عرضت السعودية على المستثمرين 142 فرصة استثمارية في مشاريع صناعية جديدة تبلغ تكاليفها 5،7 مليار ريال، او ما يعادل نحو ملياري دولار، في اطار خطة تهدف الى تركيز الدعم بشكل أساسي على القطاع الصناعي حتى يحل تدريجياً مكان النفط في دفع عجلة التنمية الاقتصادية. وكان وزير الصناعة السعودي عبد العزيز الزامل دعا دول الخليج العربية في مؤتمر الصناعيين الذي عقد أخيراً في البحرين، الى التركيز على الصناعة والتسويق الصناعي لمواجهة التحديات التي فرضتها اتفاقية منظمة التجارة العالمية "الغات". وقال ان على دول الخليج "اعادة النظر في السياسات الاقتصادية بما يمكن من تحقيق الفائدة القصوى من الاتفاقية وتحجيم آثارها السلبية". وطالب بإعداد آليات للعمل وإنشاء الاجهزة اللازمة للتعامل مع المتغيرات الدولية الجديدة واعداد المهارات البشرية التي ستتولى الاشراف والمتابعة للاتفاقيات الجديدة. واقترح الزامل عدة نظم للصناعات في دول الخليج منها تحقيق الجودة الشاملة في المنتجات وتخفيض تكلفة الانتاج والتركيز على المشروعات الصناعية التي تعتمد على النفط والغاز والاهتمام بالتسويق الصناعي. وتركيز المملكة العربية السعودية على دعم الصناعة ليس جديداً، فهو يعود الى سنوات عدة، عندما وضعت لهذا القطاع أهداف طموحة في خطة التنمية الخمسية 1990 - 1995 بحيث يبلغ معدل النمو السنوي 5،7 في المئة في قطاع الصناعات التحويلية، و8 في المئة في قطاع البتروكيماويات وذلك بالمقارنة مع نمو بنسبة 3،3 في المئة للاقتصاد ككل. وإضافة الى مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، أقيمت مدينة صناعية ثالثة في مدينة الرياض لتشكل الضلع الثالث في هرم الصناعة السعودية. وكان القطاع الصناعي سجل قفزة كبيرة خلال الثمانينات، إذ زاد عدد المصانع من 600 مصنع عام 1979 الى حوالي 2200 مصنع، وبلغ حجم الاستثمارات فيها حوالي 130 مليار ريال 36 مليار دولار. كما بلغ حجم مبيع الصناعات السعودية في الاسواق المحلية حوالي 40 مليار ريال 6،10 مليار دولار في مقابل 12 مليار ريال 2،2 مليار دولار صدرت الى الخارج. وهو رقم قريب من الرقم الذي استهدفته الخطة الصناعية والبالغ 15 مليار ريال في العام 1995. الامر الذي يدل الى مدى سرعة الانجازات الكبيرة التي تحققت في القطاع الصناعي السعودي. وتشير الاحصاءات الرسمية الى أن وزارة الصناعة والكهرباء اصدرت 652 ترخيصاً صناعياً عام 1994 يبلغ اجمالي التمويل فيها 8،12 مليار ريال 4،3 مليار دولار، وبلغت قيمة المبيعات الصناعية غير النفطية 9،67 مليار ريال 1،18 مليار دولار، أما عدد المصانع المنتجة في المملكة فبلغت 2312 مصنعاً بتمويل اجمالي يبلغ 9،154 مليار ريال 3،41 مليار دولار مقابل 1،37 مليار ريال 9،9 مليار دولار عام 1975، وبذلك يكون التمويل زاد أربع مرات خلال فترة العشرين سنة الماضية. مواد خام وأنظمة مرنة ولعل من أهم العوامل التي استثمرها القطاع الخاص في الصناعة في السعودية، الحوافز المتاحة، ومن بينها توافر المؤسسات الاقراضية المتخصصة، مثل بنك التنمية الصناعي الذي أسسته الدولة عام 1974، وصندوق الاستثمار السعودي الذي تأسس عام 1971، اضافة الى وفرة المواد الخام، خصوصاً الطاقة، واتسام الاقتصاد السعودي بملاءمة الانظمة والقواعد الضريبية لتشجيع الاستثمارات داخل البلاد، اضافة الى سهولة ومرونة التنظيمات التجارية. ولكن هل يؤدي ذلك الى جعل المملكة بلداً صناعياً مماثلاً لكوريا الجنوبية وماليزيا كما يتوقع وزير الصناعة والكهرباء السعودي المهندس عبدالعزيز الزامل؟ حسب رأي الخبراء، ليكون اقتصاد ما صناعياً يجب ألاّ تقل مساهمة هذه الصناعة في ناتجه المحلي عن 25 في المئة، ويعمل ما لا يقل عن 10 في المئة من السكان في قطاع الصناعة التحويلية وان تمثل منتجات هذه الصناعة ما لا يقل عن 60 في المئة من صادراته. وفي المملكة العربية السعودية، تقدر مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلي حالياً بحوالي 5،10 في المئة وتسعى الخطط التنموية لتحقيق معدل نمو يقرب 8 في المئة سنوياً في هذا القطاع، وهو ما يتطلب استثمارات سنوية تقدر بحوالي عشرة مليارات ريال سنوياً. ولا تعتبر هذه المتطلبات خارج حدود الامكانات المتاحة للقطاع الخاص السعودي، حيث يقدر مجمل الاموال العائدة خلال الثلاث سنوات الماضية في حدود 50 مليار دولار كما ان الموجودات الخارجية للقطاع الخاص تقدر بحوالي 100 مليار دولار حالياً. وهناك مؤشرات تعزز الآمال بأن تحقق الصناعات التحويلية نسبة لا تقل عن 25 في المئة من الناتج المحلي مع حلول عام 2020، وذلك من خلال امكان تنويع الاقتصاد السعودي ليصبح اقتصاداً صناعياً، اهمها: اولاً: مساهمة القطاع الخاص، إذ لا يمكن تجاهل النمو المتوافر للقطاع الخاص في التنمية الاقتصادية، فكما ان هذا القطاع يساهم بنصف ناتج الصناعات التحويلية فإنه يساهم اجمالاً بقرابة 40 في المئة من الناتج المحلي حالياً، ومعدل نمو سنوي لهذه المساهمة يعادل 5،8 في المئة. ثانياً: دعم الصادرات، وهو يتمثل في تحسين مناخ الاستثمار عموماً وفي تحسين مؤشرات الربحية لقيام المنشآت الصناعية في السعودية مقارنة بالدول الاخرى، ومن الحوافز غير المباشرة، الجهود المتعددة والحثيثة لدعم الصادرات السعودية، وهو أمر مهم بالنسبة الى المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي قد لا تملك الامكانات والكوادر لتصريف منتجاتها. وعلى رغم ان هذه الجهود ما زالت في البداية الاّ أنها تساهم في منح المنتجين ميزة في تصريف سلعهم وتقليص تكلفة التسويق، ومن هذه الجهود انشاء ادارة خاصة بالصادرات في وزارة الصناعة والكهرباء السعودية، واقامة شركة خاصة لتسويق الصادرات، ومبادرة مجلس الغرف السعودية الى إقامة مركز لتنمية الصادرات. ثالثاً: الاهتمام بالتكامل الصناعي، ومن خلال البيانات المتاحة يمكن استقراء ان السياسة الصناعية السعودية تميل الى التقنيات المتقدمة لاحلالها محل العمالة قدر المستطاع. وتحرص هذه السياسة على تشجيع قيام صناعات بعينها، بعضها لاسباب وطنية عامة كتحقيق درجة مقبولة من الامن الغذائي من خلال تنشيط دور الصناعات الغذائية مثلاً، وهذا يتحقق بالفعل. والامر الآخر هو ان القطاع الخاص اخذ يستثمر الفرص الناتجة عن ضرورة ايجاد روابط بين الصناعات القائمة بشكل واضح. ويتجلى ذلك بصورة واضحة في العلاقة بين الصناعات الاساسية والصناعات الفرعية كالبتروكيماويات الاساسية وصناعة المنتجات البلاستيكية مثلاً. كما ان الصناعات الهندسية وهي تكاملية بطبيعتها، تنمو بمعدلات عالية، وقد حققت صادراتها معدل نمو سنوياً يعادل 40 في المئة، حسب دراسة أجرتها الغرفة التجارية الصناعية في الرياض. وضمن هذه الفئة هناك اهتمام واضح بالاحلال، يتجلى في صناعة قطع الغيار للمصانع القائمة التي يقدر عددها بحوالي 270 مصنعاً. 175 ألف عامل رابعاً: العمالة الوطنية، يعمل في المنشآت الصناعية الخاصة السعودية قرابة 88 في المئة من العمالة الصناعية التي يبلغ مجموعها 175 الف عامل. ويقدر عدد الفرص الوظيفية الجديدة التي تولدها كل منشأة اضافية 100 فرصة، لذا من البديهي الاستفادة من الفرص الجديدة لدعم ميزان المدفوعات الوطني بالنظر الى الاعباء الكبيرة التي تتكبدها السعودية نتيجة اعتمادها على العمالة الوافدة. خامساً: الاستثمار الاجنبي، تطبق السعودية نظاماً يقنن التعامل مع الاستثمارات الاجنبية، لكنه يتمتع بمرونة، وقد يكون ضرورياً في مرحلة لاحقة مراجعة هذا النظام ليتجاوب مع المتغيرات في سوق الاستثمار الدولية، خصوصاً مع المعطيات التي استجدت منذ بداية التسعينات، ذلك ان الدول تتنافس على جذب الاستثمارات خصوصاً تلك التي تجلب تقنية وأموالاً وفرصاً وظيفية جديدة. ويدين عدد من دول جنوب شرقي آسيا في تنميته الاقتصادية المبهرة للاستثمارات الاجنبية. وفي أية حال ان ما حققته السعودية في هذا المجال، وفي فترة قصيرة نسبياً يعد انجازاً، حيث بلغ مجمل الاستثمارات الاجنبية في الصناعة أكثر من 80 مليار ريال. لكن الاهتمام خلال الفترة المقبلة لا بد ان ينصب على زيادة الصادرات، ما يقتضي جذب الاستثمارات والتقنيات الاجنبية المناسبة.