الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تدخل معاقل الاسلاميين في الجزائر
نشر في الحياة يوم 10 - 10 - 1994

لم تكن ساعات مضت على قيام وحدة خاصة من الجيش الجزائري بعملية انزال مظليين من طائرات هليكوبتر لدهم مجموعات مسلحة في منطقة البليدة، على بعد حوالي 40 كيلومتراً من العاصمة الجزائرية، منتصف الاسبوع قبل الماضي، حتى حان موعد انطلاقي من فندق الجزائر في اتجاه الغرب الجزائري.
صبيحة يوم الجمعة الماضي كان الهدوء الحذر يخيم على كل شوارع العاصمة بعد ساعات من انتهاء فرض حظر التجول وبعد حوادث قتل لمدنيين ورجال أمن وشرطة. بوابة الفندق كانت لا تزال مغلقة بحراسة رجال الأمن، بعدما تحول الى مقر يقيم فيه صحافيون أجانب لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليد وفنانون جزائريون ونقابيون وموظفون كبار باتوا يفضلون النوم فيه على النوم في منازلهم حيث أصبحت حياتهم في خطر.
سائق السيارة التي كانت في انتظاري خارج الفندق حرص على اخفاء الكاميرا قبل ساعات من انطلاقنا. وكانت نصيحته لي قبل بدء رحلتنا في اتجاه ولاية الشلف أو الاصنام سابقاً التي ضربها أكثر من زلزال في العام 1954 و1980 هو أن أقول حين نتوقف عند الحواجز، اننا متجهون الى وهران لزيارة صديق. في الطريق من العاصمة في اتجاه البليدة أوقفنا حاجز عسكري تحت أحد الجسور. وسأل عن وجهة سيرنا... ثم انطلقنا في الطريق السريع. وتجاوزنا بلدة بوفريك، قبل الوصول الى البليدة. هنا حاجز للجيش يدقق في هوية السائق الذي رافقني وطلب تفتيش السيارة بسرعة. وسأل أين نعيش، فقلنا في العاصمة. تابعنا سيرنا. مئات من الأمتار وحاجزان آخران احدهما للجيش وآخر للدرك. انعطفنا يميناً لنخترق وسط البليدة التي تحول شارعها الداخلي الى ما يشبه ثكنة عسكرية بسبب الانتشار الكثيف للجيش في محيط محكمتها وثكنتها وبالقرب من سجنها الشهير. تخطينا ثلاثة حواجز أخرى من دون أن نتوقف. انعطفنا شمالاً لنتابع سيرنا مجدداً على الطريق السريع الذي حوّل السير فيه قبل الوصول الى البليدة لاجبار السيارات على المرور على خط واحد بدلاً من خطين.
بلدات هادئة... ونشطة
سوق بلدة الشفة صباح ذلك اليوم كان مكتظاً، وكانت حركة السيارات والشاحنات الصغيرة والكبيرة المحملة بالماشية كثيفة. بلدة مدية المشهورة بمياه الشرب، وثمة من يروي ان طارق بن زياد هو أحد ابنائها، تربض هادئة على جانب الطريق الذي ملأته أشجار الغابات ذات يوم بالقرود.
تجاوزنا بلدة موزاية والعفرون ووادي الزبوج أو الزيتون المر بعدما تركت الأمطار الغزيرة التي سقطت في المنطقة آثارها الواضحة في الشارع بفعل ما جرفته من أتربة وأغصان أشجار.
محطة الوقود في بومدفع كانت خالية من البنزين، وحين سألنا عامل المحطة عن السبب قال ان شركة "نفطال" تتردد كثيراً في تزويدنا هذه الأيام ما نحتاج اليه بسبب التهديدات التي تتعرض لها والمخاطر من حرق شاحناتها، اذ حصل ذلك سابقاً في أكثر من منطقة. في خميس مليانة حيث السوق تعج بباعة الفلفل والرمان والخيار وأنواع الخضر المختلفة. سألنا أحد الباعة عن أقرب محطة وقود، فأجاب ان ليست هناك محطة يتوافر فيها ما نطلب. ونصحنا بالتوجه الى بلدة مليانة على بعد حوالي عشرة كيلومترات في اتجاه الجبل. في سوق خميس مليانة زحمة سير، وفي محيط البلدية ومركز الشرطة، سوق لبيع السيارات المستعملة.
واصلنا صعودنا الى الجبل. وهناك في قمته رفعت لافتة كتب عليها "مليانة مدينة حَب الملوك ترحب بكم". وسألت السائق عن حب الملوك فقال انه الكرز. تجاوزنا عين الدفلة حيث لا تزال آثار أحد الباصات المحروقة بهجوم لجماعة مسلحة. ووصلنا الى بلدة العطاف ووادي الفضة حيث تردد ان الزلزال الذي ضرب البلاد قبل حوالي 15 عاماً كانت هذه المنطقة مركزه. واجتزنا نقطة تفتيش وسط البلدة التي تحولت الحفر فيها الى برك للمياه.
لم تتجاوز سرعة السيارات عشرة كيلومترات في الساعة، بسبب الوحول التي غطت الشارع الرئيسي المؤدي الى الشلف ووهران ومستغانم وغيرها. حقول واسعة وبساتين خضراء بعد وادي شليف وعند مدخل مدينة الشلف التي كان أول ما استقبلنا فيها سوق الجمعة لبيع السيارات المستعملة. وعندما وصلنا الى السوق سألنا أحد المواطنين عن محطة القطارات. وكانت الحركة عادية وسط البلدة خصوصاً في محيط البلدية ومركز الشرطة الذي وقف عدد من أفراده وهم يحملون أسلحتهم الرشاشة.
أمام المحطة
أمام محطة القطارات جلست، حسب التعليمات المتفق عليها، داخل السيارة في انتظار شخص يعرف رقم السيارة التي تقلني وطرازها. كانت عقارب الساعة تقترب من العاشرة بعد رحلة قطعنا فيها نحو مئتي كيلومتر. وتظاهر رفيقي السائق بالدخول الى مبنى المحطة ليستفسر عن موعد مغادرة القطار في اتجاه العاصمة، وكان الجواب ان الرحلة ربما ألغيت بسبب مياه الأمطار التي تجمعت في بلدة العطاف. فعاد ادراجه... وبعد لحظات توقفت قبالتنا سيارة صغيرة وترجل منها شاب تطلع نحونا واشعل سيجارة، ثم دخل المحطة وعاد بعد ربع ساعة الى سيارته وهو ينظر الينا. واستقل سيارته وانتقل بها الى الجانب الآخر من الشارع. وانتظر دقائق. ووصلت الى المكان، في هذه الأثناء، سيارة أجرة صغيرة. وكانت التعليمات لنا ان نراقب وصولها اذا لم تتأكد لنا هوية الشخص الأول. اذ عندما نشاهد الأول يتقدم في اتجاهها، نعرف أنه هو الذي ينتظرنا، ومهمته ايصالنا الى مراكز الجماعة المسلحة في الغرب الجزائري.
تقدمت نحو الشاب، وأبلغته كلمة السر فتعرف إلي، وطلب مني أن ألحق به. وانطلقنا من مدينة الشلف مجدداً عبر أولاد فارس ومازونه ومفترق تنس في اتجاه ولايتي مستغانم ووهران. وبعد نحو ساعة تجاوزنا فيها مفترق بلدة غليزان وعين مران وبلدات أخرى كثيرة. أوقفنا مرشدنا بعض الوقت لينصحنا بالادعاء اننا ضللنا طريقنا الى وهران، اذا ما صادفتنا دورية للجيش أو الأمن. واصلنا السير كيلومترات أخرى. وانعطف السائق يميناً وطلب منا التوقف. وتجاوزتنا سيارة صغيرة، وشاحنة أخرى كانت خلفنا تحدث الى من فيهما... فتابعت احداهما سيرها على الشارع العام، وانضمت الثانية الينا. ودخلنا البلدة. كانت احياؤها هادئة. توقفنا في أحد الأزقة. وترجل سائقا السيارتين وتبعناهما. وأوضحا لنا اننا وصلنا الى بر الأمان، فهذه المناطق على حد قول محمد بن علي الذي كان في السيارة الثانية وهو أحد المسؤولين عن الاستطلاع في الجيش الاسلامي للانقاذ هي تحت سيطرتهم وكل السكان في المنطقة من مؤيديهم.
أطل عدد من سكان الحي من نوافذ منازلهم وأبوابها لمتابعة الحركة غير الطبيعية، خصوصاً بعد وصول سيارة تقل مسلحين، تقدم قائدهم نحوي وقدم نفسه انه اسامة. صافحني وتحدث الى مرافقي الأول الذي نقلني من مدينة الشلف.
سألت محمد بن علي عن الأوضاع في المنطقة، فابتسم وأجاب انها جيدة، وأن لديهم "اليد الطولى فيها بفضل التفاف السكان ودعمهم".
وماذا عنه هو؟ قال انه درس العلوم الطبيعية في جامعة وهران قبل ان يلتحق بالجيش ليعمل ضابط ادارة في العام 1977... "وبعد الانتخابات العامة التي حازت فيها الجبهة الاسلامية غالبية تؤهلها لقيادة الجزائر وحصول ما حصل وسجن الشيوخ وقيادات الجبهة الاسلامية وأفرادها كان لا بد من التحول الى العمل السري وتشكيل تنظيم عسكري يتولى حمايتنا..."
وقاطعنا اسامة وطلب منا ان نستقل سيارتنا ونلحق به الى منطقة أخرى. وودعنا محمد لأن مهمته معنا انتهت. توجهنا الى طريق مستغانم مرة ثانية وانعطفنا يميناً في طريق فرعية معبدة لبضعة كيلومترات. واتجهنا شمالاً نحو طريق ترابية الى واد عميق. وسط الوادي مسلحان احدهما يحمل بندقية كلاشنيكوف وآخر بندقية صيد. هذا ربط حول رأسه شريطاً أسود والآخر أخضر. ترجل اسامة وتقدم نحو احدهما. فطلبت التقاط صورة لهما فاعتذرا لحاجتهما الى اذن من "اميرهما". وسألت عن هويتهما، فأجاب اسامة انهما من عناصر الجماعة الاسلامية المسلحة. قدمت نفسي الى احدهما فعلق: "لم يسبق أن تعاملنا مع الصحافة مباشرة، لنا رأينا المعروف في ما يجري من احداث". سألته عن الانباء التي رددت ان قوات الأمن الجزائرية قتلت أميرهم أبوعبدالله يوم الاثنين قبل الماضي، فهز كتفيه، وقال: "الصورة التي نشرت في الصحف الجزائرية ليست صورة ابي عبدالله، وليس لدينا للتو ما يؤكد ادعاءات الأمن الجزائري".
ولماذا يحمل السلاح؟ أجاب: "اقامة شرع الله في البلاد مع بقية المؤمنين".
لا فرق بين الجيش و"الجماعة"
ورفض كشف اسمه مكتفياً بالقول انه لا يملك تصريحاً بذلك. واضاف ان لا فرق في الهدف بين ما يقوم به الجيش الاسلامي للانقاذ والجبهة الاسلامية وحركة الدولة الاسلامية "خصوصاً اننا التقينا من أجل اعلاء كلمة الله حتى يأذن لنا بنصره فتخرج الأمة من الاثم الذي لحق بها عبر تعطيل شرع الله".
وسألته لماذا لا يوجد تنظيم مسلح واحد للجماعات الاسلامية، فأجاب: "اننا نسعى الى ذلك لكي نرفع راية الاسلام في الجزائر. وما نتعرض له ثمن يدفعه المجاهدون قبل وصولهم الى مرحلة النصر النهائي. ان الناس لن يعبروا الصراط يوم القيامة حسب رتبهم في الدنيا ولكن حسب أعمالهم، وباب الجهاد مفتوح للجميع". وتمنى ان تتحقق "وحدة قريبة تسير على نهج النبوة". وأنهى مؤكداً ان "لا صلح ولا حوار" مع الحكومة.
اقتربت سيارة "جيب" من المكان. ترجلت مجموعة أخرى من المسلحين، وتقدم اسامة نحوهم وسأل عن "الأمير"، فأجابوه انه ذهب في مهمة. وطلب من احدهم ترك السيارة في الوادي ومرافقتهم في سيارتهم بعدما قدم نفسه انه جعفر. انه شاب في العقد الرابع، يرتدي نظارتي شمس. سألته عن سيارة الجيب الحديثة التي يستقلها، فابتسم وأجاب: "لقد صادرناها بعد معركة مع قوات الأمن قبل مدة غير بعيدة".
سرنا نحو عشرين دقيقة صعوداً وسط أرض حصد انتاجها من القمح أخيراً، الى أن وصلنا الى ساحة بين عدد من البيوت. وراح جعفر ورفاقه يسلمون على من يصادفنا من سكان القرية الصغيرة، كأنهم على علاقة وطيدة بهم. وبعد دقائق بدأ عشرات المسلحين يخرجون من المنازل المحيطة لاستقبالنا. بعضهم كان يحمل رشاشات "كلاشنيكوف" وآخرون بنادق صيد ومسدسات وقنابل وأسلحة من عيارات مختلفة. وقدمنا اسامة وجعفر الى الآخرين الذين ما لبثوا ان دعونا الى غرفة واسعة من الطين. وكان بعض من في الغرفة يتابع خطاباً مسجلاً على شريط فيديو لزعيم الجبهة الاسلامية للانقاذ الشيخ عباسي مدني الموجود تحت الاقامة الجبرية.
اعتذر لي اسامة عن عدم وجود "أمير" الجيش الاسلامي للانقاذ في الغرب الجزائري. وقال ان الشيخ محمود بوعبدالله الملقب بنور الدين هو الذي يشغل منصب "نائب الأمير".
طلب أحد المسلحين من السائق الذي يرافقني اعطاءه مفاتيح سيارته ليحضرها من الوادي، بعدما وصلته رسالة عبر اللاسلكي ان دوريات للأمن على بعد حوالي أربعة أميال من المنطقة. وتقدمت من "نائب الأمير"، وهو رجل في العقد الخامس. فرحب بقدومي مجدداً. سألته عن تركيبة الجيش الاسلامي للانقاذ فأجاب: "ان الجزائر مقسمة الى ثلاث مناطق، الشرق والغرب والوسط، وللشرق والغرب اميراهما، اما منطقة الوسط فلا تزال تعمل حتى هذه الساعة من دون أمير، ولكن من خلال كتائب ووحدات عسكرية مختلفة". وأوضح ان مرتبة الشيخ عباسي مدني هي أرفع المراتب في الجيش الاسلامي للانقاذ.
نعم... قتلنا
وحرصت في اللقاء مع بوعبدالله على التركيز على عمليات الاغتيال والقتل التي يتعرض لها الجزائريون من صحافيين ومحامين ومغنين وغيرهم وتحميل الحكومة الجماعات المسلحة من الاسلاميين مسؤولية هذه الأعمال، فأجاب: "نعم نحن أقدمنا على قتل بعض الصحافيين لأنهم كانوا يتجنون علينا ويلفقون الأكاذيب ويعملون مع أجهزة الدولة للاساءة الينا. أضف الى ذلك ان مهمة بعضهم كانت تحريف كلام قياداتنا وطرح توجهاتنا طرحاً يهدف الى التهويل من مغبة وصول الاسلاميين الى الحكم. اما الأجانب فطلبنا منهم الرحيل عن البلاد واعطيناهم مهلة كافية لأننا اعتبرنا وجودهم في بلادنا دعماً لتوجهات المؤسسة الحاكمة خصوصاً ان معظم العاملين هنا من الأجانب ليس لهم أي ارتباط سوى العمل مع مؤسسات الدولة أو مصالحها. وما هدفنا قوله لهم في تحذيراتنا، اننا سنرحب بهم مجدداً في حال عودة الأوضاع الى طبيعتها في البلاد وقيام حكم شرعي يستند الى دعم غالبية الشعب الجزائري. أما رجال الأمن والمحامون وغيرهم من النقابيين الذين قتلوا برصاص الجماعات الاسلامية المسلحة، فلا شك في ان هناك أسباباً وجيهة لحملنا على القيام بأعمالنا ضدهم.
وفي ما يتعلق بالجيش الاسلامي للانقاذ، يهمني ان اؤكد اننا نصدر، اثر كل عملية ننفذها ضد شخص ما، بياناً يوزع في المساجد لكي نوضح سبب قيامنا بالعملية، لكن ما يحدث في ظروف مثل الظروف التي نمر بها هو أن السلطات الأمنية والاعلامية الرسمية تمنع وسائل الاعلام من توزيع بياناتنا. اضف الى ذلك ان الكثير من عمليات القتل والاغتيال تقوم بها أجهزة تابعة للدولة، وذلك للاساءة الى عملنا وجهادنا في سبيل الله ومن أجل اقامة شرع الله".
وتحدث بوعبدالله بثقة عن "قرب موعد النصر". قال: "ان رجال الدولة في كل الأجهزة باتوا يعيشون في خوف على مستقبلهم، لأن وجودهم بات يتركز في وسط المدن الكبيرة بحماية الجيش ورجال الشرطة. حتى ان دوريات الجيش في المنطقة وفي معظم الولايات لا تسير الا اذا كانت كل دورية تضم عشرات من الجنود وفي أحيان كثيرة بمواكبة طائرات هليكوبتر".
ودافع عن شن انصاره هجمات على المؤسسات الحكومية. وقال: "اننا نعرف أهمية الحفاظ على هذه المؤسسات لأنها تعود في النهاية الى الشعب. لكننا نقوم بعملياتنا لأننا نعتبر ذلك نوعاً من الضغط على السلطة للحد من وجودها في الكثير من المناطق". وأوضح: "ان الجيش الاسلامي للانقاذ، وان كان يتفق مع الجماعة الاسلامية المسلحة في الكثير من توجهاتها، إلا انه لنا رأينا في احراق المؤسسات التعليمية والمدارس". ولا يخشى بوعبدالله نشوب حرب أهلية، خصوصاً بعد خطف مطرب بربري وقتل مغني راي شهير، وأوضح "ان المسلحين يتمتعون ببعد نظر أوسع مما تعتقد الحكومة الجزائرية ومن يدعون الديموقراطية والحرص عليها. وان الشعب البربري الذي خرّج بن باديس وغيره من حملة الراية الاسلامية حريص على وحدة الشعب والأرض". ولم يستبعد ان يكون بعض الأجهزة الأمنية "نفذ عمليات الخطف والقتل لابعاد الأنظار عن أزمة البلاد الحقيقية".
دعم الحوار
وجدد ثقته بقدرة الشيخ عباسي مدني والشيخ علي بلحاج "والاخوة الاحرار الآخرين على أن يفرضوا رأي الحق على الآخرين". وقال: "إذا كان الحوار سيتم على أسس صحيحة وعادلة فاننا كجيش اسلامي للانقاذ وحتى كجماعة اسلامية مسلحة سندعمه".
وعن التعاون مع الجماعة الاسلامية المسلحة قال بوعبدالله: "اننا نساعد بعضنا بعضاً. لنا أهداف كبيرة مشتركة. نحن الأكثرية في هذه المنطقة، لكن لهم وجوداً مكثفاً في مناطق أخرى. اننا ننسق في مجال الحماية والحراسة والاستطلاع".
وتحدث عن مهمات أنصاره في المنطقة: "انهم يركزون على مساعدة الشعب في زراعة الغلال وحصادها وتأمين المياه وطبابة من يحتاج الى العلاج والدواء. وأشار الى ان المنطقة تضم معسكرين لجيش الانقاذ. وعلق أحد مساعديه: "انهما يضمان آلاف الجنود والضباط الذين انضموا الى الجيش الاسلامي".
وعن الشباب من اعمار مختلفة في مكان لقائنا، قال بوعبدالله: "ان هذه المنطقة هي بمثابة مركز انطلاق لتنفيذ عمليات في المدن والقرى المختلفة. كما أن كثيرين من الاخوان الذين يلتحقون بالجيش الاسلامي يخضعون لدورات تأهيل وتثقيف قبل نقلهم الى المعسكرات الرسمية".
وسألته "الوسط" عن الدعم المادي الذي يتلقاه الجيش الاسلامي للانقاذ، فابتسم وقال: "اننا نعمل لوجه الله، ولذلك لا نتلقى رواتب. وفي كل منطقة أو بلدة أو مدينة هناك لجان من اخوة واخوات يشرفون على تأمين حاجات أسرنا وأولادنا. وهناك تبرعات من اخوة واخوات ميسورين نتلقاها لتأمين حاجاتنا من أكل وطعام وشراب اضافة الى اننا كثيراً ما نصادر معدات وتمويناً من مؤسسات تابعة للدولة".
مصنع للمتفجرات
تقدم أحد الشباب من بوعبدالله واعتذر عن مقاطعته، وهمس في اذنه، وطلب منا ان نستعد للانتقال الى مكان آخر. ودعانا قبل صعودنا الى السيارة الى رؤية منزل حوّل الى مصنع للمواد المتفجرة. ابتسم بوعبدالله: "أخبر الدولة عبر كتاباتك اننا سنبقى وراءهم الى أن يرتفع صوت الحق".
ركبنا سيارة "الجيب" مع جعفر وقدم لنا رفيقه خالد قائلاً: "انه من مستغانم، فقد اثنين من اشقائه في عمليات عسكرية والتحق بنا بعدما طلبت منه والدته أن يسير على خطى اشقائه". خالد لا يتجاوز الثلاثين، ترك خلفه زوجة وطفلين. يقول انه لا يخشى نشر صورته من دون قناع، لأنه مطلوب ومعروف، ولا يخاف من التعرض لأية ضغوط اذ "ليس في عائلته من يمكن اعتقالهم للضغط عليه وعلى ذويه".
وقال خالد: "ان سكان المنطقة سعداء بوجودنا لأننا نساعدهم على تدبير أمورهم اليومية وفي زراعتهم. ونقدم اليهم الدواء ونسهر على أمنهم. وكثيراً ما يخبروننا عن تحركات مريبة لكي نأخذ حذرنا".
في الطريق الى ما وصفه بوعبدالله بالمركز الطبي، طلبنا منه زيارة أحد المعسكرات، فوافق شرط عدم التقاط صور، وقال: "لا نملك مدافع مضادة للطائرات ولا صواريخ حتى الآن، واستخدمت الدولة والجيش أخيراً السلاح الجوي بكثافة، لذلك لا نريد أن نقدم أية معلومات أو نكشف أية صور من شأنها أن تساعد على تحديد مواقعنا".
مركز طبي
قطعنا حوالي 15 دقيقة في السيارة. وشاهدنا حاجزاً على مفترق أحد الطرق، وظننت للوهلة الأولى اننا أمام حاجز للجيش الجزائري، لكن بوعبدالله بادر بالقول انهم "دورية تابعة لنا نصبت حاجزاً في هذا المكان". توقفنا أمام الحاجز لدقلائق. ترجل بو عبدالله وتحدث الى احد العناصر وأطمأن الى سلامة الطريق التي سنسلكها. وعبرنا ساحة احدى القرى حيث تجمع معظم الأهالي في وسطها. حياهم بوعبدالله وتابعنا سيرنا، الى ان وصلنا الى حي يضم بضعة منازل مبنية من الطين. وقال المسؤول "الانقاذي" انها تضم المركز الطبي ومسجداً على مقربة منها… وكان صوت الآذان يرتفع منه عبر مكبرات للصوت.
عند مدخل الحي، كان شابان يتناوبان على الحراسة حين أطل طبيب عرف عن نفسه انه يدعى الدكتور صالح وسبق له ان عمل في مستشفيات الدولة في مناطق مختلفة، وأوضح انه يسهر على معالجة مرضاه من سكان القرى المحيطة.
وعن الاصابات التي يتعرض لها جنود الجيش الاسلامي للانقاذ اثناء عملياتهم، قال انها بسيطة وقليلة، إذ نعالج شخصاً كل أربعة أيام من جراء اصابة في مواجهة عسكرية، كما ان في المركز مقراً للنقاهة وللاشراف على شفاء المصابين. اما الأدوية والمعدات الطبية فمصدرها المؤسسات الحكومية والمستوصفات التي يقوم بمهاجمتها المسلحون.
تجولنا في بضع غرف. وتناولنا الغداء في غزفة من الطين. جلسنا الأرض، حول طاولتين عليهما صحون من الكسكس والسلطة والعنب. وشربنا الشاي الأخضر ، قبل ان نستعد للذهاب الى احد المعسكرات.
سألت بوعبدالله عن الدعم الذي يتلقاه جيشه من ايران والسودان، فأجأب: "ان هذا الكلام خرافة وليست له صلة بالحقيقة. اننا لا نتقلى مساعدات مادية من غير الجزائريين. ولنا نهجنا ورؤيتنا وتصورنا الاسلامي الذي باركه الشارع الجزائري يوم صوت لمصلحة حكم الانقاذ في الانتخابات العامة التي اغتصبت نتائجها".
في المعسكر
في المعسكر الذي امتد على مساحة تجاوزت بضعة كيلومترات، قال اسامة: "ان الاخوان يتدربون باستمرار لأن اللياقة البدنية ضرورية"، قائد المعسكر في مهمة خارجية، اما نائبه فأكد "ان كل أفراد المعسكر سواسية وقد التحقوا بالجيش من مواقع مختلفة في مؤسسات الدولة، لكن عدداً كبيراً منهم سبق له ان خدم في المؤسسات العسكرية للدولة وأجهزتها الأمنية. اننا نخضع المدنيين وأنصارنا الذين يعملون في المدن بشكل سري لدورات تدريبية سريعة نؤهلهم خلالها للعمل في ظروف صعبة".
عقارب الساعة تقترب من السادسة مساء، وبعد رحلة في السيارة قطعنا خلالها أكثر من 350 كيلومتراً بعيداً عن العاصمة، استأذنت بوعبدالله واسامة وجعفر بالرحيل لكي نتمكن من الوصول الى العاصمة قبل موعد حظر التجول الذي يبدأ في الحادية عشرة والنصف ليلاً وينتهي مع آذان الفجر. فدعوني الى تمضية الليل برفقتهم في الجبال، فاعتذرت فطلب مني الانتظار لدقائق كي يطمئن الى سلامة الطريق… وانطلقا بسرعة جنونية، الى مدخل مدينة الشلف، ومن هناك الى طريق العودة الى الجزائر العاصمة. وأدركنا دورية للجيش قرابة السابعة مساء قبل بلدة العطاف وحاولنا تجاوزها فصوب اثنان من أفرادها بندقيتيهما نحونا، فلزمنا السير خلف الشاحنة لمدة 20 دقيقية، الى ان سلكنا طريقاً فرعية، عدنا منها الى السير بسرعة. وأوقفنا عند مفترق مليانة حاجز آخر كان يطلب من السيارات الوقوف لمدة نصف ساعة تقريباً، قبل ان ترحل الدورية التي كانت تضم عشر شاحنات من رجال الدرك في اتجاه خميس مليانة ووادي الشليف. وتابعنا سيرنا في اتجاه البلدية، ولم نصادف طوال الرحلة - نحو 250 كيلومتراً - اكثر من عشر سيارات. واوقفنا أول حاجز للجيش عند مفترق البلدية وسألنا جندي عن المكان الذي اتينا منه فأجابه السائق "وهران". فطلب منا عدم استخدام ضوء السيارة الا بعد تجاوز الحاجز. وكانت هناك دبابة تقف في وسط الشارع. وعلى بعد بضعة أمتار حاجز ثان وثالث ورابع تنتشر على مسافة تقل عن ثلاثة كيلومترات.
العاشرة ليلاً كان السائق وصل الى النقطة التي حملني منها قبل 16 ساعة ذلك الصباح. وعندما ودعته قال: "لم أكن اعتقد بانني سأعود حياً من هذه الرحلة التي لو عرفت مخاطرها لما جازفت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.