سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تحقيق من الداخل . حرب الجزائر الثانية الجماعات الاسلامية المسلحة متفقة على العمل لاسقاط النظام بالعنف والدولة تضع خطة مواجهة تشمل وقف تدفق الأسلحة وإضعاف الدعم الخارجي للاصوليين
كان لا بد من انتظار اسبوع كامل لحجز مقعد في طائرة متوجهة من باريس الى الجزائر. فقد سجلت شركات الطيران على اختلافها درجات عالية من الحجز وكان للمصادفة وحدها أن تهدي مكتب الحجز الى العثور على مقعد لنا في شركة الطيران الفرنسية. فلماذا يتدافع الناس الى زيارة بلد تسوده "حرب أهلية" على حدّ ما يقوله الكثيرون؟ لم يختفِ السؤال خلال الساعات الاولى من إقامتنا في العاصمة الجزائرية بل ازداد الحاحاً عندما بادرتنا موظفة الفندق بالقول: "ماذا سيحدث في الجزائر؟ لماذا جئتم انتم الصحافيون بكثرة هذه الأيام. في كل مرة تتجمعون فيها أشعر أن شيئاً خطيراً يوشك أن يقع. لكنكم تبالغون كثيراً. فالقناة الأولى في التلفزيون الفرنسي قالت ذات يوم ان انفجاراً ضخماً وقع في الحي الذي أسكنه وان بناء تهدم بكامله. لم اسمع الانفجار وفي صباح اليوم التالي تبين لي أن البناء المشار اليه سليم تماماً. إن مثل هذه الانباء تثير الضحك". والكلام دائماً لموظفة الفندق التي علمت بهويتنا والتي كانت استقبلت طيلة يومين اكثر من 12 صحافياً يمثلون وسائل اعلام اوروبية واميركية في حين كانت "الوسط" المطبوعة العربية الوحيدة. وتستأنف موظفة الفندق قولها: "نحن هنا لا نعرف تفاصيل ما يجري بالضبط. لكن بعض الصحافيين لا يزيدنا معرفة بما يجري. فهؤلاء يقضون معظم أوقاتهم في الفندق ثم يعودون الى أماكن عملهم ويتحدثون عن حرب اهلية في الجزائر. أين هي هذه الحرب؟ انني أسمع بوقوع أعمال عنف وقتل وارهاب، لكنني لم أصادف حتى الآن اي حادث مسلح ومنذ بداية الاحداث". هذا الكلام يلخّص جانباً كبيراً من الحالة السائدة في الجزائر اليوم. فالصراع الدائر بين الدولة وأجهزتها وبين "الاصوليين" والمتشددين الاسلاميين لا يتناسب تماماً مع الصورة المنتشرة خارج البلاد والتي تفيد بوقوع حرب أهلية يعمّ خلالها العنف اليومي الشامل على الطريقة اللبنانية أو على غرار ما يحدث في البوسنة والهرسك. ما تشهده الجزائر اليوم هو أقرب الى "حرب عصابات" في المدن منه الى الحرب الاهلية الشاملة، اذ تقوم مجموعات سرية مسلحة ومحكمة التنظيم بتوجيه ضربات خاطفة الى رجال الشرطة وقوات حفظ الامن التي تبادر الى ملاحقة الفاعلين بهدف القاء القبض عليهم، فتحاصر لهذه الغاية بعض الاحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية. ويتم ذلك بعلم المواطنين المقيمين في الاماكن المستهدفة ووسط أنباء محدودة ومدروسة تذيعها وسائل الاعلام المحلية وغالباً بعد وقوع الحوادث بأيام. هكذا يعلم المواطنون الجزائريون ان حادثاً وقع في منطقة معينة من العاصمة أو ان قوات الامن قد اعتقلت زعيماً اسلامياً متمرداً أو انها اوقفت مجموعة تتاجر بالسلاح الخ... وباستثناء حالة منع التجول التي تبدأ في الحادية عشرة ليلاً وتنتهي في السادسة صباحاً، وباستثناء دوريات الشرطة المتنقلة وبعض الحواجز العسكرية المفاجئة، وباستثناء السلاح الخفىف الظاهر الذي يحمله احياناً بعض افراد قوى الامن الداخلي في الاماكن الحساسة من العاصمة، فان المظاهر العامة لا توحي بوجود حالة حرب حقيقية في الجزائر كما تقول الانباء المذاعة في الخارج. ولولا نشر اخبار محلية عن عمليات الاغتيال والقتل والاعتقالات لأمكن القول ان الحياة اليومية في الجزائر لا تختلف عن اي بلدٍ آخر يشهد اعمال عنف من حين الى آخر. تجولنا خلال الأيام العشرة الاولى من هذا الشهر في انحاء مختلفة من العاصمة الجزائرية، وزرنا الاحياء المرتفعة شرق العاصمة، مثل بوزريعة وبن عكنون وحيدرة والغولف، وهي أحياء راقية بالمقاييس الجزائرية، كما زرنا أحياء شديدة الكثافة السكانية في أسفل العاصمة المتدرجة في انحدارها، خصوصاً في تليملي والقبة والمدنية وباجراح والحراش وباب الواد وبلكور والقصبة... الخ فلم نلحظ وجود حراسات مكثفة حول المباني الرسمية، لا بل ان بعضها يخلو من اية حراسة. أما مخافر الشرطة التي صادفناها فان حراساتها لم تكن استثنائية. رجلان فقط كانا يقفان على مدخل مخفر الشرطة في شارع الشهداء المطل على شارع بوجمعة سويداني حيث مقر إقامتنا. وقد لاحظنا مراراً افراداً من رجال الدرك الوطني يتجولون من دون سلاح، ولا حاجة للحديث عن الدوريات الآلية الضخمة أو دوريات الجيش، فهذه آثارها معدومة ولا يوجد ما يبررها في صراع يعرف فيه المتصارعون بعضهم البعض عن كثب. لكن غياب المظاهر العنيفة العامة والبادية للعيان لا يقلل في شيء من خطورة الصراع بين الدولة الجزائرية والاصوليين المتطرفين ولا يحجب القلق العام الكامن والمخيم على أجواء العاصمة. ولا يخفي الاحتقان الذي يسهل تبينه في نظرات وملامح المئات من الشبان الذين يتكدسون في الشوارع والاحياء وفي كل الاوقات، كأن لا شيء لديهم يعملونه ولا مكان يذهبون اليه سوى الانتشار في الشوارع بلا هدف محدد. عندما كانت سيارة الليموزين التابعة للفندق تتجول في الاحياء الشعبية البائسة، كانت تلاحقها نظرات الاحتقار والغضب من طرف بعض الشبان. بالمقابل اختفت لسبب ما عادة اطلاق اللحى التي انتشرت على نطاق واسع مع المدّ الاسلامي الواسع الذي ترافق مع صعود "الجبهة الاسلامية للانقاذ". هذه الجبهة التي لم يبق ما يشير الى انها كانت تسيطر على العاصمة ذات يوم، إلا بقايا شعارات وآثار نادرة لاسم الجبهة موقعاً بالاحرف الفرنسية الأولى "F.I.S" وآثار رشقات من الرصاص على مسجد ابو الفضيل الورتلاتي، وقلة من اللحى التي ما زالت تكافح في وجوه شبان كانوا يقابلون نظراتنا الحشرية المتفحصة والوافدة من الخارج بشيء من الافتخار والكبرياء والتحدي أو بابتسامة تجعلك تشعر وكأنك ارتكبت خطأ. أما مسجد ان باديس والشوارع المحيطة به في القبة والتي كانت تقفل لاستقبال مصلين، جاؤوا للاستماع الى الخطب النارية التي كان يلقيها الشيخ علي بلحاج، هذا المسجد هجرته الحشود وعاد الى حالته الطبيعية بعد اعتقال بلحاج وعباسي مدني. تياران بين القوى الاسلامية لكن ثلاثة ملايين ناخب أيدوا جبهة الانقاذ في انتخابات كانون الأول ديسمبر 1991 التشريعية لا يمكن أن يتبخروا وأن يختفوا، فهل نزلوا تحت الأرض مع "الجبهة الاسلامية" لممارسة العمل السياسي السري والمسلح، أم انهم بدّلوا مواقفهم وعواطفهم مع تبدل الظروف؟ من الصعب الاجابة بسرعة على هذا السؤال، ولا بد من المزيد من البحث. لا يحسب الالتزام الصارم والشامل بصيام شهر رمضان في رصيد الاسلاميين المسلحين او غير المسلحين، فالشعب الجزائري خصوصاً والمغاربي عموماً، لا يتهاون في اداء واجب الصيام داخل وخارج المغرب الكبير، لكن شهر رمضان هذا العام لم يكن شهر الرحمة بالنسبة الى الجزائريين من ذوي الدخل المحدود. فقد ارتفعت اسعار السلع والمواد الاستهلاكية بصورة جنونية. هكذا تضاعف سعر البصل الذي ارتفع من 6 دنانير للكلغ الواحد الى 12 ديناراً وبلغ سعر الحامض 25 ديناراً والجزر 12 ديناراً وكلغ اللحم 240 ديناراً والفلفل 160 ديناراً والكوسى انتقل سعرها من 25 الى 50 ديناراً للكلغ، والخيار 50 ديناراً علماً بأن الحد الادنى للأجور لا يصل الى 5 آلاف دينار. ولم يكن شهر رمضان لهذا العام مناسبة لهدنة يمتنع فيها أطراف الصراع عن اعمال العنف والقتل. فعلى رغم انحسار موجة العمل العسكري في الأيام الخمسة الاولى، عادت نسبة العمليات الى الارتفاع في الأيام التالية. وتتبادل الدولة والاسلاميون التهم في عدم احترام شهر رمضان وعدم التزام القيم الاسلامية. فالجماعات الاسلامية المسلحة تكفّر الدولة وتعتبرها علمانية وغير شرعية وغربية الهوى والثقافة والقوانين، في حين تصف السلطات الرسمية الاصوليين المسلحين "بالارهابيين والمجرمين والهاربين من العدالة والخارجين على الاسلام ودعاة الفتنة الوطنية". ازاء ذلك تلحّ على زائر العاصمة الجزائرية مجموعة من الاسئلة حول ما وصل اليه الصراع الدائر في هذا البلد. وهي اسئلة تراود أذهان المتابعين لأحداث الجزائر من الخارج. ومن بينها: أين يتمركز الاسلاميون؟ ما الوزن الحقيقي لقوتهم؟ كيف ينظمون انفسهم؟ كيف يختارون أهدافهم؟ هل استطاعوا ان يؤثروا على وحدة القوات المسلحة جيش - أمن - شرطة - درك وطني... الخ؟ من يدعمهم ومن أين يأتيهم السلاح وما علاقتهم الحقيقية بالجبهة الاسلامية للانقاذ، واخيراً ما هو دور الاسلاميين غير المسلحين وهل يرثون فعلاً جمهور الانقاذ؟ بالمقابل تجول أسئلة اخرى في خاطر الزائر للعاصمة الجزائرية حول مدى تماسك أجهزة الدولة في مواجهة الاسلاميين وحول مشروع السلطات الرسمية لمعالجة الازمة، وشرعية الدولة في نظر الرأي العام ونظرتها الى هموم الشارع اليومية وعلاقتها بأطراف المعارضة الحداثية... الخ. تتوزع قوى الاسلام السياسي في الجزائر على تيارين كبيرين: الأول تمثله "جبهة الانقاذ" المحظورة والمنظمات الاسلامية الراديكالية المسلحة وكلها أعلنت الجهاد ضد النظام الجزائري. والتيار الثاني يضم منظمات سياسية رفضت مبدأ العنف واختارت العمل السياسي في ظل احترام القوانين المعمول بها في البلاد وتتدرج هذه المنظمات في اعتدالها وفق الترتيب التالي: حركة "حماس" وحزب "الامة" وحركة "النهضة الاسلامية"، وتتعرض هذه المنظمات لحملات شديدة القسوة في الآن معاً من طرف الاسلاميين المسلحين الذين يكفرونها ومن طرف التيار العلماني الذي يعتبرها أخطر من الاسلاميين المسلحين. وهي ترث ببطء الجناح المعتدل في جمهور "الانقاذ". أما التيار الاسلامي المسلح فانه يتشكل من اتجاهات وتنظيمات متعددة يصعب حصرها. وهي متفاوتة الاحجام والتأثير، لكن التسميات البارزة والمتداولة محلياً تشمل: "الجماعة الاسلامية المسلحة السلفية" وجماعة "التكفير والهجرة" وانصار "الجهاد" وانصار مصطفى بويعلي الداعية الاسلامي الذي خاض حرباً ضد الدولة الجزائرية في الثمانينات الى ان سقط في معركة مع قوات الامن في العام 1987. وهناك ايضاً حركة "الأفغان" الجزائريين، ويتوزع "الافغان" على منظمات عديدة أو يعملون بأمرة قائد منهم، كما حالة جماعة الطيب الافغاني الذي اعتقلته السلطات الجزائرية وأعدمته مع ثلاثة من أعوانه في 12 من الشهر الماضي. وأخيراً هناك "الانقاذيون" المسلحون الذين يعملون دائماً في ظل اطارهم التنظيمي. لا تنضوي هذه المنظمات تحت سلطة قائد واحد وتتعدد القيادات بتعدد المنظمات، ومن بين القادة الاكثر تشدداً نذكر الشيخ عبدالقادر عيايدة الذي يقود التيار السلفي المسلح، وعبد القادر شبوطي الذي كان من انصار مصطفى بويعلي قبل ان يلتحق بالانقاذ والشيخ محمد السعيد وعبدالرزاق رجام مدير مكتب عباسي مدني وبهاء عز الدين وعبدالله المخلوفي وغيرهم. وتصدر الجماعات المسلحة نشرات وصحفاً سرية عديدة، من بينها إذاعة "صوت الوفاء" المتنقلة في أنحاء مختلفة من البلاد وهي تبث يومي السبت والأربعاء من كل اسبوع، ولم تتمكن السلطات الجزائرية من وقفها حتى الآن. يضاف الى ذلك نشرات تصدر باسم المسلحين، شأن "النفير" و"منبر الجمعة" في الداخل، ناهيك عن نشرات تدعمهم في الخارج شأن "التبصرة" و"العهد" اللتين تصدران في بريطانيا. ويتركز وجود الجماعات الاسلامية المسلحة في الولايات الست التي يشملها قانون حظر التجول، وهي الجزائر العاصمة وولاية تيبازة 60 كلم عن العاصمة وعين الدخلة وبومرداس 40 كلم والبليدة والبويرة 120 كلم عن العاصمة. "البرلمان هذه الدار الخبيثة" وعلى رغم انتشار العمل الاسلامي المسلح في الولاياتالمتحدة المذكورة، الا ان معظم العمليات التي ينفذها الاسلاميون تتركز في العاصمة وضواحيها المباشرة. وقد اكدت مصادر اسلامية جزائرية لپ"الوسط"، ان نشاط المسلحين ينحصر اساساً في أحياء تقع جنوب وشرق العاصمة، شأن الحراش وبوروبة والجبل وباجراح وباب الواد شمال غربي الجزائر وبلكور والقصبة وسط العاصمة، وتعتبر هذه الاحياء الاكثر كثافة سكانية والاكثر حرماناً. وترى المصادر الاسلامية نفسها أن المسلحين يفضلون توجيه ضرباتهم العسكرية ليس في وسط العاصمة حيث يمكن محاصرتهم وتطويقهم وإنما في الاحياء التي تتوفر لهم فيها طرق الانسحاب، بعد تنفيذ عملياتهم، شأن الحراش والجبل، وهي احياء مفتوحة على مناطق واسعة يمكن الهرب اليها بعد تنفيذ العمليات. وقد اعتقل الشيخ يخلف الشراطي في حي الجبل الواقع في طرف العاصمة. وتواجه الحكومة صعوبات اكيدة في وضع حدّ للعمليات العسكرية بسبب التنظيم المحكم الذي يعتمده المسلحون الذين يتوزعون على فرق صغيرة ومحدودة العدد، مستقلة في حركتها وتموينها وتسليحها وقيادتها وتحديد اهدافها، وغالباً ما يتلقى أفرادها الاوامر مكتوبة او بشيفرة مذاعة. وإذا ما اعتقل قائد الجماعة فان افرادها يتفرقون ويحلون أنفسهم ويشكلون مجموعة جديدة. ويحرص قادة الحركة على اشاعة نبأ اعتقال اي منهم لتحذير عناصرهم، كما حصل لدى اعتقال الشراطي الذي تحفظت الحكومة على نبأ اعتقاله الى أن أذاع الاسلاميون النبأ في اليوم التالي من إذاعتهم المتنقلة. ويسود الغموض علاقة الجماعات المسلحة بالجبهة الاسلامية للانقاذ وتتنازع هذه الجماعات في ما بينها وتختلف في تقديرها للموقف. وتؤكد مصادر اسلامية لپ"الوسط" انه وبخلاف ما هو شائع في الخارج، لا تسيطر "الانقاذ" على التيار المسلح الذي لا يلتزم بخط الجبهة وبمواقفها، وتعتقد هذه المصادر ان الراديكاليين من قادة "الانقاذ" كالشيخ عبدالقادر الشبوطي والشيخ يخلف الشراطي، لم يتمكنوا من ضبط هذه الجماعات تحت لواء الجبهة. وترى المصادر نفسها ان "الانقاذ" كانت تضم تيارات تتراوح مواقفها بين الاعتدال وأقصى التطرف، وانها تفككت بعد اعتقال قادتها ومؤسسيها ولم تعد تمسك بزمام الامور. ويرى المصدر نفسه انه لو أصدرت الجبهة أوامر بايقاف العمل المسلح فلن يستمع اليها المسلحون ولن ينفذوا أوامرها، الامر الذي يعني ان "الانقاذ" لم تعد تسيطر على جهاز متماسك يعمل بطريقة منظمة وفاعلة، وإنما تحولت الى تيار لا يمكن ضبط حدوده وقدراته الحقيقية. ولا تكتفي بعض التيارات المسلحة بعدم الانصياع الى أوامر "الجبهة الاسلامية للانقاذ" وإنما تعمل على تكفيرها وتحميلها مسؤولية ما حصل بالتيار الاسلامي في الجزائر. وحصلت "الوسط" على تسجيل صوتي لفتاوى الجهاد، كان أصدره مطلع هذا العام، الشيخ عبدالقادر عيايدة زعيم "الجماعة الاسلامية المسلحة السلفية"، ويوجه فيها اتهامات صريحة للانقاذ حيث يقول حرفياً: "لقد دخلوا الانتخابات وخالفوا نصائحنا واعتزلونا وهجرونا ورشحوا الى مناصب البرلمان افرادهم وأعوانهم بطريقة سرية ماكرة خبيثة لعينة واستحوذوا على كل الكراسي وغلّطوا الامة. حذرناهم لكنهم أبوا الا الدخول الى البرلمان الى هذه الدار الخبيثة، الى هذه الشجرة الملعونة وهم يعلمون ان التشريع لله سبحانه وتعالى. هؤلاء الناس الذين أفسدوا الجبهة الاسلامية للانقاذ والذين فتح لهم الباب بعض اخواننا من السلفية غفر الله لهم آمين. فتحوا لهم الباب وقلنا لهم لا تفتحوا لهم الباب. ان هؤلاء الانقاذيين فسقة ومفسدون في الأرض ويحبون الكراسي ويلهثون وراء المنصب ولا يؤمنون بالجهاد". ويشكك عيايدة في مشاركة الانقاذيين في العمليات المسلحة عندما يتساءل: "أين هم في ساحة الوغى؟ أين هم في ساحة المقارعة لماذا لم يحملوا السلاح؟ هذا دليل على انهم يعتقدون ان القتال عنف والعياذ بالله ومن اعتقد بذلك فهو كافر". ويستدرك قائلاً: "لا ينبغي للمسلمين من الآن فصاعداً ان يزاولوا الانتخابات واللعبة الديموقراطية، تلك الفتنة، ومنذ الآن فصاعداً لا حزبية ولا تعددية سياسية. فالامة اأادت الاسلام". ويهدد عيايدة بمحاكمة "الانقاذيين" الموجودين في اوروبا عندما يقول: "هؤلاء الذين يرسلون الساسة الى اوروبا ويجمعون الاموال ويتكلمون باسم المجاهدين فاننا نقول لهم من اليوم فصاعداً لا احد ينبغي له أن يصرح أو يدلي بأي موقف أو أن يعبر أو ان يقول أنا امثل المجاهدين أو يعقد صفقة أو يبرم اتفاقاً باسم المجاهدين. اننا نحذرهم من مغبة هذا السلوك الطائش الزائف ونقول لهم ان الجماعة الاسلامية المسلحة ستتخذ ضدهم الاجراء المناسب اذا واصلوا مثل هذه الحماقة وإذا صرحوا باسم المجاهدين او دعوا الى الحوار باسمهم. اننا نحذرهم وسنعرض امرهم امام المحكمة الاسلامية التي ستبتّ في امرهم وكان أمر الله مفعولاً". ويختم عيايدة فتواه بدعوة "الانقاذيين" الى العودة الى الداخل الجزائري "... ان كل من ذهب الى الخارج عليه بالعودة الى الجزائر ليعمل مع اخوانه الجنود في الميدان ويجوع معهم ويعرى معهم ويكابد المشاق معهم وتُدمى قدماه ويشجّ رأسه وربما يموت في سبيل الله. ثم بعد ذلك اذا عينته الجماعة للذهاب الى اوروبا فانه يذهب بأمرٍ منها". قصارى القول أن الجماعات الاسلامية المسلحة تعاني من تفكك كبير على مستوى القيادة. وإذا كان ذلك يشكل علامة ضعف كبيرة لدى هذه الجماعات فهو بالمقابل يشكل احد مصادر قوتها، اذ يجعل الدولة عاجزة عن حصرها وكشف هرميتها التنظيمية تمهيداً لضربها. قلب نظام الحكم لكن على رغم اختلافها في ما بينها فان الجماعات الاسلامية المسلحة تجمع على هدف واحد يرمي الى قلب النظام الحاكم بواسطة العنف واقامة دولة اسلامية، على ما يؤكد الشيخ يخلف الشراطي في خطبة له مسجلة على كاسيت حصلت عليها "الوسط" اذ يؤكد: "لا المجلس الاعلى للأمن الوطني ولا المجلس الاعلى للدولة ولا الحكومة ولا المجلس الاستشاري ولا الجمعيات المشبوهة ولا الاعلام الفرنسي التغريبي ولا الدنيا كلها تقف في طريق الشعب الأبي وهو يريد تطبيق شرع الله. فالويل كل الويل لمن يعترض بناء دولة الاسلام". ويتضح من خلال العمليات العسكرية التي نفذتها ضد الدولة الجزائرية، ان الجماعات المسلحة مجمعة، حتى الان على الاقل، على توجيه ضرباتها ضد رجال الشرطة والدرك الوطني، خصوصاً من ذوي الرتب الدنيا. ويبدو أن تكتيكها يرمي الى احداث اهتزاز في هذا الجسم الامني الأساسي بحيث يصبح القادة والضباط الكبار بلا جنود يقودونهم وبحيث يفقد النظام وسائله العسكرية ويسقط بين أيديهم كثمرة ناضجة. وما يؤكد الميل الى هذه الفرضية ان الجماعات المسلحة لم تعمد حتى الآن الى ضرب أي مسؤول سياسي او حزبي او رسمي كبير ولم تتعرض للمؤسسات العامة. وباستثناء محاولة اغتيال وزير الدفاع اللواء خالد نزار الرجل القوي في النظام، وهي محاولة لم يكشف التحقيق حتى الآن عن الجهة المتورطة في تنفيذها، فان الاسلاميين المسلحين لم يستهدفوا الطبقة السياسية والادارية في الدولة وذلك على رغم الفتاوى التي أصدرها الشيخ عيايدة والتي دعا فيها الى وجوب قتل المسؤولين "بغض النظر عن مراتبهم". ويعتبر العيايدة، بخلاف الدعاة الاسلاميين المسلحين الآخرين، ان الهدف من اقامة الدولة الاسلامية في الجزائر يتجاوز الاطار المحلي الى الاطار العالمي لذا يبشر انصاره بفتح ايطاليا في مرحلة لاحقة. ولتحقيق هذا الهدف البعيد وغيره من الاهداف الجزائرية تستند الجماعات الاسلامية المسلحة الى دعم سري توفره لها شبكات تضامن محلية، فالملايين الثلاثة التي أيدت "الجبهة الاسلامية للانقاذ" في الانتخابات التشريعية الجزائرية في كانون الأول ديسمبر من العام 1991، لم تبرح الجزائر، وإذا كان تأييد "الانقاذ" لا يترجم بالضرورة وبشكل تام بموقف عملي مؤيد للجماعات الاسلامية المسلحة، فان الاحباط والشعور بالحرمان السياسي لدعاة انصار التيار الاسلامي الذي حرم من الوصول الى البرلمان، يدفع بعضهم الى الانخراط في صفوف الكفاح المسلح او المبادرة الى دعم "المجاهدين". ويستفاد من المعلومات المتداولة في الجزائر ان الاسلاميين المسلحين ليسوا معزولين عن الوسط الشعبي وانهم يتلقون دعماً أكيداً من المواطنين يتمثل بالتبرعات المالية أو بايواء "المجاهدين" وحمايتهم والامتناع عن الوشاية بهم، ولعل ذلك ما يفسر سبب قدرتهم على التحرك في العاصمة والولايات المحيطة بها بقدر معين من الحرية وبتكرار الضربات العسكرية على رغم كثافة الاعتقالات في صفوفهم والتي تقدر بالآلاف. وتتلقى الحركات الاسلامية المسلحة دعماً سياسياً ومعنوياً من قبل ايران، التي اعلنت مراراً تمنيها بأن يتسلم الاسلاميون السلطة في الجزائر. ولا توجد حتى الآن، براهين وأدلة جدية على تقديم عون ايراني مادي او مسلح للاصوليين الجزائريين. الا ان هؤلاء يتلقون دعماً أكيداً، حسب مصادر جزائرية مطلعة، من تيارات اسلامية راديكالية منتشرة في أوروبا والعالم الاسلامي. ويحلو لبعض خصوم هذه التيارات أن يؤكدوا ان بعض "الحركيين" الجزائريين الذين يعيشون في فرنسا يدعمون التيارات الاسلامية المسلحة وان صلة الوصل معهم هو الشيخ محمد السعيد الذي يوصف بأنه ينتمي لعائلة "حركية" أيدت فرنسا خلال حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي. وأن مئات من أعضاء "الانقاذ" الاساسيين هم من ابناء الحركيين السابقين. الا انه من الصعب التثبت من هذه التأكيدات في ظل السرية التامة التي تحيط بعمل الاسلاميين المسلحين في الجزائر. لكن هل سيصل الاسلاميون الى السلطة بواسطة السلاح؟ وهل يمكن ان تشكل حركتهم خطراً جدياً على الدولة ومؤسساتها؟ وما هو حجمهم الحقيقي ومدى تأثيرهم في صفوف الرأي العام؟ إن الاجابة عن هذه التساؤلات تتفاوت وتختلف باختلاف المصادر المحلية والمراقبين العرب والاجانب في العاصمة الجزائرية. فالمصادر الرسمية التي تحرص على اختصار هذه الظاهرة بپ"الارهاب" ترى ان على الدولة الجزائرية أن تحضّر نفسها لمعركة طويلة الامد مع الاسلاميين المسلحين، لأن هؤلاء "يشكلون خطراً حقيقياً على سلامة المؤسسات الرسمية وعلى الحياة العامة في البلاد". وتستخدم الدولة في معركتها مع الاسلاميين المسلحين كل الوسائل التي تراها مناسبة، على الصعيدين الداخلي والخارجي، وقد حققت حتى الآن انتصارات حقيقية على المسلحين من خلال اعتقال عدد من قادتهم البارزين وتفكيك بعض خلاياهم المسلحة. لكن مصدراً حكومياً اكد لپ"الوسط"، ان القاء القبض على المسلحين وقادتهم يكشف للدولة أن حجم هذه الظاهرة لا يستهان به وأن القضاء عليها قد يتطلب وقتاً طويلاً. من جهتهم، يعتقد مسؤولون في التيار الاسلامي المعتدل ان حجم الظاهرة الاسلامية المسلحة ليس كبيراً وان بعض اجهزة الدولة تحاول تضخيم هذه الظاهرة لغايات وأسباب خاصة. ويرى هؤلاء ان هذه الظاهرة محصورة ويمكن للسلطات انهاؤها في وقت قصير لكنها لا تفعل ذلك بانتظار استخدام المسلحين المعروفين كطعم لكشف كامل شبكاتهم وبالتالي القبض عليهم. ويرى مصدر أصولي معتدل التقته "الوسط" في الجزائر، "ان الدولة قادرة على قتل واعتقال 50 ألف اصولي من دون أن يرف لها جفن، وان الاصوليين المسلحين يزدادون عزلة عن الرأي العام في كل مرة يقتلون فيها شرطياً. اذ سرعان ما ينقلب ضدهم اهالي القتيل واقرباؤه وجيرانه". ويوضح هذا المصدر قائلاً: "لقد قتلوا بالامس شرطياً من انصارنا وقد خلق هذا العمل استياء شديداً في صفوف مؤيدينا. ان مثل هذه الاعمال تلحق أذى كبيراً بسمعة الاصوليين وتعزز من انغلاقهم على انفسهم وعلى الرأي العام، وهم يمثلون حركة يائسة لا تختلف كثيراً عن الحركات المسلحة التي قاتلت الدولة في الثمانينات وانتهت الى الهزيمة والسجون". ويرى قيادي اسلامي آخر ممن يعملون في اطار الشرعية الجزائرية، ان الحركات الاسلامية المسلحة استطاعت حتى الآن أن تلحق ضرراً بالغاً بجهود "بذلناها طيلة سنوات عديدة في مؤسسة الجيش، فأنصار التيار الاسلامي في الجيش باتوا الآن متضامنين مع القيادات العسكرية الاخرى". وفي كل الحالات، يقول المصدر نفسه، من الصعب أن تلقى دعاية الاسلاميين المسلحين صدى في الجيش، فكبار الضباط وصغارهم يمارسون واجباتهم الاسلامية بصورة طبيعية. والجيش الجزائري مؤسسة قوية ومتماسكة يصعب تفكيكها بالطريقة التي يعتمدها المسلحون. أما قادة التيار السياسي الرافض للعنف فانهم يحذرون من خطورة هذه الظاهرة في المستقبل وليس الآن. ففي الوقت الحاضر، يقول حزبي معارض، "ما زالت الدولة قادرة على مواجهة هذه الظاهرة ولا خوف عليها" لكن اذا ما تفاقمت الظروف الاجتماعية واذا ما واصلت الدولة سياستها الراهنة والاقصائية تجاه المعارضة الديموقراطية فان ذلك سيؤدي، حسب المصدر نفسه، الى صب الماء في طاحونة الاسلاميين المسلحين وسيؤدي الى خلط الاوراق وازدياد الخطر الاصولي الذي يمكن عندها أن يشكل تهديداً خطيراً للدولة والمؤسسات. ويعتقد مصدر معارض آخر أن الرهان يدور الآن حول ما اذا كان باستطاعة المتطرفين الوصول الى مصادر تسليح جدية في الخارج أم لا. فهم لا تعوزهم الكوادر بقدر ما يعوزهم السلاح ومصادر الدعم الخارجي الجدية. فاذا ما استطاعوا تحقيق ذلك وإذا ما واصلت الدولة سياستها الراهنة فان احتمال "الحرب الاهلية المفتوحة" أو "حرب الجزائر الثانية" يصبح وارداً وجدياً حسب المصدر نفسه. خطة الدولة وينقل مصدر عربي رفيع المستوى التقته "الوسط" في العاصمة الجزائرية، عن مسؤولين كبار في الدولة الجزائرية قولهم ان الحكومة تحتاج الى سنتين على الاقل للتمكن من القضاء على "الظاهرة الاصولية المسلحة". ويؤكد هذا المصدر ان السلطات الجزائرية تخشى من نقطة ضعف وحيدة، في مواجهتها للمسلحين، تكمن في الوضع السائد في جنوب البلاد، حيث الحدود مع دولتي ماليوالنيجر شبه "فالتة" بسبب ضعف الدولتين المذكورتين من جهة وبسبب انتشار حركات تهريب الاسلحة عبر الحدود المشتركة. ويقول هذا المصدر ان بيع الاسلحة يتم بصورة علنية في جنوب البلاد وان اسعار السلاح بخسة للغاية اذ يمكن الحصول على رشاش من نوع كلاشينكوف بسعر الف دينار فقط اي ما يعادل 155 فرنكاً في السوق السوداء. ويؤكد محلل جزائري أن احتمال توسع "الظاهرة الاسلامية المسلحة" محدود للغاية بسبب الانقسامات والحساسيات التي تنتشر في المجتمع الجزائري، وأن مثل هذا التوسع لن يؤدي الى تسلم الاصوليين السلطة في البلاد بقدر ما سيقود الجزائر نحو صراع داخلي خطير ويهدد مصير البلاد برمته. ويرى المصدر نفسه ان الخوف من وصول الوضع الى نقطة اللاعودة يجعل كثيرين ممن لا يؤيدون سياسات الدولة ومواقف الحكم، يحجمون عن دعم الاصوليين المسلحين، وبالتالي الوقوف الى جانب الدولة في مواجهتهم، من دون ان يعني ذلك كسب ثقة الدولة ودعمها في المجالات الاخرى. بحديثها عن مواجهة طويلة الامد مع الاصوليين المسلحين، تسعى الدولة الجزائرية الى تحضير الرأي العام للتعايش مع هذه الظاهرة، يساعدها في ذلك ان الجماعات المسلحة تحصر حربها ضد الدولة في التعرض لقوات حفظ الامن درك وشرطة... وتمتنع عن توسيع اطار المجابهة. وتعتمد السلطات في حربها ضد "الارهاب" على "جهاز الامن الوطني"، اساساً، الذي يقوم بالمداهمات والاستقصاءات وزرع المخبرين في الاحياء التي ينشط فيها المسلحون. وعلى رغم التماسك الذي اظهرته مؤسسات الجيش والشرطة الا ان انصار الاسلاميين في الجيش لا يستهان بهم. وقد اكد مصدر جزائري موثوق لپ"الوسط"، ان 120 عسكرياً تعرضوا للمحاكمة خلال الشهرين الماضيين بتهمة التعاطف مع الاسلاميين المتطرفين. ويفسر مصدر مسؤول هذه الظاهرة بقوله، ان الجيش الجزائري يقوم على مبدأ التطوع وأن التيارات المنتشرة في الشارع لا بد ان تجد صدى لها في الجيش، لكن الجسم الاساسي في هذه المؤسسة ما زال متماسكاً لاسباب كثيرة من بينها ان الجيش يرمز الى الوحدة الوطنية وانه مستقل عن ادارات الدولة في تلبية حاجاته الاساسية سكن - طبابة - تموين... الخ وهي حاجات تؤمنها مؤسسات خاصة به. أما اجهزة الشرطة والدرك الوطني فانها لم تسجل خروقات اسلامية مهمة، وهذا الامر يجمع عليه كثيرون في الجزائر، مما يعني ان الدولة مطمئنة لادواتها العسكرية في حربها ضد "الارهاب"، لكن هذه الحرب لا يمكن الانتصار فيها على الجبهة العسكرية وحدها، وهذه النقطة يعيها المسؤولون في الجزائر على اختلاف رتبهم ومواقعهم. ويستفاد من المعلومات المتداولة في الجزائر حول خطة الدولة في مواجهة الاصوليين المتطرفين، ان هذه الخطة تستند الى العناصرالآتية: 1 - قطع الطريق على احتمالات الدعم الخارجي للاسلاميين. ويعتبر مصدر جزائري مطلع ان ثلاث دول تنظر باهتمام كبير الى ما يدور في الجزائر، وهي فرنسا والمغرب وليبيا. وان الجزائر عمدت اخيراً الى تسوية خلافاتها مع فرنسا من خلال الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة بلعيد عبدالسلام الى باريس في مطلع شهر شباط فبراير الماضي، وتلقى خلالها دعماً صريحاً، مادياً وسياسياً، من الحكومة الفرنسية. وتلتها زيارة قام بها وزير الخارجية المعين لتوه، رضا مالك، الى المغرب لوقف التدهور الذي طرأ على علاقات البلدين منذ مطلع العام الجاري. أما ليبيا فانها تعاني من عزلة شديدة بسبب قضية لوكربي ولا تشكل مصدراً للقلق في الجزائر. ويعتبر المصدر الجزائري نفسه ان تخطيط الحدود بين تونسوالجزائر من شأنه أن يعزز تعاون البلدين في "مكافحة الارهاب"، وقد أكد ذلك رئيس المجلس الاعلى للدولة علي كافي خلال زيارته الى تونس في شباط فبراير الماضي. يضاف الى ذلك، قيام الجزائر بمساع حثيثة لدى مالي على الحدود الجنوبية للجزائر، ولدى قبائل الطوارق من اجل حل الخلافات القائمة بين هذه القبائل وحكومة باماكو، وذلك لمنع تسرب اي دعم للاصوليين من هذه الثغرة. وتبذل الجزائر مساعي مماثلة مع حكومة النيجر لتشديد التعاون المشترك في مراقبة الحدود وفي حل مشكلة الطوارق مع هذا البلد ايضاً. واذا كان من السابق لأوانه، بنظر المصدر الجزائري، القول ان الحكومة الجزائرية نجحت تماماً في سد ثغرة الحدود الجنوبية، فان تكثيف مراقبتها لهذه الحدود يشكل جزءاً لا يتجزأ من الحرب التي تخوضها ضد "الارهابيين". 2 - انطلاقاً من تقديرها لحاجة الاسلاميين الى السلاح، تنظم الدولة منذ مطلع هذا العام حملات واسعة ضد شبكات تهريب السلاح والاتجار به وتنشر وسائل الاعلام الجزائرية اخباراً شبه يومية عن اعتقال وتوقيف تجار اسلحة ومهربين في مختلف انحاء البلاد. وبعدما تبين للدولة ان الاسلاميين يستخدون اسلحة الصيد فانها عمدت الى حظر هذه الاسلحة وطالبت المواطنين بتسليمها لرجال الشرطة. وفي السياق نفسه عمدت الدولة الى تشكيل محاكم خاصة لمعاقبة المسلحين واصدار قانون مضاد للارهاب واعلان العمل بحالة الطوارئ الى اجل غير مسمى، وذلك من اجل تكييف "القوانين" و"القضاء" مع الحرب المعلنة ضد "الارهابيين". 3 - تسعى الدولة للفصل بين الجمهور الواسع الذي أيد "جبهة الانقاذ الاسلامية" المحظورة، في الانتخابات التشريعية، وبين الجماعات المسلحة التي اعلنت "الجهاد" على الحكم من خلال دعوة هذا الجمهور الى الحوار السياسي والمصالحة الوطنية والعودة للمشاركة في اللعبة السياسية التي تسعى الدولة لتنظيمها على اسس جديدة. لكن مثل هذه المساعي لم تترجم حتى الآن بخطوات عملية تتيح استعادة ثقة الناخبين الاسلاميين بالدولة ومؤسساتها. الحوار 4 - تراهن الدولة على توسيع قاعدة مؤيديها في حربها ضد "الارهاب" بترميم الجسور المقطوعة مع احزاب المعارضة الحداثية. وذلك من خلال دعوة هذه الاحزاب الى حوار وطني وهو حوار استؤنف قبل ايام. ويلاحظ المراقبون الجزائريون ان مؤسسات الدولة متفقة على موقف واحد في هذا المجال. ففي الوقت الذي يدعو فيه علي كافي رئيس المجلس الاعلى للدولة الى الحوار الوطني مع المعارضة، تقوم الحكومة، خصوصاً رئيسها بلعيد عبدالسلام، بشن حملة على الاحزاب المعارضة عن طريق دعوة قواعد هذه الاحزاب الى التمرد على قياداتها، ونزع المقرات الرسمية التي منحت للاحزاب في السابق وأحياناً بواسطة القوة، كما هي الحال بالنسبة الى المقر الرئيسي لحزب التجديد الجزائري. وقد بادرت الحكومة الى استعادة جريدتي "المجاهد" و"الشعب" من "جبهة التحرير الوطني" الجزائرية، وصارت "المجاهد" بعد وقوعها تحت الاشراف الحكومي تنشر صورة يومية في اعلى صفحتها الاولى للرئيس الراحل محمد بوضياف تتصدر عبارة "الجزائر أولاً". وصادرت الحكومة المقر الرئيسي للجبهة في شارع العربي بن مهيدي، مما دفع الجبهة الى الانتقال الى مكان آخر. وإذا كانت الحكومة وسعت اطار خصومها ليشمل احزاب المعارضة الحداثية، فانها خسرت ايضاً تأييد الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي يرئسه السيد عبدالحق حمودة. والاتحاد مؤسسة مهمة في الجزائر وهو شريك لا يستغنى عنه لأية حكومة. وقد عبّر الامين العام للاتحاد عن استيائه من سياسة تجميد الاجور التي اعتمدتها حكومة بلعيد عبدالسلام. يضاف الى ذلك ان "التيار العلماني". الذي أيد عبدالسلام بلا شروط في السابق، عاد لينتقد الحكومة علناً، وقد توج هذا النقد بمبادرة سعيد سعيدي رئيس حزب "التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية" الى سحب ممثليه من المجالس البلدية ومجالس الولايات احتجاجاً على سياسة الحكومة، مما يعني ان دائرة خصوم بلعيد عبدالسلام باتت تضم كل التيارات السياسية المعارضة. وإذا كانت الكلمة الفاصلة في قضية التفاهم بين السلطة والمعارضة تعود الى مجلس الدولة وليس الى الحكومة التي تلعب دوراً تنفيذياً في الجزائر، فان موقف الحكومة من التيارات المعارضة يمكن أن يتسبب بإرباك المجلس الاعلى للدولة، خصوصاً ان المعارضة كانت حذرت في بيانات علنية بأنها لن تتحاور مع السلطات الرسمية اذا كان الحوار سيتم لأغراض تكتيكية تهدف الى استخدام الدولة للمعارضة في معركتها ضد "الاسلاميين" من دون أن تعتبرها شريكاً كاملاً في مشروع وطني لانقاذ الجزائر من أزماتها المختلفة. 5 - تعد الدولة المواطنين بمحاربة الفساد وبايجاد حلول لمشاكل البطالة وللأزمة الاقتصادية وباستئناف العملية الديموقراطية على أسس جديدة. انطلاقاً من اعتقاد مفاده أن المدّ الاسلامي نشأ بسبب هذه الازمات، لكن المراقبين المحليين يعتقدون أن النتائج الملموسة للاصلاحات المرتقبة لا يمكن أن تظهر قبل سنوات، وان المواطن الجزائري بات يائساً من كثرة الوعود التي تلقاها في السابق ولم تجد طريقها للتنفيذ، وهو يبدي حذراً شديداً تجاه الوعود الراهنة. ويعتقد هؤلاء ان الوقت ليس لمصلحة الدولة في هذا المجال، خصوصاً في مجال محاربة الفساد، ذلك ان تجربة محاكمة اللواء بلوصيف اظهرت تعطشاً لدى الرأي العام الجزائري للذهاب الى أبعد من ذلك بكثير وبالتالي محاكمة المسؤولين عن الفساد في العهود السابقة. وهذا أمر لا يمكن للدولة أن تستجيب له من دون المغامرة باحداث خلل كبير في النظام واضطراب في الطبقة السياسية يمكن أن يؤدي الى عدم استقرار ينفذ منه الاسلاميون الذين بنوا سياستهم الهجومية على فساد الادارة والحكم في السابق. يتضح من كل ذلك، أن العنصر الجدي والوحيد في خطة الدولة في مكافحة ما تسميه بپ"الارهاب" يقوم على استخدام القوة، على الاقل في ظل الظروف الراهنة، وقد بينت تجارب عديدة في هذا المجال ان القوة لا يمكن أن تحلّ مشكلة هي في الاصل متعددة الجذور والأسباب. إن "حرب عصابات" المدن التي يخوضها الاصوليون والاسلاميون المسلحون ضد الدولة في الجزائر يصعب أن تنتهي بتسوية سلمية، مما يعني ان الطرفين يراهنان على الوقت، إذ تراهن الدولة على تشديد الطوق حول الاسلاميين من خلال توجيه ضربات قاصمة لهم من جهة وتوسيع اطار مؤيديها من خلال الاصلاحات الاقتصادية والسياسية في السنوات المقبلة، في حين يراهن الاسلاميون على احتمال حدوث تطورات خارجية جديدة تتيح لهم الاستناد بقوة وبصورة جدية على حليف خارجي ومصدر تسليح حقيقي لمحاولة تحقيق هدف اسقاط النظام، وعلى فشل الدولة في تحقيق الاصلاحات الموعودة. الوقت اذن هو سيد الموقف في "حرب الجزائر" المتصاعدة بين الدولة والاسلاميين والاصوليين المسلحين.