في العام 1995 تراجع العجز المالي لموازنات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 37 في المئة ليصل الى 8.10 مليار دولار، في مقابل 1.17 مليار دولار عام 1994، مع العلم ان الرقم القياسي لهذا العجز سجل في العام 1991 وبلغ 8.57 مليار دولار. وقد انعكس هذا التراجع الكبير تحسناً في الاداء الاقتصادي الخليجي في ظل تطورين مهمين: الاول، ترشيد الانفاق الحكومي وحصره ضمن الامكانات والموارد المتوافرة، والثاني، ارتفاع عائدات النفط كنتيجة طبيعية لتحسن الاسعار. ووصف بعض الخبراء موازنات دول الخليج في النصف الاول من التسعينات بأنها كانت بداية لتحول ملموس في سياسات الانفاق العام، مع الاستعداد لتوفير الدعم للقطاع الخاص، وتطبيق خطوات متقدمة في الخصخصة. وتبين من احصاءات مصرفية ان النفقات الاجمالية لعام 1995 بلغت 6.69 مليار دولار، وهي الادنى منذ عام 1989، منخفضة من 4.71 مليار دولار عام 1994، في مقابل 7.85 مليار دولار عام 1992. اما بالنسبة الى عائدات النفط لدول مجلس التعاون الخليجي، فقد ارتفعت عام 1995 بنسبة عشرة في المئة لتصل الى 77 مليار دولار في مقابل 70 مليار دولار عام 1994، وذلك نتيجة ارتفاع الاسعار بنسبة 6.9 في المئة كمعدل وسطي، من 5.15 دولار البرميل عام 1994 الى 17 دولاراً عام 1995. وقدرت الاحصاءات ارتفاع الناتج المحلي بنسبة 1.2 في المئة ليصل الى 6.207 مليار دولار، في مقابل 2.203 مليار دولار في العام 1994. واشارت الاحصاءات الى أن الناتج السعودي ارتفع من 8.120 الى 122 مليار دولار، والكويتي من 9.22 الى 2.24 مليار دولار، ودولة الامارات من 6.36 الى 38 مليار دولار. وفي عمان قفز الناتج المحلي بنسبة تزيد عن 12 في المئة في النصف الاول من العام 1995، وينتظر ان يكون ارتفع بنسبة ثلاثة في المئة بنهاية العام، في حين يتوقع ان يسجل اقتصاد كل من قطر والبحرين معدلات نمو ايجابية هذا العام. ويختلف هذا الوضع عما كان عليه عام 1994 عندما سجلت معظم الاقتصادات الخليجية نمواً سالباً بسبب انخفاض اسعار النفط. استثمارات التخصيص لقد كان لخفض الانفاق الحكومي في دول المجلس تأثير مباشر على معدلات النمو بسبب ضآلة دور القطاع الخاص حيث يشكل ما بين 35 الى 40 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. ويتوقع خبراء اقتصاديون ان ترتفع هذه النسبة في السنوات المقبلة نتيجة الاصلاحات، خصوصاً مع عزم الحكومات على بيع بعض منشآتها للقطاع الخاص مما سيوفر لها مليارات الدولارات ويزيل عبء دعم وصيانة هذه المنشآت عن كاهلها. وتشير التقديرات الى أن القيمة الاجمالية للمشاريع التي سيشملها التخصيص في بلدان المجلس الستة تتجاوز الخمسين مليار دولار، لذلك يعتبر التخصيص جزءاً من استراتيجية عامة تطبقها دول الخليج لتخفيف الاعتماد على الصادرات النفطية وتسهيل اندماج اقتصاداتها في الاسواق المالية. ويشكل قيام سوق مالية اقليمية في دول مجلس التعاون هدفاً اساسياً يتحدث عنه المسؤولون في بلدان المنطقة على اعتبار انه "سيمهد لانجاح خطط وبرامج التخصيص في المستقبل" على حد قول الشيخ فاهم القاسمي الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الذي يضيف بوضوح ان بلدان المجلس "تتطلع الى أن تصبح مركزاً مالياً مهماً لمنطقة الشرق الاوسط بأسرها". والامر الذي يساعد على تحقيق هذا الهدف وجود عدد كبير من الشركات العاملة بنجاح في منطقة الخليج، حيث يوجد حسب احصاءات الامانة العامة لمجلس التعاون 343 شركة مساهمة، يبلغ مجموع رؤوس اموالها 6.31 مليار دولار، وهي تغطي مختلف النشاطات الاقتصادية، من قطاعات المصارف والتأمين والاستثمار العقاري والزراعي والصناعي والخدمات. ويشير دليل اصدرته الامانة العامة الى أن عدد الشركات المساهمة المسموح بتداول وتملك اسهمها في دول مجلس التعاون بلغ 254 شركة مساهمة اجمالي رؤوس اموالها حوالي 7.25 مليار دولار وتشكل ما نسبته 74 في المئة من اجمالي رؤوس اموال الشركات المساهمة في دول المجلس. في حين تشكل نسبة رؤوس الاموال المستثمرة فيها 3.81 في المئة من اجمالي رؤوس الاموال المستثمرة في الشركات المساهمة في دول المجلس. وتأتي المملكة العربية السعودية في المرتبة الاولى في عدد الشركات وقيمة الاموال المستثمرة في شركاتها التي يتم تداول اسهمها في السوق، تليها الكويت فالبحرين ودولة الامارات وسلطنة عمان واخيراً دولة قطر. وتمثل عملية تخصيص بعض مؤسسات القطاع العام جزءاً مهماً من عملية التكيف الاقتصادي الجارية في بلدان المنطقة حالياً. وستتاح الفرصة امام القطاعات الخاصة الخليجية لتملك وتحديث المرافق العامة التي تشغلها الحكومة حالياً، مع الاشتراط بأن ينتج عن ذلك خفض لتكاليفها وتحسن في ادائها وتوفيرها فرص توظيف افضل للقوى العاملة الوطنية. ومن شأن عمليات التخصيص هذه، مع تزايد حجم مشاركة القطاع الخاص، ان تخفف من العبء المالي على الموازنات العامة وترفع من كفاءة الكثير من مؤسسات القطاع العام، وتشجع عودة الرساميل من الخارج ويمكن استخدام الدخل الناتج عن عمليات التخصيص لتخفيض الديون الحالية المستحقة على القطاع العام. وتأتي عملية التخصيص في وقت لم يعد فيه لدى بعض حكومات دول مجلس التعاون الموارد الرأسمالية اللازمة لتمويل مشاريع البنية الجديدة، مثل محطات الطاقة ومحطات التحلية وتوسيع اساطيل خطوط الطيران الوطنية وخطوط الهاتف وتجهيزات الاتصالات. واصبح رأس المال الخاص المصدر الوحيد لضمان تنفيذ مثل هذه المشاريع ضمن سياسة عدم قيام الحكومات بالاقتراض، كما هو الحال في بعض دول المنطقة. وكانت سلطنة عمان السباقة في طرح مشروع بنية اساسية على القطاع الخاص هو محطة كهرباء، ليتم تمويله على أساس نظام التشييد والتشغييل ثم تحويل الملكية. ومن المأمول ان تفتح هذه الخطوة الطريق امام دول خليجية اخرى لتفكر في تمويل وتنفيذ مشاريع مماثلة كجزء من توجهها نحو التخصيص. الاحتياطات المالية ولوحظ انه من بين اهم المؤشرات الايجابية التي سجلها عام 1995، كان ارتفاع الاحتياطات المالية لدول المجلس بنسبة تفوق العشرين في المئة، وقد اشارت المؤسسة العربية المصرفية الى أن هذه الاحتياطات بلغت 9.23 مليار دولار في حزيران يونيو 1995 في مقابل 2.18 مليار دولار في منتصف عام 1994. وكانت السعودية، أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، السبب الرئيسي لزيادة هذه الاحتياطات اذ ارتفعت احتياطاتها من 2.5 مليار دولار الى 4.9 مليار دولار في الفترة نفسها، مع العلم ان المملكة كانت تملك خلال الفورة النفطية في الثمانينات احتياطات تفوق 20 مليار دولار، واضطرت في الاعوام الاخيرة الى سحب قسم من موجوداتها في الخارج ومن احتياطها لسد العجز في موازنتها الناجم عن تراجع اسعار النفط. وتراجع الاحتياط المالي في الكويت التي لا يزال اقتصادها يعاني من اثار سبعة اشهر من الاحتلال العراقي ليبلغ 89،3 مليار دولار في حزيران يونيو الماضي في مقابل 09.4 مليار دولار في حزيران 1994. اما احتياطات الامارات فارتفعت من 02.6 الى 6.7 مليار دولار في الفترة نفسها، فيما سجل احتياط الدول الاخرى الاعضاء في مجلس التعاون نمواً طفيفاً. ولكن لوحظ ان الموجودات الخارجية ل 120 مصرفاً تجارياً تابعاً لدول مجلس التعاون تراجعت الى 5.29 مليار دولار في آذار مارس الماضي في مقابل 8.34 مليار دولار في آذار مارس 1994. وكانت السعودية ايضاً السبب الرئيسي في هذا التراجع، اذ ان موجوداتها انخفضت من 7.16 مليار دولار الى 7.13 مليار دولار بين آذار 1995 وآذار 1995. وتراجعت موجودات الامارات ايضاً الى 6.8 مليار دولار في مقابل 7.10 مليار في الفترة، اما موجودات الكويت فارتفعت من 1.3 الى 4.3 مليار دولار. ويرى الصناعيون من خلال دراسة ميدانية اعدتها الامانة العامة لاتحاد الغرف الخليجية "ان التأثيرات السلبية المسجلة على الموازنات الخليجية واتجاه حكومات دول المجلس الى معالجة عجزها المالي عن طريق خفض نفقاتها، عامل مهم في تقييد مقدرة تلك الحكومات على زيادة الاستثمارات اللازمة لتنمية اداء مشاريع البنى التحتية والخدمات الصناعية التي تملكها وتديرها بالكامل تقريباً". واعتبروا ان الدعوة الى تخصيص مشاريع البنى التحتية والخدمات الصناعية في دول المجلس من الامور الاكثر الحاحاً من هذه المرحلة، سواء بالنسبة الى القطاع الصناعي الخليجي الذي يحتاج الى المزيد من الوفرة الناتجة عن تلك المشاريع لتقوية موقفه التنافسي مستقبلاً، وقد يتأتى ذلك عن طريق تنمية ورفع كفاءة وتشغيل هذه البنى التحتية. أو الى الحكومات الخليجية لتوفير السيولة المالية لها لمواجهة عجزها.