كانت الساعة تشير الى السادسة والدقيقة 45 في مقهى اتحاد الكتاب في أعالي شارع ديدوش مراد، أحد الشوارع الرئيسية في العاصمة الجزائرية. وفجأة نظر صاحب المقهى الى ساعته وانتفض قائلاً: "لقد حان وقت الحسابات! عليّ أن أسرع حتى التحق بالبيت في الوقت المناسب"! صاحب المقهى كاتب وشاعر وعضو قيادي في "حزب صغير"، لم تزده معارضته لسياسة النظام سوى ضمور يقطن حياً راقياً - نسبياً - لكنه مرعب، بما يحدث فيه من أعمال عنف مريعة. انه حي بني مسوس الواقع بين بوزريعة والشراقة ووالي ابراهيم وغابة باينسام التي تحولت فجأة من منتزه وفضاء خصب للحياة الاجتماعية - ناهيك انها كانت تضم نادياً لمربيّ الكلاب ومتحفاً للطيور وملاعب للتنس - الى وكر للاغتصاب والاختطاف والاغتيال... ومنذ مذبحة ليلة السادس من أيلول سبتمبر الماضي التي ذهب ضحيتها 60 قتيلاً، حسب مصادر طبية، سكن الخوف سكان بني مسوس، اسوة بمعظم احياء العاصمة وضواحيها، ومنهم كاتبنا صاحب المقهى الذي يتعين عليه العودة الى مسكنه في الوقت المناسب، ليتخندق به حتى الصباح، اذ لم يكن معنياً بالحراسة التي أقامها سكان الحي بالتناوب غداة تلك المذبحة المريعة. غادرت اتحاد الكتاب أحمل مشروع جولة اتفقد خلالها أحوال الجزائر العاصمة قبل العاشرة ليلاً. لقد اخترت العاشرة كأقصى ما يمكن من المجازفة بالنسبة الى صحافي "عادي" غير مسلح ولا يتمتع بحماية خاصة، حفظ جيداً نصيحة صديق من الأمن منذ بدء أعمال العنف العام 1992. لقد نبهني يومئذ بتجنب السهر ما أمكن... بعد العاشرة، وعملت "بنصيحته" مضطراً لا سيما بعدما بدأ مسلسل اغتيال رجال الثقافة والإعلام في آذار مارس 1993. وقبل الشروع في "تفقد" أحوال مدينة الجزائر ليلا، تذكرت أن العاصمة ليست متعودة على السهر، على عكس مدن أخرى مثل وهران وعنابة مثلا. وبسبب هذه الظاهرة اشتهرت في مطلع السبعينات بصفة "العاصمة التي تنام قبل الثامنة". ترى هل تنام الجزائر العاصمة قبل الثامنة وهي في حالة حرب؟! هذا ما حاولت البحث عن جواب له. لكن من أين أبدأ؟ في البداية صممت أن أبدأ بمفترق الطرق الرابط بين أحياء ساخنة مثل عين النعجة وجسر قسنطينة وكل من حي البدر وباش جراح. لكن وجودي وسط المدينة جعلني أفضل الانطلاق من شارع درس ذبيح الشريف الذي يشق القصبة المدينة القديمة من شارع بن مهيدي الى شارع الباب الجديد. وقفة عند منابع الأذى الحركة تبدو عادية في هذا الشارع الذي كان في وقت ما "مصباً للأذى" الذي يمكن أن ينساب من أزقة القصبة المؤدية اليه في كل حين. والى وقت قريب أيضاً كان المواطنون من سكان القصبة يتهامسون في ما بينهم عن "ظاهرة باعة الخضر الذين يخفون أسلحة حربية تحت سلال مبيعاتهم". في بداية ذبيح الشريف أحد أبطال "معركة الجزائر" أثناء ثورة التحرير عند تقاطع الشارع مع شارع بوزرينة، توجد سوق للخضر محاطة بعدد من المحلات الخاصة ببيع الملابس المحلية أو المستوردة عن طريق تجارة الشنطة. هذه السوق شهدت أول عملية للجماعات المسلحة في العاصمة أدت الى اغتيال 6 من عناصر الشرطة، وتلتها مباشرة عملية الاميرالية التي استهدفت عناصر من الجيش. وكانت العمليتان سبباً في اعلان حالة الطوارئ في 9 شباط فبراير 1992 والتي ما تزال مستمرة حتى الآن. كما شهدت بعد ذلك اغتيالات فردية وانفجرت قنبلة داخل السوق نفسها متسببة في سقوط 10 قتلى على الأقل فضلاً عن العديد من الجرحى. فلمدخل الشارع اذا "تاريخ"، وعندما تتقدم قليلاً تصادفك أضواء خافتة تقلل من اشعاعها شجيرات حزينة. وقد جلس بعض سكان القصبة يتهامسون أمام مداخل عمارات رثة. المشاهد نفسها تتكرر وأنت تتقدم باتجاه حي "سوسطارة" الذي كان في ما مضى قلب المدينة القديمة، وما زال أبناؤه يفتخرون بأنهم من "العاصميين الاقحاح"، لا سيما بعدما أصبح فريق "اتحاد الجزائر" يلعب الأدوار الأولى في ملاعب كرة القدم. و"سوسطارة" محافظة شرطة، تمترست بعدد من الاهرامات الصغيرة من الاسمنت المقوى وضعت على الطريق الضيق محتلة ثلثه أو أكثر. وتتحمل عناصر هذه المحافظة ضغوط الوضع الأمني في القصبة، فالشارع نفسه شهد اشتباكات مسلحة، لكن المدينة القديمة بدأت تتنفس تنفساً شبه عادي منذ القضاء على مجموعة "ياسين نابولي" في خريف العام الماضي. وينتهي شارع ذبيح الشريف بدوار صغير هو دوار "الباب الجديد" المدخل الشمالي للقصبة. وأنت تغادر الشارع ينتصب أمامك سجن سركاجي الشهير الذي كان في كانون الثاني يناير 1995 مسرحاً ل "محاولة هروب مخترقة"، أسفرت عن مقتل 104 سجناء، حسب حصيلة رسمية، من بينهم يخلف شراطي أحد أئمة الجبهة الاسلامية للانقاذ. وقرب السجن مقر قيادة الدرك الوطني الذي يشكل قوة رئيسية في مواجهة الأوضاع الأمنية السائدة منذ قرابة ست سنوات. ساحة الشهداء اسم على مسمى ومن الباب الجديد اتجهنا الى باب الوادي عبر شارع أرَزْقي اللوني الذي ينحدر ليصب في الدوار الواقع أمام ثانوية الأمير عبدالقادر ومقر القيادة العامة للأمن الجزائري. وأثناء المرور في الحديقة حيث ضريح سيدي عبدالرحمن الذي يعتبره أبناء العاصمة انه يحمي "الجزائر البيضاء"، كان هناك عدد من الشبان يمضون الوقت، متكئين على أسوار الحديقة التي نصبت عند مدخلها ألواح لملصقات حملة انتخابات محلية، غير أن أكثر الألواح كانت خالية وبعض الملصقات ممزق. ولم ينج سوى ملصق أو اثنين لا يستطيع العابر معرفة الحزب الذي يدعوان الى انتخابه، علماً أن القصبة كانت من قلاع "الجبهة الاسلامية للانقاذ". أمام مقر مديرية الأمن الوطني في باب الوادي بدت الحركة عادية ذلك المساء، فلا شيء يذكر سوى ان هذا المقر تعرض لأكثر من هجوم بالسيارات المفخخة، لكن يقظة القائمين بحراسته حالت دون تكرار عملية 30 كانون الأول 1995 التي دمرت مقر محافظة أمن الجزائر العاصمة متسببة في مقتل حوالي 100 شخص نصفهم من رجال الأمن. أحد الهجومات على مقر المديرية التي يشرف عليها حالياً العقيد السابق في الأمن العسكري علي التونسي، انحرف عن وجهته الأصلية، فأصابت السيارة المفخخة ثانوية الأمير عبدالقادر قبالة المديرية، مما أدى الى سقوط عدد من الطلبة بين قتلى وجرحى. من هنا وجدت نفسي في شارع فاتح نوفمبر المؤدي مباشرة الى "ساحة الشهداء". كانت هذه الساحة في مطلع التسعينات ميداناً تستعرض فيه الحركة الاسلامية عضلاتها السياسية، من خلال قدرتها الفائقة على تعبئة الجماهير والتجاوب معها في الوقت نفسه. الساعة تشير الى التاسعة ليلاً. حركة الحافلات العمومية والخاصة من ساحة الشهداء واليها لم تتوقف تماماً، ومواطنون قلائل يتأهبون للالتحاق بمنازلهم. لكن لا اثر لرائحة السمك المقلي والمشوي التي كانت تنبعث من المطاعم الفخمة الغالية الواقعة في ممر خاص مجاور للجامع الكبير، حيث يؤدي كبار المسؤولين الصلوات في الأعياد الدينية. كان الأجانب وكوادر الشركات الحكومية وأثرياء التجار يترددون كثيراً على هذه المطاعم لتناول أطيب أنواع السمك وألذ أنواع المشروبات التي تشتهر بها الجزائر، لكن يا حسرتاه على ما مضى وقد أصبحت "ساحة الشهداء" اسماً على مسمى بعدما حصدت السيارات المفخخة التي انفجرت فيها منذ العام 1992 الكثير من الأرواح البريئة على مقربة من الجامع الكبير نفسه، وغير بعيد أيضاً عن جامع كتشاوة ذي التاريخ العريق. آخر السيارات المفخخة انفجرت عشية الانتخابات التشريعية بحضور الصحافة الدولية التي جاءت بقوة لتغطية "أول انتخابات تشريعية تعددية" بعدما أصبحت تشريعات 1991 في خبر كان. وبعد مجازفة "القصبة" وضواحيها هرعت الى حي باش جراح المجاور لأحياء لا تقل خطورة، مثل الوادي الشايح ولاغلاسيير وحي النخيل وغيرها. لم أدخله من تقاطع الطرق الأربعة كما كنت أفكر في البداية بل من شارع طرابلس في جسين واي. وللوصول الى باش جراح كان علي أن أمر على ثلاثة حواجز للجيش، أولها حاجز بروسات المقام أمام ثكنة الهندسة العسكرية، ولهذه الثكنة قصة طويلة فقد كانت ابان حرب التحرير مكاناً لتعذيب رجال المقاومة، وفيها عذبت المقاومة الشهيرة جميلة يوباشا. وفي بداية الثمانينات قرر الرئيس الشاذلي بن جديد اخراج الجيش من ثكناته داخل المدن الكبرى، فأصبحت الثكنة مقراً لجريدة الشعب بمطبعتها الحديثة ولاتحادات الشبيبة والفلاحين والنساء والكتاب. لكن بعد اطاحة بن جديد مطلع 1992، عاد الجيش ليسترجع مواقعة داخل العاصمة فطرد الجميع من هذه الثكنة. وكانت صحيفة "الشعب" آخر مطرود العام الماضي. ولم تبق في محيط الثكنة غير المطبعة التي أصبحت شركة مستقلة منذ مطلع التسعينات. الحاجز الثاني على الطريق المؤدي الى باش جراح يقع عند نقطة استراتيجية هي عبارة عن معبر طبيعي يربط احياء المقرية والوادي الشايح ولاغلاسيير بوادي الحراش المؤدي الى بالراقي: بوابة "مثلث الموت" الرهيب الذي يحاول الجيش الجزائري منذ 28 أيلول سبتمبر الأخير تحطيم مراكز الجماعات المسلحة المعتصمة به منذ سنة على الأقل في مخابئ وانفاق محصنة ومحمية بشبكة رهيبة من الحقول الملغمة. ويقع الحاجز العسكري الثالث عند مدخل الحي، غير بعيد عن ثكنة تطل على حي لاغلاسيير الشعبي. لم اجرؤ على المغامرة داخل هذا الحي الذي اشتهر بأنه "لا يدخله محايد". وسكانه مجندون للحراسة ليلاً والمراقبة نهاراً وزائره مشبوه. ويمكن لأي طرف أن يتهمه بالاستطلاع أو التجسس لفائدة الطرف الآخر. الفقر لعنة والمقابر عارية في حي باش جراح الحركة "عادية" أيضاً. أشخاص قليلون تجمعوا في حلقات يتجاذبون أطراف الحديث. انهم ساهرون! لكن ليس للسهر والسمر، بل تحسباً لهجوم مفاجئ لا يدرون له مصدراً قد يحول حيهم بين لحظة وأخرى الى "مقبرة عارية". لقد بثت المذابح الأخيرة التي وقعت كلها في أحياء شعبية واستهدفت "فقراء" - كما جاء في بيان لرابطة الدفاع عن حقوق الانسان - الرعب في أحياء باش جراح وبوروبة وحي الجبل... بعدما انتاب سكانها الشعور بأن الفقر أصبح لعنة لا يقل خطرها عن لعنة تأييد الجبهة الاسلامية للانقاذ سابقاً. من باش جراح اتجهت مباشرة الى النقطة التي كنت اعتزم الانطلاق منها: تقاطع الطرق الأربعة الرابطة بين حي البدر وباش جراح وجسر قسنطين وعين النعجة. ولكل هذه الأحياء امتداد وتاريخ. فجسر قسنطينة كان مسرحاً لاشتباكات بين قوات الأمن والجماعات المسلحة، ولاغتيالات فردية عدة من أشهرها الصحافي التلفزيوني عبدالقادر حيرش. كان حيرش يقطن مسكناً أرضياً متواضعاً جداً وقتل خلال شهر رمضان وقد جلس بعد الافطار يرتشف فنجان قهوة في مقهى لا يتوافر حتى على كراس عادية. وعندما جاء التلفزيون لتصوير المأساة قال اخوه متحسراً وهو يشير الى الكوخ العائلي: "أيلاحقوننا ونحن في هذه الحال؟!". وأكثر من ذلك فإن هذا الحي نقطة عبور باتجاه بالراقي "بوابة مثلث الموت". وحي البدر مجاور لأحياء ساخنة مثل "بن عمر" حيث تسكن عائلة الشيخ علي بالحاج، وقد شهد في آذار مارس 1993 اغتيال الدكتور الجيلالي اليابس الوزير السابق ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية. وهناك أيضاً حي المنظر الجميل الذي شهد محاولة اغتيال الزعيم النقابي عبدالحق بن حمودة في السنة نفسها كما شهد تفجير أول سيارة مفخخة تستهدف عمارة تقطنها أسر رجال أمن. وعلى رغم وجود حي عين النعجة على مقربة من قيادة أركان الجيش، فقد كان مسرحاً لأعمال عنف رهيبة، منها تفجير مقر الدرك، فضلاً عن الكثير من الاغتيالات الفردية. من ضحاياها زميلنا الجيلالي عرابديو كبير المصورين الصحافيين في اسبوعية "أحداث الجزائر". وفي جوار عين النعجة حي بير الخادم مسقط رأس قادة "الجماعة الاسلامية المسلحة"، أمثال الشريف قوسمي الذي قتل في تشرين الأول اكتوبر العام 1994، وجمال زيتوني الذي قتل في حزيران يونيو من العام الماضي، في أعقاب اغتيال الرهبان السبعة. كان الموقف مخيفاً عند تقاطع الطرق الأربعة بسبب الظلام ووجود حاجز للشرطة. وقد أصبح أصحاب السيارات يتطيّرون من مثل هذه الحواجز، لسببين على الأقل: 1- كثرة الحواجز المزيفة التي تقام أحياناً لاختطاف أو اغتيال أشخاص معينين. 2- كثرة "الحوادث" في الحواجز الأمنية التي تسببت في مقتل العديد من المواطنين "خطأ". منهم على سبيل المثال: الدكتور رشيد بودان الساعد الأيمن لرجل الأعمال "القوي جداً" يسعد ربراب ممول "التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية" وصاحب امتياز صحيفة "ليبرتي". الدكتور جودي، وهو من أقارب سفير الجزائر السابق في باريس حسين جودي وصهر عبدالمجيد علاهم السفير والوزير وأحد رجالات مرحلة الرئيس هواري بومدين. "عمي" صالح القُلّي صاحب مطعم وحانة "الجامعة" الذي قتل ليلاً وهو عائد الى مسكنه في عين النعجة على حاجز للجيش غير بعيد عن تقاطع الطرق الأربعة. أحياء لا تعرف الخوف من هذه النقطة المظلمة المخيفة توجهت مباشرة الى أعالي العاصمة المضيئة، حيث أحياء تعيش التهديد لكن لا تعرف الخوف بعد، مثل حيدرة وبن عكنون والابيار. في الأبيار مثلاً كان شارع علي خوجة المؤدي الى وزارة الدفاع وفندق الأوراسي عادياً. معظم المحلات التجارية أغلقت أبوابها. وكان في ساحة كيندي "بقايا" شباب يتسامرون بعيداً عن اجواء الرقابة والحراسة والتوجس التي تعيشها الأحياء الشعبية. ومن شارع علي خوجة عدت ادراجي الى قلب العاصمة، الى شارع ديدوشس مراد... لألاحظ مشهداً جديداً، لكنه مؤسف: شباب يمضي الوقت بلعبة الدومينو، كأن الزمن قد توقف بالنسبة اليهم، وما دام الأمر كذلك فالأحسن ان يضيع هدراً. وفي طريق العودة من هذه "المجازفة الليلية"، فكرت أن أتوقف في شارع الشهداء، في حانة فجرت بالقرب منها حافلة عسكرية في أواخر كانون الثاني يناير من العام الجاري. كنت أعرج أحياناً على المكان برفقة زميل يعرفه أصحابه، لكن هذه المرة كنت وحيداً، ولسوء الحظ لم يعرفني حارس البوابة فلم يأذن لي بالدخول؟ عدت ظمآن الى البيت وبعد لحظات أرتميت على السرير لاسترق قسطاً من الراحة، وما أن بدأ النعاس يغالب أجفاني حتى أخذ حرس المنزل يدق مرة، مرتين، ثلاث مرات، فانتفضت مذعوراً: من الذي يطرق علينا الباب في مثل هذه الساعة؟ الحادية عشرة ليلاً. أتراها "ألوية الموت"؟! لقد اختطف العديد من المواطنين ليلاً من ديارهم من دون ان يظهر لهم أثر بعد ذلك، فلا مصالح الأمن اعترفت، ولا الجماعات المسلحة أعلنت؟ فالخوف طبيعي اذاً في مثل حالنا، علماً ان المواطنين أصبحوا يتحاشون الحديث هاتفياً الى معارفهم ليلاً "تجنباً لتخويفهم". وحفاظاً عليّ سارعت الزوجة المسكينة وهي ترتجف الى الباب سائلة من الطارق؟! من الطارق؟! الحمد لله! إنه جارنا، لاحظ ان المياه تنساب من ساحة الدار فجاء لينبهنا الى إغلاق الحنفية! وهذه مشكلة أخرى! لقد أصاب البلاد هذا العام جفاف لم تعرف من قبله مثيلاً. وخوفاً من العطش اتخذت محافظة الجزائر الكبرى اجراءات صارمة في توزيع المياه بين أحياء المدينة. فكان حظ القبة سيئاً: واحد على ثلاثة! لكن نظرياً فقط لأن الحقيقة واحد على ستة، أي 12 ساعة من كل 72 ساعة! من العاشرة ليلاً الى العاشرة صباحاً. بعد هذا الانذار الخاطئ، قلت في نفسي مخاطباً جاري الطيب: الحمد لله الذي مسخك جاراً وكفانا شراً! لكن هل توقفت الحياة في الجزائر العاصمة أمام كل هذه الاهوال والضغوط المادية والمعنوية؟ كلا! ان الجزائر على عكس ما اشتهرت به، أي النوم في الثامنة مساء، أصبحت تسهر، ربما تسهر خوفاً لكنها ستسهر، حتماً للسمر والطرب. المهم ان طوفان الموت الزاحف من كل حدب وصوب لم يوقف نبض الحياة في بني مسوس وبن طلحة والريس... الخ. وهنا يكمن سر الوجود... ان الحياة هي الأقوى دائماً، وهي اليوم أقوى ما تكون في الجزائر! فلا نامت أعين القتلة الجبناء! .