كلما تضاءل هاجس الخوف من احتمال انتقال مرض جنون البقر الى الانسان، فاجأتنا الاحصاءات الطبية بعدد جديد من الاصابات وحالات الوفاة الناتجة عن التعرض لنوع جديد من مرض كروتزفلت - يعقوب CJD البديل البشري لمرض جنون البقر. كما ان الأدلة العلمية على وجود علاقة بين اصابة البشر بالنوع الجديد من مرض كروتزفلت - يعقوب أو التهاب الدماغ الاسفنجي وبين أكل لحوم الأبقار الملوثة بعدوى جنون البقر آخذة في الزيادة. اذ بيّنت نتائج الأبحاث الأخيرة ان الانسان لم يعد يواجه خطر الميكروبات والفيروسات كعوامل ناقلة لعدوى الأمراض، بل أضحى معرضاً أيضاً لأخطار نوع جديد منها يطلق عليها العلماء اسم "البرايونات". ويذكر ان "الوسط" تناولت موضوع جنون البقر والدور الخطير لبروتين "برايون" الخبيث في اعدادها 203، 218، 230 و237. ولم تبد وسائل الاعلام الأخرى آنذاك اهتماماً يذكر بدور "البرايونات"، الى ان أعلن أخيراً حصول العالم الأميركي ستانلي بروزنر على جائزة نوبل في الطب للعام 1997 تقديراً لأبحاثه واكتشافه عوامل نقل العدوى الجديدة التي أطلق عليها اسم "البرايونات" أو "بروتينات" "برايون" الخبيثة. تأكيد علاقة المرضىن بعد سنين عدة من الأبحاث والدراسات في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية واستراليا للتأكد من وجود علاقة بين مرض جنون البقر ومرض كروتزفلت - يعقوب. أظهرت تجارب حديثة لفريق من العلماء البريطانيين في وحدة الأمراض العصبية التابعة لمعهد صحة الحيوان في مدينة أدنبرة، ان حقن عينات من أدمغة 3 مصابين بالنوع الجديد من مرض كروتزفلت - يعقوب داخل أدمغة فئران سليمة من 4 فصائل مختلفة، يؤكد ان خصائص فترات الحضانة لمرض جنون البقر لا تختلف عن فترات الحضانة لفصيلة الفئران التي انتقل اليها مرض كروتزفلت - يعقوب. مما يدل على ان العامل المسبب لكلا المرضين واحد. خصوصاً ان ملامح الأضرار التي أصابت أدمغة الفئران بعد تشريحها تشبه الملامح ذاتها التي تنجم عادة عن العامل المسبب لمرض جنون البقر. كما بيّنت تجارب أخرى قام بها علماء في مستشفى سانت ماري في لندن ان حقن عينات من أدمغة مصابين بالنوع الجديد من مرض كروتزفلت - يعقوب، أدى الى ظهور بروتين يختلف في تركيبه الجزيئي عن بروتين "برايون" الذي يوجد عادة لدى المصابين بمرض كروتزفلت - يعقوب ممن يحملون نسخة مختلفة من جين بروتين "برايون". وقد يساعد ذلك مستقبلاً في الكشف عن الأشخاص الذين يحملون جيناً شبيهاً بالجين الذي حملته فئران التجارب قبل ظهور أعراض المرض. ولتأكيد أهمية نتائج الأبحاث الأخيرة، أعلن البروفسور جون باتيسون رئيس اللجنة الاستشارية لأمراض التهاب الدماغ الاسفنجي التابعة لوزارة الصحة البريطانية انه لم يعد هنالك شك في وجود علاقة بين جنون البقر ومثيله البشري كروتزفلت - يعقوب الذي أصاب عدداً لا يستهان به من البشر في بريطانيا خلال السنوات الماضية. سلامة اللحوم والأغذية أثبتت أبحاث بريطانية سابقة امكان انتقال مرض جنون البقر من الأبقار المصابة الى عجولها عبر المشيمة والرحم أو الجنين وذلك في دراسة استغرقت 7 سنوات، مما أثار مخاوف عدة من احتمال انتقال المرض عبر الدم أو الحليب أو كل أعضاء البقر. الا ان الوقائع العلمية والتحريات الوبائية لم تثبت وجود أدلة واضحة على انتقال العدوى عبر الدم أو الحليب. كما انه لم يكشف وجود بروتين "برايون" الملوث أو أي من العناصر المرتبطة بعدوى جنون البقر داخل الحليب ومشتقاته. ورغم ظهور أدلة تشير الى ان أكل لحم الأبقار البريطانية قد يكون وراء ظهور حالات أصابة جديدة بمرض كروتزفلت - يعقوب عند الانسان. وان عامل العدوى في كلا المرضين نوع خبيث من بروتين "برايون" المتغير وراثياً يوجد داخل أنسجة الدماغ والأعصاب، ولا يمكن القضاء عليه الا بتعريضه مطولاً لدرجة حرارة عالية جداً، فإن لحوم الكبد والقلب والكلى والمفاصل العضلية "الاستيك" المأخوذة من البقر لا تحتوي على بروتين "برايون". اما اللحوم المفرومة والمعلَّبة و"الهوت دوغز" والمقانق السجق والبيف بيرغر فأنها تحتاج الى مراقبة جيدة للتأكد من مصدرها مع ضرورة طبخها وتحضيرها تحت درجة حرارة عالية تكفل القضاء على بروتين "برايون" الملوث اذا كان أصلاً ضمن محتوياتها. من جهة اخرى لا بد من الاشارة الى انه لا توجد أدلة علمية تثبت انتقال عدوى مرض جنون البقر أو بديله البشري كروتزفلت - يعقوب الى الانسان نتيجة تناول بعض أنواع الأغذية والمشروبات والمستحضرات الطبية والكيماوية التي يستخدم شحم وجيلاتين ودهون البقر وخلاصة المعدة في صناعتها فالجيلاتين يستخدم في تحضير الشوكولاته وأقراص النعناع والسوس وأنواع مختلفة من حلوى الأطفال والعلكة اللبان، وفي تنقية المشروبات الروحية وعصير الفاكهة المعلب. كما انه يستخدم في تحضير كبسولات الأدوية والفيتامينات والسوائل المضادة للسعال. وكذلك في تحضير الآيس كريم. ويستخدم الغليسيرين المأخوذ من البقر مع الدهون البقرية في صناعة مستحضرات التجميل كأحمر الشفاه والكريمات والصابون ومعجون الاسنان. وتدخل الشحوم البقرية في صناعة زيوت القلي وفي تحضير بعض الأجبان.لذا يعود أمر الاستمرار في تعاطي هذه المواد أو مقاطعتها بالدرجة الأولى الى الانسان ذاته، تبعاً لما هو متوافر من حقائق علمية حولها. وكان الدكتور روبرت ويل، أحد كبار الخبراء المعنيين بمراقبة مرض كروتزفلت - يعقوب قد أشار الى ان ضحية المرض البريطانية رقم 21 سوزان كيري التي توفيت عن عمر يناهز 36 سنة ربما التقطت عدوى المرض القاتل من جراء تناول وجبة واحدة من لحم بقري ملوث جداً. وقد عانت الضحية أعراض المرض مدة 6 أشهر قبل وفاتها في آذار مارس الماضي. اما المريضة البريطانية الرقم 24 باميلا بايليس البالغة من العمر 22 عاماً فأنها في حالة سيئة للغاية وتعاني من أعراض يعتقد انها ناتجة عن اصابتها بالنوع الجديد من مرض كروتزفلت - يعقوب. وكانت باميلا من عشاق أكل البيف بيرغر. ولا يستبعد الخبراء ان تكون عدوى المرض قد انتقلت الى الضحيتين منذ الثمانينات ولم تظهر أعراضها الا بعد مرور أكثر من 10 سنوات. انتقال المرض عبر الدم بات واضحاً للعلماء ان النوع الجديد من مرض كروتزفلت - يعقوب يختلف عن مثيله القديم في طرق انتقاله وطبيعة الجين الوراثي لبروتين "برايون" المسبب له. لذا لم يعد من المقبول أو المعقول التغاضي عما يشاع من احتمال انتقال المرض بواسطة دم المتبرعين الذين تثبت اصابتهم بمرض كروتزفلت - يعقوب بعد ظهور الأعراض أو بعد وفاتهم. خصوصاً وان فترة الحضانة لهذا المرض تراوح بين سنتين وعشرات السنين. وسارعت وزارة الصحة البريطانية الأسبوع الماضي الى البحث عن عينات الدم التي تبرع بها ثلاثة من المصابين بالنوع الجديد من مرض كروتزفلت - يعقوب وآخر من المحتمل اصابته بالمرض ذاته المرتبط بجنون البقر، على رغم عدم وجود أدلة على انتقال العدوى من خلال عمليات نقل الدم. وكانت الوزارة قد باشرت عمليات البحث عن عينات دم المتبرعين المشكوك في اصابتهم بنوعي المرض منذ تموز يوليو الماضي، غير ان المسؤولين لم يفصحوا عدد الأشخاص الذين نقلت عينات الدم اليهم. ومن غير المستبعد ان تكون كل العينات التي يتم البحث عنها قد استخدمت في عمليات نقل الدم وعمليات جراحية أخرى. اما اذا تم اكتشاف بعض تلك العينات فإنها ستعدم فوراً بلا محالة. ويتمسك وكيل وزارة الصحة البريطانية السير كينيث كالمان بأنه لا توجد أدلة على انتقال عدوى النوع الكلاسيكي لمرض كروتزفلت - يعقوب الذي لا يرتبط بمرض جنون البقر، عن طريق نقل الدم. بينما تشير مديرة خدمات بنوك الدم البريطانية الدكتورة انجيلا روبنسون الى أهمية الحصول على دم المتبرعين دون الخوف من استخدامها في عمليات نقل الدم ودون المبالغة في تضخيم المخاطر التي يمكن ان تنجم عن تلقي المرضى دماً من متبرعين أصيبوا بمرض كروتزفلت - يعقوب. لأن الفوائد المرجوة من عمليات نقل الدم تفوق المخاطر غير المؤكدة عن احتمال انتقال المرض عبر الدم. "البرايونات" وجائزة نوبل تجدر الاشارة الى ان عدد حالات الاصابة بالنوع الجديد من مرض كروتزفلت - يعقوب المعلن عنها رسمياً وصل الى 24 حالة توفي منها 20 حتى الآن. ومما لا شك فيه ان التطورات الأخيرة في نتائج الأبحاث المتعلقة بمرض جنون البقر والنوع الجديد من مرض كروتزفلت يعقوب الذي يصيب الانسان، والتي أثبتت وجود علاقة بين بروتين "برايون" الملوث وكلا المرضين القاتلين. قد ساهمت الى حد كبير في حصول العالم الأميركي البروفسور ستانلي بروزنر، مكتشف العوامل المرضية الجديدة التي أطلق عليها اسم "البرايونات"، على جائزة نوبل في الطب لعام 1997. وكان البروفسور بروزنر استاذ الكيمياء الحيوية في كلية الطب في جامعة كاليفورنيا بمدينة سان فرانسيسكو قضى أكثر من 25 عاماً من الأبحاث المتعلقة بأمراض التهاب الدماغ المميتة مثل: مرض كروتزفلت - يعقوب CJD ومرض أكلة لحوم البشر الوراثي Kuru ومرض الأرق العائلي FFI وداء الأعصاب القاتل في الأغنام Scrapie ومرض الخرف الوراثي GSS. وهي أمراض تتميز بفترات حضانتها الطويلة وأعراضها المرضية القاتلة. كما انها تتشابه في تأثيرها على الخلايا العصبية وفي نخرها لدماغ الانسان وتحويله الى ما يشبه الاسفنج. ويعتبر البروفسور بروزنر أول من صنّف "البرايونات" على انها عوامل جديدة لنقل العدوى تختلف في طبيعتها وأسلوب عملها عن الميكروبات والفيروسات. فهي تتواجد في الجسم بصورة بروتينات طبيعية تتحوّل فجأة الى بروتينات خبيثة بعد ان تغيّر تركيبها الوراثي أو الجيني فتحمل عدوى الأمراض العصبية التي تصيب دماغ الانسان والحيوان بأنواع من الخرف تقضي على خلاياه العصبية وتحوّله الى نسيج تغطيه الثقوب كأنه اسفنجة بحرية. ان منح العالم الأميركي بروزنر جائزة نوبل في الطب تكريماً ل "برايوناته" يبين الأهمية الكبيرة والاهتمام العالمي بأخطار هذه العوامل الجديدة التي تنقل أمراضاً قاتلة تشمل مرض كروتزفلت يعقوب. وهذا سيشجع بالتأكيد على دفع عجلة الأبحاث لكشف أفضل الطرق الكفيلة بالقضاء على مرض جنون البقر وبديله البشري .