إذا كان الدكتور هنري عزام مساعد المدير العام ورئيس الدائرة الاقتصادية في البنك الاهلي التجاري السعودي، قدر حجم انفاق دول الخليج الست بمعدل عشرة مليارات دولار سنوياً أو بما يقارب 4 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي خلال السنوات العشر المقبلة، اي ما مجموعه مئة مليار دولار على مشاريع البنية الاساسية، من كهرباء وماء وطرق وموانئ ومطارات، فإن خبير التمويل في الشركة العربية للاستثمارات البترولية "بابيكورب" باسل الحسيني، قدر اجمالي الاستثمارات في المشاريع النفطية في الدول العربية بحوالى 27 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. ومع تطور مشاركة القطاع الخاص في تمويل مشاريع البنية الاساسية في الدول النامية من17 مليار دولار العام 1993 الى 37 مليار دولار العام 1994، تبرز اهمية مشاركة القطاع الخاص في تمويل مشاريع البنية الأساسية في دول الخليج العربية، خصوصاً في ظل عجوزات الموازنات وعدم قدرتها على تلبية متطلبات الانفاق الكبيرة، ما يفسح المجال امام الاستثمارات الخاصة للمساهمة في هذه المشاريع. ويأتي هذا التطور لدعم القطاع الخاص في دول الخليج انسجاماً مع التطورات العالمية، حيث تم في عام 1995 تخصيص 75 شركة تعمل في خدمات البنية الاساسية في 30 دولة بما قيمته اكثر من عشرة مليارات دولار، وشملت قطاعي الكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية في بعض البلدان في آسيا وأميركا اللاتينية. استثمارات التخصيص وكان لخفض الانفاق الحكومي في دول المجلس تأثير مباشر على معدلات النمو بسبب ضآلة دور القطاع الخاص حيث يشكل بين 35 و40 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. ويتوقع خبراء اقتصاديون ان ترتفع هذه النسبة في السنوات المقبلة نتيجة الاصلاحات، خصوصاً عزم الحكومات على بيع بعض منشآتها للقطاع الخاص مما سيوفر لها مليارات الدولارات ويزيل عبء دعم وصيانة هذه المنشآت عن كاهلها. وتشير التقديرات الى أن القيمة الاجمالية للمشاريع التي سيشملها التخصيص في بلدان المجلس الستة تتجاوز الخمسين مليار دولار، لذلك يعتبر التخصيص جزءاً من استراتيجية عامة تطبقها دول الخليج لتخفيف الاعتماد على الصادرات النفطية وتسهيل اندماج اقتصاداتها في الاسواق العالمية. والامر الذي يساعد على تحقيق هذا الهدف وجود عدد كبير من الشركات العامة الناجحة في منطقة الخليج، حيث يوجد حسب احصاءات الامانة العامة لمجلس التعاون الخليجي 343 شركة مساهمة، يبلغ مجموع رؤوس اموالها 6،13 مليار دولار، وهي تغطي مختلف النشاطات الاقتصادية من قطاعات المصارف والتأمين والاستثمار العقاري والزراعي والصناعي والخدمات. ويشير دليل اصدرته الامانة العامة الى أن عدد الشركات المساهمة المسموح بتداول وتملك اسهمها في دول مجلس التعاون بلغ 254 شركة مساهمة اجمالي رؤوس اموالها نحو 7،25 مليار دولار تشكل ما نسبته 74 في المئة من اجمالي رؤوس اموال الشركات المساهمة في دول المجلس. في حين تشكل نسبة رؤوس الاموال المستثمرة فيها 3،81 في المئة من اجمال رؤوس الاموال المستثمرة في الشركات المساهمة في دول المجلس. واوضحت الامانة العامة ان المملكة العربية السعودية جاءت في المرتبة الاولى من حيث عدد الشركات المساهمة وقيمة استثماراتها، اذ بلغ عددها 88 شركة باستثمارات تتجاوز 18 مليار دولار. وجاءت في المرتبة الثانية دولة الامارات العربية المتحدة بحوالي 76 شركة وباستثمارات تبلغ حوالي 4،3 مليار دولار. واحتلت الكويت المرتبة الثالثة من حيث الاستثمارات التي بلغت حوالي 9،5 مليار دولار توزعت على 41 شركة. وفي سلطنة عمان بلغ عدد الشركات 75 شركة باستثمارات تبلغ حوالي 675 مليون دولار. اما في دولة البحرين فبلغ عدد الشركات 34 شركة بجملة استثمارات بلغت 2،2 مليار دولار. وفي دولة قطر بلغ عدد الشركات 29 شركة وجملة استثماراتها حوالى مليار دولار. الجيل الثاني من الصناعات ويبدو ان قطاع النفط والصناعات المرتبطة به فُتح امام الاستثمارات الخاصة المحلية والاجنبية، واعتبرت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار ان مشاركة القطاع الخاص في القطاع النفطي في الدول العربية، اصبحت حقيقة قائمة، وان كانت تتم حتى الآن بهدوء وبشكل تدريجي بعدما ترسخت القناعة بأن تطور اقتصاديات الدول النفطية يتوقف على الاستغلال الامثل للنفط وعلى التوسع في الصناعات المرتبطة به، خصوصاً في مجال خلق الجيل الثاني من الصناعات البتروكيماوية. كما تأكدت القناعة بأن ذلك لن يتم بمعزل عن القطاع الخاص، سواء العربي ام الاجنبي، حيث يملك هذا القطاع القدرات الفنية والادارية لتصميم المشاريع وتمويلها وتنفيذها وتشغيلها بالاضافة الى الخبرة والمعرفة التقنية والفعالية والقدرة على النفاذ الى الاسواق وكذلك الاموال التي اصبحت اكثر ندرة الآن، مع العلم ان تحفيز هذا القطاع على الاستثمارات يتطلب الغاء القيود التنظيمية وتسهيل تأسيس الشركات المشتركة وفتح المجال امام الاستثمارات الأجنبية وتشجيع التخصيص. ولاحظت المؤسسة ان القطاع الخاص يبدي اهتماماً كبيراً في الاستثمار في القطاع النفطي وفي المشاريع المرتبطة به. مشيرة الى أن فرصاً كثيرة اتيحت له في العامين الماضيين وتم فتح المجال امامه في قطاعات عدة مثل الاستكشاف والانتاج والتسويق والتكرير. ففي سلطنة عمان بوشر تنفيذ مجمع تسييل الغاز الطبيعي في ولاية صور، الذي تشارك فيه الى جانب حكومة السلطنة شركة "شل" بنسبة 34 في المئة و"توتال" بنسبة 6 في المئة و"بارتكس" بنسبة 2 في المئة و"ميتسوي" بنسبة 3 في المئة و"ايتوشو" بنسبة 1 في المئة. وتبلغ تكاليف انشاء المشروع نحو 7،3 مليار دولار. وسيتم توفير نحو 80 في المئة من كلفة المشروع من مصارف ومؤسسات مالية عالمية. وفي دولة الامارات قررت مجموعة "هيندوجز" وهي شركة اممية ذات منشأ هندي وتتخذ من لندن مقراً لها، انشاء مصفاة للنفط، تقدر تكاليفها بنحو 8،1 مليار درهم نحو 500 مليون دولار. وأعلنت "هيندوجز" ان انشاء المصفاة يأتي في اطار خطة لزيادة استثماراتها في قطاع النفط في منطقة الشرق الاوسط وآسيا في السنوات الثلاث المقبلة، مشيرة الى أنه تم رصد نحو ملياري دولار لهذه الخطة. وتقوم حالياً احدى الشركات التابعة للمجموعة وهي "غالف اويل" بتوسيع مصنع لانتاج زيوت الوقود والتشحيم كانت انشأته في المنطقة الحرة في جبل علي، حيث تصل الطاقة الانتاجية للمصانع الى نحو 95 ألف طن سنوياً، كما تقوم الشركة بتنفيذ مصنع للمنتجات البلاستيكية. وتقدر الاستثمارات الجديدة التي تنفذها غير مقرها في جبل علي حوالى 35 مليون دولار. على صعيد آخر تنفذ "غالف اويل" مشروعاً ضخماً في مصر تقدر تكاليفه بنحو 50 مليون دولار، لانتاج مشتقات الزيوت على غرار المنتجات التي يتم تصنيعها في جبل علي. وفي اليمن وقعت وزارة النفط اتفاقيات نهائية لانضمام شركتي "هنت" و"اكسون" الاميركيتين وشركة "يوكنغ" الكواية الى مشروع الغاز اليمني الذي تشارك فيه ايضاً "توتال". ويشمل المشروع مدّ خط انابيب من مأرب حتى منطقة بلحاف بطول 320 كيلومتراً وبناء منشآت للتسييل وميناء للتصدير بطاقة 5 ملايين طن سنوياً. واحتفظت الحكومة اليمنية لنفسها بنسبة 26 في المئة وتتفاوض حالياً مع تركيا واليابان وكوريا للتنازل عن جزء من حصتها في مقابل التمويل. ويفترض ان يتم انجاز المشروع سنة 2000. وفي مصر ستطرح وزارة النفط مشاريع عدة في قطاع الطاقة تقدر قيمتها بنحو 5،10 مليار دولار على القطاع الخاص المصري والعربي والاجنبي خلال العام الجاري، بينها مشروعان لانشاء معملين لتكرير النفط بغرض التصدير، الاول في بور سعيد بطاقة 80 ألف برميل يومياً ويكلف نحو مليار دولار، والثاني في خليج السويس بطاقة 100 ألف برميل يومياً وبكلفة 2،1 مليار دولار. وفي السودان اعلنت شركة "اراكيس" للطاقة انها حصلت على أول قسط من شركائها من سلسلة اقساط لتمويل مشروع نفطي يكلف مليار دولار. وقالت "اراكيس" ان شركة "بتروناس" الماليزية للنفط وهي شريك في المشروع بنسبة 30 في المئة، دفعت حصتها في المبلغ الذي طالب به الكونسورتيوم في كانون الأول ديسمبر الماضي. كما اكدت "شركة الصين الوطنية للبترول"، وهي شريك في المشروع بنسبة 40 في المئة، انها ستدفع نصيبها. وكانت "اراكيس" اعلنت في أواخر العام الماضي عن مشروع مشترك للتنقيب عن النفط في منطقة امتياز مساحتها 2،12 مليون فدان ومد خط انابيب بطول 950 ميلاً من جنوب السودان الى البحر الاحمر. وتشارك الحكومة السودانية بحصة مقدارها 5 في المئة، ويقضي الاتفاق بأن ينشىء الشركاء شركة للاشراف على المشروع المقرر أن يبدأ انتاج 150 ألف برميل يومياً بحلول 1999. الشركات المتعددة ويبرز في هذا المجال نشاط الشركات غير الوطنية، وقد اشار تقرير الاستثمار العالمي لمنظمة "الاونكتاد" لعام 1995، الى انتعاش انسياب الاستثمارات الاجنبية المباشرة التي ترتبط بصورة كبيرة بعمليات "الشركات غير الوطنية" بعد الهبوط الذي حدث خلال عامي 1991 و1992 من 232 مليار دولار الى 171 مليار دولار على التوالي حيث بلغ 208 مليارات دولار العام 1993 وواصل الارتفاع ليبلغ 226 مليار دولار العام 1994 و235 ملياراً في العام 1995. وأضاف التقرير ان الولاياتالمتحدة و"شركاتها غير الوطنية" كانت أكبر مستثمر في الخارج بقيمة 46 مليار دولار، اما المملكة المتحدة فكانت اكبر مستثمر في دول الاتحاد الاوروبي، وقد استقطبت الدول النامية 84 مليار دولار من مجمل الاستثمارات الاجنبية المباشرة في العام 1994 اي حوالي 37 في المئة من جملة الاستثمارات، وتوجه معظمها الى آسيا واميركا اللاتينية حيث استأثرت الصين وحدها بحوالي 34 مليار دولار لتصبح ثاني اكبر دولة مضيفة للاستثمارات الاجنبية في العالم بعد الولاياتالمتحدة. وأكدت منظمة الخليج للاستشارات الصناعية في تقرير اقتصادي "مدى تأثير الشركات غير الوطنية" التي بلغ عددها في العام 1992 حوالى 38 ألف شركة أم، تسيطر على نحو 250 ألف فرع على مستوى العالم، على النشاط الاقتصادي العالمي من خلال عدد من المؤشرات، منها مبيعات هذه الشركات لآخر سنة متاحة 1992 حيث بلغت 2،5 تريليون دولار. وقالت المنظمة "أن هذا الرقم أكبر بقليل من قيمة اجمالي صادرات العالم من السلع والخدمات التي بلغت 9،4 تريليون دولار في العام نفسه. ونبه التقرير الى أن مما يقوي من المركز الاحتكاري او شبه الاحتكاري للشركات غير الوطنية مقدرتها على إقامة حواجز تمنع دخول المنافسين ولا تعتمد هذه الحوافز على اجراءات جمركية او كمية انما على الميزات التنافسية المتعلقة بتكنولوجيا الانتاج وتميز أو تنوع المنتج ومستوى الجودة المرتفع وتقنية المعلومات. ولهذا تنشأ معارضة قوية من الشركات المحلية خصوصاً في الدول النامية التي ترى في "الشركات غير الوطنية" منافساً قوياً. من هنا تبرز اهمية المنافسة الحادة التي ستواجهها دول مجلس التعاون الخليجي في جذب الشركات غير الوطنية، خصوصاً ان نشاط الصناعات الكيماوية والبتروكيماوية مرشح للاستمرار في جذب الاستثمار الاجنبي وتحديداً في صناعة المنتجات الوسيطة. لذلك دعت منظمة الخليج الى "ضرورة استخدام دول مجلس التعاون لهذه الشركات في دعم التخصيص وتقسيم عملية الانتاج الى مراحل يتم بعضها في منطقة الخليج والبعض الآخر في الدول المتقدمة مثل الاتحاد الاوروبي. وحددت منظمة الخليج للاستشارات الصناعية ثلاث خطوات استراتيجية يتعين على دول المجلس اتخاذها هي: اولاً: معرفة معطيات المرحلة الحالية من التطور الصناعي في دول المجلس ومعوقات تنفيذ الاستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية بواسطة رسم خريطة صناعية توضح طبيعة الصناعات الموجودة والغائبة واولويات المشاريع الصناعية. ومن البديهي ان تشريعات جذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة يجب ان تكون في سلم الاولويات. ثانياً: متابعة استثمارات الدول المصدرة لرأس المال ومعرفة مجالات الاستثمار ومبرراته بهدف تحديد المنافسين. ثالثاً: لا بد من معرفة استراتيجيات الشركات غير الوطنية، خصوصاً تلك المرشحة للاستثمار المشترك، معرفة دقيقة، وعلى ان تأخذ هذه المعرفة في الاعتبارات عوامل عدة تدخل في صياغة الاستراتيجيات من أهمها البيئة الاقتصادية في الدول المضيفة والمزايا النسبية والتنافسية المتعلقة بالموقع، واخيراً الحوافز التشجيعية