سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المنعطف زيارة السادات للقدس ولست مهندسها" . بطرس غالي ل "الوسط": الامم المتحدة مهددة بالافلاس والنظام الدولي غير موجود ، لم اتخذ قراراً بشأن الولاية الثانية
تغير العالم فهل تغيرت الأممالمتحدة؟ وهل صحيح ان النظام الدولي الجديد وسع التفويض الممنوح لها أم ان القيادة الأميركية للعالم الحالي أشد وطأة عليها من عالم الحرب الباردة والثنائية القطبية؟ أين نجحت المنظمة الدولية وأين فشلت؟ وهل صحيح أنها مهددة بالافلاس؟ وكيف تستعد لمواجهة القرن المقبل ومشاكله الشاملة والمعقدة؟ اسئلة كثيرة حملتها "الوسط" الى الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس بطرس غالي الذي شاءت الظروف ان يتولى مهمات هذا المنصب الرفيع في ظل وضع دولي أكثر تعقيداً وأقل وضوحاً من ذلك الذي عمل فيه اسلافه الخمسة. من الطبقة الثامنة والثلاثين يبدو المشهد جميلاً. فنيويورك الصاخبة الملتفة بالثلج مضاءة وسباق نهاية القرن مفتوح ومحموم ومعه سباق الانتخابات الأميركية بألوانه وفضائحه. لكن طريق السنوات المقبلة يبدو معتماً حين يتخطى الحديث حدود العالم الصناعي، خصوصاً ان الأممالمتحدة قامت أصلاً لحماية الضعفاء وضبط شهية الأقوياء. ولم يخف الأمين العام قلقه وقال، بما عرف عنه من صراحة، ان النظام الدولي ليس موجوداً، وان الدول لم تتفق بعد على دور الأممالمتحدة في عالم ما بعد الحرب الباردة، وان المشكلة الكبرى هي في انتظار العالم الى اغنياء يزدادون غنى وفقراء يزدادون فقراً. حديث الأزمة المالية كان طاغياً في مكاتب كبار المسؤولين وبينها مكتب الأمين العام المساعد للاعلام سمير صنبر. ولم يتردد غالي في القول ان الأممالمتحدة مهددة بالافلاس هذه السنة. صحيح ان منصب الأمين العام يحول دون طرح بعض الاسئلة عن تجربة شاغله قبل توليه المنصب خصوصاً اذا كانت هذه التجربة بالغة الحساسية، ولكن هل يمكن اجراء حوار شامل مع الدكتور بطرس غالي من دون طرح السؤال عن دوره في السلام المصري - الاسرائيلي. وللمرة الأولى وافق غالي على الحديث عن تلك الحقبة التي شغل فيها منصب وزير الدولة المصري للشؤون الخارجية ونائب رئيس الوزراء للشؤون الخارجية. هكذا ضاق الوقت وكان لا بد من موعد آخر وساعة أخرى على رغم الشعور بأن ساعتين لا تكفيان لاختصار عناوين تجربة سياسية وديبلوماسية غنية وطويلة لرجل تتنافس في حديثه عراقة المفاوض ودقة الكاتب. وهنا نص الحوار: منذ تسلمكم مهام منصبكم طرحتم خطوات عدة لاصلاح هيكلية الأممالمتحدة واجهزتها هل وصلت هذه الاصلاحات الى حد يضمن ان يُسدّد بعض الدول المعنية الأموال التي تأخر في تسديدها؟ - ان الاصلاح عملية مستمرة لأن التطورات في المجتمع الدولي تكاد تكون يومية، وهي التي تتطلب اجراء الاصلاح. على سبيل المثال عندما انتهى مؤتمر القمة الخاص بالبيئة في ريو دي جانيرو في حزيران يونيو 1992 انشئت منظمات جديدة يتعلق عملها بالدفاع عن البيئة فتطلب ذلك تعديل الادارات المهتمة بالتعاون الاقتصادي. وعندما انعقد مؤتمر حقوق الانسان في فيينا في حزيران 1993 انشئت ادارة جديدة وانشئ منصب جديد هو المفوض السامي لحقوق الانسان. وعندما انعقد مؤتمر المرأة في بكين في ايلول سبتمبر 1995 انشئ منصب جديد لتنسيق الأنشطة الخاصة بالمرأة. الاصلاح اذاً عملية تكاد تكون مستمرة. بدأت الاصلاح في 1992 بالغاء 30 في المئة من المناصب العليا وسأستمر. مثل أخير: الموازنة الأخيرة التي تمت الموافقة عليها في كانون الأول ديسمبر الماضي طلبت خفض 154 مليون دولار على مدى سنتين، وهذا يتطلب تغييراً في الهيكل الوظيفي للأمم المتحدة وتغييراً في البرامج التي كُلفت بها. عملية الاصلاح مستمرة وليست لها علاقة بالأزمة المالية أو بأوضاع سياسية. تقدمتم امس بأفكار جديدة لحل الأزمة المالية هل تتوقعون ان تسهل هذه الأفكار عملية الحل؟ - في الأزمة المالية يجب ان نفرق بين أربع أو خمس أزمات مختلفة. هناك أزمة مالية بمعنى ان بعض الدول لا يدفع نصيبه في الموازنة. ووصلت هذه الأزمة الى حدود ثلاثة بلايين وثلاثمئة مليون دولار، أي المتأخرات. هناك أزمة اخرى هي أزمة الموازنة التي ذكرتها. فالموازنة الجديدة طلبت خفض 154 مليون دولار وستترتب على ذلك تغييرات أو ازمة مرتبطة بأزمة الموازنة. وهناك أزمة متعلقة باعادة تنظيم هيكل الأممالمتحدة أي اعادة تشكيل مجلس الأمن ودعم دور الجمعية العامة واعادة النظر في دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وهذه لها تأثير أيضاً، ذلك ان أي تغيير أو أي مهمة جديدة ستتطلب مبالغ جديدة. وبعد ذلك هناك أزمة الأنصبة المقررة في الموازنة ويشمل ذلك الموازنة العادية للأمم المتحدة وموازنة عمليات حفظ السلام. الولاياتالمتحدة مطلوب منها في الموازنتين 25 من المئة في الأولى و31 في المئة من الثانية. وهي تريد الخفض. والخفض يعني زيادة انصبة الدول الأخرى. اذا خفضت مساهمة الولاياتالمتحدة من 25 في المئة الى 20 في المئة من الذي سيتولى تغطية هذه النسبة؟ وأخيراً هناك موضوع الاصلاح. انها مسائل متشابكة لكنها مختلفة بعضها عن بعض. في معالجة هذه الأزمات يبدو كأن هناك سوء تفاهم بين الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة؟ - ليس هناك سوء تفاهم، هناك معارضة أو خلاف بين الادارة الأميركية من ناحية والكونغرس الأميركي من ناحية اخرى. وهو الخلاف بين الديموقراطيين والجمهوريين. يريد الكونغرس خفض النفقات في الشؤون الخارجية سواء المساعدات للدول النامية أو موازنة وزارة الخارجية أو المساهمة في موازنات المنظمات الدولية. الادارة من جانبها تتمسك بالالتزامات الدولية التي ارتبطت بها. ومن أصل ثلاثة بلايين وثلاثمئة مليون دولار هي المتأخرات المستحقة للأمم المتحدة هناك مليار و200 مليون دولار مترتبة على الولاياتالمتحدة. هل يمكن القول ان تسديد الولاياتالمتحدة هذا المبلغ مربوط باستكمال وصفة معينة للاصلاح؟ - سبق ان قلت ان لا علاقة للاصلاح بالأزمة. ربما أراد الجانب الأميركي تبرير التأخير في التسديد بالقول انه يحتاج الى رؤية الاصلاح. اذا اتفقنا على ان الاصلاح عملية مستمرة وملازمة لسير العمل في الأممالمتحدة لا نرى رابطاً بين الاصلاح والأزمة المالية. هل تعاني الأممالمتحدة اليوم من وجود قطب واحد كما عانت سابقاً من الثنائية القطبية؟ - لا شك في ان الفارق هو ان المجتمع الدولي في ظل القطبية الثنائية وضع القواعد وانشأ المنظمات التي بمقتضاها تستطيع ادارة العلاقات الدولية في ظل القطبية الثنائية. اما اليوم فنحن امام ظاهرة جديدة قد تكون القطبية الواحدة وقد تكون تعدد المنازعات، ولعل الثانية تكاد تكون أهم من الأولى. قبل ذلك كانت المنازعات محدودة. المنازعات التي كانت تحدث داخل المعسكر الغربي كانت تسوى داخل هذا المعسكر والأمر نفسه بالنسبة الى المعسكر الشرقي. ولا تعالج الأزمات خارج هذين الاطارين الا في حال وجود خلاف بين القطبين على معالجة نزاع ما. الآن صارت كل المنازعات من اختصاص المجتمع الدولي. والمشكلة هي ان المجتمع الدولي لم يتفق بعد على قواعد اللعبة السياسية في فترة ما بعد الحرب الباردة، وبالتالي فإنه لم يتفق بعد على الدور المنشود للأمم المتحدة. هذه هي المشكلة. وسأعطي مثالاً: ما بين 1945 أي نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام منظمات الحرب الباردة أو تقنين قواعد ادارة الحرب الباردة وجدنا فترة زمنية: قيام حلف الأطلسي في آذار مارس 1949. انضمام المانيا الى الحلف في 1955. قيام حلف وارسو 1955. أستطيع القول ان القواعد والمنظمات التي كلفت ادارة الحرب الباردة استلزمت عشر سنين كي تتشكل. الآن لا توجد هذه القواعد، أو انهم لم يتفقوا بعد على المنظمات التي ستكلف ادارة أو تسوية مشاكل ما بعد الحرب الباردة. ظاهرة اخرى: بعد حروب نابليون انعقد مؤتمر فيينا عام 1815. وبعد الحرب العالمية الأولى انعقد مؤتمر فرساي. وبعد الحرب العالمية الثانية انعقد مؤتمر سان فرنسيسكو. أما بعد نهاية الحرب الباردة فلم ينعقد أي مؤتمر من هذا النوع. ربما ليس هناك تنبه كاف الى ذلك، وربما لا توجد رغبة في وضع قواعد جديدة لما بعد الحرب الباردة. ما زلنا في مرحلة انتقالية، فالمجتمع الدولي لم يتفق بعد على قواعد ادارة فترة ما بعد الحرب الباردة ولم يتفق بعد على الدور المطلوب من الأممالمتحدة للاشراف على ادارة هذه الفترة. النظام الجديد لم يقم لدى اعلان قيام النظام الدولي الجديد كثر الحديث عن دور كبير للأمم المتحدة، وأشاع الاعلان موجة من التفاؤل. اليوم تتصاعد المخاوف فالعالم يشهد حروب هوية ونزاع أثنيات وأصوليات واتساع الفقر… كيف تنظر الى الأعوام المقبلة؟ - هنا أختلف معك. النظام الدولي الجديد ليس موجوداً. انه لم يقم. المشكلة هي اننا حتى الآن لم نتفق على نظام دولي جديد، والصعوبة التي تواجهها الأممالمتحدة ترجع الى ان المجتمع الدولي لم يتفق على دورها في هذا النظام. ان هذا النظام غير موجود، اذا وجد سيتضح دورها في اطاره. كأن المطلوب منها اولاً ان تساهم في ايجاد النظام الدولي الجديد وثانياً ان تعالج المشاكل الدولية على رغم عدم وجود نظام دولي جديد. كأنها مكلفة القيام بمهمتين. وسأعطي مثلاً: المسألة شبيهة بمن يقود سيارة بسرعة 120 كيلومتراً في الساعة ومطلوب منه في الوقت نفسه اصلاح السيارة. واصلاح سيارة منطلقة بمثل هذه السرعة ليس بسيطاً. وهنا تكمن مشكلة الأممالمتحدة. الى أي حد تقلقك هذه المرحلة الحافلة بالنزاعات في العالم، خصوصاً ان نظاماً دولياً انتهى من دون ان تتبلور ملامح النظام البديل؟ - انها مرحلة مخيفة لأكثر من سبب: أولاً، هذه المرحلة لم تنته. ثانياً، ان العالم يعيش في مرحلة ثورة تكنولوجية مستمرة مما يزيد من صعوبة ايجاد الحل. الكومبيوتر مثلاً غير الأوضاع، وكذلك التلفزيون وشبكاته الفضائية. الاسراع في الثورة التكنولوجية خصوصاً في عالم الاتصالات والانترنيت ومسائل اخرى جعل وتيرة التغييرات متسارعة، ومن الصعوبة اللحاق بها. المشكلة الثانية هي ان المشاكل اصبحت كونية أو عالمية. التهريب مثلاً مسألة عالمية. وكذلك تجارة المخدرات وتجارة الأسلحة ومشاكل البيئة. خذ مثلاً حادث تشيرنوبيل ان له تأثير في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وهكذا تضاف الى عدم الاتفاق على النظام الدولي الجديد مسألة سرعة التغييرات الجارية التي تظهر كأن أي اتفاق يتم الآن يحتاج سريعاً الى تعديل. الأممالمتحدة اداة قيل ان ثورة الاتصالات حولت العالم قرية صغيرة، ما هو دور الأممالمتحدة في هذه القرية؟ هل تكون وسيطاً أم شرطياً أم شاهداً؟ - الرد على ذلك بسيط وهو سؤال: ماذا تريد الدول من الأممالمتحدة؟الأممالمتحدة أداة في يد الدول. لو أرادت هذه الدول ان تلعب الأممالمتحدة دور الشرطي فانها تستطيع لعب ذلك. والأمر نفسه بالنسبة الى دور الوسيط أو الشاهد. ليست للأمم المتحدة ارادة مستقلة. انها اداة أو سلاح في يد الدول التي تستطيع استخدام هذه الأداة، أو عدم استخدامها وهي لم تتفق بعد على طريقة استعمال هذه الأداة. هل هناك خوف حقيقي من ان تكون سنة 1996 سنة افلاس الأممالمتحدة مالياً؟ - لا شك في ان ثمة احتمالاً كبيراً أن تكون سنة الافلاس المالي اذا لم تتدخل الدول لمعالجة الأزمة المالية. الافلاس وارد اذاً؟ - نعم الافلاس وارد. أين نجحت؟ أين نجحت الأممالمتحدة وأين فشلت في الأعوام الأربعة الماضية؟ - نجحت في عقد سلسة من المؤتمرات الدولية التي تحاول ان تضع الخطوط العريضة للتعاون الدولي. المؤتمر الأول انعقد في ريو دي جانيرو وموضوعه البيئة. والمؤتمر الثاني في فيينا عن علاقة حقوق الانسان بالتنمية. والثالث في القاهرة عن علاقة الانفجار السكاني بالتنمية. والرابع في كوبنهاغن عن التنمية الاجتماعية. والخامس في بكين عن دور المرأة في التنمية. وسينعقد المؤتمر الأخير عن المدن الكبرى ودورها في التنمية. اليوم كان لدي اجتماع حضره 40 من رؤساء بلديات أكبر مدن العالم، هذا هو النجاح الأول. نجحت الأممالمتحدة في مسألة لم يتطرق اليها احد وهي تصفية التمييز العنصري في افريقيا نتيجة خمسين سنة عمل. ونجحت ثالثاً في وضع قواعد جديدة في ما يتعلق بعمليات حفظ السلام عن طريق اجندة للسلام قدمت في 1992. نعود الى القضايا السياسية: الملاحظة الأولى هي ان قضايا حفظ السلام لا تمثل الاّ 20 في المئة من نشاطات الأممالمتحدة، في حين ان 80 في المئة متصل بتقنين القانون الدولي وقضايا البيئة وحقوق الانسان والمساعدات الانتخابية ومساعدات التنمية والتعاون الدولي ووضع قواعده. نجحت الأممالمتحدة في انشاء محكمة لمقاضاة مجرمي الحرب في البوسنة ورواندا. ان تشكيل محكمة دولية بموجب قرار من مجلس الأمن عمل يشكل انقلاباً. نجحت في انهاء الحرب الأهلية في كمبوديا، وفي انهاء حرب أهلية في السلفادور وفي موزامبيق، وهي في طريق النجاح لانهاء حرب أهلية في انغولا بموجب اتفاقات لوساكا. ونجحت في ابرام هدنة في غواتيمالا حيث بدأت الحرب الأهلية قبل 30 عاماً. لم تحقق الهدف المنشود في رواندا والصومال ويوغوسلافيا. لكنها نجحت في احتواء الحرب الأهلية داخل حدود يوغوسلافيا فلم تنتشر كما هي الحال بالنسبة الى ليبيريا حيث انتشرت الحرب الى سيراليون. ونجحت في حفظ السلام في مقدونيا. وللمرة الأولى في تاريخ الأممالمتحدة هناك قوات موجودة في انتشار وقائي. ونجحت في البوسنة. أكبر خط دولي لنقل مواد غذائية في العالم شهدته ساراييفو. الأممالمتحدة هي التي قامت بالعمل. ونجحت في ان تقدم مساعدات الى مليوني لاجئ على مدى أربع سنوات. نجحت في التمهيد لاتفاقات دايتون، وهي موجودة في يوغوسلافيا. وتقوم بمهمات الشرطة، وموجودة في سلوفينيا. وتتولى مسألة اللاجئين. … اذاً الاشاعة العامة انها فشلت ولم تنجح مبالغ فيها. لا شك في اننا لا نستطيع ان ننجح في تسوية كل المنازعات الدولية الا اذا وجدت ارادة سياسية لدى الأطراف المتنازعة في التوصل الى تسوية وما لم تتوافر هذه الارادة لا تستطيع الأممالمتحدة ان تنجح. سأعطي مثالاً على ذلك: اذا أصبت بأزمة قلبية وقال لك الطبيب عليك الا تكثر من الطعام وان تتوقف عن التدخين والشرب وان تمشي ساعة يومياً وان تتناول ادوية ولم تمتثل لنصائحه وجاءتك أزمة قلبية ثانية هل تستنتج ان الطبيب سيء؟ كيف استطيع ان أفرض السلام على دول لا تريد السلام؟ الأممالمتحدة تستطيع المحافظة على السلام اذا توافرت الارادة في وجوده واستمراره وهي تستطيع المحافظة على اتفاقية الهدنة. خذ مثلاً وجود قوات الأممالمتحدة في قبرص. نجحنا هناك. ووجود قوات في هضبة الجولان. نجحنا هناك بسبب وجود ارادة سياسية لدى سورية واسرائيل، والأممالمتحدة موجودة كقوة فصل ومراقبة بين الطرفين المتنازعين. لكنها لم تنجح في جنوبلبنان؟ - لم تحصل معارك في جنوبلبنان. في الصومال تحصل معارك، أبرمنا عشر اتفاقات للهدنة، وعقدنا ثلاثة مؤتمرات وبعد يومين حصلت ممارسات تشير الى عدم احترامه. تبدو الأممالمتحدة بعيدة عن صناعة السلام في الشرق الأوسط؟ - هذا ليس صحيحاً. انها موجودة من خلال قواتها الموجودة في الجولان وعلى الحدود اللبنانية - الاسرائيلية، ومن خلال المراقبين. وهي موجودة أيضاً من خلال الاونروا. فنحن نبني غزة ثانية، وكذلك من خلال اليونيسيف والپU. N. D. P.. وملاحظة ثانية هي ان الأممالمتحدة لن تدعي ان لها احتكار تسوية النزاعات الدولية. بخلاف ذلك نحن نرحب بأن تتولى دول أخرى هذه المهمة، ونشجعها. حين كنت في اليمن واريتريا شجعت الحكومتين على اللجوء الى دولة صديقة للمساعدة في حل الأزمة. الأممالمتحدة تستطيع تشجيع المنظمات الاقليمية على تسوية النزاعات. من يتولى تسوية النزاع في ليبيريا؟ انها مجموعة من الدول الافريقية تدعى الايكونوم. من يتعاون مع الأممالمتحدة في هايتي؟ منظمة الدول الأميركية. من يتعاون معها في جورجيا؟ كومنولث الدول المستقلة. نحن نرحب بتوزيع العمل بين الأممالمتحدة ومنظمات اقليمية أو دولة أو مجموعة من الدول. تفيد دروس التاريخ ان صعود القوى العظمى وانهيارها او انكفاءها هو جزء من دورة طبيعية، ماذا يحدث مثلاً لو انكفأت الولاياتالمتحدة التي تتولى وحيدة اليوم موقع القيادة؟ هل يكون العالم مهدداً بالفوضى؟ - البدائل تحتاج الى وقت وستظهر في القرن المقبل. ولأن المشاكل أصبحت كونية أو عالمية لا يمكن معالجتها الا من خلال جهاز عالمي. الجريمة والمخدرات والبيئة والمواصلات والسكان كلها مواضيع تحتاج الى مواجهة شاملة. الطائرة التي تهبط في مطار كينيدي لا تهبط وفقاً لقواعد القانون الأميركي بل وفقاً لقواعد القانون الدولي. توزيع الموجات مسألة عالمية. ونحن نتكلم الآن هناك ربما مليون شخص في طائرات تحلق في العالم و160 الف باخرة مبحرة. عالم القرن الجديد عالم مختلف. هناك التطور العلمي والتكنولوجي وثورة الاتصالات وتدفق المعلومات ودور الصورة ومشاكل التنمية وعلاقتها بالأمن والسلام. مشاكل كثيرة جديدة ومعقدة تستلزم أفكاراً جديدة ووسائل جديدة. وجود جهاز عالمي يمتلك التصور والدعم والقدرات يخفف خطر الانزلاق الى الفوضى الدولية. العراق والصبر نصحتم العراق بقبول القرار 986 المتعلق بالنفط والغذاء وبدأت أمس جولة مفاوضات بين وفده ووفد من الامانة العامة للأمم المتحدة، ماذا تتوقعون؟ - المفاوضات ستحتاج إلى وقت وصبر وأملي كبير في أن نحقق الهدف المنشود وهو تطبيق القرار 986 حتى نخفف من معاناة الشعب العراقي. هل يمكن القول ان الدول الفاعلة تتفهم دقة هذا الموضوع وحساسيته؟ - مهمة الأمين العام أن يحاول قدر الامكان شرح أبعاد هذه القضية لكل الأطراف المعنية. إلى أي حد شكل لك احراجاً وجود ثلاث دول عربية على لائحة "المطلوبين" دولياً، وهي العراق وليبيا والسودان؟ - لا يوجد أي احراج. بالعكس، بصفتي ابناً من أبناء هذه المنطقة أشعر بأن لدي القدرة على لعب دور الوسيط بين المجتمع الدولي وهذه الدول بسبب الخبرة في بواطن الأمور في هذه الدول. وهل تعتقد بأنك لعبت مثل هذا الدور بالنسبة إلى العراق؟ - أحاول قدر الامكان مساعدة هذه الدول في إطار التفويض الذي منح لي. مثلاً القرار 986 ذكر أن على الأمين العام أن يجري الاتصالات اللازمة. والقرارات الخاصة بليبيا تقول ان على الأمين العام أن يجري اتصالات. وهكذا أجريت اتصالات مع ليبيا وأنا مستمر فيها. كوني اتحدث اللغة نفسها وانتمي إلى هذه المنطقة وأعرف التقاليد فيها... كل ذلك يشكل عناصر تساعدني على محاولة مساعدة هذه الدول لجهة تسوية أزمة الثقة القائمة بينها وبين المجتمع الدولي الممثل بالأممالمتحدة. روسيا دولة كبرى نقرأ أحياناً أن الحرب العالمية الثالثة قد وقعت فعلاً وتمثلت نتائجها بانهيار الاتحاد السوفياتي. ككاتب مهتم بالسياسة الدولية، هل تعتبر هذا الكلام صحيحاً؟ - هذا الكلام ليس صحيحاً لأن روسيا لا تزال دولة كبرى تتمتع برقعة جغرافية فريدة في العالم بين آسيا وأوروبا، وتتمتع بالقوة النووية وتمتلك أكبر جيش، ولديها مجموعة من المثقفين فضلاً عن وجود تقاليد الدولة الكبرى والارادة السياسية في لعب دور في المسائل الدولية. تستطيع أن تتصور دولاً لديها القوة الاقتصادية والسياسية لكنها ليست مهتمة بالسياسة الدولية، ودولاً صغيرة مهتمة بالسياسة الدولية، وتستطيع ان تؤثر في مجرى الأمور. روسيا على رغم الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها وعلى رغم تفكك الاتحاد السوفياتي، لديها الارادة السياسية والامكانات البشرية والوضع الجيوبوليتيكي الفريد والتقاليد. زرتها لمناسبة الاحتفال بمرور خمسين عاماً على الانتصار على النازية. ودعيت إلى حفلة كبرى تخللها عرض عسكري ومشاهد فنية. وجدت شاباً في مطلع العشرينات يلقي خطبة فسألت ما معنى ان يتحدث هذا الشاب بالذات. وتردد السؤال نفسه في الصالة فجاء الجواب: هذا الشابط ضابط بنجمة واحدة لكن والده كان جنرالاً وقتل في الحرب ضد النازيين، وجده كان جنرالاً وقتل، ووالد جده كان ضابطاً في عهد القيصر. انها التقاليد تعطي قوة للدول. الناس يتناسون التاريخ. القوات الروسية احتلت باريس سنة 1870. روسيا هي أول من فكر في اتفاقية 1899 لتسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية. دعنا من تشايكوفسكي وتولستوي وغيرهما هناك حضارة وأصالة. روسيا نائمة على الروايات؟ - على الروايات والموسيقى والرقص. تراث كامل ساهم في تحولها دولة كبرى. تحملت كوزير وسياسي الكثير من الانتقادات والتهجمات وتتعرض اليوم كأمين عام لانتقادات، كيف تتعامل معها؟ - يجب أن تقبل الانتقادات. الوظيفة العامة تتطلب من شاغلها قبول الانتقادات من العامة وإلا على المرء ألا يقبل بشغل وظيفة من هذا النوع. كنت موضع انتقاد عندما ذهبت مع الرئيس أنور السادات إلى القدس في 1977. ولو راجعت الصحف الصادرة آنذاك، ومن ذلك التاريخ إلى مقتل الرئيس السادات لوجدت ما كتب. قبلت هذه الانتقادات والحمد لله فإن ربي أكرمني وعشت لأرى نتيجة الجهد الذي بذلته بين 1977 و1981. زيارة القدس هي المنعطف هل يمكن القول مثلاً ان رحلة الرئيس السادات إلى القدس هي المنعطف الذي فتح الباب لجهود السلام في الشرق الأوسط أم ان المنعطف هو كامب ديفيد؟ - انا اعتقد بأنها رحلة الرئيس السادات إلى القدس. كانت هناك أزمة نفسية أكثر مما هي اقتصادية أو عسكرية. وعن طريق هذه الزيارة التاريخية استطاع السادات أن يكسر الحاجز النفسي وأن يفتح الباب الأول لتسوية أزمة الشرق الأوسط. كان لا بد من عمل يؤثر في الرأي العام الدولي. ماذا كان شعورك، وأنت ترافق الرئيس السادات في الطائرة المتجهة إلى القدس؟ كم كان الجانب المصري متهيبأ خصوصاً أن ردة الفعل السلبية كانت متوقعة؟ - لم نتوقع ان يكون مدى الردود السلبية بهذا الحجم. وعلينا أن نعترف بذلك. لم نكن واثقين من اننا سننجح وهذا ينطبق على الفترة الممتدة من زيارة القدس إلى كمب ديفيد ثم المعاهدة المصرية - الإسرائيلية، اليوم نشعر بأننا نجحنا. لم يكن هناك ضمان للنتائج في 1977 والأمر نفسه في 1978. كان من الطبيعي أن يكون لدينا خوف من عدم النجاح. "مهندس الانعزالية" زيارة القدس كانت اشبه بانقلاب على كل مسار النزاع العربي - الاسرائيلي، من كان صاحب الفكرة؟ - يضحك لقد اتهمت بأنني المهندس الاكاديمي للانعزالية العربية وكتبت دراسات في المعاهد المتخصصة الاسرائيلية وجاء فيها انني صاحب هذه الفكرة. ولعل ذلك نتج من كوني عقدت في "الاهرام" سلسلة ندوات مع عناصر صهيونية وكان ذلك قبل المبادرة بسنتين وكتبت مقالات قلت فيها ان لا بد لنا من الاعتراف بالواقع. وساهمت في انشاء مركز لدراسات عن اسرائيل. اعتبرت المعاهد الاسرائيلية ان تلك الخطوات كانت مقدمة وقالت انني صاحب الفكرة. لو كنت صاحبها لفاخرت بذلك ما دام انها فتحت باب السلام في المنطقة. لكنني اقول للأمانة التاريخية انني لست صاحب الفكرة وكنت آخر من علم بها. من اتخذ القرار واختار؟ - الرئيس السادات شخصياً. هل راودتكم مخاوف لدى ابلاغكم القرار؟ - لا، حين ترتضي العمل في حكومة بفرض خدمة الوطن عليك ان تتحمل المسؤولية. وحين يقول الرئيس تعال الى مهمة من هذا النوع عليك ان تختار فاما ان تقبل واما ان تستقيل. انا ذهبت مع الرئيس السادات وتحملت اعباء هذه المهمة الشاقة. هذا لا يعني انه لم تراودنا مخاوف اثناء هذه العملية الطويلة التي استمرت من نوفمبر تشرين الثاني 1977 الى مارس آذار 1979. اقول اكثر من ذلك: حتى بعد توقيع المعاهدة بين البلدين استمرت مخاوفنها الى ان صدر التحكيم في شأن طابا. الآن تبدو العملية ناجحة ولكن في حينه لم تكن هناك تأكيدات للنجاح. السادات يهدد كيف كانت اعصاب الرئيس السادات خلال الرحلة الى القدس؟ - كانت هادئة. هل كان التوتر كبيراً في مفاوضات كامب ديفيد؟ - لا شك في ان التوتر جزء من عمليات التفاوض. المفاوضات سلسلة من التسويات والموازنات. لو اردنا ان نقارن بين صعوبة المفاوضات التي اجريت في بلير هاوس من سبتمبر ايلول 1978 حتى مارس 1979 وأدت الى ابرام معاهدة السلام، والمفاوضات التي اجريت في كامب ديفيد، ندرك ان مفاوضات السلام كانت اصعب. في كامب ديفيد كانت مسؤولية التفاوض تقع على الرئيس، اما في معاهدة السلام فكانت مسؤوليتي ومسؤولية الجنرال كمال حسن علي. كنا في وجه المدفع ونفاوض. اريد القول ان أي مفاوضة عملية شاقة كالمواجهة العسكرية ان لم تكن اصعب. هل صحيح ان الرئيس السادات هدد بمغادرة كامب ديفيد، الامر الذي كان يعني انهيار العملية برمتها؟ - نعم حصل ذلك وعولج الامر في اتصالات على مستوى القمة بين الرئيسين جيمي كارتر والسادات ولعب وزير الخارجية الاميركي السابق سايروس فانس دوراً. كيف كان مناحيم بيغن خلال المفاوضات؟ - انا رأيته اكثر خلال المحادثات المتعلقة بالحكم الذاتي ومفاوضات طابا. في كامب ديفيد كان بيغن رئيساً لوفد بلاده وكانت الاجتماعات التي يشارك فيها على مستوى رؤساء الدول. أوليس غريباً ان يبدأ السلام مع بيغن؟ - هنا يمكن الحديث عن عبقرية السادات الذي لجأ الى اكثر الرؤساء تطرفاً. كان يثق ببيغن ويعتبر انه الشخص القادر على اتخاذ قرار الانسحاب من سيناء وغزة والضفة الغربية. انا كنت اقول له: لا يا سيادة الرئيس، فكان يجيب: "اسكت يا بطرس. انت راجل اكاديمي مش فاهم حاجة في المسألة دي". قلت له انني قرأت كتاب بيغن وهو يقول كذا وكذا لكنه لم يغير رأيه وكان مقتنعاً حتى آخر لحظة بأنه سيحل مشكلة الضفة الغربية وغزة. كام معجباً بصلاح الدين يبدو ان هاجس التاريخ كان يلازم الرئيس السادات؟ - نعم كان مهتما بالتاريخ كالرئيس فرنسوا ميتران وبرؤية ما للتاريخ. كان يحب التاريخ والمقارنات ويدرس تاريخ مصر. الشائعات تقول انه رجل غير مثقف ولا يقرأ. هذا غير صحيح. انا وضعت ورقة عمل عن مصر والعالم العربي، صدرت عن الاتحاد الاشتراكي، فوجدته قرأها كلمة كلمة وصحح فيها وشتمني قائلاً: "يظهر انك نسيت النحو". ذات يوم جئنا صباحاً وكانت المناسبة تقديم اوراق اعتماد احد السفراء واذا به يقول لي: انا قرأت المقال الذي كتبه فلان: كويس عجبني. هذا يعني انه قرأه في السابعة صباحاً. بمن كان معجباً من الشخصيات التاريخية ما دام كان يقرأ التاريخ؟ - تأثر بعدد من الشخصيات التاريخية واستفاد منها جميعاً وكان دائماً يذكر صلاح الدين الايوبي. تغيير اسم الفرعون وهل كانت الاولوية لديه الخروج من ظل عبدالناصر كما الذين جاؤوا بعد ماو او ستالين او غيرهما؟ - لا شك في انه مثل اي حاكم كان يحب ان تكون له صفته المستقلة. في مصر القديمة كانوا ينزعون اسم الفرعون الذي انتهى عهده ويضعون اسم الفرعون الجديد. الشارع نفسه يمكن ان يتغير اسمه مرات عدة. هذا الامر يحصل في كل بلدان العالم. عبقرية السادات هي انه منذ البداية، او على الاقل منذ بدء عملي معه، اعطى اهتماماً كبيراً للمجتمع الغربي واعتبر ان المجتمع الشيوعي انتهى. لماذا؟ - هل يرجع ذلك الى محاولة الانقلاب التي قام بها علي صبري ومجموعته بدعم من النظام الشيوعي؟ هل يرجع ذلك الى عدم اطمئنانه على الاطلاق الى الشيوعية والشيوعيين؟ الشيوعية كانت هاجساً او كابوساً بالنسبة اليه الى درجة انهم حين كانوا يريدون اسكاتي كانوا يقولون لي: اسكت يا شيوعي. وكنت ارد ضاحكاً فأنا متهم بأنني ممثل الاقطاع. هل كان هذا الهاجس وراء قرار السادات طرد الخبراء السوفيات؟ - كان لديه عداء حقيقي للنظام الشيوعي. واعجاب باميركا؟ - ليس فقط بأميركا بل بالمجتمع الغربي، اي فرنسا وانكلترا والمانيا. وهذا التقليد ليس جديداً في مصر. كان الخديوي اسماعيل يقول: املي ان تكون مصر جزءاً من اوروبا. الثورة الثقافية في مصر وكلام طه حسين عن مستقبل الثقافة والمازني والعقاد… كان مثلهم الاعلى الحضارة الغربية. سعد زغلول تعلم القانون في فرنسا والطهطاوي ذهب اليها. السادات استمرار في الثورة الثقافية المصرية التي بدأت منذ عهد محمد علي. واضطر جمال عبدالناصر الى تحويل هذا التفكير والاتجاه نحو العالم الشيوعي او العالم الثالث. وفي تلك الايام كان هناك تحالف بين العالم الثالث والعالم الشيوعي وكان عبدالناصر ميالاً الى ذلك، حركة عدم الانحياز ونهرو وتيتو وكاسترو. السادات وميتران المعارض كانت هناك علاقة بينك وبين الرئيس فرنسوا ميتران ما سر هذه العلاقة؟ - عرفت الرئيس ميتران في ندوة عقدت في "الأهرام" في القاهرة، وكان يومها زعيماً للمعارضة. والتقيته ثانية في اجتماع للاشتراكية الدولية في اسرائيل، وكان شمعون بيريز يشارك في هذه الاجتماعات. يومها أبدى ميتران رغبة في زيارة مصر فتحدثت الى الرئيس السادات الذي اجاب على نحو قاطع: أنا مستقبلش معارضة. فقلت له ان النظام في فرنسا مختلف عن نظامنا لكن السادات تمسك بموقفه. استمرت الاتصالات مع ميتران، وزرته في 13 كانون الأول ديسمبر الماضي وقال لي: "انا متعب جداً لكنني آمل ان أمضي عطلة نهاية السنة في مصر"… وذهب. ما هو الأهم في شخصية ميتران؟ - انه شخصية مهتمة أيضاً بالتاريخ. مهتم بدوره في تاريخ فرنسا ومرتبط ارتباطاً عاطفياً بالوطن، وهو رجل مثقف قارئ وكاتب. كامو والمتوسط كانت لك أيضاً علاقة مع البير كامو؟ - عرفته عندما كنت طالباً في باريس في 1946، وأعربت له عن اعجابي واهداني كتابه "L'etranger" وكتب عليه: "الى فلان لما بيننا من بحر مشترك" وكان يشير الى البحر الأبيض المتوسط. هل تعني لك فكرة المتوسطية كثيراً؟ - هي بالنسبة الي لقاء حضارات لا أكثر ولا أقل. كتبت كثيراً عن السياسة الخارجية المصرية وكان أملي ولا يزال ان تلعب مصر دور الوسيط بين الغرب والعالم العربي، ودور الوسيط بين أوروبا وافريقيا، وكذلك بين الديانات، بين الاسلام والمسيحية، وبين الشرق الأقصى وأوروبا. انا اعتقد بأن المكانة الجيوبوليتيكية لمصر تساعدها على لعب دور الوسيط والقاسم المشترك الأكبر بين الحضارات والتيارات الفكرية. من هنا اهتمامي بالمتوسطية. هل هناك مدينة ما تجذبك اليها؟ مثلاً باريس التي درست بها؟ - من عشرين سنة طفت هذا العالم نحو خمس مرات. زرت كل دول العالم ولم أر شيئاً. اجتماع مع رئيس الدولة أو وزير الخارجية أو لجنة مشتركة ثم أسافر. لا استطيع القول انني أحب هذه ولا أحب تلك. زياراتي منذ 1975، حين كنت عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي المكلف الشؤون الخارجية كانت كثيرة. جلت كثيراً زرت حزب المؤتمر الهندي والحزب الاشتراكي في السنغال وأنشأنا الاشتراكية الدولية الافريقية. وفي 1977 جلت وزيراً في آسيا وافريقيا وغيرها. وكأمين عام ازور خمسين دولة تقريباً في السنة. السفر جزء من العمل ولم يكن هناك وقت كاف للاطلاع على تفاصيل المدن. اغنياء وفقراء من كنت تقدر من شخصيات الاشتراكية الدولية؟ - كانت لي علاقة مع فيلي برانت. ولا شك في انه كان شخصية مهمة. استطعت من خلال انضمامي الى الاشتراكية الدولية ان افتح أبواب هذه المنظمة على العالم - كانت أصلاً منظمة أوروبية تقريباً - وان تهتم بمشاكل العلاقة بين الشمال والجنوب. وفي كل علاقاتي الدولية سواء بالجامعات او المنظمات الأهلية أو الحكومية اهتممت بهذه القضية التي اعتبرها القضية الحقيقية التي تواجه المجتمع الدولي وهي انقسام العالم الى دول غنية تزداد ثراء وغنى ودول فقيرة تزداد تخلفاً وفقراً. هل تعتبر انها لا تزال القضية الأبرز حتى الساعة؟ - نعم حتى هذه الساعة. ألا يمكن ان يكون الانقسام الجديد بين معسكر يمتلك التكنولوجيا ويطورها ومعسكر يعجز عن اللحاق بها؟ - هذه تفسيرات مختلفة. لكن هناك طبقية جديدة أخطر من الصراع بين الطبقات في ظل الشيوعية. هناك دول غنية تزداد غنى ودول فقيرة تزداد فقراً. دول تشبه سيارة تمشي بسرعة 120 كيلومتراً ودول تشبه سيارة تمشي بسرعة 20 كيلومتراً. وهكذا ستزداد المسافة الفاصلة بين الاثنين. هذه هي القضية الأساسية بالنسبة الى الغد، ولهذا يجب على الأممالمتحدة ان تهتم بهذه القضية. نشأت في بيت سياسي، هل كان طموحك ان تكون سياسياً أم كاتباً؟ - سياسي وكاتب. كل كتاباتي كانت سياسية. المعاهد التي انشأتها ككلية الاقتصاد والعلوم السياسية سنة 1960 ومعهد العلوم السياسية الذي التحق به ضباط الثورة سنة 1953، ومركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في "الاهرام" وأكاديمية السلام في مونتان في فرنسا، وما زلت عضواً في مجلس اكاديمية القانون الدولي في لاهاي. كانت كلها اهتمامات بالسياسة، والسياسة الخارجية تحديداً، سواء من خلال الكتابة أو التدريس أو من خلال العمل السياسي. "لم اتخذ قراري بعد" هل يولّد منصب الأمين العام للأمم المتحدة لدى شاغله شعوراً بالخيبة والاحباط بسبب الفارق بين حجم الاعباء وحجم الامكانات المتاحة؟ - هذا الشعور موجود لدى أي مسؤول في أي دولة: حجم المسؤوليات كبير وحجم الامكانات محدود. كيف يعطي المسؤول الأولوية لهذه القضية على تلك، هذا هو السؤال. هذا الوضع ليس خاصية تتعلق بوضع الأمين العام بقدر ما هو خاصية تتعلق بمنصب أي مسؤول. الامكانات قليلة والطلبات كبيرة. الى ماذا يمكن ان يطمح المرء بعد توليه منصب الأمين العام؟ - ضاحكاً الى الراحة. الى الراحة أم الكتابة؟ - في الكتابة راحة. في أي حال فهمت الغرض من سؤالك: انك تحاول ان تسأل هل أرغب في ولاية ثانية يضحك من دون ان تستخدم عبارة هل تنوي ترشيح نفسك وهي السؤال التقليدي الذي يطرح. بصراحة لم اتخذ قراراً بعد. لا يزال أمامي شهران أو ثلاثة لاتخاذ مثل هذا القرار. ما هو أخطر قرار اتخذته الأممالمتحدة خلال خمسين عاماً؟ أو ما هو القرار الأهم اذا كانت كلمة أخطر تثير الحساسيات؟ هل مثلاً القرار المتعلق بكوريا أم الپ242 أم القرار المتعلق بالعراق؟ - سأرد بطريقة غير مباشرة: اخطر قرارات اتخذتها الأممالمتحدة كانت في بداية الخمسينات وهي المتعلقة بتصفية الاستعمار. لا تنسى ان عدد الدول كان 50 وأصبحت الآن 185 دولة. ومن أخطر القرارات أيضاً تلك المتعلقة بالقضايا المستقبلية. الأممالمتحدة هي أول منظمة فكرت في الدفاع عن حقوق الانسان بطريقة شاملة على رغم انه كانت هناك قبل ذلك جهود معينة. وهي أول منظمة أدركت انقسام العالم الى شمال غني وجنوب فقير. وهي أول منظمة أدركت أهمية قضايا البيئة. أي مطلوب من الأممالمتحدة ان تفكر في القضايا المستقبلية وان تضع القواعد لمواجهتها. ليس لدى الدول الوقت الكافي للتفكير في القضايا الكونية أو القضايا الشاملة. هذه المهمة يفترض ان تضطلع بها الأممالمتحدة بصفتها منظمة عالمية. القضايا المهمة في القرن المقبل ستكون قضايا كونية أو شاملة Global Problems. غاندي وسعد زغلول الى أي مدى يصل اهتمامك بالتاريخ؟ - كنت أتمنى ان أعد دكتوراه في التاريخ بموازاة الدكتوراه في القانون الدولي. وبدأت بتحضير الرسالة في التاريخ لكنني لم أتمكن من انجاز الاثنين معاً. قصدت: الى أي حد لديك هاجس في شأن ما سيقوله التاريخ عن وجودك في هذا المكتب؟ - بصراحة ليس لدي هذا الهاجس. لدي من المشاغل والعمل ما يمنعني من التساؤل عما سيقوله التاريخ بعد عشرين أو ثلاثين سنة. هذه ليست مهمتي وليس لدي هذا الاهتمام بالذات، أي ماذا ستكون صورتي في التاريخ. بمن كنت معجباً من الشخصيات التاريخية حين كنت في العشرين؟ - كنت معجباً بغاندي ونهرو، والى حد ما بقيادات مصرية مثل سعد زغلول، وكذلك بطه حسين. كنت في البداية أقلد طه حسين في كتاباتي. من هو الكاتب غير العربي الذي أثر في أسلوبك أو تفكيرك أو ثقافتك؟ - عدد من الكتاب الفرنسيين مثل اندريه جيد والبير كامو وسارتر. أمضيت ثلاث سنوات في فرنسا لتحضير الدكتوراه. تأثرت بالثقافة والحضارة الفرنسيتين. كان ذلك بعد الحرب العالمية الثانية. كم ساعة تعمل في النهار؟ - المتوسط هو عشر ساعات. هل يتسع وقتك للكتابة الآن؟ - اكتب كثيراً. أحب ان أكتب الخطب واجلس ساعات مع الذين يساعدون في الكتابة ونناقش كيف سنكتب وأي كلمة سنستخدم. عيدي أمين والجزيرة التقيت قيادات وسياسيين نريد ان نسأل عن حادثة طريفة؟ - زرت أوغندا خلال وجود رئيس مجنون اسمه عيدي أمين. ارسلني الى جزيرة وسط بحيرة فيكتوريا وكانت احتفالات وراقصات. بعدها سألني كم انجبت فقلت انني لم انجب. سألني عن السبب فقلت الظروف. فقال: ستأتي أنت وزوجتك الى هذه الجزيرة وستقيمان شهراً وبعد ذلك ستنجبان! مفاوضات لاطلاق مانديلا كم استغرقت المفاوضات لاطلاق نيلسون مانديلا؟ - كانت هناك اتصالات سرية بيني وبين القيادة في جنوب افريقيا. زرتهم بطريقة سرية في مابوتو ومرة في هراري والتقينا مرة في روما واخرى في زوريخ. ساهمت في انضاج الموقف لاطلاق مانديلا؟ - كانت مصر تقاطع جنوب افريقيا. وعلى رغم ذلك جئت ببيك بوتا الى مصر. اجرى مفاوضات في مصر مع القيادات الموجودة في انغولا. أثارت المسألة ضجة وكان لها شنة ورنة. فالقيادات كانت مترددة في المجيء الى مصر وكان أملي ان يهدأ لكنه ذهب وصوّر نفسه على جمل في الهرم. قدت مفاوضات أدت الى اطلاق نيلسون مانديلا ولوحظ انه كان حاضراً الجلسة التي أديت فيها اليمين كأمين عام؟ - كانت مفاوضات سرية… المفاوضات الناجحة هي التي يمكنك ان تنكر وجودها. ولو بعد سنوات؟ - نعم ولو بعد سنوات. المفاوض الناجح هو المفاوض الذي يستطيع ان يختفي ويقال ان التسوية تمت من دون وجود هذا المفاوض وحين يسكت ولا يتكلم يقدم الدليل على انه نجح، هل يفتخر الطبيب كيف عالج المريض؟ هناك سر المهنة. بمن انت معجب من المفاوضين في التاريخ؟ - انا معجب بالمفاوض الذي يستطيع ان يمتلك الصبر والقدرة على الاستمرار والقدرة على الكتمان ولا أرتاح الى المفاوض الذي يعلن اتصالاته ومناوراته. أي الذي يتصف بمواصفات رجل الدولة؟ - رجل الدولة يحتاج الى الاعلان والى الانتخابات المفاوض شيء آخر. المفاوض الحقيقي يشبه الطبيب. الكتمان أساسي.