في الجزء الثاني من حواره مع "الوسط" يتحدث العميد ريمون اده عن علاقاته برؤساء الجمهورية والحكومة وعن قيام "الحلف الثلاثي" في 1968. وهنا نص الحلقة الثانية والأخيرة: كيف كانت علاقاتك مع كميل شمعون؟ - تعرفت الى كميل شمعون باكراً وأحببته وكنت في تلك الأيام صغيراً. تدرب كميل شمعون على ممارسة المحاماة في مكتب والدي إميل إده. كان يصطحبني معه الى الصيد. والحقيقة انه كان صياداً ماهراً. رحلات الصيد كانت في جبيل ثم في البقاع وبعده في سورية. في 1943 كان والدي يفضل شمعون على بشارة الخوري لرئاسة الجمهورية. انتخب والدي رئيساً للجمهورية 1936 - 1941 وفاز بصوت واحد في المجلس الذي كان مؤلفاً من 25 نائباً. غالبية الناس قالت انه كان صوت كميل شمعون. تعاونا من اجل اسقاط بشارة الخوري في اطار الجبهة الاشتراكية الوطنية التي جمعت كميل شمعون وكمال جنبلاط وأنا وانضم الينا عبدالحميد كرامي. اقفلت بيروت لمدة ثلاثة أيام وسقط بشارة الخوري. كانت العلاقة مليحة مع كميل شمعون لكنني كنت حذراً. شمعون سياسي يملك قدرة على المناورة وكان لا بد من قدر من الحذر في التعامل معه. لدى خوضه انتخابات الرئاسة أيده حزبي الكتلة الوطنية اللبنانية واقترع شقيقي بيار له. أما أنا فكان بشارة الخوري قد اسقطني في انتخابات جبيل 1952. كميل شمعون وكمال جنبلاط مشيا معنا انا وشقيقي في جنازة والدي وكنا يومها في شبه عزلة. تولى شمعون الرئاسة فخلا مقعده النيابي في الشوف وكان بديهياً ان يؤيد جورج عقل أمين سر الكتلة الوطنية. من اجل ارضاء كمال جنبلاط جاء شمعون بإيلي مكرزل فاختلفنا. طبعاً ان محاولته اسقاط بعض الاقطاب لشعوره انهم لا يمكن ان يوافقوا على التجديد له كانت خطأ كبيراً. كان كميل شمعون سياسياً محترفاً وصاحب أعصاب قوية ويعرف كيف يواجه الخسارة أو الضغوط. وكان له حلفاء من الطوائف الاخرى. طبعاً في السبعينات لم أوافق على سياسته. في موضوع اسرائيل لم يكن ممكناً ان نتفق. هل كنت تغار من شعبية كميل شمعون؟ - انا لا أرى سبباً للغيرة. لبنان لا يقوم اصلاً على فكرة الزعيم الوحيد. وأحب ان أذكر هنا ان شمعون وزوجته زلفا كانا أفضل "كوبل" رئاسي. حين ذهب الى البرازيل وبريطانيا وغيرهما كنا نفتخر بأنه يمثل لبنان. أبرز حروبك كانت مع الشهابية، ما هي قصة العلاقة مع فؤاد شهاب؟ - لم تكن المشكلة مع شخص فؤاد شهاب فهو نزيه لكن غلطته الأولى كانت رفضه أي مسّ بالمكتب الثاني، وميله الى الاستماع الى ما يقولونه. لولا هذه النقطة لكان عهده ربما من افضل العهود. لم يحاول فؤاد شهاب الدخول في صفقات مالية ولم يتهم بسرقة أموال الدولة. أقول ذلك لأن الانصاف واجب على السياسي حين يتحدث. أولا انا اعتقد بأن المكتب الثاني لعب دوراً في اثارة احداث 1958 وفي اطالة امدها وانه كان يحصل على أسلحة من عبدالحميد السراج وكان الهدف ايصال فؤاد شهاب قائد الجيش آنذاك الى رئاسة الجمهورية، وأيّدته مصر وفرنسا، وهو كان متزوجاً من سيدة فرنسية ثم ان الاسطول السادس الاميركي كان منتشراً في شواطئ لبنان. الاميركيون يحبون الديموقراطية في بلادهم أما في الخارج، وعلى الأقل في تلك الأيام، فقد كانوا يحبون العسكر. ترشحت في انتخابات الرئاسة ضد شهاب ولم يستطع الحصول على اكثرية الثلثين الضرورية للفوز في الدورة الأولى وحصلت دورة ثانية وانتخب. بعد فوزه ألقيت كلمة قلت فيها انني ترشحت حفاظاً على النظام اللبناني الديموقراطي ولئلا يقال ان مدفعية الاسطول السادس هي التي عينت رئيس الجمهورية اللبنانية. قصة الحكومة الرباعية لكنك شاركت في الحكومة الرباعية الشهيرة؟ - نعم. سأروي لك كيف. ألّف فؤاد شهاب بعد فوزه الحكومة الأولى برئاسة رشيد كرامي وضمت 12 وزيراً. ولم تعش سوى بضعة أيام. كان وزير الداخلية فيها يوسف السودا وهو محام لامع خصوصاً في الجنايات. حظ يوسف السودا سيء فهو ماروني من بلدة بكفيا ولم يقبل آل الجميل بتوزير ماروني من بلدتهم. قبلوا لاحقاً بتوزير روجيه شيخاني لأنه كاثوليكي. في اليوم الثاني على تعيينه وزيراً استيقظ السودا على أصوات ندب فخرج الى الشرفة واذا به يرى نحو 50 ولداً من حزب الكتائب يحملون نعشاً كتب عليه يوسف السودا. هذا ما رواه لي فؤاد شهاب الذي قال ان السودا توجه فوراً الى منزله وقال له: "جئت لأستقيل. قال له شهاب: أريد ان أذكرك بأنك وزير للداخلية وسيضحك الناس لو عرفوا القصة. تستطيع ان تطلب قوة من الدرك وإذا لم تستطع القيام بالمهمة ضد هؤلاء الأولاد نرسل لك قوة من الجيش. هدأت اعصاب السودا واستقل سيارته ذات اللوحة الحكومية الزرقاء وصعد الى منزله في بكفيا وتغدى ونام. عندما استيقظ طلب من زوجته مناداة السائق لاعداد السيارة للقيام بنزهة. وكان رد السائق ان "الارذال الكتائب رموا السيارة في الوادي وراحت الف شقفة". انفعل السودا واتصل بشهاب وقال له: "في هذا الصباح كنا بالتابوت والآن توفيت سيارتي ولا اعرف اذا كانت الدولة ستعوض عليّ. على كل حال انا استقلت، استقلت، استقلت". بعدها اتصل بي فيليب تقلا وزير الخارجية وقال ان الرئيس شهاب كلفه الاتصال وانه يريد ان يراني. بعد ساعة ذهبت الى مقره في صربا. دخلت فرأيت كل الوزراء وكان الأمير مجيد ارسلان متجهماً. لم أكن أعرف شهاب جيدا وأعتقد بأنها المرة الرابعة التي كنت التقيه فيها. قلت له أنت تريد رشيد كرامي رئيساً للوزارة فلماذا لا تختار صائب سلام فأجاب: "بيزعجني، يجيء مع القرنفلة ويضع رجلاً على رجل ويدخن سيجاره الطويل وينفخ الدخان في وجهي. انا متفق مع رشيد كرامي. أسلمه طرابلس ويفعل ما يراه مناسباً وخارجها يتشاور مع مجلس الوزراء". بدا واضحاً انه متمسك بكرامي وان القصة ليست قصة دخان فهو كان مدخناً. بقيت في القصر حتى الثالثة صباحاً. طلب مراراً ان يراني وسألني هل وجدت حلاً؟ فأجبته أنت بمن تتمسك؟ فقال: برشيد كرامي وفيليب تقلا. بعد نصف ساعة نادوني وقال: طلع معك شي؟ فأجبت: سأقول لك لماذا سقطت الحكومة الأولى، لقد جئت بالمتراس الاسلامي رشيد كرامي ولم تمثل المتراس المسيحي في ثورة 1958 وإذا رغبت في تمثيله فليس هناك الا بيار الجميل رئيس حزب الكتائب. نظر شهاب اليّ باستغراب وقال: أنت تطلب اذاً إشراك بطرس الاكبر بيار الجميل. اجبت: أنا أفعل ذلك لأقول انني لا أقدم مصلحتي الشخصية على مصلحة البلاد ثم أنني أرى ان مصلحة عهدك في بداياته تقتضي ذلك واقترح أيضاً الحاج حسين العويني. شعرت بأن الاقتراح وجد صدى لدى شهاب فسألته ما هي أصعب وزارة في رأيك فأجاب: الداخلية. وقال: هل تقبل بأن تكون وزيراً؟ فأجبت نعم شرط ان تكون حقيبتي الداخلية. اقترحت ان تكون الحكومة رباعية لاحداث صدمة نفسية وأشرت الى ان فيليب تقلا سيخرج من تلقاء نفسه لمجرد معرفته بانني سأشارك في الحكومة. سأل شهاب عن موقف صبري حمادة فتعهدت ان أتولى اقناعه. في الثانية والنصف فجراً ايقظت الرئيس حمادة فسأل ما القصة فقلت له هناك سؤال: ماذا تفضل ان تكون وزيراً أم رئيساً لمجلس النواب؟ وأوضحت له أن الحكومة المقترحة رباعية وستضم اثنين من السنة واثنين من الموارنة وكررت له السؤال. بعد نصف ساعة قال انه يفضل ان يكون رئيساً للمجلس، وهو منصب للشيعة، لكنه أضاف: انت تقترع ضدي فقلت له سننتخبك وتحدث الى شهاب. بيار الجميل كان في بيت الكتائب. اتصلت به وقلت له هناك مشروع لحكومة رباعية تضم كرامي والعويني وأنا وأنت. قال: اعطني خمس دقائق. بعد ثلاث دقائق فقط اتصل وأعلن موافقته وبعد نصف ساعة وصل مع جوزف شادر. قبل ذلك قلت لشهاب انني أريد وزارة الدفاع أيضاً لأنني قد احتاج الى الجيش فالبلد خارج من ثورة وقد لا تكفي قوة الدرك للامساك بالشارع فقال مازحاً: اذا اعطيناك الجيش فمن يضمن انك لن تقوم بانقلاب عليّ، وزارة الدفاع سنعطيها للحاج حسين العويني. وهكذا ولدت الحكومة الرباعية. لم يدم شهر العسل مع شهاب طويلاً؟ - بعد تشكيل الحكومة الرباعية سألني شهاب كيف سنبدأ العمل فقلت له يجب ان نصدر مراسيم اشتراعية. لم يعرف ما هو المقصود لأنه عسكري. شرحت له الموضوع وحصلنا على صلاحيات استثنائية وبدأنا بتنظيم الدولة. طرحت مشروع قانون اعدام القاتل. وشرحت المشروع في مجلس النواب وقلت انا أفكر في الضحية قبل المجرم وأوردت الحجج وكان قانون العفو قد مرّ بالاكثرية. الغيت في المشروع الاسباب التخفيفية لكنني ابقيت الاعذار المحلة مثل الدفاع عن النفس وجريمة الشرف. وبفضل قانون الاعدام الذي طلبت فور صدوره بلصق نصه في مراكز البلديات والمختارين لاحداث صدمة نفسية، هدأت الامور. الرئيس شارل حلو الغى قانون الاعدام الذي اقترحته انا لكن الرئيس رفيق الحريري أعاده. بعد جلسة مجلس الوزراء كان شهاب يستبقيني ونتحدث عن المسائل المطروحة. ذات يوم، بعد الوحدة المصرية - السورية، قال لي "طالبين مني ان زور عبدالناصر شو رأيك ان أزوره في الشام". قلت له دعني افكر. زرته في اليوم التالي وقلت له: "حين انتخبت رئيساً هنأك ببرقية وتستطيع انت اليوم ان ترسل برقية. عسكرياً انت جنرال وهو بكباشي". استمع شهاب ولم يقل لي من طلب منه ان يزور عبدالناصر. شعرت بأنه يريد لقاء عبدالناصر فاقترحت عليه ان يعقد اللقاء في الشريط المحايد عند الحدود اللبنانية - السورية وان يطلب من الجيش نصب خيمة هناك وان تراعى كل الاصول التي تحترم لدى لقاء بين رئيسي دولتين مستقلتين. ابقينا الامر سراً وجرت اتصالات بين انطون سعد رئيس المكتب الثاني والسراج. بعدها بنحو 5 أيام أبلغ مجلس الوزراء وقال ان الوفد المرافق له سيضم رشيد كرامي وحسين العويني. بعد الجلسة قلت له كيف لا تأخذني معك فقال لا أستطيع بسبب عدم وجود وزير للداخلية في الجهة المقابلة فأجبته ان السراج نائب لرئيس الوزراء ووزير للداخلية فراح يقدم اعذاراً. في اثناء ذلك بدأت تدخلات المكتب الثاني وحاول انطون سعد ان يتصرف كأنه وزير للداخلية. ذات يوم أرسل وراء فيليب خير وقال له: "يا ... أنت تلقي قصيدة ضد فؤاد شهاب عند كميل شمعون". ضربه فيليب خير لكن العسكر أوسعوه ضرباً ورموه قرب فرن الشباك ولحسن حظه عثر عليه احد المارة. كنت في مجلس الوزراء وجاء شقيق فيليب خير باكياً وأخبرني انهم نقلوا شقيقه الى منزلي وانه في وضع صعب. همست في اذن شهاب وتركت الجلسة وذهبت الى منزلي. عدت ليلاً وقلت لفؤاد شهاب: أنا آت لتقديم استقالتي. انطون سعد يريد زرع الخلاف بيننا وهذا سينزع سمعة عهدك. فقال انه يمكن اتخاذ اجراء مسلكي ضد انطون سعد لمدة ستين يوماً. بعدها أصرّ شهاب عليّ للذهاب الى حفلة يقيمها السفير البريطاني. صافحت السفير وإذا بي أرى انطون سعد بلباسه العسكري، سألته ماذا تفعل هنا فأجاب: انا مكلف بمهمة. عدت الى البيت وقلت لشهاب هل أنت على علم بذلك فقال انه حتى ولو كان هناك اجراء مسلكي يمكن تكليف الضابط بمهمة فقلت له افهم ان يرسل في مهمة الى جرود الهرمل ولكن ليس الى حفلة السفارة فاتصل بقائد الجيش آنذاك عادل شهاب وتحدث معه بخصوص انطون سعد. قال لي شهاب انت عنيد فقلت له نعم. بعد مقتل نعيم مغبغب كان لا بد من اجراء انتخابات لملء المقعد الذي خلا بغيابه في منطقة الشوف 1959. شددت امام فؤاد شهاب على اجراء انتخابات نزيهة واتخذنا الاجراءات اللازمة. ممارسات القائمقام دفعتني الى كف يده. لكن الجيش منع دخول الصحف التي نشرت الخبر الى المنطقة وحدثت تدخلات وهكذا استقلت من الحكومة الرباعية. لولا انطون سعد لكانت احسن حكومة. هناك من يقول ان شهاب كان طائفياً؟ - لم اشعر بذلك ابداً. كان يهتم بالمناطق ويحرص على مراعاة المسلمين وأقام علاقة قوية مع رشيد كرامي. شهاب كان نزيهاً والمصيبة جاءت من المكتب الثاني ومن رفضه وضع حدود له. والرئيس شارل حلو؟ - أنا لم أر بين رجال السياسة في لبنان من يوازي شارل حلو في ثقافته. انه صاحب ثقافة واسعة. مشكلته في نقص الشجاعة لديه. كان المكتب الثاني يريد عهده مجرد استمرار لعهد فؤاد شهاب اي ان يحكم من ورائه. حلو لا يحب الحسم والمواقف المكلفة والسياسة تحتاج الى هذا النوع من المواقف. ذاكرته قوية الا حين يريد ان ينسى. لا صحة لما يتردد عن انه شجع قيام الحلف الثلاثي. لم يأخذ احد رأيه قبل قيام الحلف. سليمان فرنجية رئيساً كيف جاء سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية في 1970؟ - انتهت ولاية شارل حلو وكان الهم الاول انهاء حكم الاجهزة وتدخل العسكر في السياسة. سبقت ذلك انتخابات 1968 والنجاح الذي حققه الحلف الثلاثي الذي ضمني مع كميل شمعون وبيار الجميل. طبعاً حلم الرئاسة راود كميل شمعون مجدداً لكن مروره كان مستحيلاً والامر نفسه بالنسبة الى بيار الجميل. كان يفترض بهما ان يدعماني لكن ذلك لم يكن وارداً بالنسبة اليهما لأنني ماروني من جبل لبنان ورئيس حزب. طبعاً كانت المعركة دقيقة من حيث الاصوات. وفضل شمعون والجميل مارونياً من الشمال هو سليمان فرنجية. كان جبل لبنان أي من جبيل الى المختارة اساس السياسة التقليدية. رجحت كفة سليمان فرنجية في اجتماع عقد عند كاظم الخليل في عاليه. قال كميل شمعون لماذا نتعب بريمون اده فهو ضد الانكليز والاميركان. وأنا بدوري ايدت سليمان فرنجية لانه مشى معي ضد المكتب الثاني. بعدها ايد صائب سلام فرنجية وكان صديقاً له. رشيد كرامي ربما كان يفضلني. بعدها عقد اجتماع في مبنى جريدة "النهار" وكان اجتماع حسابات انتخابية لضمان توفير الاصوات والنجاح. انا لم أكن "مستقتل" على رئاسة الجمهورية كنت اريدها لاجراء اصلاحات وتغيير الاسلوب الذي كان قائماً. لم تشارك في الحكم في عهد الرئيس فرنجية؟ - الحقيقة هي انني لم اكن مقتنعاً بانتخابه لكنني ايدته بسبب موقفه من المكتب الثاني. ذات يوم كنت اريد اقامة مرفأ سياحي في جبيل وحين سألت عن اعتماد مخصص له بقيمة مليونين ونصف مليون ليرة قالوا لي استخدمه الرئيس في منطقته. ذهبت الى القصر الجمهوري وسألته فأجابني: "ياعميد شو نحنا قاسمين"! اجبته: "لولا صوتي انا لما نجحت في انتخابات الرئاسة" فرد قائلاً: "أنا ما كنت نجحت لولا صوتي أنا". فقلت له مبروك عليك هالصوت ولن تراني عندك بعد اليوم. وهذا ما حصل. أقول ذلك واكرر انه كان من الطبيعي ان اؤيد سليمان فرنجية ضد الياس سركيس الذي كان امضى عمره مع فؤاد شهاب ومع العسكر الذين كانوا يريدون وصوله لضمان استمرارهم. وفي عهد الرئيس فرنجية وتحديداً في 25 أيار مايو 1976 اطلق عليّ مسلحون كتائبيون النار وأصابوني في قدمي. كنت عائداً من جبيل وطاردوني من نهر ابراهيم الى ضبيه. لم يفعل فرنجية شيئاً وأنا لم اتقدم بشكوى فحتى هذه لا يستحقها حزب الكتائب. في تلك المرحلة تردد ذكر "النهار" كثيراً؟ - أنا كنت اتردد عليها في شكل يومي تقريباً. اذهب اليها ليلاً، وهي قريبة من منزلي، لأعرف ما هي الاخبار الموجودة ولأتحقق من ان اخباري ستنزل كما يجب. كان غسان تويني صديقاً لأخي بيار ونشأت بيننا علاقة شخصية وسياسية. كنت ابدأ زيارتي ل "النهار" بمكتب ميشال ابو جودة حيث كان يلتقي تقي الدين الصلح ومنح الصلح وأبو أياد وعدد من السياسيين. اهم مطبخ سياسي في البلد كان في "النهار" التي لعبت دوراً مهماً في معارضة تسلّط المكتب الثاني. هذا يعني ان علاقتك مع ميشال أبو جودة كانت قوية؟ - ميشال أبو جودة هو الذي اطلق عليّ لقب "ضمير لبنان". غسان تويني يقول انه هو أول من اطلق اللقب. انا لم اشاهد صحافياً بمقدرة ميشال أبو جودة. يبدأ نهاره بالاذاعات والصحف ويمضي نهاره في انتظار كتابة مقاله في العمود الاخير من الصفحة الاولى. كان واسع الثقافة ومطلعاً على السياستين الداخلية والخارجية اكثر من أي صحافي آخر. يعرف لبنان وسياسييه ومشاكله ويعرف العالم العربي ايضاً. لقد فتح مدرسة في الكتابة وربما لهذا السبب حاول الجيل الذي جاء بعده ان يقلده. كاتب كبير ومفكر كبير. غسان تويني كان استاذه وجاء به الى الصحافة. وكانت السفارات ووكالات الانباء تقرأ ما يكتبه غسان وميشال لتعرف ماذا يجري. وغسان كان لامعاً وجريئاً في المعارك. كثيرون كانوا يشترون "النهار" ليروا ماذا كتب ميشال أبو جودة ويستهلون بزاويته قراءة الجريدة. احياناً كنا نغرق في النقاشات وميشال معنا لكنه غارق في كتابة مقاله وهو ينتهي منه يقرأ لنا ونتناقش فيه. كميل شمعون كان يتردد على "النهار" أيضاً والبير مخيبر. وأنا كنت ابدأ نهاري بقراءة مقال ميشال حتى وإن كنت قرأته في الليلة الماضية. الحلف الثلاثي هناك من يقول ان "الحلف الثلاثي" كان بداية الحرب الأهلية في لبنان ويربطون بين قيامه ونكسة 1967، ماذا كان الغرض منه ومن هو صاحب الفكرة؟ - لا صحة ابداً لهذه التحليلات. كان الهم الاول ايصال اكبر عدد ممكن من النواب لمنع المكتب الثاني من الاستمرار في التدخل في السياسة وادارة البلاد. ولايصال هذا العدد من النواب كان لا بد من تحالف انتخابي وتحديداً في الجبل. والقوى الاساسية التي كانت موجودة هي كميل شمعون وبيار الجميل ونحن. أول من طرح الفكرة كان ادوار حنين لكن الذي بلورها ونفذها هو كاظم الخليل نائب رئيس حزب الوطنيين الاحرار الذي يتزعمه كميل شمعون. طرح كاظم الموضوع عليّ ولم امانع. كنت اريد ان احارب "المكتب الثاني" فقد كان العقيد غابي لحود حاكماً والرئيس شارل حلو ساكتاً. كنت أريد ايصال ستة نواب من حزب الكتلة الوطنية الى المجلس ولم اكن قادراً على ذلك الا بالاتفاق مع شمعون والجميل. وكان على لوائح هذا التحالف أحمد اسبر ومحمود عمار شيعيان وبشير الاعور درزي وغيرهما. طبعاً قيام تحالف بين زعماء الموارنة ازعج بعضهم وبينهم كمال جنبلاط لكن علاقتي معه استمرت. القول بأن "الحلف الثلاثي" كان بداية الحرب ليس صحيحاً. وأنا خرجت من الحلف بعد سنة. اختلفنا على رئاسة المجلس بين كامل الاسعد وصبري حماده. حسابات كميل شمعون كانت رئاسية وبيار الجميل ايضاً. يضحك. انا لا يمكن ان اتهم بالتستر على الكتائب. وفي السبعينات هاجمت الكتائب بسبب علاقتهم بالسوريين ثم بالاسرائيليين، لكن القول بأن الحلف هو بداية الحرب هو مجرد اتهام. ألم تساهم معركتكم ضد الأجهزة في اضعاف هيبة الدولة في مواجهتها لاحقاً مع المنظمات والميليشيات؟ - أريد ان اسألك هل تقوم هيبة الدولة على التجسس على المكالمات الهاتفية وعلى التدخل في الانتخابات والضغط على المواطنين؟ ثم لا تنس ما حدث في 1958 فقد ساهم "المكتب الثاني" في افتعال الأحداث لايصال فؤاد شهاب قائد الجيش آنذاك الى رئاسة الجمهورية. سركيس والجميل وعون كان اسمك مطروحاً ضد الياس سركيس في 1976؟ - ظروف وصول الياس سركيس معروفة. كميل شمعون وبيار الجميل قبلا به لأنه موظف من الشبانية وليس زعيماً من جبل لبنان. قاطعنا الانتخابات يومها بسبب الضغوط وجلسنا في منزلي ومنزل صائب سلام وكنا نتبادل الزيارات. الياس سركيس كان "آدمي" وحريصاً على أموال الدولة. حين جاء بعد الرئاسة الى باريس كنت اتصل وأسأل عن صحته. والرئيس أمين الجميل؟ - لا سلام ولا كلام. خرّب البلد ونسف العملة. ذهب 11 مرة الى الشام وقال نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام انه لن تعقد قمة أخرى. قبل نهاية ولايته ذهب الى دمشق على أمل اقناع الرئيس حافظ الأسد بالتمديد له وحين لم يحصل ذلك شكل حكومة عسكرية وكان ميشال عون كارثة. كانت مهمة عون الوحيدة ان يؤمن انتخاب رئيس للجمهورية لكنه فعل كل شيء كي لا تحصل الانتخابات. ذات يوم قلت لفؤاد شهاب: بسببك انت سيترشح قائد الجيش كلما حصلت انتخابات رئاسة. انا عارضت أمين الجميل منذ اللحظة الأولى وتحدثت عن دور ارييل شارون وزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك والشروط التي رافقت وصوله. رأيي فيه معروف ولا حاجة الى تكراره. كثيرون سايروه ومشوا معه ثم انقلبوا عليه. أنا كان موقفي واضحاً منذ اللحظة الأولى. وكيف كانت علاقتك مع الرئيس عبدالله اليافي؟ - رجل مستقيم وكان لوالدي ولدان روحيان هما عبدالله اليافي وحبيب ابو شهلا لأنه كان يريد ان يخلص من طقم العائلات القديمة، وهما رجعا من فرنسا بدكتوراه في الحقوق. اعرفه منذ الصغر. في أيام شارل حلو شكل اليافي حكومة رباعية. حاول حلو تقليد شهاب: اليافي رئيساً ومعه حسين العويني وزيراً للخارجية وبيار الجميل وأنا. اختلفت مع عبدالله اليافي بعد ضرب المطار. أنا استمع في السابعة والربع صباحاً الى اذاعة اسرائيل بالفرنسية. وقعت عملية فدائية آنذاك في أثينا أدت الى تدمير طائرة اسرائيلية واعتبرت اسرائيل ان الحكومة اللبنانية مسؤولة. اعطيت أوامر لادمون غصن مدير المطار باتخاذ اجراءات لضمان سلامة الركاب في حال حصول اعتداء. كان هناك اجتماع يوم السبت وهو مجلس وزراء استثنائي من اجل درس زيادة الرواتب. قلت لشارل حلو انا لدي شيء أهم، لدي احساس بأن اسرائيل ستضرب المطار. كنت يومها وزيراً للاشغال العامة. أنا اطلب من الرئيس اليافي الذي كان وزيراً للدفاع بالوكالة لأن الحاج حسين خارج البلاد ان يأمر قائد الجيش العماد اميل البستاني باتخاذ الاحتياطات العسكرية اللازمة دفاعاً عن المطار. قال اليافي لا انا لن افعل ذلك. عندئذ انسحبت من جلسة مجلس الوزراء وذهبت الى الغرفة المجاورة لدرس ملفاتي. في الخامسة إلا ربعاً دعاني ضابط الى مجلس الوزراء وابلغني الرئيس حلو ان مجلس الوزراء وافق على نسبة 83.3 كزيادة للرواتب، فقلت له أنا اقترح أربعة. فقال شارل حلو إذا تم الاتفاق بالأكثرية رفعت الجلسة فصرخت أنا بدي رئيس الحكومة يتصل بقائد الجيش والا سأستقيل. فقال شارل حلو نطلب من بطرس ديب المدير العام في القصر الجمهوري ان يتصل بقائد الجيش. جاء ديب فقلت له ابلغ قائد الجيش انه وصلت معلومات فضرب بيار الجميل على الطاولة وقال: ما في معلومات. فقلت له هذا احساسي وطلبت من ديب ان يبلغ بستاني ضرورة اتخاذ اجراءات لحماية المطار. فسأل شارل حلو رئيس الحكومة هل هو موافق فرد بالايجاب. اتصل ديب بالعماد بستاني أمامنا في مجلس الوزراء. بعد ذلك ذهبت الى جبيل وعدت ليلاً للعشاء في المنارة. اقترب مني شخص وقال اسمح لي بأن اهنئك على اعصابك. نزلت من السيارة فرأيت الدنيا بيضاء فوق المطار بسبب الحريق. قدت سيارتي التي لا تحمل لوحة حكومية. وضعت يدي على منبه السيارة وذهبت الى مستديرة شاتيلا. عسكر على الطرقات. عند مدخل المطار قلت للضابط: شو قاعدين عمتعملوا هون خللي الصحافيين يصوروا... وأمرت بفتح الأبواب ودخل مصورو الصحف والتلفزيون. حكى لي الضابط ماذا حدث، فقال الصقوا متفجرات على الطائرات. فسألته ماذا فعلت؟ - كان سبقني شارل حلو وعبدالله اليافي وبيار الجميل ولم يفعلوا شيئاً - قال الضابط انه اتصل بالقيادة وأجابوه معنا خبر. قلت له اعتبر انني ضربتك كفين واحد لك وواحد للقيادة. لو لم آت لما شاهد العالم صور الاعتداء الاسرائيلي. وبدأت التحقيق والاهتمام بتسهيل انزال الطائرات. طلبت من الرئيس صبري حماده ان يجمع مجلس النواب في اليوم التالي صباحاً وكان يوم أحد وعقد الاجتماع في قصر الاونيسكو وحكيت القصة وهنأني كميل شمعون واحتج كمال جنبلاط على موقف الجيش وهنأني. خلال جلسة مجلس النواب دخل غابي لحود ومعه ورقة لعبدالله اليافي وهي تتحدث عن معلومات عن حشود اسرائيلية على الحدود. فقلت لعبدالله اليافي ان هذا الخبر من اختراع المكتب الثاني لوقف الجلسة ولأن النواب يوجهون انتقادات الى قيادة الجيش. بعد الجلسة ذهبنا الى شارل حلو في قصر الرئاسة في سن الفيل وكنا عبدالله اليافي وبيار الجميل وأنا وجاء حسين العويني. قلت للرئيس شارل حلو اطلبوا أميل بستاني هاتفياً للحضور. لم يأت البستاني واعتذر. قال ان لديه مراسم دفن فتناول السماعة عبدالله اليافي وقال له "يا مون جنرال" فضربت على الطاولة وقلت: له "قل له جنرال وليس مون جنرال". عندئذ أرجأ الرئيس حلو اجتماع مجلس الوزراء الى الخامسة مساء. اجتمع مجلس الوزراء وجاء اميل البستاني متأخراً. وقف له الجميع باستثنائي أنا. قلت له لماذا لم تنفذ أوامر مجلس الوزراء. فقال هناك اشياء لا استطيع ان أقولها أمام أي كان. فقال له شارل حلو الاستاذ اده وزير ونحن نريد ان نعرف فكرر البستاني انه لا يستطيع ان يتحدث أمام أي كان. طالبت بأن يحال على المحكمة العسكرية فانسحب اميل البستاني. فطلبت تقديم شكوى الى مجلس الأمن، وفي 31 كانون الأول 1968 صدر قرار عن مجلس الأمن رقمه 262 ونص على حقنا في التعويض. أنا اقترحت ان نطلب قوات دولية ولم يوافق اليافي فقدمت استقالتي. صائب سلام ورشيد كرامي تربطك علاقة قديمة مع الرئيس صائب سلام ما قصة هذه العلاقة؟ - علاقتي مع صائب بك قديمة وقوية وتقوم على الاحترام المتبادل. اتفقنا في محطات واختلفت مواقفنا في اخرى. يحدث ان نتعاتب ونتجادل على الهاتف لكن العلاقة تبقى. صائب زعيم وصاحب كلمة. ممتاز كرئيس للحكومة وجريء. في عهد سليمان فرنجية دخل شخصياً دائرة الهاتف وضرب بقدمه باب غرفة التنصت على المكالمات ووجدها مليئة بالعسكر. هذا عمل لا يقدم عليه إلا رجل من قماشة صائب سلام. إنه ذكي وجريء. بدأ صائب سلام حياته دستورياً وكان صديقاً لكميل شمعون واختلفا لاحقاً لأن كميل شمعون مارس ضغوطاً لاسقاط صائب سلام وأحمد الأسعد وكمال جنبلاط لشعوره بأنهم لن يمشوا في مسألة تعديل الدستور وتمديد ولايته. بشارة الخوري زوّر الانتخابات في 25 أيار مايو 1947. شمعون فضل أسلوب الضغط. ذات يوم كنت ذاهباً الى الصيد ولدى مروري قرب مستشفى البربير اقترب مني الشرطي وقال: يا عميد صائب بك موجود وقد ضرب على رأسه. يومها حصل صدام وضربه أحد رجال الأمن بعقب البندقية. و ضعت صائب بك في السيارة وأخذته الى مستشفى اوتيل ديو بسبب وجود صديقي الدكتور بشىر سعادة هناك. قطب سعادة جرحه وقدم إليه الاسعافات اللازمة. بدأت العلاقة منذ ذلك التاريخ واتفقنا على الوقوف ضد التجديد لكميل شمعون. تكررت اللقاءات بيني وبين صائب سلام. العلاقة الشخصية لا تعني تطابق المواقف. اختلفت مواقفنا فأنا مثلاً عارضت اتفاق القاهرة بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1969 وعارضت اتفاق 17 ايار اللبناني - الاسرائيلي في 1983 وكان لصائب سلام موقف مختلف. لم يقترع صائب سلام لبشير الجميل لكنه صوت لأمين. أقول ذلك وأكرر انك في تلك الأيام كنت تتفق مع زعماء وتتخاصم مع زعماء وكان هناك رجال أصحاب مواقف. القصة اليوم مختلفة تماماً يضحك العميد. انهم يقفون في الصف كتلامذة المدارس ولا احد يرفع أصبعه حتى لطرح سؤال. كانت هناك حكومات ومعار ضات وأحزاب ومجلس نيابي. وعلاقتك مع الرئيس رشيد كرامي؟ - كانت منيحة. آدمي كثير ونزيه. كانت علاقته ممتازة مع فؤاد شهاب. مرن. رجل دولة. كان يحتفظ بحقيبة المال ويحافظ على أموال الدولة كما يحافظ على ماله الخاص. رجل أمين. اختلفت أنا ورشيد كرامي على الزواج المدني. أنا ضد إلغاء الطائفية السياسية، أنا طوال عمري أطالب بدولة علمانية والدستور اللبناني دستور علماني لا ينص على دين الدولة أو دين رئيس الدولة. كان صائب سلام يريد وقف الثورة 1958 وقال بدك يقنع رشيد كرامي. فقلت له أنت تقنعه فقال لا أنت تذهب الى طرابلس وتأتي به. اتصلت بأحمد الداعوق وأحمد الأحدب وقلت لهما أنتما تحت حمايتي حتى أنفه. وبعدها أنتما تتوليان المسألة. ذهبنا في سيارتي ووصلنا الى أبو سمرا حيث كانت قيادة رشيد كرامي. قال لي احمد الداعوق جئت بي الى هنا أنا بالأمس كنت في الشانزيليزيه. فجأة قفز عسكري من الجيش وقال قف. خاف أحمد الداعوق. فسألنا الى أين نذهب فقلت الى رشيد أفندي. قال على مسؤوليتكم، فقلت له لم نطلب منكم ان تحمونا. كان رشيد كرامي في صورة الثائر وذقنه طويلة. اختليت به وقلت له ارسلني صائب بك لم يعد يريد المعركة وأنت ايضاً وفؤاد شهاب سينتخب رئيس. حلق ذقنه وخلع القمباز ولبس الثياب الأفرنجية وجاء بسيارته. وعندما وصلنا الى انفه صعد الى سيارتي. ولدى وصولنا الى جونيه قال لي رشيد يجب ان أمر على فؤاد شهاب الذي لم يكن بعد انتخب رئيساً. مر عليه وانتظرنا نحو نصف ساعة. بعدها خرج رشيد كرامي وقال لي: "يبدو انو مش ماشي. بيظهر ما استوت". وصلنا الى بيت صائب سلام فصرخ المحتشدون هناك يعيش الأفندي يعيش العميد وحملونا. دخل رشيد كرامي على صائب. بحثا عشر دقائق. ثم دخلت على صائب فقال لي مش ماشي فحكيت له. اذ كان شهاب متمسكاً برشيد لأنه مدين له. ربما يومها لم يكن عبدالناصر قد وافق. طبعاً كان عبدالحميد السراج يرسل اسلحة الى انطوان سعد لتستمر الثورة وكان الجيش يطلق النار في الهواء. ومن التاسعة صباحاً حتى الظهر كانت الكتائب تطلق النار على البسطة ومن الظهر حتى الثالثة كان الجيش يطلق النار على الجميزة والبسطة، ومن الثالثة الى السادسة تطلق البسطة النار على الجميزة. ولولا حياد الجيش بهذه الطريقة لما أصبح فؤاد شهاب رئيساً. كمال جنبلاط: فيلسوف كبير كمال جنبلاط؟ - كمال جنبلاط فيلسوف كبير، وصاحب ثقافة واسعة، كان يعتبر نفسه أهم من كل الزعماء العرب وأهم من عبدالناصر. كان يقول لي شو دارس عبدالناصر؟ قلت له الدستور لا يمنعك من ترشيح نفسك لرئاسة الجمهورية وأنا سأصوت لك اذا ترشحت. تعرفت الى كمال جنبلاط حين كلفني والدي بمهمة لدى والدته الست نظيرة التي كانت أهم سيدة في لبنان. ذهبت من صوفر الى المختارة وبعد وصولي انفجرت "قنبلة" في دار المختارة. نادت الست نظيرة يوسف الطاهي فأجابها بسيطة. واذا بهم جاؤوا بسجادة يحملون فيها كمال جنبلاط وكان عمره 13 أو 14 عاماً. كان تعلم دروس الكيمياء ويحاول صناعة الصابون فانفجرت الماكينة. هكذا تعرفت اليه. ثم ترشح في لائحة اميل اده في 1943 ونجح ثم مشى مع بشارة الخوري على رغم تأييد والدته لاميل إده. وحين ولد وليد جنبلاط ذهبنا الى المختارة. كنت اعاتب كمال لأنه يريد من وليد ان يعيش متقشفاً مثله وان يقرأ الكتب نفسها. سياسياً لم نكن على اتفاق. له موقف ولي موقف. كان كمال جنبلاط صعباً لكنه كان زعيماً وجريئاً حين يقرر اتخاذ موقف. حاول ذات يوم اقناعي بالذهاب الى الهند ليعرفني الى صديقه "الغورو" فقلت له لماذا فأجاب انه سيقول لك يوم وفاتك فأجبته: هذا أمر لا يهمني. كمال جنبلاط رجل آدمي ومثقف وصاحب ضمير. صداقته صعبة. كل واحد منا له طبع مختلف. كان يخاف كثيراً من الموت. ذات يوم اخذني الى غرفته وكان ينام على الأرض وحوله كتب وشموع. كتب افلاطون وفلاسفة آخرين. علاقتنا بالمختارة قديمة واستمرت مع وليد. ظروف وليد صعبة فصعود "القوات" الى الجبل لم يترك له خيارات كثيرة. تمر في هذه العلاقة غيوم ونختلف على بعض المواقف لكن العلاقة سابقة للحاضر. وليد جنبلاط سياسي لامع وجريء. وعلاقتك مع الرئيس رشيد الصلح؟ - انه صديقي لكنه لا يعتبر نفسه مضطراً الى الصراحة او قول الحقيقة. ذات مرة قلت له لقد شرشحت الكذب في هذا البلد. طبعاً هذا الكلام من الماضي يضحك. والرئيس كامل الاسعد؟ - كانت العلاقة معه عادية تقريباً. ربما بسبب اختلاف الامزجة. علاقاتي مع صبري حمادة كانت أفضل على رغم كونه دستورياً. كامل الأسعد ذكي لكن مشكلته هي في اعتقاده بأن الذكاء غير موجود لدى الآخرين جميعاً. وكنت أفضل أن لا يترشح في انتخابات 1992 لئلا يفشل. هل تحب الموسيقى والغناء؟ - أنا أحب البيانو وكنت أعزف عليه. احب شوبان وموزارت وبيتهوفن. وفي الغناء أحب فيروز وصباح والزجل والعتابا. وماذا عن الالوان؟ - أنا أحب الأزرق والأبيض. وماذا تقرأ؟ - أشياء كثيرة. اضافة الى الصحف أقرأ كتباً عن لبنان وعن اسرائيل لأنك يجب أن تعرف عدوك وأتابع ما يجري في روسيا وما كان يعرف بيوغوسلافيا. اقرأ بالعربية والفرنسية. وأنا لا أحب الأميركيين سياسياً لأنهم خربوا وطني. هناك من يتحدث عن نكبة الموارنة ما قصة النكبة؟ - نكبة الموارنة انهم سببوا نكبة لأنفسهم. الرؤساء الموارنة مسؤولون عن الحوادث. بيار الجميل جاء بالسوريين وكميل شمعون بالاسرائيليين ولأنهم وافقوا على اتفاق القاهرة واخترعوا الميليشيات. هل تشعر بأنك ظلمت؟ - لا، انا معتاد على خيانة الاصدقاء وأهم تعبير "اتق شر من أحسنت اليه". هناك قلة وفاء لكن هذا الشيء لا يزعجني، أنا ضميري مرتاح، حزبي لم يقتل ولم يسرق ولم يخن وأنا لم اتسبب في قتل ولم اؤيد من قتل. والدي تعرض للظلم ومررنا في حالة من العزلة لكن هذه القصة قديمة والذين قاطعونا استندوا الى روايات مغلوطة. كيف تنظر الى محاكمة سمير جعجع؟ - انا لا استطيع الكلام في مسألة هي الآن في يد القضاء. استطيع ان أبدي ملاحظة على ما ينشر في الصحف. قال متهمون انهم تعرضوا لعمليات تعذيب وانهم ارغموا على توقيع افاداتهم وعيونهم معصوبة. كان على المدعي العام ان يطلب حالا تأجيل الجلسة وان يجري تحقيقاً خصوصاً في ما اثاره جريس الخوري. رأيي في سمير جعجع معروف ومنشور، ولكن كان على النيابة العامة ان تحقق في ما ذكر عن التعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة.