- رشحت فرنجية للرئاسة حول طاولة الزهر - هذا ما قاله بشير الجميل في اجتماع القصر تغرب شمس القرن وبيروت، كما البلاد بأسرها، مكسورة مهيضة الجناح. وقصة هذه المدينة تكاد تختصر قصة الوطن. ارتكبت من "الآثام" ما يتعذر غفرانه لها. فتحت مبكرة بوابة الأسئلة والشكوك والقلق. انتخبت وعارضت وتظاهرت وبالغت. ثم صدر القرار بالاحتماء منها عن طريق اضرام النار في احشائها. وفي الحرب كما في السلم لم تعوزها القدرة على التهور. لا أريد مطلقاً الانزلاق الى الكتابة التي تبرئ اللبنانيين مما حلَّ بها وبهم وكأن الحرب لم تكن سوى نزاع بين غرباء على الملعب اللبناني. ولا أريد أبداً الانزلاق الى الكتابة التي تسرف في تجريم اللبنانيين وجلد الذات لتبرئة الآخرين. يشعر زائر بيروت ان من التجني انكار حجم الجهود التي تبذل لاعادة الاعمار وترميم ما تضرر في سباق مع الوقت لتمكين المدينة من خوض السباق الاقتصادي في الشرق الأوسط الجديد المقترب وان تأخرت المواعيد. لكن الزائر يشعر أيضاً ان ترميم حجر المدينة لا يواكبه ترميم لروحها ولوظيفتها كمختبر لاعادة انتاج المعادلة اللبنانية والقرار. ربما لهذا السبب تمتزج الآمال بقدر غير قليل من الخوف أو يمتزج الخوف من المستقبل بقدر من الآمال. وسيظل السؤال عن مستقبل المدينة ومستقبل دورها معلقا ليس فقط في انتظار تبلور سلام لا تشارك في صنعه بل ايضاً في انتظار اتضاح حجم التغيير الذي سيدخله السلام على الأدوار ومرتكزاتها ولغة التعامل مع الواقع الجديد. من المبالغة ان يتطلع اللبنانيون الى استرداد بيروت السابقة، خصوصاً ان دورها آنذاك ارتسم في ظل معطيات مختلفة داخلياً واقليمياً ودولياً غير قابلة للتكرار. ومن المبالغة ايضاً الاعتقاد بأن ما حل بالمدينة قضى على كل ما تختزنه من امكانات النهوض والعثور على دور جديد، وهو بالضرورة متواضع وشرطه أن تلحق ورشة ترميم الروح بما بلغته ورشة ترميم الحجر. كانت بيروت مدينة وفكرة ومشروعاً مفتوحاً وامتحاناً. وكانت شراكة عيش ومصالح. لم تكن مدينة اللون الواحد، لهذا ينام قدر من التحدي في كيانها. طرحت على سكانها تحدي قبول الآخر والاعتراف بالاختلاف وألزمتهم بفكرة منتصف الطريق والتنازل لجعل اللقاء ممكناً والاستمرار ممكناً. اخرجت الجبل من عزلته ومخاوفه وجعلته يحاور المدى الأوسع. ودفعت أبناء المدى الأوسع الى الالتفات الى هذه الخصوصية اللبنانية فتغير الاثنان كثيراً أو قليلاً. حين يكون الحديث عن سر المدينة، وهو سر الوطن، لا يخطئ الصحافي الزائر العنوان، فصائب سلام هو الشاهد الكبير، والطريق الى ذاكرة المدينة يمر بذاكرته. ولد صائب سلام بعد ولادة القرن بخمسة أعوام. كان على مشارف الشباب حين أعلن لبنان الكبير، وكان في المعترك السياسي حين ولد الاستقلال. ويوم اندلعت الحرب في 1975 كان صائب بك قد طلق رئاسة الحكومة ليبتعد لاحقاً عن العمل السياسي اليومي من دون الابتعاد عن العمل الوطني ومحطاته. وحتى حين اختار الاقامة في جنيف، ما يقرب العقد من السنين، لم يتردد في مخالفة أوامر الأطباء للتوجه الى تونس والطائف، اذ ليس من حق الحكماء الاستقالة من مصير السفينة الجانحة. لا نبالغ اذا قلنا أن بعض تاريخ لبنان صنع في دارة آل سلام في المصيطبة. ففيها انعقد مؤتمر الساحل الذي سجل فيه المسلمون اللبنانيون اعتراضهم على اعلان "لبنان الكبير". وفيها التقى نواب لبنانيون وأوكلوا الى صائب سلام رئاسة حكومة ظل بعدما اعتقلت سلطات الانتداب كبار المسؤولين اللبنانيين واقتادتهم الى قلعة راشيا عشية الاستقلال. وهي كانت رمزاً للمقاومة في ثورة 1958 واليها التجأ السياسيون والبيروتيون حين طوق الاسرائيليون بيروت في 1982. وفي الحياة السياسية للبنان المستقل كان صائب سلام قطباً كبيراً، قوياً في الحكم ولامعاً في المعارضة. لا يتسع كتاب لذكريات صائب سلام، وبعضها حار لا يسهل نشره. لكن سلسلة "يتذكر" تبقى ناقصة في غياب مشاركته، من هنا كانت هذه الزيارة لذاكرة رجل ومدينة. وهنا نص الحلقة الأولى: ما هي العلاقة التي تربط بين صائب سلام وبيروت؟ - انها بالدرجة الأولى علاقة محبة، وهي غالية على قلبي كثيراً. وباستطاعتي القول انها علاقة متبادلة. أنا قلبي مفتوح لابناء بلدي الذين وجدت من جانبهم، ولا أزال، محبة غمرتني. حين أقول بلدي لا أقصد الجدران والشوارع بل الناس وروح بلدي. حين عدت بعد غياب عشر سنوات شعرت ان هذه المشاعر المتبادلة موجودة وقوية وهذا شيء يفرح قلبي ويرضي ضميري. العلاقة مع الناس لا تصنع بين ليلة وضحاها وشرط استمرارها هو الثقة والمحبة والوفاء. ماذا تعني لك بيروت؟ - أنا في الواقع اعتز بلقب "بيروتي عتيق" الذي يطلقونه علي، وها أنا في الواحدة والتسعين. ومن تقديري لهذا اللقب تعرف موقع بيروت في قلبي. المقصود ب "بيروتي عتيق" أبناء بيروت، وإذا جاز التعبير انتاج بيروت روحياً واجتماعياً وثقافياً وكل ما يصدر عن هذا المجتمع. ويعز علي ان أرى، وبعد كل الذي عاشته بيروت والذي انقضى والحمد لله، ان بعض آثار التخريب لا تزال قائمة وان مجالات اعادة الاعمار لا تزال كبيرة، اعادة الاعمار ماشية ونتمنى لها الخير. بيروت صاحبة اسم رنان. هناك مدن كثيرة في العالم أكثر منها نشاطاً في نواح عدة وأكبر منها حجماً لكن لاسم هذه المدينة رنة في أوروبا وأميركا وسائر العالم. هذا الاسم لم تحصل عليه عبثاً أو صدفة وانما بفعل ما كانته وما فعلته، انما اليوم، أقولها بألم، تأخرت كثيراً. أين الأجانب الذين كانوا يتدفقون ويأخذون منها ويعطون؟ مثلاً حي الفنادق حالته مؤلمة. غالبية الفنادق كانت تعج في السابق بالسياح والزوار وها هي الآن مدمرة أو محروقة. رهاني هو على اللبناني وأنا لم أخف عليه في يوم من الأيام، لكنه مر في ظروف صعبة. تذكر كم كانت وطأة الميليشيات وكيف كانت تتقاتل في الأحياء بالأسلحة الخفيفة والثقيلة. حدثت معارك دبابات في شوارع بيروت واحيائها. لا أعرف عدد المدن التي تستطيع احتمال ما تحملته بيروت ولولا عراقة هذه المدينة وعراقة أهلها لقضت الحرب على كل شيء. ولعل المقصود بتعبير "بيروتي عتيق" هو التمسك بالروح التي طبعت هذه المدينة وبالقيم التي يؤمن بها أهلها. ترشيح فرنجية لنبدأ من السبعينات، في أي اجتماع تقرر ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية؟ - ترشيح سليمان فرنجية لم يتقرر في اجتماع موسع. حصل في اجتماع عقد هنا حول طاولة الزهر. كنا نلعب الطاولة أنا وفرنجية وبقربنا جوزف سكاف ونسيم مجدلاني. كان موقف كمال جنبلاط متردداً تماماً ويرد على موضوع فرنجية بنعم وبعدها بلا، ثم يكرر المسألة. قلت لفرنجية أنا أرشحك ونمشي فيها. قال أنا لا أصوّت لحالي. قلت له الآن ليس وقت هذه المسائل. سنمشي حتى ولو حصلت على ثلاثة أصوات. فوجئ جنبلاط واتصل بي مستفسراً فأكدت له النبأ. قال نحن لم نتفق على ذلك فأجبته أنت رفضت أن تتفق. نريد أن نعرف على أي خط سنسير. ريمون اده لا يزال يعاتبني حتى الآن. كان مريضاً وموجوداً في صوفر. ارسلت له نسيم مجدلاني وجورج أبو عضل على ما اعتقد. اتصل بي العميد واقتنع ومشى وصوت معنا. لماذا فرنجية بالذات؟ - لأنه كان من "كتلة الوسط" التي كانوا يسمونها الكتلة السلامية. تردد ان ترشيح سليمان فرنجية انطلق من اجتماع آخر؟ - القصة كما حكيتها لك. اللقاءات اللاحقة كانت لجمع المؤيدين والحسابات الانتخابية. شكلت في أول عهد فرنجية "حكومة الشباب". - حاولت تشكيل حكومة من النواب فراحوا يتبغددون ويضعون الشروط. هذا لا يقبل الا بهذه الحقيبة وذاك بتلك. أعطيتهم مهلة فلم يغيروا موقفهم. أنا كان لدي فريق من الشباب، على غرار ما يفعل الأجانب، استشيرهم ونفكر معاً ويعدون دراسات. عندما تعذر تشكيل الحكومة من النواب صعدت الى القصر وحملت التشكيلة الى فرنجية. من لعب أيضاً دوراً رئيسياً في وصول فرنجية؟ كميل شمعون مثلا؟ - أيده، لكنني لا اعتقد بأن دوره كان استثنائياً. كان فرنجية ماهراً في لعبة الطاولة؟ - نعم. وماذا كانت اللعبة المفضلة لديه، فرنجية أم محبوسة؟ - كان يفضل المحبوسة وكنت ألعب معه على رغم انني كنت أفضل الفرنجية. استقلت في 1973 بعد أحداث فردان؟ - نعم. ولم تتولى أي مسؤولية بعد ذلك؟ - قررت ألا أتولى رئاسة الحكومة واعلنت انني طلقتها. وكيف كانت العلاقة مع فرنجية؟ - كانت العلاقة بيننا قوية وسابقة لوصوله كما ذكرت. وعملنا في البداية على توطيد ركائز الديموقراطية بعدما تعرضت له على يد الاجهزة. كانت بيننا مشاورات متبادلة. تدخلات بعض المحيطين به أضرت. ثم جاءت حادثة فردان فطالبته باقالة قائد الجيش لكنه تمسك به. بذلنا جهوداً كبيرة لتجنيب البلاد مجزرة ثم استقلت. طبعاً أجرينا في 1972 انتخابات نيابية لم يستطع أحد انكار ما تميزت به من نزاهة. حرصنا لمدة طويلة على ابقاء الصراع بيننا خفياً، ولأنه كان يجري خلف الستار ومن دون أن يشعر به أحد سميته صراعاً يابانياً. سركيس آدمي ولم تشارك في الحكم في عهد الرئيس الراحل الياس سركيس. كيف كانت علاقتك معه؟ - عندما قلت انني طلقت رئاسة الحكومة كنت اعني ما أقول، لهذا لم يكن مطروحاً ان أعود اليها. علاقتي معه كانت مليحة. الياس سركيس شخص آدمي. اعتقد بأن مشكلته كانت انه صار رئيساً واحتفظ في الوقت نفسه بشخصية الموظف، لكنه شخص آدمي وصاحب خلق. الحقيقة ان سركيس كان ضعيفاً وجاء في ظروف صعبة. لم يعرض عليك رئاسة الحكومة؟ - لا. في بيروت المحاصرة شهد هذا البيت محطات بارزة في تاريخ لبنان، كم كانت قاسية عليك احداث 1982 حين حاصر الاسرائيليون بيروت؟ - كانت من أقسى ما عرفته من معارك. أنا أنام عادة نحو سبع ساعات. في تلك الفترة كنت أنام نحو أربع ساعات. احتلال اسرائيلي ودبابات اسرائيل تقصف من حول البيت. كان الصحافيون من لبنانيين وأجانب يتقاطرون على المنزل وكنت أهاجم ترويكا المجرمين، بيغن وشامير وشارون، وكانت تلك الهجمات تتردد في كل العالم بواسطة الاذاعات والتلفزيون. وهل كان خروج الفلسطينيين من المدينة المحاصرة قاسياً؟ - كان شارون في 1982 يريد هدم بيروت على رأس الفلسطينيين ورأسنا معاً. بذلت جهوداً حثيثة وكان همي ان تسلم المقاومة الفلسطينية ويسلم بلدنا. تعالت أصوات آنذاك تقول انه رمانا في الخارج من أجل انقاذ بلده. هذا غير صحيح. لقد خرجوا بسلاحهم الكامل معززين وهم يرفعون شارة النصر وقمت بوداعهم على المرفأ وتوجهوا الى أماكن أخرى لمتابعة العمل من أجل قضيتهم. كانت هجمة شارون ضارية. وكنت أطل من منزلي فأرى اللهب من البر والبحر والجو. صدامات مع عرفات حكي عن صدام يومها بينك وبين ابو عمار؟ - حصلت صدامات عدة. خرجت ذات يوم غاضباً أمام الموجودين وفهم الصحافيون ان الخلاف مع ابو عمار؟ - نعم ورفضت ان ينشر التلفزيون الصورة لأنني أردت عدم تهييج المشاعر. مع ذلك قبل ان يغادر عرفات جاء ليلاً وودعني. كان يحمل تحت ابطه "عصا الماريشالية". أصر على تقبيل يد زوجتي تميمة وقال لها هذه أثمن ما عندي أقدمها لك عرفاناً بالجميل وترك معظم أغراضه عندنا. هل كانت هناك مواقف لبنانية متشنجة في الاجتماعات؟ هل كانت الحركة الوطنية صعبة في تلك المرحلة؟ - الحركة الوطنية صعبة أصلاً. وكمال جنبلاط كان صعباً. أسس الحركة الوطنية وترأسها وهذا شأنه ولكن ما شأن أبو عمار ليترأسها معه. اصطدمنا مع أبو عمار كثيراً. حركة كمال جنبلاط يجب أن تكون على مسؤوليته وأنت ما علاقتك يا أبو عمار فكيف تترأس الحركة معه؟! ذات يوم في 1982 كان هناك جمع اعتقد في هذا المنزل. تحدث أبو عمار عن خطوات تصعيدية، فقلت له الحرب تحتاج الى سلاح ومال. فرد: "المال موجود، البنك المركزي تحت حمايتي وحراستي افتحه لكم". فقلت له هذا لا يجوز يا أبو عمار فأجاب: "تردون هذه الأموال لاحقاً". طبعاً أنا لم أوافق في أي يوم من الأيام على خطوات غير واقعية، خصوصاً ان البنك المركزي مؤسسة لبنانية أساسية ولا يجوز المس بها. مقاطعة واجتماع اتخذت في بعض الأحيان مواقف متشددة، لكنك في الأزمات الكبرى كنت تبادر الى الانفتاح. ما قصة الاجتماع مع بشير الجميل بعد انتخابه رئيساً، علماً انك قاطعت تلك الانتخابات؟ - كنا نجتمع هنا أكثر من 50 شخصاً بينهم سليم الحص وشفيق الوزان ورشيد الصلح وحسين الحسيني ووليد جنبلاط ونبيه بري وجبهة المحافظة على الجنوب عبداللطيف الزين ومحمد صفي الدين واخوان لهما واتفقنا على مقاومة محاولة بشير الجميل الوصول الى الرئاسة، لكنه جاء رئيساً وفرض فرضاً. بدأ المبعوث الاميركي فيليب حبيب يبعث الي برسائل مفادها ان الرجل انتخب رئيساً فلماذا لا يكون هناك حوار معه. أبلغت المجتمعين بتفاصيل ما يقترحه حبيب فسألوني عن رأيي فيه فقلت أريد أولاً الاستماع الى رأيكم. قال فريق من الحاضرين نحن لن نقبل، وإذا اجتمعت به سنصدر بياناً موجهاً الى المواطنين. وكان من هذا الفريق سليم الحص ورشيد الصلح. فقلت لهم باننا لسنا حزباً وهذا اللقاء لا يعني تقييد تحركي السياسي. في اليوم التالي جاء وفد يمثل المعارضين قالوا قابله بتفويض منا فقلت لهم انني لست مقيداً بارادة حزبية ولا تحتاج كل خطوة مني الى تفويض. وشعرت ان الرجل بات رئيساً للجمهورية على رغم مقاومتنا له ومقاطعتنا جلسة الانتخاب. اجتمعنا أنا وبشير في القصر الجمهوري وبطلب من الرئيس سركيس مدة ساعتين ثم خرجنا للغداء وعدنا الى الاجتماع. يومها التقط التلفزيون صورة له وهو يفتح لي باب السيارة. وكنت قلت له ان التلفزيون يطاردنا. تعرف ان صورة من هذا النوع تترك انطباعاً معيناً لدى الجمهور. خلال الاجتماع تحدث بشير طويلاً وركز على ان صفحة الحرب يجب أن تطوى نهائياً. وقال: "أنا صرت رئيساً للجمهورية ولا أقبل ان أكون رئيساً للموارنة أو رئيساً للمسيحيين. مسؤولياتي تلزمني ان أكون رئيساً لكل لبنان وكل اللبنانيين وان أتعامل معهم بالتساوي بغض النظر عن الطوائف والمذاهب والمناطق". وقال انه يريد بناء دولة توفر المشاركة بين المسيحيين والمسلمين وتكون مؤسساتها قوية وتعيش في ظل نظام ديموقراطي. وحرص على القول انه لم يعد قائداً ل "القوات اللبنانية" وانه يتعهد بالتصرف كرئيس دولة من خلال المؤسسات الشرعية وبعيداً عن روح الانتقام أو الثأر، وانه يريد أن تبسط الدولة نفوذها على أراضيها. تحدثت أنا عن الأجواء التي رافقت انتخابه ومعارضتنا الصريحة له والمخاوف والهواجس التي أثارها وصوله وما يطرحه من اسئلة. بشير الجميل: بيغن هددني وماذا قال عن اسرائيل؟ - قال انه لا يريد التحالف مع اسرائيل أو انتهاج سياسة اسرائيلية، لا بل انه قال أكثر من ذلك. حكى كيف مارست اسرائيل ضغوطاً عليه. ونقل إليّ ما حدث في اجتماع نهاريا وكيف وجه مناحيم بيغن رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك اليه كلاماً قاسياً وتهديدياً. اعتبر ان مساعدة اللبنانيين له تساعده على الوقوف في وجه هذه الضغوط، وقال: "أنا أريد بلدي وأريد أن أكون رئيس جمهورية لبنان". ربما كان صدر عنه خير كثير وربما صدر شر كثير. لم يحكم لنمتحن نياته. هل اصطدمتم خلال اللقاء؟ - لا، لم يحصل أي اصطدام. وافقني على كل ما طرحته. وقال لن أفعل شيئاً الا بموافقتك، وتحدث عن التوازن والتوافق الاسلامي - المسيحي. هل طرح فكرة ابرام معاهدة سلام مع اسرائيل؟ - لا، على العكس، قال لي ان كلام بيغن كان مهيناً له لأنه رفض السير كما يريد بيغن. وبعد 48 ساعة اغتيل بشير. هل شدد في الاجتماع على وحدة لبنان واحترام مشاعر المسلمين؟ - شدد كثيرا على هذه الناحية، وقال مرات عدة انه لا يريد أن يكون رئيساً لقسم من اللبنانيين. قلت له: سأضرب لك مثلا، تأتي مئة منحة دراسية فيعطى 95 في المئة منها للمسيحيين و5 في المئة للمسلمين فرد: نعطيها مئة في المئة للمسلمين. اجبته: لا فالمطلوب هو الانصاف لتعزيز التعايش والروابط بين اللبنانيين. هل طلبت منه شيئاً محدداً يتعلق بالحكومة؟ - لا لم يصل البحث الى هذه النقطة فلا أنا طرحت ولا هو طلب. خيبة من أمين بعدها ساهمت في وصول شقيقه الرئيس أمين الجميل؟ - نعم، لأنني كنت آمل أن يكون ايجابياً ومفيداً للبلد، لكنه خيبني تماماً. أنا لا أحقد على رغم كل شيء، لكنني أقول، وبصراحة، انني لا أشعر ولو بذرة من التقدير لهذا الرجل لا بل على العكس من ذلك. اسلوبه دفعني الى مقاطعته. خلال جلسات الحوار الوطني في جنيف أو لوزان تدخل الاخ عبدالحليم خدام وزير خارجية سورية آنذاك وتمنى ان أقبل اللقاء معه فوافقت. في اللقاء قلت بصريح العبارة: منذ سنة ونصف السنة وأنا أحملك على ظهري ليس تجاه المسلمين فقط بل ايضاً تجاه المسيحيين. قل لي أي نصيحة ولو صغيرة قبلتها مني. وإذ بأمين الجميل يرد خارج الموضوع ويقول أنت تلقيت مئة مليون ليرة. وكانت وصلت قبل أيام المنحة السعودية للمقاصد. انتابني غضب شديد ورحت اسأله لماذا تفوه بهذا الكلام، وقلت له هل تريد أن تقول أمام الاخ عبدالحليم انني أتلقى أموالاً. وقلت له هذه الأموال ليست لصائب سلام بل أتت تحت ضوء الشمس وفي رابعة النهار لمؤسسة محترمة وادارتها أمينة وموثوقة. كيف تنظر الى الوضع اليوم؟ - اعتبر ان الوضع مستقر ويتجه الى المزيد وهذا هو المطلوب. علاقتنا طيبة مع سورية وضروري ان تكون طيبة لأنهما توأمان لا ينفصلان، خصوصاً أن على رأس سورية اليوم الرئيس حافظ الأسد الذي يحافظ على موقف سورية الوطني لا سيما في مفاوضات السلام. من كنت تحترم من خصومك السياسيين؟ - الذي يحترم نفسه ولا أريد أن أسمي. حصلت علاقات لاحقاً مع كميل شمعون بعد عداء طويل؟ - أنا لا أحقد. والذي جمعنا هو العميد ريمون اده. يومها اعلنت حملة عنيفة على المكتب الثاني وفؤاد شهاب ولي خطاب شهير في الكارلتون في هذا الموضوع. من من السياسيين اللبنانيين كان صياداً ماهراً؟ - كميل شمعون. وسليمان فرنجية؟ - كان صياداً، لكنه لم يشتهر بذلك اشتهر بفروسيته أي باخلاق الفروسية. من هو السياسي الذي كان صديقاً دائماً لك أو حليفاً؟ - ألا تذكر ما قاله غلادستون؟ قال: في السياسة ليس هناك صداقة دائمة أو عداوة دائمة. ظهر واضحاً انك تدعم التفاهم القائم بين الرئيسين الياس الهراوي ورفيق الحريري؟ - هذا التفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء مطلوب. هل تعتبر ان الرئيس الحريري حقق الآمال التي علقت عليه؟ - اعتقد بأن الحكم ككل حقق أشياء لا بأس بها ويسعى الى تحقيق أشياء أخرى. الحلقة الثانية الاسبوع المقبل