اليوم..بدء الفصل الدراسي الثاني    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    نفاد تذاكر مواجهة إندونيسيا والسعودية    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    اليوم بدء الفصل الدراسي الثاني.. على الطريق 3 إجازات    20,124 مخالفاً في 7 أيام وإحالة 13,354 إلى بعثاتهم الدبلوماسية    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    أهم باب للسعادة والتوفيق    أغرب القوانين اليابانية    الفرصة المؤكدة و مغامرة الريادة في كفتي ميزان    «مَلَكية العلا»: منع المناورات والقيادة غير المنتظمة في الغطاء النباتي    «مزحة برزحة».. هل تورط ترمب ب«إيلون ماسك» ؟    سعرها 48 مليون دولار.. امرأة تزين صدرها ب500 ماسة    منتخبنا فوق الجميع    في دوري الأمم الأوروبية.. قمة تجمع إيطاليا وفرنسا.. وإنجلترا تسعى لنقاط إيرلندا    شارك في الطاولة المستديرة بباكو..الجاسر: 16 مليار دولار تمويلات البنك الإسلامي للمناخ والأمن الغذائي    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    ضبط أكثر من 20 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    «واتساب»يتيح حفظ مسودات الرسائل    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    عروض ترفيهية    المملكة تستعرض إنجازاتها لاستدامة وكفاءة الطاقة    أشبال الأخضر يجتازون الكويت في البطولة العربية الثانية    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    ابنتي التي غيّبها الموت..    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    «الجودة» في عصر التقنيات المتقدمة !    ألوان الأرصفة ودلالاتها    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    الزفير يكشف سرطان الرئة    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدير السابق لمخابرات الجيش اللبناني . جوني عبده يتذكر : خطفنا من بيروت الغربية قاتل السفير الأميركي ميلوي ، الصدر أنزل من الطائرة ولم يغادر الأراضي الليبية - قسم ثاني
نشر في الحياة يوم 04 - 04 - 1994


مجزرة اهدن
هناك حدث آخر في 1978 هو اغتيال النائب طوني فرنجية في اهدن، ما صحة القول ان الدولة أبلغت والده الرئيس سليمان فرنجية احتمال حصول هجوم؟
- كانت لدينا معلومات ان "القوات اللبنانية" تستعد للقيام بعمل خطير في الشمال، وان نقطة التجمع للعناصر هي في شكا. لم نكن نعرف التفاصيل. سارعنا الى ابلاغ الرئيس سركيس المعلومات خصوصاً ان الناس كانت تتحدث عن ان القوات سترد على اغتيال المسؤول الكتائبي جود البايع. لم نستطع معرفة النقطة التي ستستهدف، هل هي زغرتا أم اهدن أم غيرهما.
أوفد الرئيس سركيس العقيد نعيم فرح الى الرئيس فرنجية وأبلغه كل ما لدينا من معلومات. حينذاك لم يكن مضى على وجودي في المخابرات وقت كاف لاقامة الشبكات اللازمة. وفهمت ان الرئيس فرنجية استبعد ان يتجرأ مسلحو القوات على تنفيذ عمل واسع في الشمال. ونحن أيضاً لم يخطر ببالنا ان العملية يمكن أن تستهدف طوني فرنجية بالذات. وحتى بعد وقوع الحادث، وعندما اتصل الرئيس سركيس بالشيخ بيار الجميل ردّ الأخير بمحاولة تطمينه الى مصير طوني كأنه كان يعتقد بأن أقصى ما يمكن أن يكون قد حصل هو احتجاز طوني فرنجية. لا بل ان بيار الجميل قال له انه موجود لدينا.
ويكذب كل من يقول انه توقع في ذلك الوقت ان تذهب "القوات" لقتل طوني فرنجية. في أي حال تردد لاحقاً ان الغرض كان خطف المرحوم طوني فرنجية. ولكن في الظروف التي تمت العملية فيها ونوع الأشخاص الذين كلفوا وملابسات الهجوم نفسه، فضلاً عن شجاعة طوني... كلها جعلت الخطف مستحيلاً. حتى ولو أراد المهاجمون الخطف فقط فإنه كان مستحيلاً مع شخص مثل طوني فرنجية صاحب زعامة ومكانة وله أنصار وهو معروف بالشجاعة. كل الظروف التي تحدثت عنها لا تسمح بعملية خطف خصوصاً ان الأحقاد سابقة للحادث.
وأود هنا أن أقول الآتي: قال لي سركيس قبل تركه الرئاسة اثر انتخاب بشير الجميل خلفاً له: لا أعرف، هل سيكون لك دور في العهد الجديد أم لا، واذا كان لك دور اوصيك بمسألتين. هناك مسألة تحزّ في قلبي، هي مسألة طوني فرنجية لأنني لم استطع أن أحاكم من يفترض أن يحاكموا بسبب الظروف، فاذا استطعت ان تفعل ذلك حتى في عهد بشير الجميل أكن ممتناً. والثانية موضوع ميشال ساسين. أنا لا أحب ان أكذب. لقد وعدت ساسين خلال انتخابات الرئاسة بألا يكون فؤاد بطرس وزيراً معي لست سنوات وان آتي به وزيراً حتى ولو بقي بطرس. الأوضاع اضطرتني ألا أنفذ وعدي لساسين.
العلاقات مع المنظمة
في 1981 حصل تصعيد واسع في الجنوب وجاء المبعوث الأميركي فيليب حبيب ورتّب وقفاً لاطلاق النار وحصلت أزمة الصواريخ السورية. كمدير للمخابرات كيف كانت علاقتك مع أركان منظمة التحرير؟
- لم أكن التقي أحداً من المسؤولين الفلسطينيين باستثناء لقاء مع صلاح خلف أبو اياد بواسطة الوزير الحالي جان عبيد، عقد في منزل أبو اياد في بيروت الغربية. ويجب أن أشير الى ان سركيس كان مهتماً بترسيخ علاقات ثابتة مع سورية وكان يعتبر ان ازالة الخلاف بين المسيحيين في لبنان وسورية أمر ضروري. وكانت "الجبهة اللبنانية" التي ضمت كميل شمعون وبيار الجميل وآخرين تزعجه. ففي كل موعد للتجديد لقوات الردع كانت "الجبهة اللبنانية" تمارس ضغوطاً على الرئيس وتقدم مطالب.
بين سركيس وشمعون والجميل
كيف كانت علاقات سركيس مع شمعون؟
- كان لدى سركيس ضعف تجاه شمعون. طبعاً كانت لديه شجاعة جسدية استثنائية. كان ينام في غرفته في القصر خلال القصف، وكان آخر من ينزل الى الملجأ. ويحافظ على أعصابه حين ينتاب الرعب الآخرين. لم أشاهد رجلاً أشجع منه. ولكن، في مقابل هذه القوة كان لديه ضعف لا أفهمه فقد كان يصاب بالذعر من تصريح لكميل شمعون.
وقد سألته أكثر من مرة وقلت له هل يعقل ألا تخاف من القنابل وتقلقك تصريحات شمعون، فأجاب: القنابل تشكل خطراً على شخصي أما تصريحات كميل شمعون فتشكل أحياناً خطراً على لبنان وتصعّد المواجهة.
في المقابل كانت لسركيس سطوة على بيار الجميل. كان يعاتبه بشدة لم أكن أتوقعها. حين كانت "الجبهة اللبنانية" تكلف شمعون ابلاغ سركيس معارضتها التجديد لقوات الردع العربية كان يستدعيني ربما لأنني لم أكن أخاف من شمعون. وأذكر حادثة في هذا المجال: اتخذ سركيس قراراً بالتجديد لقوات الردع ولم يكن ينوي التراجع عنه وطلب شمعون موعداً فاتفقنا على سيناريو. وجاء شمعون ونقل مطالبة الجبهة بعدم التجديد فتضايق سركيس. طلبت الكلام وقلت للرئيس شمعون ان الرئيس سركيس قرر عدم التجديد لقوات الردع فرد شمعون قائلاً: اذن، اتفقنا. فقلت له لكن زعماء الشمال وبيروت الغربية والشوف يطالبون بالتجديد والرئيس سركيس سيجدد للردع عندهم. فأجاب: نحنا ما عندنا ردع. فقلت له: إذن أين المشكلة؟ وشددت على أن رأي سركيس يمثل محصلة آراء مختلف قادة البلاد وليس رأي "الجبهة اللبنانية". وقال شمعون: "أنت من أين طلعت لي؟".
والحقيقة ان شمعون لم يكن يقسو على سركيس لأنه كان يريد اعطاء قيمة للرئاسة. بيار الجميل كان دائماً في موقف الدفاع ويقول ان ليست لدى الكتائب مدافع وما هنالك. لم يكن سركيس يشعر بالغيرة من أصحاب الرصيد الشعبي. كان يعتقد بأن صاحب الرصيد يجب ألا يسعى الى مضاعفته بل قبل ذلك الى توظيفه في خدمة البلد. ولم يكن يلمس ذلك. أعتقد بأن الوحيد الذي حاول ان يضع رصيده في تصرف الدولة والبلد هو بشير الجميل.
كان لدى المنظمة شعور بأنك تدير جهازاً مهتماً بجمع المعلومات عنهم؟
- عنهم وعن غيرهم.
خطف قاتل السفير الاميركي
اتهمت بأنك وراء تفجير سيارات ملغومة من طرابلس الى مقر منظمة العمل الشيوعي في بيروت. الى أي حد كانت مديرية المخابرات ضالعة في هذه الاحداث؟
- لم نستخدم هذا الأسلوب ابداً. لم نكن مقتنعين بجد,ى التفجيرات لأنها، وان أعطت في البداية نتائج ايجابية لمن يضعها السيارة، فانها على المدى الطويل ضارّة. هذا لا يعني اننا لم نكن قادرين على استخدام أسلوب السيارات الملغومة، لكن الرئيس سركيس لم يكن يقرّ مثل هذا الأسلوب. ونحن لم نعتقد بأن اجهزة الدولة يجب ان تفعل هذا. نحن فعلنا أشياء مهمة بأساليب أخرى. مثلاً حين تسلّمت مديرية المخابرات كان الجهاز موضع استهزاء من الآخرين، وكان علينا ان نثبت وجودنا. خطفنا من بيروت الغربية احد المشاركين في اغتيال السفير الاميركي فرنسيس ميلوي وهو لبناني. وحققنا معه وأعطينا معلوماتنا وتسجيلاً باعترافاته كما هو مفروض الى الجانب الأميركي. وهو نفّذ العملية بناء على تعليمات وأوامر منظمة غير لبنانية. بعد تلك الحادثة بدأت كل الجهات تتعاطى معنا تماماً كما تتعاطى مع غيرنا.
الواقع اننا لم نكن نتبادل المعلومات في صورة مستمرة مع أي جهاز في العالم. اعتمدنا طريقة أخرى. اذا كان هناك ما يضرّ بفرنسا ولبنان نتبادل معلومات محددة لمنع حصوله. كنا ننسق مع سورية، وأنا شخصياً كنت أنسق مع العقيد محمد غانم لفترة طويلة. لم تكن هناك أي عملية لنقل معلومات في صورة اوتوماتيكية الى أي طرف، وكل شيء كان يتقرر في ضوء مصلحة لبنان وعلاقاته.
ماذا قال لك أبو اياد؟
- كان الهدف من اللقاء تخفيف حدة التوتر بين المنظمة وحزب الكتائب، واقترحت عليه فتح قنوات حوار واتصال مع بشير الجميل علّ ذلك يساهم في تهدئة المخاوف.
كيف كانت علاقة الرئيس سركيس بالرئيس ياسر عرفات؟
- كان سركيس يعتبر الوجود العسكري لعرفات من أسباب الأزمة. وعرفات نفسه اعترف بشيء من ذلك لاحقاً خصوصاً حين قال انه حكم لبنان فأعطى بذلك صك براءة لي ولغيري اذ لم يكن من الخطأ ان نحاول منع المنظمة من ان تحكم لبنان.
هل حاولت المنظمة اختراق الجيش بالأموال والأسلحة؟
- نعم واكتشفنا حالات عدة. وأهم ما قمنا به هو اعادة عناصر "جيش لبنان العربي" كانت تدعمه المنظمة وضباطه الى الجيش وحتى الى مديرية المخابرات نفسها، وأحسنّا معاملتهم. طبعاً لم تتم اعادة احمد الخطيب قائد هذا الجيش لأنه كان رمزاً للحالة.
في التصعيد الذي حصل عام 1981 واستدعى مجيء المبعوث الاميركي فيليب حبيب ماذا فعلتم؟
- للأسف كان دوراً معلوماتياً فقط. كان هناك موقف أبو عمار ومواقف اخرى في لبنان تمنع انتشار الجيش في الجنوب. بالنسبة الينا، كان الانتشار مطلبنا لكي ننزع من يد اسرائيل أي ذريعة لتوسيع احتلالها للجنوب. كنا نعتقد بأن وجود الجيش في الجنوب يحول دون التصعيد. ولكن، يا للأسف، كان التعامل يتم مع الجنوب ومصير الجنوب باعتبارهما ورقة أو منبراً. وللأسف أيضاً استطاعت منظمة التحرير آنذاك مصادرة جزء من الارادة اللبنانية.
المشكلة اننا نستيقظ متأخرين. ألم يكن الأفضل انتشار الجيش والحيلولة دون الاجتياح وكوارثه؟
بأي منطق تعتبر مطالبة الدولة بنشر جيشها على ارضها عملاً استفزازياً؟ في تلك المرحلة لعبت المنظمات على حساسيات التركيبة اللبنانية. فمن جهة لم تكن تصدر اعتراضات على سلوك قيادة المنظمة، والاعتراضات التي كانت تصدر من الجهة الاخرى كانت تضرّ ولا تفيد اطلاقاً، بل تضاعف الشق بين اللبنانيين. كان المطلوب في تلك المرحلة ان ترتفع اصوات تحذر أبو عمار من المخاطر التي ترتبها سياساته على لبنان، لكن ذلك، ويا للأسف، لم يحصل. كان الرئيس سركيس يقول لأبو عمار: افترض نفسك نزيلاً في فندق ولا تدفع الفاتورة. على الأقل عليك ان تمر على صاحب الفندق لتشكره. تزور الجميع ولا تزور رئيس دولة لبنان!
الحقيقة ان أبو عمار كان يهدف من وراء اشعال الوضع في الجنوب الى الحصول على اعتراف بوجود المنظمة كطرف وبقدرتها على الاعتراض وعلى اقلاق أمن شمال اسرائيل. وفي 1981 وصل التصعيد الى أوجه. ولم يأت فيليب حبيب لحل الأزمة اللبنانية. جاء في اطار مفاوضات تتعلق بالصواريخ السورية وأمور لها علاقة بالمنطقة. كان الاهتمام الدولي بلبنان في ذلك الوقت بسبب وجود منظمة التحرير فيه. يأتي فيليب حبيب الى لبنان ليتحدث مع الفلسطينيين عبر الدولة اللبنانية.
وهنا لا بد من الاشارة الى ان السفارة الاميركية في بيروت كانت السفارة الاميركية الوحيدة في العالم التي سمح لها قانونياً بالتعاطي مع منظمة التحرير تحت ذريعة الأسباب الأمنية. ونحن نعرف انه تحت عنوان الأمن يمكن مناقشة أشياء كثيرة واستكشاف المواقف حتى ولو كانت الاتصالات السياسية ممنوعة.
طلبنا مرات عدة من أبو عمار ان يسهّل دخول الجيش الى الجنوب. ولكن للحقيقة كان هناك نوع من التفاهم الاقليمي والدولي على التعامل مع لبنان كوعاء يحمل النار ويختصر في جنوبه الصراع العربي - الاسرائيلي وكانت التدخلات تحصل حين تنذر النار بتخطي حدود الوعاء. كان لبنان يمر بشيء من الاستقرار عندما يتمكن من عزل آثار نار الجنوب عن بقية المناطق. وكان العرب والأجانب يتدخلون عندما يبدو ان ساحة المواجهة في لبنان تهدد بنقل التوتر الى جبهات أخرى. كان الياس سركيس يقول أما سلام على كل الحدود وأما حرب على كل الحدود. ولعله كان يقول ذلك من ألمه فاذا هدم بيتك لا تستطيع المطالبة بتعميم الهدم أو الخسائر. كان يشعر بحرقة ويتساءل: لماذا على لبنان ان يدفع وحده؟ ولماذا يبقى جنوب لبنان الساحة الوحيدة المشتعلة؟ لكن حصر التوتر بالجنوب مستحيل فهو جزء مهم من لبنان وما حصل الصيف الماضي دليل على ذلك فلو لم تتدارك الدولة سريعاً مسألة تهجير الجنوبيين لعدنا الى الحلقة القديمة نفسها.
سركيس لحبيب: ما هذه الزعبرة؟
هل كان سركىس معجباً بالأميركيين ويراهن عليهم وماذا عن فؤاد بطرس؟
- لا، سركيس لم يكن مبهوراً بالاميركيين. اما فؤاد بطرس فذكي تماماً، ديبلوماسي بارع نرفزته مبرمجة وغضبه مبرمج. كان بطرس يعرف حدود قدرة اميركا في لبنان آنذاك ولكن لم يكن لديه مانع في ان يبالغ أمام من يفاوضه في تقدير دور اميركا وتقدير أهمية لبنان بالنسبة الى الاميركيين. وكان هذا يحسّن موقعه التفاوضي. كان فؤاد بطرس مقتنعاً بأن أميركا تبيعنا كلاماً وأوراقاً. ذات يوم قال سركيس لفيليب حبيب: امتلأت الغرفة عندي برسائلكم وكلها تتحدث عن سيادة لبنان واستقلاله. ما هذه "الزعبرة"؟ ماذا تفعل هذه الرسائل؟ وقال سركيس لحبيب: انت الآن برتبة عريف في الجيش وتحتاج الى 35 سنة لفهم قصة لبنان... وكان حبيب يحرص بعد نهاية كل اجتماع على سؤال سركيس "هل استحق ترقية ام ما زلت لا أفهم" فيرد عليه: "بعدك ما بتفهم. بدك كتير لتصير تفهم لبنان".
الاميركيون لديهم انطباع سيء عن اللبنانيين عموماً وعن المسيحيين خصوصاً، ويعتبرون أنهم يمتازون بعدم التعقل، فهم إما يريدون ما لا يجوز واما انهم ينكفئون الى حد الهجرة. نظرة سركيس الى الاميركيين كانت واقعية ولم يكن يقبل بأن يكذبوا عليه.
وكان سركيس يعرف التركيبة اللبنانية ويقول لفيليب حبيب دائماً: لا أقبل بما لا يقبل به رئيس الحكومة شفيق الوزان. انا لا أمشي الا استناداً الى توافق لبنان".
هل كنتم تتشاورون مع الجانب السوري خلال أزمة الصواريخ؟
- لا، كان فيليب حبيب يتولى الاتصال بالسوريين.
كان طموح سركيس ان ينهي عهده فقط. ماذا كان يقول؟
- صحيح، وللدلالة على هذه الفكرة انه حين جمعنا كل المعلومات في 1982 عن استعداد اسرائيل للاجتياح لم يصدق سركيس ولم يصدق فؤاد بطرس أيضاً.
هل كنتم تجمعون معلومات عن الشخصيات اللبنانية المتحالفة مع المقاومة الفلسطينية؟
- لم تكن هناك خطة دقيقة بهذا الخصوص، لكن المعلومات كانت تصلنا.
المحضر عند جوني !
هل كنتم تعرفون مثلاً ماذا يفعل محسن ابراهيم الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي وأمين سر المجلس السياسي للحركة الوطنية آنذاك؟
- نعم وكانوا يعرفون أننا نعرف ماذا يجري عندهم. ذات مرة ترأس الاستاذ وليد جنبلاط اجتماعاً لقيادة الحركة الوطنية لهذا السبب بالذات ومنع الحاضرين من الكتابة وقال لمحسن ابراهيم: اعطني محضر الجلسة السابقة... واذا لم يكن موجوداً لديك فانني على استعداد لاحضاره من عند جوني عبده!
هل التقيت محسن ابراهيم في بيروت؟
- لا. حاول صديق مشترك ترتيب لقاء بيننا، لكن محسن رفض والتقينا مصادفة في وقت لاحق في مطعم في باريس. كان محسن بالنسبة الينا أهم شخصية في الحركة الوطنية. كان دوره بارزاً وكان من مصلحتنا ان يكون في الواجهة وهو الشيوعي المعروف لأن بروزه يثير حساسيات لدى العرب. وعلى سبيل النكتة أقول: خلال لقاءات لوزان للمصالحة اللبنانية قال لي عبدالله الأمين الوزير الحالي ان محسن ابراهيم يروي كيف كنت تريد ان تقتله فقلت له وهل تعتقدني غبياً. محسن كان سندنا الأساسي. كنا نجيّش العالم ضد الحركة الوطنية بسبب دوره. محسن كان بالطبع ألمعهم وأكثرهم ذكاء وشعر ذات يوم بالحاجة الى ان نلتقي لكنه قال: "اذا التقيت جوني عبده سيقفون جميعاً على بابه في اليوم التالي". كان هناك صديق يحاول ترتيب اللقاء مع محسن والصديق نفسه كان الصلة مع عرفات.
متى التقيت وليد جنبلاط وما هي العلاقة بينكما؟
- التقيت وليد جنبلاط قبل تعييني مديراً للمخابرات. كان يلعب فليبرز في اوتيل بوريفاج وكنت هناك للغرض نفسه. وكان لدينا صديق مشترك هو العميد انطون سعد وهو غير المدير السابق للمخابرات وتوطدت العلاقة مع وليد بعد وفاة والده عن طريق صديق مشترك هو سمير حميد فرنجية ولم يكن يمضي شهر الا ونلتقي مرتين على غداء أو عشاء في منزلي.
لكن الوزير جنبلاط هاجمك مرات عدة؟
- انت تعرف الوزير جنبلاط وأسلوبه ومزاجه، فضلاً عن مقتضيات العمل السياسي. من الصعب ان تكون صديقاً دائماً لجنبلاط او خصماً دائماً له. انه هكذا.
هل لعبت دوراً في التقريب بين جنبلاط وسركيس؟
- لعبت دوراً كبيراً في هذا الموضوع. كنت دائماً وراء لقاءاتهما.
كيف كانت العلاقة بينهما؟
- كان سركيس يقبل بوليد جنبلاط كما هو. وليد يهاجم ثم يوضح ويحمل بعنف ثم يعتذر. وكثيراً ما يتبدد العتب بالقول ان الهجوم كان زلة لسان. كان سركيس مهتماً بوليد جنبلاط والعلاقة معه.
ماذا قال لك وليد عن بشير الجميل؟
- قال لي انه لا يطيقه. كنت سفيراً في سويسرا وكلفني الرئيس أمين الجميل التوجه الى عمان ومعي سيمون قسيس للقاء وليد جنبلاط. اثناء الحديث قال لي وليد: نحن اصدقاء. وأنا أحبك ولكن لا استطيع ان افهم ان رجلاً بعقلك يمشي مع بشير الجميل فأجبته ما رأيك بأبو عمار، فهاجمه بعنف ظاهر فقلت له: اتفقنا اذن في موضوع أبو عمار ومن يدري فقد نتفق لاحقاً في موضوع بشير الجميل. وشرحت له يومها كيف ان بشير وصل الى الرئاسة بسبب مواقفه ومواقف السوريين وليس بسبب تأييدي له. انا شخصياً كنت أعمل بناء على توجيهات سركيس التي كانت تقوم على الآتي: منع تقسيم البلاد وضرورة تفاهم لبنان مع سورية.
وهنا أريد ان اضيف شيئاً: عندما نفذ بشير عملية 7 تموز يوليو ضد حزب الوطنيين الاحرار، شعر كثيرون بالرعب وأثارت القصة مخاوفنا. اخترنا القيام برد سياسي قوي عن طريق تشكيل حكومة تمثل كل لبنان ونقصي عنها بشير الجميل. فكر سركيس والفريق المحيط به بتشكيل حكومة تضم داني شمعون وأمين الجميل ووليد جنبلاط ونبيه بري وعاصم قانصوه وغيرهم. تحدثنا مع وليد ونبيه فوافقا على رغم مخاوفي ألا يتمكنا. كلفني سركيس الذهاب الى دمشق وكان ينوي تكليف المرحوم الرئيس تقي الدين الصلح تشكيل الحكومة. كنت أعرف شخصياً ان تقي الدين الصلح لن يمر ولكن كان لا بد من طرح اسمه وكان الغرض تأكيد رغبة سركيس في ان تتولى شخصية معروفة وذات ثقل رئاسة الحكومة.
والتقيت في دمشق اللواء محمد الخولي واطلعته على نيات سركيس فقال: نحن لا نعتقد بأن هذه الوزارة ستمشي، فسألته: هل تعتقدون انها لن تمشي، أم لا تريدونها ان تمشي. أنا لست سياسياً لكن هناك فرقاً بين الموقفين. انا أريد ان اعطي جواباً للرئيس سركيس ولا يريد الرئيس تشكيل حكومة ضد سورية. فطلب ساعة لاعطاء جواب ثم عاد وقال: "نحن لا مانع لدينا لكننا نعتقد بأنها لن تمشي". في الواقع كان همنا تشكيل حكومة واسعة التمثيل واقصاء بشير الجميل عنها لنقول له ان لبنان بأسره ضدك.
تقي الدين الصلح والوزان
كلف تقي الدين الصلح وأجرى استشارات وعشية اعلان الحكومة اعتذر وليد ونبيه وعاصم عن المشاركة، وبالتالي اعتذر تقي الدين الصلح، فكلف الرئيس شفيق الوزان ولم يكن في استطاعته تشكيل حكومة اقطاب فتقرر تشكيل حكومة من الصف الثاني. يومها كان هناك حديث عن قمة عربية في عمان، وظهر ان سورية لن تشارك فيها. وراجت انباء ان لبنان قد يشارك. تألفت حكومة الوزان. كنا في القصر: سركيس والوزان وسامي الخطيب وأنا. قال الرئيس سركيس: لا يجوز ان نصدر المراسيم وتعرف سورية بها من خلال الاذاعة. واقترح اجراء اتصال لابلاغ السوريين. سركيس والوزان كانا يتهيبان ردة الفعل. اتصل سامي الخطيب بدمشق وقال ان المراسيم ستصدر واعطى الاسماء فجاء الجواب بتعليقات على بعض الاسماء كاسم سليم الجاهل مثلاً واسم مصطفى الدرنيقة. جاءت التعليقات على الاسماء حادة وقال الجانب السوري للخطيب: سلم لي على الرئيسين سركيس والوزان واقفل الخط.
وأشار الخطيب بحركة من وجهه الى ان الأمور ليست ماشية فسألته عما قيل له عن الرئيس الوزان فأجاب ان الكلام كان ايجابياً فقلت عندئذ ان لا مبرر للانتظار في اصدار المراسيم.
صدرت المراسيم وبدأت الاحتجاجات وبقيت الحكومة 40 يوماً من دون المثول امام مجلس النواب. خلال ذلك حددت القمة في عمان وأوفد الرئيس حافظ الأسد مبعوثاً عنه الى بيروت للتمني على الرئيس سركيس عدم حضورها. والواقع ان سركيس كان اختار سلفاً عدم الحضور في حال غياب سورية. وقال للمبعوث سلم على الرئيس الأسد ونحن لن نتخذ موقفاً مختلفاً عن موقف سورية في موضوع من هذا النوع. قبل مغادرته سأل المبعوث سركيس هل يريد شيئاً، وسأله أيضاً عن الوضع في لبنان فأجاب سركيس هناك احتجاجات على الحكومة، فاذا كان الرئيس الأسد يرى ان الأمور ستستمر على هذا المنوال... فقاطعه المبعوث بجواب مطمئن... وهكذا حلت عقدة الحكومة.
كيف كان لقاء وليد جنبلاط وبشير الجميل في اطار هيئة الانقاذ الوطني التي شكلها سركيس؟
- أخذ كل منهما فكرة سيئة عن الآخر. واقتنع كل واحد بصعوبة التعاون مع الآخر. وليد لم يطق بشير. وبشير استنتج انه لا يمكن وضع اليد بيد وليد والتعاون معه، لأنه غير ناضج.
كيف كانت علاقتكم مع رئيس حركة "أمل" نبيه بري؟
- سطحية لكنها كانت ودية. لم نكن راغبين في اعطاء انطباع ان لدينا اتصالات معه لأنه الوحيد الذي كان يقف في وجه منظمة التحرير. لم تكن لديه رغبة في اقامة علاقة قوية، ولم تكن لدينا رغبة في ادعاء علاقة تضعفه. كان لدى الاجهزة، خصوصاً لدى احد مساعدي، علاقة ودية مع قادة "امل" ولكن لم يكن هناك تحالف.
وعلاقة الرئيس كامل الأسعد مع سركيس؟
- كانت دائماً فوقية من جانب الأسعد، انه اسلوب الأسعد وطبيعته، والرئيس سركيس كان يقبله كما هو.
وعلاقته بالرئيس أمين الجميل؟
- كان الجميل نائباً ويتعاطى الشأن العام و"يتمرجل" أحياناً ولو في غير المكان المناسب. ذات يوم اطل في برنامج تلفزيوني يدعى "الملف" وهاجم العهد بعنف وقال: "أجّروني القصر 15 يوماً وأنا أحل المشكلة"... واستأجر القصر لاحقاً، بل أقام فيه ست سنوات ولم يتمكن من حلها.
ماذا عن علاقة سركيس بريمون اده؟
- كان هناك تقدير واحترام من سركيس لريمون اده، وكان يفهم كلياً معنى معارضته ومغزاها. ويبقى ريمون اده ماضياً وحاضراً ومستقبلاً من رجال السياسة النظيفي الكف وصاحب البصيرة الذي يتوقع الاحداث قبل وصولها وصداقته بالنسبة اليّ هي من الأوسمة التي افتخر بها.
عرفنا مصير الصدر
ومسألة اختفاء الامام موسى الصدر ماذا كان لديكم من معلومات وماذا ابلغتم الرئيس سركيس؟
- نحن اكتشفنا الحقيقة وعرفنا مصيره. ارسلنا وفداً من الشعبة الثانية الى ايطاليا وعاين المكان الذي نزل فيه من ادعوا انهم الامام الصدر ورفيقاه، وجئنا بحقيبته ومفكرته ووضعناهما في ارشيف المخابرات. لقد قيل انه توجه الى ايطاليا، لكن الوفد حين اطلع مسؤولي الفندق على صور للامام الصدر اكدوا ان الشخص الذي انتحل الصفة اقصر من الامام وملامحه مختلفة. الذين توجهوا الى ايطاليا دخلوا بجوازات الصدر ورفيقيه. تحقيقنا أظهر ان الامام الصدر لم يتوجه الى ايطاليا.
المعلومات التي حصلنا عليها آنذاك أفادت ان الامام الصدر لم يلتق القذافي، وان الامام أصر على مغادرة ليبيا حين تأخر الموعد. منعوه من المغادرة فأصر وحين صعد الى الطائرة انزل منها وصعد مكانه شخص بجواز سفره وحقائبه وتوجه بها الى روما، والأمر نفسه بالنسبة الى رفيقيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.