"القوات" تتحدى الدولة متى بدأت علاقة سركيس مع بشير الجميل وماذا كان دورك فيها؟ - القصة مع بشير الجميل طويلة، انها ترجع الى موعد دخول قوات الردع العربية الاشرفية وبيروتالشرقية بتوافق الجميع. في 1977 شعر بشير بأن دوره تراجع. حصلت حوادث مع بعض حواجز الردع وأوقف احد الضباط بشير، لكنه ترك بعد نحو ساعتين تقريباً وبدأت الاوضاع تتردّى، وبحكم دعم الدولة للردع نشأت حالة تشنج بيننا وبين بشير الجميل الذي حاول بكل الوسائل تعرية السلطة واسقاطها. كان بشير يشكّك في الصيغة اللبنانية وقدرتها على انتاج قرار مستقل، وراح يطلق النكات، الى حد انه سمى والده المرحوم بيار الجميل "الصيغة الفريدة" لأن والده كان يكثر من الحديث عن الصيغة. اعتقد بشير بأن صيغة 1943 ساقطة وكان يؤمن ايماناً كلياً بأن لبنان يحتاج الى نظام رئاسي وان عدم النضج السياسي لدى الطوائف يشلّ القرار الوطني بدل ان يساعد على اتخاذه. ربما كان على حق في بعض المسائل لكنه لم يكن يسلّم بأنه مكتوب للبنان ان يعيش وسط الاخطار وفي ما يشبه المغامرة الدائمة. لم يكن يقبل بهذا الواقع في البداية ربما بسبب قلة خبرته او لعدم النضج السياسي. فتح بشير النار على السلطة خصوصاً الجيش اللبناني الذي كان يشكّل الأمل بالنسبة الى اللبنانيين بمن فيهم المسيحيون، الامر الذي يبطل الحاجة الى أي قوى مسلحة غير شرعية. وأدى التوتر الى التخطيط لعمليات اغتيال متبادلة. لم تنفذ اغتيالات من جانبنا. ما نفّذ كان من جانبه. نحن فقط اردنا اعطاء الانطباع بأننا قادرون على الوصول اليه والى اركانه لايجاد نوع من توازن الرعب ومنعه من اضعاف معنويات الجيش. لم نسلك طريق الارهاب ولكن كان علينا ان نوهم كل الفرقاء بأن في استطاعتنا ان نفعل ما يفعلونه. مقتل النقيب سمير الاشقر وقعت بيننا وبين "القوات اللبنانية" في تلك الفترة احداث امنية عدة بينها خطف سيارات جيب واحتجاز عسكريين. وفي احدى المرات خطفوا نحو 95 ضابطاً. بعدها بدأ بعض الضباط يعمل مع بشير، ومنهم النقيب سمير الاشقر، رحمه الله. وكادت ظاهرة احمد الخطيب ان تتكرر في الجهة المقابلة. فجمع الاشقر بعض العسكريين في منطقة المتن وباشر اقامة حواجز، وخطف سيارات عسكرية وراح يظهر كأن هناك سلطة موازية في الجيش. واضطررنا آنذاك، بناء على تعليمات قائد الجيش فيكتور خوري، الى اتخاذ اجراءات صارمة لأنه لا يمكن التهاون في مثل هذه المسائل. والواقع انه كان بين ضباط المخابرات ضابطان سبق ان عملا في وحدة المغاوير التي كان الاشقر يرأسها في وقت سابق، فقررت ايفادهما لأنهما يحبان سمير الاشقر وبالتالي يمكن ان يقتنع منهما ويحضر. ذهبا على رأس قوة من المكافحة للسيطرة على موقعه. وصلوا وطوقوه ونادوه. ومن فرط حبهم له وقف احدهم مكشوفاً امامه. قالا له ان عليك ان تستسلم فهذه الظاهرة غير مقبولة. سألهما: "أنتم مع جوني عبده او معي؟". فردا: "نحن ننفذ مهمة عسكرية"، فأمر الاشقر باطلاق النار وحصل اشتباك قتل خلاله. وردّ بشير على هذه الحادثة التي وقعت في 1978. فقد كان فؤاد بطرس في طريقه الى المطار ومعه قوة مرافقة بقيادة ضابط من المكافحة اسمه قزحيا شمعون. وتعرضت القوة المرافقة لبطرس لمكمن في الاشرفية وخطف الضابط شمعون واختفى حتى الساعة. اشتدت مناخات المواجهة بيننا وبين "القوات" وشاعت مناخات الثأر الى حد ما. بدأنا نعد خططاً ضد "القوات" ولم نحرص على سريتها بغرض اخافتهم فوصلت الى بشير ومساعديه. وفي بعض الاوقات امتنع اركان "القوات" عن النوم في منازلهم بسبب حال الرعب. احتجاز حبيقة من اعتقلتم من "القوات" في تلك المرحلة؟ - رئيس جهاز الامن آنذاك ايلي حبيقة وأبقي موقوفاً لمدة 15 يوماً. هل تعرض لتعذيب؟ - أبداً كان هناك تحقيق. كيف حصل الاعتقال؟ - في شبه مكمن. أوقف على حاجز نهر الكلب ونقله الجيش الى ثكنة صربا جونية ومنها في طائرة هليكوبتر الى وزارة الدفاع. كان الغرض توجيه رسالة بأقل ضرر ممكن، لحماية الجيش. والواقع انني رحت يوماً افكر في مكتبي في ما يمكن ان نصل اليه وشعرت بأننا نتجه نحو مواجهة كالتي حصلت لاحقاً بين العماد ميشال عون و"القوات". هل وضعت، كمدير للمخابرات، خطة لاغتيال قادة "القوات"؟ - لا. لكننا لم نحرص على تبديد الانطباع لدى قادة القوات بأننا يمكن ان نستهدفهم. وحال توازن الرعب دون تنفيذهم اغتيالات ربما فكّروا في القيام بها. ولم أكن في تلك الأيام التقي بشير. كنت أعرفه قبل تسلمي مديرية المخابرات وقد ساعدته في تنظيم اجهزته، ولكن حين تسلمت بدأت الخصومة. خفت من اغراق الجيش في مواجهة دامية وفكرت في طريقة تحاشيها من دون اعطاء اي انطباع اننا تنازلنا. بعد ساعتين من التفكير رفعت الهاتف وطلبت بشير الجميل بعد قطيعة دامت نحو سنتين. وقلت له هناك عسكري موقوف لديك وأنا بعثت اليك برسالة لاخراجه. لم يفهم المسألة. قلت له في الرسالة من حقك ان تعارض الدولة سياسياً ولكن ليس من حقك ان تعارض عسكرياً وتتسبب في معركة عسكرية. كانت لدى بشير معلومات اننا نخطط لاغتيال احد مساعديه زاهي البستاني فاختار تعيين البستاني ممثلاً له للتنسيق بغرض تحاشي الصدام. وبدأنا نبحث في المشاكل ونجحنا في تجنب الاحداث. وتبين لي ان بشير صادق وهو يقاوم من اجل تصوره للبنان وهو كان صاحب ارادة وصاحب كلمة. اذا وعد التزم ونفّذ. وصرنا نلتقي في منزلي ومنزله. اذكر انه في احدى المرات - خلال مرحلة التوتر مع "القوات"، ولم أكن في تلك الفترة اذهب الى المنطقة الشرقية بسبب محاولات الاغتيال - اتصل بي قائد الجيش وقال لي انا موجود هنا في غزير في منطقة كسروان مع النائب جورج سعادة وبشير الجميل وسيمون الخازن من حزب الكتائب وأريدك ان تأتي. تساءلت ماذا يريد قائد الجيش وهل الغرض ان يظهر امام بشير ان الشخص الذي يقلق "القوات" يتلقى الاوامر منه. بعدها اتصلت بقائد الجيش، وقلت له انني آت. ذهبت فقط مع السائق وفوجئ بشير بحضوري من دون مرافقة. كان الجو يختصر بدعوتنا، انا وبشير، الى المصالحة في ما بيننا. قلت: "انا لا اريد ان اصالح احداً. على ماذا يمكن ان نتفق؟ انا ضد شغله وهو ضد شغلي". قال بشير: "ما فينا ننسق بالسر؟" فأجبت: "ليش عندكم اسرار؟ اذا كانت علاقتك مع اسرائيل مش سر بدا تكون علاقتك معي سر. احسن تنسيق هو ان تفعل أنت ما تعتقده مقاومة ونفعل نحن ما نريد. أنت مهتم بأن تكون زعيماً مسيحياً ونحن لا علاقة لنا بهذا الموضوع. نحن نعمل في المخابرات وعلاقتنا بقيادة الجيش والسلطة السياسية. انا لا اقول ان خطنا هو الصحيح مئة في المئة. ربما هناك حسابات غير دقيقة. لكن أنت من جانبك يجب أن تعترف بأن خطك ليس صحيحاً مئة في المئة ايضاً. اذا كان هناك ما يمكن الاتفاق عليه فهو ابقاء الامور في اطارها السياسي". قال بشير: "الامن العام لا يفعل اي شيء" فأجبته: "مع اننا ارسلنا له ضابطاً مهماً هو نعيم فرح". فقال: "كيف كانوا يسمون هذا على أيام المكتب الثاني هتلر البقاع؟ لا هتلر ولا شيء"! فأجبت: "عندك مسؤول عن الشرطة اسمه ديب انستاز. يوم كان العقيد غابي لحود موجوداً كان نعيم فرح هتلر البقاع. اذا غبت انت غداً ماذا سيفعل ديب انستاز مسؤول الشرطة في القوات"؟ سركيس وبشير استمرت الاتصالات وحصل بعض المتاعب في 1980 لكننا امضينا سنة 1981 في تفاهم. كان همّي ألا تستدرج الدولة الى مواجهة غير مفيدة وغير محسوبة. والواقع ان هذه الاتصالات مكّنتنا من معرفة ماذا يجري فعلاً في بيروتالشرقية ووضع كل المعلومات في تصرف السلطة ونجحنا في تحييد بشير الجميل كخصم هاجسه اضعاف الدولة. كان الياس سركيس معارضاً لنهج بشير خصوصاً اننا كنا نزوده معلومات عما يفعله. وفي ضوء هذه المعلومات كان سركيس يعاتب بيار الجميل الذي كان يصطحب احياناً بشير معه الى القصر بغرض اقناع سركيس بأن المعلومات التي تصله غير صحيحة. والحقيقة اننا نجحنا في منع مغامرات عدة قبل وقوعها. ففي بعض الفترات كان هناك في "القوات" من يعتقد بأنه يجب ازاحة الدولة من المنطقة الشرقية واحتلال القصر الجمهوري وتولي السلطة مباشرة. علاقتي مع بشير ساهمت في اضعاف هذا التيار داخل "القوات" تماماً كما ساهم سركيس في تنبيه بشير الى اهمية الشرعية وبقاء مؤسسات الدولة. كيف تغيرت علاقة سركيس مع بشير؟ - مرت العلاقة بينهما بمراحل عدة فهي اتسمت في البداية بنوع من العداء، ثم انتقلت الى نوع من التفاهم وبعدها الى الاعجاب. وفي هذه المرحلة تغيّر بشير وتغيّرت نظرته وصار اكثر قدرة على ادراك تعقيدات التركيبة اللبنانية وتوازناتها، وأدرك حرص سركيس على الوطن والدولة وسمعته يقول له بعد الانتخاب: "يا فخامة الرئيس انا شاب عمري 34 سنة لا يزال لديّ دم الشباب وحماسته. لي عندك رجاء وطلب وهو ان تفيدني من خبرتك. فبعد تسلمي مسؤولياتي واذا شعرت بأنني أتهور بفعل حماسة الشباب أتمنى ان تنبهني وتنصحني". من طلب من الياس سركيس الموافقة على تمديد ولايته سنتين؟ - كان هناك طلب غربي نقله كلود شيسون وزير الخارجية الفرنسي السابق وذلك بعد اغتيال بشير. قبل انتخاب بشير كان هناك كلام من هذا النوع، لكن الطلب الرسمي جاء بعد اغتيال بشير. وكان سركيس قاطعاً في رفضه. كانت الرئاسة بالنسبة اليه عذاباً يومياً وضاعفت الآلام الناتجة من مرضه. وكان يريد اعطاء الفرصة لشخص آخر. لم يكن من الذين يعشقون السلطة خصوصاً منذ تلك الأيام التي تعذّر فيها عليه ان يعيد السلام الى لبنان. لهذا كان يردّ دائماً: اذهبوا وانتخبوا رئيساً للجمهورية. "رهان ضد التقسيم" ألم تشعروا آنذاك بخطورة انتخاب شخص كبشير الجميل خصوصاً ان المعادلة اللبنانية لا تقرّ بتسليم المواقع الاولى للصقور؟ - على العكس، كنا نشعر بأن وصول بشير الجميل كان مغامرة تستحق ان تخاض. وكان لدينا شعور بأنه قادر على تخليص لبنان من محنته. كانت مغامرة مهمة جداً. وكنا نعتقد بأن وصوله يوجّه ضربة قاصمة الى اي تفكير في تقسيم لبنان. على هذا الأساس دعم سركيس وصول بشير. كان يعرف، في ظل ميزان القوى آنذاك، ان اي رئيس آخر لن يستطيع ان يحكم وان بشير قد يسلك طريق التطرف لاسقاط هذا الرئيس فضلاً عن ان بشير كان حسم خياره باتجاه وحدة لبنان. نضج بشير بسرعة وكان يمكنه آنذاك ان يعبّر عن قرار لبناني بدل ان يظل القرار ضائعاً. ربما كانت هناك ملاحظات على الاسلوب لكن بشير الذي انتخب رئيساً كان بشير الذي ادرك طبيعة التركيبة اللبنانية وتخلى تماماً عن الافكار الانقلابية او عقلية الميليشيات. من لعب دوراً في وصول بشير الجميل؟ - في انتخابات الرئاسة لا ضرورة لأن تقول اميركا مثلاً انها تريد فلانا من الناس، يكفي الوحي. فيليب حبيب لم يتحدث الى أي نائب. قبل ذلك، كان سركيس مهتماً بابعاد بشير عن اسرائيل. وبعدما فكّرنا في الأمر لم نجد افضل من أن ينتقل بشير الى الرهان على اميركا. وعندما زار اميركا وصارت له صلات فيها شعر بأنه يستطيع على الاقل الاعتماد بنسبة ما على قوة عظمى ولم يكن الاسرائيليون مرتاحين الى هذا الشعور. وذات يوم قال سركيس للسفير الاميركي روبرت ديلون يجب ان تتحدث مع بشير في موضوع اسرائيل وجوني يرتّب اللقاء. التقينا مع بشير وقال له ديلون بالحرف الواحد: "انت ماذا تستطيع ان تعطي لاسرائيل؟ هل تستطيع ان تعطيها بقدر ما تعطيها اميركا؟ نحن نعطي الاسرائيليين اكثر من 99 في المئة فيعاتبوننا على الباقي". هل كان فؤاد بطرس معارضاً لوصول بشير؟ - في البداية لم يكن يصدق ربما بسبب الانطباع السابق عن بشير. والواقع ان بشير نضج سريعاً وهذا ليس رأيي وحدي، بل رأي كثيرين رصدوا مواقفه في الفترة الفاصلة بين انتخابه واغتياله. "سأتوجه الى دمشق" أريد أن اعود الى السؤال، من لعب دوراً أساسياً في وصول بشير؟ - كثيرون. سركيس لعب دوراً وأنا ايضاً وفيليب حبيب ربما من دون ان يدري. طلبنا من حبيب ان يسأل الرئيس صائب سلام ووليد جنبلاط عن مآخذهما على بشير الجميل. وكان مجرد السؤال سيخلّف في الاوساط النيابية انطباعاً بأن الولاياتالمتحدة لا تعارض على الاقل وصول بشير. الرئيس صائب سلام ادرك القصة بحكم خبرته الطويلة. اما الوزير جنبلاط فلم ينتبه. الرئيس سلام تحدث لحبيب عن اعتراضاته على بشير وحين خرج سأله الصحافيون هل تطرّق الحديث الى موضوع ترشيح بشير فنفى. في المقابل خرج جنبلاط وقال: "ضبوا غراضكم جايي بشير الجميل". ساهم كلام وليد في تعميم المسألة على النواب. هل كانت هناك اتصالات مع سورية؟ وهل كان مقبولاً وصول رئيس معاد لها؟ - بشير الجميل لم يكن معادياً لسورية. وهو قال خلال محاصرة الاسرائيليين بيروت "سأركب في طائرة هليكوبتر وأتوجه الى دمشق للقاء الرئيس حافظ الأسد حتى ولو لم يرد مقابلتي". كان يعرف اهمية العلاقة مع سورية، وكنا نعتقد بأنه قوي داخلياً الى درجة تسمح له بالدخول في تسوية داخلية وفي علاقة طيبة مع سورية، وأن يوفر الغطاء لمثل ذلك في الشارع الذي ينتمي اليه اصلاً. وهذا ما زلنا نبحث عنه حتى اليوم. "حكومة الفواتير" ما هي الحكومة التي كان بشير سيشكلها والى من كان سيسند المناصب الرئيسية؟ - لم يتقرر شيء نهائي، لكنه كان يفكر في صوت عال. كان يتحدث بنوع من القرف عن تشكيلة الحكومة الاولى التي سماها "حكومة الفواتير". وكان يقصد ان كل رجل سياسي مضطر الى دفع بعض الفواتير. وتوقع ان تستمر الحكومة ستة اشهر وكان ينوي اشراك شقيقه أمين فيها. والمقصود بالفواتير تنفيذ وعود قطعها قبل الانتخابات الرئاسية. كان الاسم الموجود لديه لرئاسة الحكومة هو سليمان العلي. واقتنع منا بأن العلي لن يتمكن من الانطلاق بالحكومة فقال: "هذا الرجل وعدته وانا لا اتراجع عن وعدي. اذا كنتم ترون ذلك غير مناسب فلا بد من ان يقول هو انه لا يريد اذا اقنعتموه. هو يحلني من وعدي والا سأنفّذه. انا اعتقد بأنه كان يتمنى ان يتولى الرئيس سلام رئاسة الحكومة. والتقى بشير الرئيس سلام بعد الانتخاب. ويقول سلام عن اللقاء بعد وفاة بشير: "كان ممكنا ان يصدر عنه في رئاسة الجمهورية كل الخير كما ان يصدر عنه كل الشر". انا شخصياً اميل الى الاعتقاد بأنه كان سيطلع منه كل الخير. عون قائداً للجيش بمن فكر قائداً للجيش؟ - بميشال عون. وكانت بينهما علاقة ولقاءات. وانت ماذا طلب منك؟ - قال لي أريدك قائداً للجيش. فاستغربت وقلت له انا منذ ست سنوات اعمل في السياسة والحوار. انت لا تحتاج الى قائد جيش محاور، تحتاج الى عسكري محض. بعدها عرض عليّ ان أكون مديراً للأمن العام ووافقت، لانه كان ينوي حصر عمل مديرية المخابرات في الشؤون العسكرية. وكان سيقترح على وليد جنبلاط ونبيه بري المشاركة في الحكومة. "مناورة" الهراوي الرئيس الهراوي اقترع لبشير الجميل وثمة من يقول انه لعب دوراً في توفير النصاب اللازم لانعقاد الجلسة فما هو رأيك؟ - كان هناك ثلاثة نواب منهم فؤاد الطحيني وسالم عبدالنور قالوا انهم لن يحضروا الى مقر الانتخاب الاّ اذا تأكد حضور 58 نائباً وبالتالي فان مشاركتهم ستوفر النصاب القانوني وكانوا في انتظار خبر من النائب الهراوي الذي كان في القاعة. يومها اخذ الهراوي جهاز اتصال وتحدثت اليه وقلت له: ناورت مناورة طويلة عريضة لانقاذ زحلة فهل تستطيع اليوم تقديم مناورة اخرى لانقاذ لبنان. قل لهم ان العدد صار 58. فاتصل بهم وجاؤوا خصوصاً ان احدهم كان اشترط ان يكون الصوت ال 61. الحقيقة هنا ان الرئيس كامل الاسعد لعب دوراً كبيراً اذ انتظر اكثر من ساعتين لاكتمال النصاب وهذا كثير. هل كان بشير ينوي توزير أحد مسؤولي "القوات"؟ - لا. فكّر لبعض الوقت في المجيء بكريم بقرادوني لكنني اعتقد ان المسألة كانت متعثرة داخل العائلة الكتائبية. ماذا قال لك بشير عن اجتماع نهاريا مع مناحيم بيغن رئيس الوزراء الاسرائيلي؟ - أطلعني على ما دار في اجتماع نهاريا لكن ما استوقفني هو ان بشير غضب خلال الاجتماع وقال لبيغن: "اذا كنت تعتقد بأننا فعلنا كل الذي فعلناه كي نختار من سيضع يده على لبنان، انتم ام سورية، فأنت مخطئ تماماً. نحن لم نقاوم لنقبل بوضع اليد على لبنان". خلال هذا الاجتماع، رفض بشير توقيع معاهدة سلام. وأذكر انني قلت له بعد ذلك: حتى ولو كنت تريد قول ذلك لبيغن كان من الافضل ان تقوله في صورة اخرى. وماذا كان ينوي ان يفعل بالعلاقات مع سورية؟ - كان ينوي الذهاب الى دمشق في طائرة هليكوبتر. وقد سألني هل انا مستعد للذهاب معه فرددت بالايجاب. كان ينوي الذهاب الى مطار دمشق ويطلب من هناك مقابلة الرئيس الاسد. وكان يعتقد بأن القيادة السورية تملك من الذكاء والحكمة ما يدفعها الى الحوار والتفاهم. هل كان سركيس مطلعاً على هذا الامر؟ - لا اعرف هل كان مطلعاً على تفاصيله أم لا، لكن سركيس كان مهتماً دائماً بتبديد الخلاف بين القيادات المسيحية ودمشق. وكان يعتقد بأن شخصاً مثل بشير يمتلك قاعدة في الشارع المسيحي يستطيع توفير التغطية لاتفاق مع سورية. يقولون ان بيغن اهان بشير في نهاريا؟ - ربما كان هناك نوع من التهكم رداً على عدم استعداد بشير للرضوخ لمطالب بيغن، ولهذا السبب ضرب بشير الباب ومشى. انتهى الاجتماع في اجواء متوترة وأرسل الاسرائيليون لاحقاً وفداً لاسترضاء بشير لكنه رفض استقبال الوفد، حسب معلوماتي. والاجتماع الذي عقده بعد انتخابه مع وزير الدفاع الاميركي آنذاك كسبار واينبرغر؟ - كان بشير يعتقد بأن لبنان يحتاج الى جيش قوي لحماية القرار اللبناني واستقلاليته ولهذا تحدث مع واينبرغر في مشروع تقوية الجيش اللبناني ووعده واينبرغر بالدرس. بشير وصائب سلام واجتماعه مع الرئيس صائب سلام؟ - أطلعه على اجواء اجتماع نهاريا، وزارني في منزلي وبدا مرتاحاً. قال انه اقترح على الرئيس سلام ان يختار المسلمون الوفد الذي سيفاوض اسرائيل ويتعهد هو في المقابل ألا يقبل الاّ بما يقبل به الوفد. وفي المقابل يفاوض بشير سورية ويتعهد المسلمون بقبول ما يقبل هو به. من كان بشير يحب من السياسيين؟ - لم يكن يحب السياسيين التقليديين لأنه كان يعتبرهم مسؤولين عن ايصال البلد الى ما وصل اليه. كان يحترم كميل شمعون، أو الأصح انه كان يراعيه. ذات مرة قالوا له ان كميل شمعون يشتمك فرد "يحق له والله، فما فعلناه معه لا يحتمل". كان بشير يبدو في احيان كثيرة كأنه يرغب في ان تكون لدى والده الشيخ بيار الجميل الآراء التي كانت لدى كميل شمعون. ماذا جرى في اجتماع بشير مع الوزراء العرب في الطائف؟ - عرضوا عليه القبول بحد من الوجود الفلسطيني فرد انه مستعد للقبول بمعاملة الفلسطينيين في لبنان على غرار ما يعاملون في البلدان العربية الاخرى. وقد جرت محاولات عدة لاقناعه بابقاء ثكنهم. وهو في الواقع لم يغلق الباب تماماً. نصيحة امنية ماذا كانت نصيحتك له في ما يتعلق بأمنه؟ - نصحه الرئيس سركيس مرات عدة ونصحته مرات عدة بأن تنقلاته لم تعد جائزة بعد انتخابه رئيساً. كان بشير يؤمن بالقضاء والقدر وذات يوم كان منهكاً وقلت له انت مستهدف ولا يجوز ان تستمر في القفز من مكان الى آخر فأجاب: "القصة كلها قضاء وقدر. انا اعتقادي ان الله سيخلص لبنان وبالتالي فلا خطر عليّ". ذكرته بما اقترحه عليه سركيس وهو ان يعقد لقاءاته في القصر وقلت له "انك لا تزال تعقد اجتماعات حزبية ولم يعد يحق لك ذلك. يجب ان تكون فوق الاحزاب وان لا تحتكّ بالعالم بهذه الطريقة لأسباب امنية". فرد جوزف ابو خليل: "دخيلك ما تغيرو العالم بيحبوه هيك. خليّه مثل ما هوي". لم يقتل بشير لأنه انتخب رئيساً للجمهورية، التخطيط لاغتياله سابق كثيراً للانتخاب. ربما سرع الانتخاب في التنفيذ. كان يفترض مبدئياً ألا يذهب الى بيت الكتائب في الاشرفية بعد انتخابه، ولو لم يذهب لربما لم يكن المخطط بكامله سينفذ. لماذا لم يحاكم حبيب الشرتوني قاتل بشير؟ - هذا السؤال يوجّّه الى الرئيس امين الجميل. من ابلغ سركيس بمقتل بشير الجميل؟ - انا ابلغته بوقوع حادث التفجير. وأعترف هنا بأنني اخطأت في التقدير هل قتل أم لا. لعبت العاطفة دورها فما جمعته من المعلومات كان يثبت انه لا يزال حياً. كانت لدينا نقطة جيش عند المرفأ. سألتهم هل جاءت طائرة هليكوبتر ونقلت جريحاً فقالوا نعم. وكان الناس في مكان الحادث غلبوا عاطفتهم ايضاً وقالوا انهم رأوه خارجاً بعد الانفجار. وحين تأكد سركيس من مقتل بشير ضرب اخماساً بأسداس وكان همه التأكد من انتخاب رئيس. ذهبنا للتعزية ببشير مع سركيس وسمعنا كلام لوم من المقاتلين. بشير ينقذ عرفات اغتيل بشير وحصلت مجازر صبرا وشاتيلا؟ - نعم، وقد دسّ الاسرائيليون برقية مفادها ان منظمة التحرير هي التي تخطط لاغتيال بشير. والواقع ان بشير كان رفض مرات عدة اي مشاركة عسكرية الى جانب الاسرائيليين. وهناك مسألة تستحق الاشارة اليها: خلال مشاركة بشير في هيئة الانقاذ الوطني طرحت فكرة عقد اجتماع بين بشير وأبو عمار. تحدث الرئيس الوزان مع أبو عمار واتفق على عقد الاجتماع في مكان عند خطوط التماس على طريق الشام. في اليوم المحدد راح الرئيس سركيس يطلب بشير للتأكد من ان الاجتماع سيعقد، وكان الرد دائماً انه ليس على السمع. اتصل بي الرئيس سركيس وقال لي: "الموعد بعد ساعة ولم اعثر على بشير". اتصلت ببشير على الفور فرد وقال لي: "لن احضر الى الاجتماع وحاول جهدك ان تفرطه وسأطلعك لاحقاً على السبب". فرطنا الاجتماع وذهبت بعد الظهر والتقيت بشير فقال لي: "عرف الاسرائيليون مكان الاجتماع وكانوا ينوون قتل أبو عمار. انا لا اقبل بأن يقتل أبو عمار عن يدي أو ان اظهر كأن لي علاقة بذلك"...