدة فائزة حول دور المرأة القيادي في المؤسسة الايرانية؟ يرفض جنتي اية تفسيرات غير عادية للنص الدستوري الذي يقول انه واضح في شأن عدم السماح للمرأة بتولي مسؤولية القوامة، وهي للرجل، كما نص على ذلك القرآن الكريم واثبته الدستور الايراني في المادة التي تشترط ان يكون الرئيس من الرجال. رجال... ومردان وحاولت السيدة اعظم طالقاني، وهي محسوبة على جناح المعارضة غير الرسمية، تقديم تفسير مغاير عندما تقدمت بطلب الترشيح واثارت هذه النقطة بقولها ان كلمة "رجال" تعني مطلق الشخصيات السياسية. ولا فرق بين المرأة والرجل... ولو كان الدستور يشترط الذكورة في المرشح لقال بالفارسية كلمة "مردان" ولم يتحدث عن رجال في استعارة بليغة من اللغة العربية وتعني الشخصيات السياسية"، كما قالت طالقاني ل "الوسط". الا ان هذا التفسير يتيم في ايران على رغم ادوار قيادية بارزة حصلت عليها المرأة الايرانية في القضاء ورئاسة البلدية وحتى في قيادة الطائرات وتحت قبة البرلمان وداخل قصر الرئاسة كمستشارة للرئيس. يبقى سعيد رجائي خراساني الذي امتنع جناح اليمين الديني المحافظ في رابطة علماء الدين المجاهدين المعروفة اختصاراً بپ"روحانيت" عن دعم ترشيحه في الانتخابات التشريعية السابقة الربيع الماضي، ويعتقد بأن دعواته المتكررة لتطبيع العلاقات مع الولاياتالمتحدة كانت السبب الرئيسي وراء منعه من خوض الانتخابات، علماً بانه شغل مواقع قيادية عدة اهمها رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان بعدما كان سفيراً لايران في الاممالمتحدة. ويشار هنا الى ان مرشد الثورة علي خامنئي وصفه من دون ان يذكره بالاسم ب "الجاهل البسيط" عندما اشار خامنئي الى اولئك الذين يدعون الى اقامة علاقات ديبلوماسية عادية مع الولاياتالمتحدة. وكادت دعوات خراساني ان تطيح بجناح اليمين الديني الذي تبرأ منه في الانتخابات الاخيرة. ويمكن القول ان ثلاثة فقط سيخوضون بشكل فعلي الانتخابات المقررة يوم الجمعة المقبل 23 الشهر الجاري لان المرشح الرابع وهو المستشار القانوني وعضو المجلس الدستوري رضا زواره اي لا يملك اي حظ في الفوز. وهو انما يشترك في الانتخابات، كما يقول بعضهم، لتقليل فرص محمد خاتمي في مقابل منافسة الاوفر حظاً علي اكبر ناطق نوري. وهناك سبب آخر له علاقة بتقليد دأبت عليه المؤسسة الحاكمة في انتخاب الرئيس من رجال المؤسسة الدينية اثر فشل تجربة أول رئيس مدني وهو أبو الحسن بني صدر الذي انتقل الى صف المعارضة وما زال يخلق المتاعب لايران. وقد ساد نقاش طويل داخل رابطة مدرسي الحوزة العلمية في قم حول الاصلح في هذا الموضوع ووقع الاختيار بالغالبية على نوري رئيس البرلمان الحالي. وفي الاتجاه الآخر وقع الخيار على خاتمي لينافس على الرئاسة بعدما رفض مير حسين موسوي الترشيح. ويدعم نوري البازار ورابطة علماء الدين المناضلين "روحانيت" وعدد كبير من اعضاء جامعة مدرسي الحوزة العلمية في قم بعدما أيد اثنان من كبارها خاتمي، أما خاتمي وهو ايضاً مستشار للرئيس رفسنجاني وعضو في مجلس الثورة الثقافية المعين من قبل المرشد خامنئي فهو مدعوم من مجمع علماء الدين المجاهدين "روحانيون" وهم الراديكاليون مع انصار نهج البناء "خدام البناء" المختبئين خلف عباءة الرئيس رفسنجاني. ويؤيد ريشهري الذي هو أمير الحج الايراني ورئيس المحكمة الخاصة برجال الدين قطاع من آيات الله في قم الى جانب المتمسكين بتفسير محدد لقيم الثورة الاسلامية. ومع ان نجم ريشهري بدأ يصعد اثر موسم الحج الاخير الا ان دوائر الاستطلاع في طهران تتحدث عن منافسة جدية بين خاتمي ونوري. واجرت جامعة الشهيد بهشتي استطلاعاً محدوداً اخذت فيه عينات مختلفة من الطلبة ومن خارج الجامعة واستنتجت ان خاتمي سيتقدم على منافسه نوري. كما اجرى اعضاء في البرلمان من انصار نوري استطلاعاً آخر رجح كفة مرشحهم، بينما توقع نواب مستقلون ان لا تحسم المعركة الانتخابية الا في الجولة الثانية، وقال النائب نجف قولي حبيبي "انه يتوقع ان يحصل خاتمي على غالبية الأصوات، اذا لم يحصل طارئ... وان شاء الله لا يحصل مثل ذلك الطارئ". الاقتصاد والانفتاح وبدأت الحملة الانتخابية بشكل رسمي في 3 من الشهر الجاري لكنها مورست بالفعل قبل وقت طويل وسط جدل على اساسيات تشكل الفارق بين مرشح المتشددين والمعتدلين خاتمي، ومرشح المحافظين نوري. وتشكل قضية تحرير الاقتصاد والعلاقات الخارجية وموضوع الانفتاح الاجتماعي العناوين التي تميز المرشحين لأن خاتمي الذي لا يمكنه ان يعيد عجلة برامج الاصلاح الاقتصادي التي اطلقها رفسنجاني الى الوراء، يؤمن بدور اكبر للدولة والتقيد بالدستور الذي يقسم الاقتصاد في ايران الى ثلاثة اقسام: اقتصاد الدولة، التعاونيات، الاقتصاد الخاص الخصخصة. وقال خاتمي في خطاب انتخابي: "ان الرئيس ليس فعالا لما يشاء، وعليه ان يتقيد باطار القانون ويلتزم الاقسام الثلاثة المذكورة للاقتصاد الايراني". ويضيف بلهجة تشدد واضحة: "لا نستطيع ابداً تقليد نموذج التنمية الذي تطرحه الرأسماليات بالدرجة نفسها التي نرفض بها الديموقراطيات الاشتراكية"... و"ليس عندنا بورجوازية وطنية ولا نستخدم الجيش في القمع كأساس وشرط من شروط التنمية، كما يعمل به في بعض البلدان". وشرح خاتمي نظريته في الاصلاح الاقتصادي وتحرير الاقتصاد بالقول انه مع الخصخصة، لكن بشروط يكفلها القانون، فلا خصخصة في صناعة النفط وغيرها من الصناعات الاستراتيجية، "الخصخصة هي في الصناعات والمرافق التي لا ترتبط اساساً بحاكمية الدولة". ويجيب خاتمي على سؤال مثير للغاية عن ولاية الفقيه، لأن بعض معارضيه يتهمه مع انصاره ومؤيديه بادارة الظهر لولاية الفقيه بعد وفاة الامام الخميني ويقول ان نظرية ولاية الفقيه التي روجها الامام الخميني الراحل هي ركن اساسي في نظام الجمهورية الاسلامية، لكنه يعتبر ان البحث الفقهي - الكلامي في ولاية الفقيه مباح للجميع وهو يؤدي في النهاية الى تعزيز هذه النظرية وتثبيتها. ويصف احد ابرز انصار الرئيس رفسنجاني ممن كوّنوا تيار "خدام البناء" خاتمي بانه مرشح الوفاق الوطني مثلما يقول عطاء الله مهاجراني. وتشهد الحملة الانتخابية مفارقات كثيرة منها تمزيق صور المرشحين. لكن أحداً لم يتجرأ حتى الآن على تمزيق صورة المرشح وزير الأمن السابق ريشهري