تنبأ الناس مرات عدة بنهاية رجل زائير المنهك موبوتو سيسي سيكو، وفي كل مرة كانت التنبؤات تبدو سابقة لأوانها، ولكن هذه المرة يبدو ان الحظ قد تخلى فعلاً عن ذلك الديناصور. ان مآسي بلدان البحيرات الكبرى خلال السنوات الماضية رواندي، بورندي وأوغندا قد استقرت جميعها في قاع زائير البلد المركزي في قلب القارة السوداء الذي تحيط به أكثر من عشر دول، كل واحدة تتمنى تمزيقه، انتقاماً من موبوتو الذي عمل أكثر من 30 عاماً على تمزيق جيرانه. من يكون هذا الرجل الذي حوّل لاجئي البانيا مولينغ أي ابناء منطقة مولينغ التوتسي الى جيش لمقاتلة الرئيس موبوتو؟ انه ببساطة لوران ديزيريه كابيلا التوتسي القصير الوحيد ربما في شعب من الطوال. انه رجل عاد الى الحرب مباشرة من "التقاعد"، إذ كانت حياته كلها سلسلة من الحروب ضد الحكم في كينشاسا منذ مقتل الزعيم الكونغولي الكبير باتريس لوممبا. صغير الحجم ولكنه ممتلئ. أصلع، لكن عيونه الحادة تخترق الظلام مثل أي أسد يحرس الغابة. فبعد بلوغه نحو الستين ها هو يعود الى مهنته الأولى. في بداية التسعينات، سمع يقول لبعض اصدقائه "لقد ربح موبوتو الحرب ضدي" إذ كان واقعاً تحت تأثير نهاية الحرب الباردة ونهاية حقبة التمردات الافريقية، ولكن حين اندلعت المعارك في رواندا وبوروندي عاد ليقول: "ها هي فرصتنا جاءت من جديد". استطاع ان يضمن مساعدة بوروندي ورواندا وأوغندا، وهي بلدان لاقت الويل من مؤامرات موبوتو في السابق ثم قفز الى العمل المسلح انطلاقاً من مدينة كيفو في شرق زائير. أعلن عن أولى عملياته ثم دعا معارضي موبوتو الى تكوين الرابطة الديموقراطية لتحرير الكونغو، فأصبح رئيساً لها. ولد هذا الرجل، الذي تعرف على غيفارا في الستينات حين كان الأخير يبحث عن قاعدة اخرى لعملياته الثورية، في منطقة موبا. وهي منطقة بها مرفأ على بحيرة تنجانيقا في مقاطعة شابا التي كانت تعرف بكاتنغا. ولأنه كان يعرف تلك المنطقة جيداً فقد شارك في التمردين الكبيرين اللذين وقعا في ذلك الاقليم عامي 7719 و7819. خسر كابيلا الحرب وذهب الى التقاعد، ولم يظهر الى الوجود إلا في تشرين الأول اكتوبر الماضي على مشارف مدينة أوفيرا على رأس مقاتلين من ألبانيا مولينغ، وهو يقول "موبوتو... ها أنني عدت اليه... سوف نقلب نظامه معاً، وسوف نرميه في البحيرة للتماسيح". قبل ثورة كاتنغا - شابا الثانية التي فشلت في العام 7819 والتي دخلها كابيلا بدعم من أنغولا آنذاك، كان هذا الذي يلقب بپ"الفهد" قد أسس حزب الشعب الثوري في العام 6719. وقد عاش معظم حياته في الغابات وهو يقاتل نظام موبوتو. تحالف ضده مع جميع الدول المحيطة بزائير. تحالف مع مقاتلي الجبهة الشعبية في أنغولا وتحالف مع زامبيا ثم مع تانزانيا وكذلك مع الكونغو برازافيل، وأخيراً ها هو يتحالف مع رواندا وبورندي وأوغندا... جرب الجميع والجميع جربوه، لكنه كان واضحاً مع الذين يساعدونه. فهو ينتمي الى جيل الثوريين الاشتراكيين الأوائل في افريقيا، إنه معجب بنيلسون مانديلا وبن بلة وجوليوس نيريري. أما الزعيم الذي يملأ روحه فهو باتريس لوممبا، ابن بلده الذي كان أول رئيس وزراء للكونغو من عام 6019 الى موته عام 6119. وبعد اغتيال ذلك الزعيم بثلاث سنوات، شارك ديزيريه كابيلا في أول ثورة ضد موبوتو التي أعلنها صديق لوممبا، بيار موليل. لكنه سيختفي بعد سنة فقط حين تمكن الصحافي والضابط ابن الطباخ ديزيريه موبوتو من السيطرة على البلاد، ليظهر بعد ذلك في عام 67 على رأس انتفاضة جديدة في كيفو ثم في 77 و78 في كاتنغا و84 في موبا وأخيراً في 96 في غوما ومنها الى كيسنغاني عاصمة شرق زائير. فبعد ثلاثين عاماً ها هم الصمبا أي الأسود أو أطفالهم على الأقل يعودون الى كيسنغاني التي كانت تسمى حتى عام 1964. "تالني - فيل". فقد حقق لوران ديزيريه كابيلا الذي كان عين قبل ثلاثين عاماً مفوضاً سياسياً للمدينة من قبل حكومة الجمهورية الشعبية للكونغو، والذي لم يتمكن من حكمها آنذاك إلا قليلاً من الوقت، أخيراً هدفه في 15 آذار مارس الماضي. لقد استخدم كابيلا الخرائط والطرق نفسها التي كانت استخدمت عام 1964. فعلى غرار مقاتلي الستينات، بدأ متمردو التسعينات غزوهم انطلاقاً من مدينة أوفيرا في الشرق قبل توجههم الى الغرب حتى كيسنغاني. أما الآن فإنهم يتوجهون الى الجنوب حيث المدينة الاستراتيجية الثانية لومباشي عاصمة اقليم كاتنغا - شاب الذي يوصف بالفضائحي من فرط ثرواته. وكما فعل جنود الجيش الوطني الكونغولي السابق، سارعت القوات المسلحة الزائيرية الى الانسحاب بعد ان نهبت المدينة وذلك ما أن شاهدت وصول طلائع المقاتلين بزعامة لوران ديزيريه كابيلا. الجيش المعارض والحقيقة التي يجب ان تقال هي ان لا علاقة للمتمردين الحاليين بپ"الصمبا الانفصاليين" الذين طردتهم القوات البلجيكية المحمولة بطائرات اميركية. فهم لم يعودوا يقدمون أنفسهم على أنهم ثوار تابعون لحركة لوممبا وقائدها بيار موليل. كما لم يعودوا يكتفون بتخويف الجنود الحكوميين وهم يلوحون بتمائمهم ويرددون شعار "ماء، موليل، ماء، ماء" لاعتقادهم بأنهم يحولون رصاص العدو الى قطرات من الماء. كما تخلوا عن ارتدائهم لجلود النمور وتزيين رؤوسهم بالريش كما كان يفعل آباؤهم. إنهم اليوم تحت إمرة كابيلا يرتدون الزي العسكري ويحملون البنادق الهجومية والقنابل وقاذفات الصواريخ والدبابات وصواريخ أرض - أرض وصواريخ أرض - جو. ويبلغ عدد المتمردين الذين يقودهم كابيلا والحاملين للسلاح 8500 رجل حسب وزير الشؤون الخارجية لكابيلا. وقد تلقى معظمهم تدريبات عسكرية في معسكري بوجيزيرا وغاشار الروانديين على أيدي مدربين أوغنديين. فيما يلاحظ الجميع ان هؤلاء الرجال منضبطون غاية الانضباط، تماماً كما كان مقاتلو الجيش الوطني الثوري الذين حملوا موسيفيني الى السلطة في اوغندا في كانون الثاني يناير 1986، أو مقاتلو الجبهة الوطنية الرواندية الذين حققوا انتصار بول كاغام في رواندا في تموز يوليو 1994. إنهم يطبقون الخطة نفسها التي طبقها الأوغنديون والروانديون مثل الهجوم على أكثر من جهة والتقاء طوابير عدة عند الهدف نفسه من اجل تطويقه بالكامل وبث الرعب في صفوف المدافعين عنه. ويعتبر استيلاء كابيلا واتباعه على مدينة كيسنغاني انتصاراً استراتيجياً. فالمدينة وهي ثالث مدن زائير من حيث الأهمية تتحكم في مقاطعة أعالي زائير. إنه انتصار صدم من تبقى من المسؤولين الزائيريين الى جانب موبوتو. فقد كانت هذه المدينة منطقة نفوذ الزعيم باتريس لوممبا وكان ينوي اللجوء اليها قبل اعتقاله من قبل الجيش الوطني الكونغولي الذي كان يقوده آنذاك عقيد مغمور يدعى جوزيف ديزيريه موبوتو الذي قد يكون قتله وقد يكون سلمه الى الوحدات التابعة للامم المتحدة المكلفة وقتئذ بوقف الحرب الأهلية والتي سلمته بدورها الى موسى تشومبي زعيم انفصاليي كاتنغا باليزابيت - فيل لومباشي فيما بعد الذين اغتالوه في 1961. عدو كابيلا إن كيسنغاني المدينة التجارية تقع في قلب الأدغال تجارة الخشب والقهوة الى جانب الماس والذهب، تتحكم في الطرق النهرية والنقل عبر البحيرات بين العاصمة كينشاسا ومناطق كيفو وشابا وبالتالي، بينها وبين اقليم كازائي موطن الماس. "فهي تقع على انعطافة النهر". وتقوم تقريباً مقام الحدود اللغوية، بين الغرب وبين الشرق. ويؤكد لوران ديزيريه كابيلا نيته في مواصلة زحفه انطلاقاً من كيسنغاني باتجاه العاصمة كينشاسا. وهو أمر ممكن جداً. فالمسافة الفاصلة بين المدينتين لا تتعدى الپ1500 كلم كما ان الطريق الأكثر سهولة للوصول الى العاصمة، وهو الطريق النهري، لم يعد تحت سيطرة القوات المسلحة الزائيرية. ويستطيع اذا رغب في ذلك، ان ينقل جزءاً من قواته انطلاقاً من مدينة مبانداكا اسفل كيسنغاني ثم يسير باتجاه نهر اوبنغى الذي يفصل بين كينشاسا واوبنغى عاصمة افريقيا الوسطى، احد روافد نهر الزائير باتجاه الشمال والوصول الى غبادوليت قرية الرئيس موبوتو. والواقع ان العدو الرئيسي لكابيلا ليس الجيش الزائيري الذي لم يعد له وجود. فهو لن يواجه جيشاً بداية من الآن، وانما سيواجه خوف المواطنين الذي يمكن ان يتحول الى خوف مدمر. فالزائيريون في النهاية لا بد ان يستيقظوا من حمى الحماس، ويكتشفوا ان جيش كابيلا معظمه من شعب التوتسي وقبائل البانيا وهم ليسوا زائيريين حسب دستور البلاد. كما ان القادة الذين يحيطون بكابيلا هم في اغلبهم ضباط من التوتسي قادمين من رواندا وبوروندي او من اوغندا. وهذا ما سوف يدفع بالزائيريين الى التساؤل عن مدى استقلالية كابيلا وعن حقائق ثورته ضد موبوتو. ولن يكون هروب الحرس الجمهوري التابع لموبوتو هو اقل الاخطار التي تتهدد النظام وهي قوة يتراوح تعداد افرادها ما بين 10 آلاف و15 الف جندي ينتمون جميعهم الى قبيلة نغابنديس التي ينتمي اليها الرئيس موبوتو، ولكن الخطر الآن اصبح يتهدد موبوتو نفسه الذي اشتهر فيما مضى باصراره وتفاؤله الذي لا يفارقه. ويشعر جنوده الحرس الجمهوري المدرّبون على ايدي الاسرائيليين والمجهزون تجهيزاً جيداً والذين لم تنقطع رواتبهم على عكس الجنود الآخرين، اليوم اكثر من غيرهم بأنهم على وشك ان يصبحوا يتامى، فهم لم يعودوا يعرفون لماذا ولأجل من يقاتلون؟ فمهمتهم هي حماية موبوتو ولكنهم يقولون في سرّهم بأن هذه المهمة قد تفقد مبررها، لأن موبوتو نفسه مريض وقد يموت في اية لحظة. وسواء كانت هذه الحرب قادها اناس للحصول على جنسيتهم ظلوا مشردين طيلة ثلاثة عقود، او كانت عدواناً خارجياً، او كانت ثورة ضد الفساد والديكتاتورية، فإنه من المهم القول: "ان زائير قد دار دورته في الفضاء خلال اكثر من ثلاثة عقود وعاد الى جذوره وسيرته الاولى، وهي الحرب الاهلية، وأن موبوتو لم يعد الآن الا مجرد رهينة بين المتمردين الذين ينهبون الطريق نحو قصره والمرتزقة الذين ينهبون ثرواته" فالى أين يسير موبوتو؟ عودة المرتزقة واذا كانت المواقف المترددة للغرب والمعارضة قد سمحت لموبوتو بالاستمرار، فان آفاق المستقبل امامه الآن باتت مسدودة، فهو نادراً ما يجرؤ على قضاء ليلتين متتاليتين في العاصمة كينشاسا. فكثيراً ما يركب يخته ويتجه عبر النهر الى القصر الذي بناه في قرية غبادوليت، مسقط رأسه وسط الغابات، وهي قرية تقع في المقاطعة الاستوائية على الحدود مع افريقيا الوسطى. ومن هذا الموقع استطاع احتكار تجارة الألماس المورد الرئيسي للبلاد بعد انهيار تجارة النحاس في الثمانينات. وبما ان موبوتو ليس له خليفة معيّن او دستوري، فإن الحركات الانفصالية وبلدان مجاورة اخرى ومن لها اطماع اقليمية تحاول الاستفادة من هذا الوضع، ولن يكون بمستطاع الجيش صدّها، فالجنود لم يتقاضوا رواتبهم منذ اشهر عديدة وهم يعيشون وضعاً منفلتاً تماماً. اما افضل الضباط فقد تم فصلهم بسبب انتماءاتهم العرقية. من أجل الدفاع عن نظامه، اتجه موبوتو المريض والذي يقال انه يعاني من سرطان في المثانة، الى المرتزقة البيض ليستعين بهم على المتمردين. وليست ظاهرة المرتزقة بجديدة على افريقيا، لكنها اندثرت اخيراً لتعود مرة اخرى فتظهر في زائير وللمرة الثالثة في عهد موبوتو. وعموماً، فإن "قوات" المرتزقة التي استنجد بها حالياً موبوتو خاضعة لقيادة البيض وقد كانت متجذرة في جنوب افريقيا وكانت تدعى "الوحدات التنفيذية الردعية" وكانت أشبه بحركة رسمية يقع اللجوء الىها عند الحاجة. بعد مؤتمر لومي، عاصمة التوغو انعقد في 27 و28 آذار/ مارس الماضي الأخير، بات من شبه المؤكد ان رحلة العذاب أمام زائير لا تزال طويلة وشاقة. فرغم الجهود الكبيرة التي بذلها كل من الرئيس أياديما التوغو والرئيس أباشي نيجيريا والرئيس بول بيا الكاميرون من اجل ايجاد تسوية لمشكلة زائير، الا ان الاجتماع قد انتهى الى وعود طائرة في السماء. فكلمة الشرف التي كان من المفترض ان ينطق بها طرفا النزاع في زائير لم يسمعها أحد، وخرج الجميع وكأن خطتهم للسلام التي عرضوها على مبعوثي موبوتو وزعيم الثوار كابيلا لم يتلفت اليها أحد الوفدين. وفي مطار لومي لم يخف محمد سحنون الذي كان يرافق أمين عام منظمة الأممالمتحدة تشاؤمه حين قال ان خطة الخمس نقاط التي قدمها لرؤساء قمة لومي، "لم يقرأها أي واحد من مبعوثي الوفدين الزائيريين المتحاربين"… وتقضي خطة الخمس نقاط أولاً بوقف اطلاق النار فوراً، ثانياً بدء مفاوضات تحت رعاية افريقية ودولية، وثالثاً الإعلان من الجانبين ان الخلافات يجب ان تحل في اطار المفاوضات ورابعاً تعهد موبوتو اجراء تغييرات في نظامه السياسي واجراء انتخابات رئاسية في أقل من سنة وخامساً تعهد لوران كابيلا بالعمل السياسي والتقدم الى الانتخابات. والواقع ان النقطتين الأخيرتين هما اللتان كانتا محل جدل واسع من طرف الوفدين المتنازعين. ففي البداية ظهر ان الوفدين لا يحملان صلاحيات واسعة لتقرير ذلك. ثم بدأ ان الوفد الذي أرسله موبوتو كان يناور من اجل الا يتعهد باجراء أية تغييرات أو انتخابات رئاسية. وعندها أبدى الوفد الذي أرسله كابيلا تشدداً كبيراً فرفض التعهد بإنهاء الحرب والإلتجاء الى العمل السياسي. وحاول المؤتمرون الضغط أكثر على الوفدين، فتوصلوا الى اقناع، هما بضرورة عقد محادثات اخرى في أي بلد يتفق عليه فيما بعد، وبدا ان ذلك بمثابة حل وسط لانقاذ ماء وجه رئيس التوغو والرؤساء الآخرين الذين حضروا الاجتماع، لكن الحقيقة المرة هي تلك التي نطق بها ممثل كابيلا للشؤون الخارجية بيزما كاراها حين قال للصحافيين "لم نر أيّ وفد يمثل زائير لكي نفاوضه… نحن أيضاً زائيريون… اما ابنة موبوتو فهي دائماً ابنة موبوتو". ويتهم زعيم الثوار ديزيريه كابيلا موبوتو بأنه رجل لا يوثق فيه لأنه لا يعرف أي معنى لكلمة الشرف الافريقية، ويقول "لو ان موبوتو يعرف الشرف، فإني سأرمي السلاح وأتوجه لمفاوضته في كينشاسا وبلا وساطات". ويكشف كلام كابيلا هذا عن حذر شديد يخيم على اجواء أية محادثات قد تجري في المستقبل. وفي انتظار جولة اخرى من المحادثات، فإن كابيلا مضطر الآن لتحصين مواقعه وكسب مواقع أخرى جديدة لتحسين وضعه في أية مفاوضات. ويخضع كابيلا في استراتيجيته المناهضة للرئيس موبوتو الى اعتبارات سياسية وعرقية وجغرافية عدة. فهو لا يستطيع ان يلقي بالسلاح ما لم توافق على ذلك الدول التي تدعمه مثل أوغندا ورواندا وبورندي وربما تانزانيا، وهي دول منابع النيل التي تقف في الوقت نفسه ضد موبوتو في زائير وضد عمر البشير في السودان . كما ان كابيلا الذي ينتمي الى الزائيريين المتحدرين من عرق التوتسي الحاكم في كل من رواندا وبورندي لا يستطيع ان يتخلى عن مطامح قبائله أو شعبه الذي ظل يعتبر شعباً من درجة ثانية في زائير طوال العقود الماضية من حكم موبوتو. وأخيراً، فإن شرق زائير الذي أصبح بمجمله خاضعاً لكابيلا لم يعد أبداً قابلاً للحكم من أية قوة سياسية اخرى، بل يصعب حالياً اعادته الى نظام موبوتو. اما اذا أراد الزائيريون الحفاظ على وحدة بلادهم، فلا بد ان يراعي أي نظام جديد في كنشاسا حساسية الشرق الزائيري. حرب الثروات ويصعب التكهن حالياً ما اذا كانت المفاوضات ستأخذ طريقها أو ما اذا كانت تحمل أية فائدة للطرفين. ولكن ما هو متوقع، فإن كابيلا سوف لن يكتفي حالياً بشرق زائير لاقامة جمهوريته الخاصة، وانما هو يستعد للهجوم على جنوب البلاد في اقليم كاتنغا، حيث توجد الثروات الأكثر اثارة في افريقيا كلها… وعندها سيكون أكثر قدرة على خنق خصمه موبوتو في كينشاسا. فهو يزحف حالياً نحو كاتنغا - شابا وقد يكون سيطر على أول مدنها - كاسونغا - واذا ما تم ذلك فإن ذلك الاقليم الغني بالنحاس والاورانيوم والنفط والماس والذهب سيمكنه من السيطرة على عاصمة ذلك الاقليم لومباشي، وتصبح الطريق نحو كينشاسا مفتوحة أمامه من طريقين في الجنوب والشرق. وتفتح السيطرة على كاتنغا - شابا، مرحلة جديدة لزعيم الثوار كابيلا، اذ بإمكانه آنذاك ان يفرض منطقه على الرئيس موبوتو وكذلك على الشركات العالمية المتعددة الجنسيات العاملة في مناجم النحاس والكوبالت والزنك والماس. ان حرب زائير هي حرب افريقيا السوداء كلها. فهي تقع في قلب القارة حيث البحيرات الكبرى وفوق منابع النيل وقرب نهر الكونغو ونهر أوبنغي، ولذلك، فإن امتداداتها ستكون بمثابة أي انفجار نووي. فهي ستصل حرب السودان الذي يقع بجانب زائير. وقد تمتد لتشمل منطقة أنغولا الى حدود جنوب افريقيا. اما ما هو أكيد حتى الآن، فإن لا أحد يريد لموبوتو ان يبقى في مكانه. فهو "جثة يجب كنسها" حسب كابيلا وهو "رجل فقد رجاله" حسب جيرانه الصغار، وهو "نظام لم يعد وجوده ضرورياً بعد الحرب الباردة" في نظر الأميركيين. وهو مصدر بؤس "بالنسبة الى شعبه"، وهو "بلا شرف" في نظر خصومه… فيا الهي الى أين يمضي رجل يتمتع بكل هذه الأوصاف؟ قال كابيلا: "الى التماسيح"