خيِّل الى من تابعوا سباق الجائزة الكبرى على حلبة كاتالونيا في برشلونة انهم يشاهدون سباقاً للزوارق السريعة، فالامطار الغزيرة لم تنقطع طوال السباق والطوفان كان جحيماً للسائقين الذين راحت سياراتهم تنزلق تباعاً كما لو كانت أرض الحلبة مطلية بالصابون، ولم ينهِ السباق سوى ستة سائقين من أصل 20 مشاركاً لحظة الانطلاق. وقد استطاع بطل العالم الألماني ميكايل شوماخر الذي يقود فيراري ان يشق الطوفان بسيارته "البرمائية" الى منصة التتويج مثبتاً مرة اخرى انه سيد المواقف الحرجة لما يتمتع به من شجاعة نادرة وخبرة وافية وموهبة فطرية في القيادة فيجعله قادراً على اتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة وعلى تعويض التفوق التقني لسيارة وليامس - رينو التي كادت تحتكر البطولة خلال هذا الموسم بعد فوزها بخمسة سباقات من أصل ستة. بدأ السباق بانطلاقة سيئة للبريطاني دايمون هيل متصدر البطولة والسباق فتراجع الى المركز الثالث. وكانت انطلاقة شوماخر كارثة اذ تقهقر من المركز الثالث الى المركز السادس، اما الكندي جاك فيلنوف فقد تصدر السباق أمام الفرنسي جا ن اليزي. كانت مهمة شوماخر لتصدر السباق واحرازه بعد هذا الوضع الصعب المستجد، وفي أحوال جوية بالغة السوء مستحيلة أو شبه مستحيلة، لكن أخطاء منافسيه وفي طليعتهم دايمون هيل الذي انحى باللائمة على نفسه لأنه ارتكب ثلاثة اخطاء قبل اصطدامه بحائط السلامة وخروجه من السباق في اللحظة العاشرة، واصرار شوماخر على الفوز للتكفير عن خطأه الفادح في سباق مونتي كارلو، وحبه للمجازفة وتحدي الخطر، كل ذلك جعل المهمة ممكنة وقد منح سائق فيراري المشاهدين لحظات نادرة من المتعة والاثارة ألهبت حماستهم ولاسيما عندما تجاوز أليزي عند أحد المنعطفات الخطرة، ثم اعاد السيناريو متخطياً فيلنوف بعد مطاردة محمومة اتلفت اعصاب المشاهدين ورفعت نسبة الادرينالين في دمائهم. سباق نموذجي ويمكن القول ان السباق الذي خاضه شوماخر في برشلونة - باستثناء الانطلاق - كان نموذجياً سواء لجهة القيادة أو لجهة الاستراتيجية التي اعتمدها فريق فيراري وهي تقضي بدخول المرأب مرتين خلافاً للاستراتيجية التي اعتمدتها الفرق الاخرى. وقد بدا شوماخر بعد تصدره السباق في اللفة الثانية عشرة كأنه فارس من كوكب آخر. ويكفي ان نلقي نظرة على الاوقات التي سجلها لندرك الفارق بين قيادته وقيادة منافسيه اذ حفر الفارق بينه وبين فيلنوف وأليزي الى اكثر من أربع ثوان في اللفة الواحدة، ولقن المتسابقين درساً في القيادة من الصعب ان يحفظوه ومن الصعب ان ينسوه. تساؤل واحتمالات فوز شوماخر على حلبة كاتالونيا امام أليزي في المركز الثاني وفيلنوف في المرتبة الثالثة هو انتصار العشرون في سباقات الجائزة الكبرى والأول مع فيراري، وهذا الفوز يدفعنا الى التساؤل: هل أصبحت سيارة فيراري قادرة على منافسة سيارة وليامس - رينو؟ من السابق لأوانه الاجابة عن هذا السؤال، ولابد من اختبارات اخرى لتثبت فيراري قدرتها على المنافسة الجدية، وفي حال نجاحها فان بطولة العالم ستصبح مشرعة على كل الاحتمالات. صحيح ان دايمون هيل يتصدر الترتيب العام برصيد 43 نقطة أي بفارق 17 نقطة عن كل من شوماخر وفيلنوف وهو فارق لا يستهان به، لكن الصحيح ايضاً ان هيل خرج من السباقين الاخيرين مونتي كارلو وبرشلونة خالي الوفاض. ومما لا شك فيه انه سيتعرض في السباقات المقبلة لضغوط نفسية قاسية والعامل النفسي اجمالاً يلعب لصالح شوماخر. وثمة واقع لا يمكن انكاره هو ان سيارة وليامس - رينو هي الاقوى على الحلبات التي لا تتطلب براعة فائقة في القيادة ومن الصعب منافستها حتى اشعار آخر، لكن شوماخر هو الاوفر حظاً على الحلبات التي لا تكون فيها الكلمة الاخيرة لقوة المحرك وهيكل السيارة فقط، بل لمهارة السائق ايضاً، كما على حلبة مونتي كارلو حيث حقق شوماخر في التجارب الرسمية أفضل الاوقات، ولو لم يهدر في مونتي كارلو فوزاً كان منطقياً في متناول يده لكان تقلص الفارق بينه وبين هيل في الترتيب العام. تاريخ عريق وتجدر الاشارة الى ان هذا الفوز رفع انتصارات فيراري وهي الوحيدة التي شاركت في جميع بطولات فورمولا واحد منذ انطلاقها في العام 1950 الى 106 انتصارات بفارق انتصارين من ماكلارين التي سجلت 104 انتصارات ابتداء من العام 1966. وآخر فوز لفيراري حققه جان أليزي سائق بينيتون - رينو حالياً على حلبة مونتريال في كندا في 11 حزيران يونيو 1995 أي قبل حوالى سنة وهو فوزه اليتيم. ولفيراري تاريخ عريق وسجل حافل بالمجد فقد احرزت بطولة العالم للسائقين 9 مرات وبطولة العالم للصانعين 8 مرات الا انها اصيبت بالعقم منذ 1983 فهل تجد الدواء الناجح لعقمها في صيدلية شوماخر؟