قدر الانسان في عصر التكنولوجيا ان يعيش داخل انبوب اختبار. فالطعام الذي يأكله في حاجة الى فحص للتأكد من سلامته، والهواء الذي يتنشقه يلزمه فحص للتأكد من نقاوته، والماء الذي يشربه في حاجة الى فحص للتأكد من نظافته، وجسده يتطلب فحصاً للاطمئنان على صحته. أصبحنا اسرى المختبرات الطبية والعلمية وما تزفه علينا من نتائج تتراوح بين الفرح والتشجيع او الحزن والاحباط. فنحن نعيش عصر لعنة التمدن والتحضر والتقدم العلمي. عصر الاحترار العالمي والهندسة الوراثية. نتحدى الطبيعة ونتلاعب بمقدراتها فتصب علينا جام غضبها وتنكبنا بكوارثها وجراثيمها وفيروساتها التي لا ينفع معها دواء ولا يوجد لها شفاء. فبعد الايدز جاءنا جنون البقر او اعتلال الدماغ الاسفنجي البقري BSE. الاول نجحنا في كشفه وعجزنا عن علاجه، والثاني ما زال الغموض يكتنفه. في تشرين الثاني نوفمبر 1986 أعلن العلماء بأن مرض جنون البقر ينتقل عبر الاعلاف الحيوانية المدعمة بفضلات الماشية والأغنام. وفي آذار مارس 1996 اكتشف العلماء وجود علاقة بين مرض جنون البقر ومرض كروتزفلت - يعقوب أو التهاب الدماغ الاسفنجي CJD الذي يصيب الانسان. وفي تموز يوليو 1996 صرّح العلماء بوجود احتمال كبير بانتقال مرض جنون البقر الى الاغنام، واحتمال انتقاله الى الانسان عن طريق أكل أنسجة الدماغ والحبل الشوكي والمصران التابعة للأغنام. وقد بدد هذا الاكتشاف الاعتقاد السائد سابقاً بأن عدوى جنون البقر تنتقل بواسطة الاعلاف الحيوانية، اما في آب اغسطس 1996 فقد صرح العلماء بأن نتائج الابحاث تشير الى امكانية انتقال عدوى جنون البقر من الأبقار المصابة الى عجولها. وذلك بعد الانتهاء من دراسة استغرقت 7 أعوام باشرها العلماء عام 1989، اي بعد عام واحد على منع استخدام الاعلاف الملوثة بفضلات الماشية والأغنام. وقارن العلماء عبر تلك الدراسة بين مجموعتين من عجول الابقار. تكونت المجموعة الاولى من عجول مولودة لأبقار مصابة بالمرض، وتكونت المجموعة الثانية من عجول مولودة لأبقار سليمة. وتأكد العلماء بعد ذبحها وفحص أدمغتها من ان 10 في المئة من عجول المجموعة الاولى اصيبت بعدوى مرض جنون البقر، اي ما يعادل واحد في المئة على ارض الواقع. وعلى رغم ضآلة هذه النسبة، فإنها تنذر بأخطار عدة. فهي تشير الى احتمال ان تكون مجموعة كبيرة من العجول المولودة لأبقار مصابة بالمرض ولم يتم اكتشافها، قد وجدت طريقها الى موائد البشر وبطونهم، وان هنالك احتمالاً آخر بامكانية انتقال العدوى من جيل الى آخر عن طريق الوراثة او مجرى الدم. انتقال المرض عبر الدم حذر الخبراء من أن الدلائل المتوافرة إثر الدراسة البريطانية الاخيرة تشير الى احتمال انتقال العدوى من الأبقار الى عجولها عن طريق الدم. وإذا صح ذلك، فإنه ينذر بعواقب خطيرة جداً، خصوصاً وأن طريقة انتقال العدوى ما زالت غامضة حتى الآن. اذ تقول العدوى ما زالت غامضة حتى الآن. اذ تقول الدكتورة شيلا غور من مجلس الابحاث الطبية في كمبريدج ان تورط الدم في عملية انتقال العدوى يعني احتمال انتقال المرض من الامهات المصابات بالبديل البشري لمرض جنون البقر، كروتزفلت - يعقوب، الى اطفالهن. مما يقتضي فرض اجراءات صارمة تضمن دوام مراقبة الاطفال المولودين من امهات ظهرت عليهن اعراض الاصابة بعد الانجاب، تسجيل تواريخ ميلادهم ومتابعتهم صحياً للتأكد من عدم انتقال المرض اليهم او تسجيل المرض في حالة اصابتهم به. وعلى رغم غموض طريقة انتقال عدوى المرض من الأبقار الى عجولها، فإن احتمال تورط الرحم او المشيمة يقتضي المراقبة والمتابعة. فقد سبق وانتقلت عدوى مرض "سكريبي" الذي يؤدي لارتعاش الاغنام نتيجة التهاب أدمغتها، الى أجنتها عبر الرحم والمشيمة. من جهة أخرى، يخشى عدد من الخبراء وفي مقدمهم البروفسور ريتشارد لايسي اخصائي علم الجراثيم في جامعة ليدز وأول من حذر من احتمال انتقال عدوى جنون البقر الى الانسان، من وجود عدوى جنون البقر في كافة اجزاء البقرة المصابة اذا ما ثبت فعلاً ان طريقة انتقال العدوى قد تمت عبر مجرى الدم. ما يوحي انه لا يمكن استثناء اي عضو او قطعة لحم مأخوذة من الابقار المصابة. ماذا عن الحليب؟ ما زالت آراء العلماء متفقة على عدم وجود أدلة تثبت تورط الحليب في عملية انتقال العدوى، على رغم ثبوت انتقال المرض من الأبقار الى عجولها عبر قنوات اخرى ربما شملت الرحم والمشيمة او الجنين. كما ان عدداً كبيراً من الابحاث والدراسات حول طرق انتقال المرض لم يكشف حتى الآن عن وجود بروتين "برايون" الخبيث او اي من العناصر المرتبطة بعدوى جنون البقر داخل الحليب او مشتقاته. ويستبعد العلماء انتقال المرض عبر الحليب لأن صغار الأبقار الحلوبة او عجولها لا تشرب حليب امهاتها بعد الولادة باستثناء مادة اللباء وهي عبارة عن حليب خاص يوجد بكميات ضئيلة في الايام الاولى من الولادة ويختلف في تركيبه الطبيعي عن الحليب العادي، كما انه لا يباع ولا يستهلك آدمياً. وتشير الاحصاءات الجارية منذ سنوات حول انتشار حالات مرض جنون البقر الى انخفاض عدد الاصابات بنسبة 40 في المئة سنوياً، مما يدعم استبعاد احتمال انتقال العدوى عن طريق الحليب. لأن تورطه في عملية انتشار العدوى يؤدي الى ارتفاع عدد الاصابات عوضاً عن انحسارها. كما ان البروفسور لايسي يستبعد تورط الحليب في عملية انتقال العدوى. أغذية ومستحضرات مهددة أدت نتائج الابحاث الاخيرة التي أكدت احتمال انتقال عدوى جنون البقر لعجول الأبقار المصابة، الى تجديد المخاوف من الاخطار الخفية المحيطة ببعض انواع الاغذية والمشروبات والمستحضرات الطبية والكيماوية التي تستخدم شحم وجيلاتين ودهون البقر وخلاصة المعدة في صناعتها، خصوصاً وأن شريحة مستهلكيها تشمل الاطفال والرجال والنساء على السواء. فالجيلاتين يستخدم في تحضير الشوكولاتة وأقراص النعناع وأنواع مختلفة من حلوى الاطفال والعلكة او اللبان، وفي تنقية المشروبات الروحية وعصير الفاكهة المعلب. كما انه يستخدم في تحضير كبسولات الادوية والفيتامينات والسوائل المضادة للسعال. وكذلك في تحضير الآيس كريم لاستحلابه وتركيزه بالمشاركة مع الشحوم البقرية. ويُستخدم الغليسيرين المأخوذ من البقر مع بعض الدهون البقرية في صناعة مستحضرات التجميل من أحمر الشفاه الى الكريمات والصابون ومعجون الاسنان. وتدخل الشحوم البقرية في صناعة زيوت القلي وفي تحضير بعض الاجبان. وعلى رغم عدم وجود ادلة علمية تثبت انتقال عدوى مرض جنون البقر او بديله البشري كروتزفلت - يعقوب الى الانسان نتيجة تناول تلك الاغذية او استخدام المستحضرات الكيماوية سالفة الفكر، فان توخي الحذر واتخاذ القرار المناسب بالنسبة الى الاستمرار في تعاطي هذه المواد او مقاطعتها امران يعودان بالدرجة الاولى الى الانسان ذاته. فهذه المسألة تختلف عن حالات تسمم الطعام الواضحة اسبابها والمؤكدة طرق انتقال عدواها وكيفية تشخيصها وعلاجها والوقاية منها. اما جنون البقر وكروتزفلت - يعقوب فما زال الغموض يخيم على اسبابها وكيفية تشخصيها وانتقال عدواهما. والى ان يتم القضاء على هذه الامراض وتكشف اسرارها بحلول العام 2008، حسب توقعات الخبراء، يبقى هاجس الخوف من ازدياد انتشار المرض واحتمال ظهوره بين الامهات والاطفال وانتقاله من جيل لآخر أمر قائم لا مفر منه. ان التأكيد على تطبيق قرار منع استخدام الأعلاف الحيوانية المدعمة ببقايا الأغنام والأبقار وفضلاتها. وتنفيذ قرار منع بيع أدمغة وامعاء وضحال البقر والغنم وحبالها الشوكية وحظر استهلاكها الآدمي، مع المسارعة في اعدام قطعان الماشية المشكوك باصابتها بالمرض، بما في ذلك عجولها مهما بلغ عددها، امور في غاية الاهمية، لأن التأخير والمماطلة من قبل الحكومة البريطانية في تنفيذ تعهداتها قد زاد الامور تعقيداً وزاد الخسارة اضعافاً، وعرض سلامة البشر لأخطار لا تحمد عقباها. ولا محالة بعد اليوم من اعدام ملايين البقر وتكبد خسائر تفوق قيمتها 30 مليار دولار مع ما يرافق ذلك من فقدان آلاف الوظائف. وما هذا إلا تصحيح عادل لخطأ فادح اقترفته الحكومة البريطانية في حق مزارعيها وكافة مستهلكي لحوم البقر والضحايا الذين فقدوا حياتهم نتيجة التخبط والمماطلة الرسمية. أغذية ومستحضرات مهددة بالخطر كانت المفوضية الاوروبية فرضت حظراً عالمياً على استيراد لحوم الأبقار البريطانية ومشتقات الأبقار المستخدمة في صناعة بعض الأغذية والمشروبات والمستحضرات الطبية والتجميلية لمنع انتقال عدوى مرض جنون البقر او بديله البشري كروتزفلت - يعقوب الى البشر. مستحضرات التجميل تحتوي مستحضرات التجميل كأحمر الشفاه والكريمات والصابون على دهون البقر ومادة الغليسيرين التي تدخل في صناعة معجون الاسنان ايضاً. البسكويت والكعك تستخدم دهون البقر في انتاج البسكويت وكعك الحلوى المثلج. الآيس كريم يستعمل شحم البقر والجيلاتين لاستحلاب وتركيز الآيس كريم. دهون القلي تعتمد مطاعم بيع البطاطا والسمك المقلي على شحم البقر. الحلوى يستخدم جيلاتين البقر في صنع الشوكولاتة وأقراص الحلوى المتنوعة التي يهواها الاطفال والعلكة اللبان وأقراص النعناع والسوس. المشروبات يستخدم جيلاتين البقر في تصفية مشروبات عصير الفاكهة والكحول. الأدوية والفيتامينات يدخل جيلاتين البقر في صناعة كبسولات الأدوية والفيتامينات. الجبنة يصنع بعض انواع الأجبان من خلاصة معدة العجول.