شهدت سنوات حكم الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران احداثاً مهمة جداً على الصعيدين المحلي والدولي. وكان لفرنسا خلال هذه الفترة دور اساسي في صناعة هذه الاحداث أو التأثير في مجرياتها. ويصح ذلك على دول كثيرة في العالم، لكنه يصح بصورة خاصة على العالم العربي، حيث كانت باريس شريكة في حرب الخليج ومعنية بما يدور حول القضية الفلسطينية ومؤثرة في الاحداث اللبنانية وفي شمال افريقيا العربية. وحين غاب دور فرنسا في بعض هذه الاحداث كان لهذا الغياب معنى سياسي، ما يحمل على القول ان سياسة فرنسا العربية ما زالت تتمتع بوزن متفاوت الأهمية بين بلد عربي وآخر. لكن الرئيس ميتران الذي حكم فرنسا بين 1981 - 1995 أعلن مراراً عن رغبته في عدم كتابة مذكرات بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، وانه يعكف بعد تقاعده على إعداد مؤلف يتناول خلاصات ممارسته للحكم. ومعنى ذلك ان المواقف الفرنسية التي ارتبطت بالاحداث خلال فترة حكمه لن تنقل عن لسانه وبقلمه. التعويض الوحيد عن ذلك يكمن في الكتب التي صدرت عن فرانسوا ميتران وفترة حكمه وهي كثيرة، ومن بينها يوميات الحكم في عهد ميتران التي وقعها جاك أتالي، وهو أحد أبرز مستشاري الرئيس الفرنسي السابق ومن بين الذين لم يفارقوا قصر الأليزيه خلال عشر سنوات 1981 - 1991. كتب أتالي يوميات الأليزيه بصيغة أخبار صرفة دفعها كما هي للنشر. من بين الأخبار المكتوبة والمنقولة عن الرئيس وعدد من وزرائه وضيوفه الأجانب، محاضر جلسات كان شاهداً عليها ومدوناً لتفاصيلها. القسم الأخير من هذه اليوميات التي حملت اسم "فرباتيم" Verbatime صدر قبل أيام ويغطي الفترة بين 1989 - 1991 وهي الفترة التي شهدت "حرب الخليج الثانية" وتوقيع "اتفاق الطائف" وسقوط الجنرال اللبناني ميشال عون ولجوئه الى فرنسا واستقبال ياسر عرفات رسمياً في قصر الأليزيه للمرة الأولى من طرف رئيس دولة عظمى، اضافة الى أحداث أخرى. إلا ان صدور الجزء الثالث من "اليوميات" حمل الرئيس ميتران على إصدار بيان علني للتحفظ عنها، لكن المراقبين المحليين يعتقدون بأن التحفظ يطال المجال الداخلي الفرنسي أكثر من المجال الخارجي، حيث وردت عبارات قاسية على لسان الرئيس الفرنسي تطال سياسيين فرنسيين. "الوسط" تنشر بعض فصول "فرباتيم" المتضمنة آراء ميتران وانطباعاته عن شخصيات سياسية عربية. استقبل فرانسوا ميتران الرئيس ياسر عرفات للمرة الأولى في قصر الأليزيه في أول أيار مايو عام 1989. وكان عدد من وسائل الاعلام الفرنسية اعترض على هذه الزيارة وعلى زيارة سابقة لعرفات للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ ايلول 1988 الأمر الذي حمل ميتران على القول في 14 ايلول 1988 "... عرفات ليس نكرة. لقد التقى به كل وزراء خارجية فرنسا منذ سو فينيارغ في عهد جيسكار. وتناولت طعام الغداء معه في القاهرة قبل 15 سنة. وفجأة يتحول اللقاء الى فضيحة؟ نحن لسنا اسرائيليين. وفرنسا لن تكون تحت رحمة حاجب مقطب لبعض عملاء اسرائيل أو لبعض الجمعيات التي تناهض الزيارة يجب ألا نخاف من خسارة بعض الأصوات في الانتخابات. فضلاً عن أننا لن نربح أصواتاً إلا بهذه الطريقة". لقاء الأليزيه تم بحضور ابراهيم الصوص مفوض فلسطين السابق في باريس وفاروق القدومي وجاك أتالي والمترجمين. استهل ميتران اللقاء بقوله: "لن نقبل بأن يتحمل الفلسطينيون كل الضربات. أنا سعيد لرؤيتك في باريس. وأعتقد بأن لك الحق في ان تحب وطنك وان تخدمه. - عرفات: في إطار الشرعية الدولية... - ميتران: سنتحدث عن ذلك. اتفهم وضعك. ان نوع مسؤولياتنا ليس واحداً. فأنا تقتضي مسؤولياتي بعدم نمو بذور الحرب وانما بذور السلام. القضية الشرق الأوسط ليست سهلة. هناك أرض واحدة وليس اثنتان. لقد قضى التاريخ بذلك. اعترفنا في العام 1947 بدولة اسرائيل وبقينا مخلصين لذلك. لكننا اعترفنا بدولة وليس بسياستها وهذه الدولة موجودة، والماضي هو الماضي. والقرارات 242 و338 موجودة ايضاً وهي تتضمن اعترافاً بدولتين. فلماذا لا تعترف بالقرار 242؟ لقد قطعت 9 أعشار الطريق والباقي لا يكلفك شيئاً، و ضعك بعد الاعتراف سيصبح أكثر وضوحاً، أعرف ان لديك الميثاق الوطني الفلسطيني انه ميثاق معارك. والمعركة لم تنته بعد. فمن الأفضل لك ان تقول بوضوح ان الميثاق سيلغى في حالة تحقيق السلام. هكذا أسمح لنفسي بأن أزودك ببعض النصائح مع توخي الحذر لأن المخاطر السياسية كبيرة، ولا يستطيع أحد ان يضع نفسه مكانك وأنا أحترم شخصك وأقول ذلك لأعكس لك طبيعة الروح التي استقبلك بها. زرت اسرائيل في العام 1982. لم يصغ الاسرائيليون الى ما قلته. يومها قلت ان للفلسطينيين الحق بوطن. يجب ان تشعر اسرائيل ان فرنسا حريصة على أمنها وانها تعترف بحق الفلسطينيين بالعودة الى أرضهم. - عرفات: يكن شعبنا الاحترام لك وأنا أكن لك احتراماً كبيراً وصداقة كبيرة. لقد كان قرارك باستقبالي شجاعاً. زيارتي لك تشكل مساهمة فعالة في السلام في الشرق الأوسط، لقد اتخذت موقفاً شجاعاً في الكنيست. وأقول ان السلام في الشرق الأوسط يتطلب جهوداً كبيرة ويفترض ان تكرس له جهودنا الخاصة. ناضلت منذ العام 1947، خلال 42 سنة لم أنجب أطفالاً، هما يشير الى الصوص والقدومي انجبا أطفالاً. نحن نريد السلام من أجل الاطفال. تكفي 42 سنة حرب. لا نريد حرب المئة عام. واليهود ابناء عمنا. لقد طردنا معاً من اسبانيا والاندلس. وهناك الكثير من قادتنا الذين يعتبرهم اليهود يهوداً، فإلى متى الحرب؟ لقد وجه الي الخميني تهديداً ووصفني بالخائن لأنني قبلت ببناء وطن على جزء من فلسطين فقط. صحيح اننا كنا نريد كل فلسطين ولكن مجلسنا الوطني قرر القبول بوجود دولتين على هذه الأرض، وتلك هي روح القرار 181 الذي كان يعطينا 47 في المئة من الأرض الفلسطينية. نحن الآن نطلب دولة فلسطينية على 23 في المئة من الأرض. أي تلك التي احتلت عام 1967 وهو ما يعادل نصف ما اعطتنا إياه الشرعية الدولية. كان الدكتور الصوير ممثلاً للكويت في الأممالمتحدة. عندما توفي سألتني زوجته أين ندفنه. بحثت خلال اسبوع عن كنيسة بين بيروتالشرقيةوبيروت الغربية حيث أمكن دفنه. ويتساءل عدد من الاغنياء الفلسطينيين عن المكان الذي يدفنون فيه. وقالت لي زوجة الصوير أنا ليس لي بلد أعود اليه لأموت فيه. ثم اخذت تبكي وقالت: "أريد بلداً وجواز سفر". أنا ايضاً لم أجد مكاناً أدفن فيه أخي سفير فلسطين في اليمن الذي كنت أعبده. لقد تطلب الأمر ان مصرياً اشترى أرضاً وقدمها كي يدفن أخي فيها. هذه هي المأساة الفلسطينية. نحن نريد العيش بسلام. يتهمنا ... الشجعان جداً بتهكم بالخيانة ويتهمنا الايرانيون ايضاً بالخيانة. لكن اذا ما وجدت الأرض لأطفالنا فسيكون السلام. ولا نحقق السلام الا مع اعدائنا ونحن نريد السلام مع شامير ومع شارون الذي طلب عشر مرات من الموساد ان يغتالني. إنهم يمقتونني لكن لا يمكنهم صنع السلام إلا معي وليس مع جيمس بيكر. اسمح لي أن أتحدث معك بانفتاح. لقد فشلت 17 محاولة لتحقيق السلام حتى الآن فماذا سيكون الحل للمستقبل الحرب؟ نحن الفلسطينيون طليعة العالم العربي ... فإذا ما تم تجاهلنا واذا ما وضعنا خارج العالم من دون حل، فماذا سيكون مستقبل المنطقة غير الحرب؟ لقد صارت حرب الستة أيام 1967 تنتمي الى مخلفات التاريخ. الحرب المقبلة ستكون بالقنابل النووية والكيماوية. لدينا مخاوف ولديك مخاوف ايضاً. من بينها: هل نتوقع اندلاع حرب مع اسرائيل كتلك التي تدور شرق البصرة مع ذلك القدر من الضحايا. اذا وقعت حرب في المستقبل فكيف ستكون مثل هذه الحرب؟ نطلب منك ان تتدخل بيننا ... لماذا لا نجمع كل جهودنا من أجل السلام. ميتران: أنا منفتح أيها السيد الرئيس على ما ذكرت. لقد حان الوقت لوضع النقاط على الحروف. يجب ان تتحدثوا تواً مع الاسرائيليين بصراحة. والخطاب الذي ألقيته الآن لا يمكن إلا ان يثير حساسية المسؤولين في اسرائيل. أقوالك صحيحة ويجب ان تكررها عشر مرات حتى يصدقك الآخرون. وعليه أطلب منك ان تقول بوضوح: 1- اذا حلّ السلام فإن مواد الميثاق الوطني التي نفتها قرارات الجزائر ستصبح جزءاً من الماضي. 2- ان قرارات الاممالمتحدة صالحة للسلام. سيرفض الاسرائيليون وسيواصلون الوقوف ضدك. لكن سيكون الرأي العام العالمي والأوروبي معك. وأنا سأكون رئيساً للمجلس الأوروبي خلال شهرين وسأكون معك. لقد زارني اسحق شامير قبل شهر وقلت له انني سأستقبلك من دون ان أحدد الوقت. يجب ان تقول بصوت عال وقوي بأن هذا هو هدفك. وليس كما يقول شامير بأنك ستتجاوز هذا الهدف بعد انشاء الدولة. - عرفات: أوافق على مفاوضات مباشرة بحضورك اذا تخلوا عن بعض التحفظات. لقد تلقيت قبل خمسة أيام رسالة من رابين قال لي فيها انه يختلف عن شامير وقدم لي اقتراحات، لكن رابين لا يثق بي. قلت له انني سأدرس مقترحاته. - ميتران: الحكومة الاسرائيلية شامير انتخبت على اساس خط متصلب. - عرفات: لدي إذن خمينيان: خميني أمامي ايران والخميني الحقيقي ورائي شامير، ثم ينفجر ضاحكاً. - ميتران: حول حق العودة للفلسطينيين الى فلسطين اعتقد بأن التحوط سيكون مفيداً. - عرفات: يتحدث القرار 194 عن تعويضات وهو واضح. ولكن هناك 3 ملايين فلسطيني يعيشون في الأردن ويملكون 86 في المئة من ملكيات عمان. هل يعود هؤلاء الى فلسطين؟ وأولئك الذين يعيشون في الخليج والعربية السعودية هؤلاء ايضاً لا يريدون العودة. وأنا أتمنى ان تتدفق أموالهم على الدولة الفلسطينية وان يأتوا اليها للزيارة. هؤلاء هم الذين جعلوا لبنان مزدهراً. طبعاً علي ان أحملهم على القول بأنهم مستعدون للقبول بتعويضات. وأنا مستعد للبحث في ذلك كله على طاولة المفاوضات. القرار 171 يتحدث عن "اقتصاد مترابط" يجب التوصل الى اتفاق على الاقتصاد والماء وعلى غزة على الأقل. - ميتران: هذا برنامج عامر. كيف علاقتك بالأردن؟ - عرفات: سكان الضفة الغربية من دون دولة. وأنا مسؤول عن 23 ألف موظف فيها ولا تظن ان العرب كرماء! لدينا علاقات جيدة جداً مع الأردن ونريد تحقيق الكونفيديرالية معه. لبنان والجنرال عون في 19 أيار مايو عام 1989 زار الرئيس جورج بوش فرانسوا ميتران وحضر اللقاء جيمس بيكر وزير الخارجية وتطرق الرئيسان الى مواضيع عدة منها الموضوع اللبناني حيث قال ميتران لبوش "يجب ان نخفض مساعداتنا الاقتصادية لسورية من اجل حملها على التنازل في الموضوع اللبناني. أنا أخشى من تدمير المسيحيين اللبنانيين. غورباتشوف مستعد للمساهمة وفي الضغوط. والخطر يكمن الآن في ان يبادر 200 متعصب موالٍ لايران الى اجتياح المنطقة المسيحية وذبح أهاليها. أعتقد بأننا نقف على عتبة مذبحة حقيقية". لم يرد بوش على ذلك وانما تدخل جيمس بيكر ليقول: "... ويجب ان تقول للعراق ايضاً بأن يمتنع عن ارسال السلاح الى ميشال عون". وينتهي الحديث عند هذه النقطة بحيث يظهر ان الاميركيين لا يبدون حماساً شديداً للتدخل في لبنان. ويختفي ذكر لبنان بطريقة ذات دلالة مهمة حتى 30 تشرين الأول اكتوبر عام 1989 حيث يتحدث اتالي عن اتفاق الطائف وآثاره على لبنان بقوله: "... لم يحظ اتفاق الطائف بإجماع اللبنانيين. لقد جاءني جان فرانسوا دوينو نائب يميني من مؤيدي عون برسالة من ميشال عون الى فرانسوا ميتران يقول فيها ان القبول باختفاء لبنان هو القبول بغياب أرض وثقافتها الدستورية وطريقتها الخاصة بتقديم نفسها للعالم. إنه معاد لاتفاق الطائف لأنه يكرس دور سورية ويجعل الحكومة اللبنانية تحت تأثيره عملياً وهو لا يريد ان تقع الواقعة، ويُذكر بأن النواب اللبنانيين الموجودين في الطائف لم يحظوا بثقة الناخبين منذ العام 1972 وان أي لبناني يقل عمره عن 40 سنة لم يقترع لهم فهل يمكن لهؤلاء النواب رسم مستقبل لبنان". ميتران يؤكد ان هذه الرسالة مهمة ويتمنى الرد عليها بعناية كبيرة بالاتفاق مع رولان دوما وزير الخارجية". بعد انتخاب الياس الهراوي رئيساً للجمهورية، وردت الى قصر الرئاسة الفرنسية رسالتان منه الى الرئيس ميتران وتصريحات انتقادية ضد فرنسا يعلق عليها الرئيس الفرنسي في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 7 آذار مارس 1990 بقوله: "لقد تحملت فرنسا بدعمها اتفاق الطائف، مخاطر لدى الرأي العام المحلي مثلما تحملت مخاطر بالتخلي عن دعمها لميشال عون. ثم اخلينا السفارة اللبنانية في باريس من أنصار عون الذين احتلوها. لقد تمت العملية بسلام، ومن دون اضرار، لكن كان يمكن ان تحدث أضرار. فماذا يريد الهراوي أكثر من ذلك. وهو اعتراض ورد في رسالتين ارسلتهما اليه وطالبته فيهما بالتحلي بالصبر والامتناع عن القيام بعملية عسكرية ضد بيروت، وهي عملية لا يمكن ان يقودها إلا الجيش السوري! لقد طالبه الفاتيكان بالشيء نفسه. لا بد ان توجه اليه الخارجية لفت انتباه قوي للغاية". في تشرين الأول اكتوبر عام 1990 كانت فرنسا قد أصبحت منخرطة في نزاع الخليج عندما سقط قصر بعبدا. ولجأ العماد عون الى السفارة الفرنسية. وفي 13 من الشهر نفسه يتساءل ميتران: "ماذا نفعل في الكويت واصدقاؤنا يُقتلون في لبنان سيكون من الصعب علينا البقاء لوقت طويل هناك من دون الاهتمام بما يجري في لبنان. استقبلوا عون استقبالاً جيداً، ولكن ليس كرئيس دولة لأننا لا نعترف به بهذه الصفة". ويعود ميتران في 17 تشرين الأول 1990 ليعلق على التطورات اللبنانية بقوله: "يصرخ مسؤولو المعارضة في باريس حول قضية عون ولبنان واللبنانيين. وينسون ان كثيراً من المسيحيين يقفون ضد عون وبصورة خاصة البطريرك الماروني. لقد دعا رئيس لبنان المسيحي في أول حزيران يونيو عام 1976 السوريين الى اجتياح لبنان. فماذا فعل اولئك الذين ينتقدوننا اليوم؟ لقد استقبل الرئيس جيسكار ديستان في 19 حزيران يونيو الرئيس الأسد في باريس بالطبل والزمر، في كل الأحوال لن نسلم عون للسوريين". بعد انتهاء قضية عون، مال رئيس الجمهورية الى الواقعية وبدأ يبحث عن تفسير لسياسة بلاده حيال لبنان بقوله في مجلس الوزراء في 20 آذار مارس 1991: "... بخلاف ما يعتقد عدد من الناس في فرنسا، لبنان ليس فقط المسيحيين الموارنة. هنالك على الأقل سبع طوائف مسيحية مختلفة، والموارنة ليسوا كلهم ميشال عون، فما الذي يمكننا ان نفعله غير دعم مسيرة الطائف؟ من المحتمل ان تعود النزعة الوطنية اللبنانية للظهور مع القادة الحاليين في لبنان". لكن هذا الكلام لم يقفل الملف اللبناني وظل قادة المعارضة يطالبون فرنسا بالتدخل ما حمل الرئيس ميتران على التعليق على ذلك بقوله في 12 نيسان ابريل عام 1991 "... جاءني عدد من النواب الفرنسيين اليمينيين وبدأوا يتكلمون عن شرف فرنسا وتاريخنا وضرورة انقاذ هذا الشرف في لبنان، فقلت لهم ماذا يعني هذا الكلام؟ هل تطلبون مني تنظيم حملة عسكرية؟ لم يجرأوا على الموافقة. وصاروا يقولون على فرنسا ان "تفعل" ولكن تفعل ماذا؟ لقد طالب ميشال جوبير وزير خارجية سابق بمؤتمر دولي حول لبنان. لكن مع من؟ لا أحد يريد مثل هذا المؤتمر...". مبارك يرفض شيكاً عراقياً بعد الاجتياح العراقي للكويت أوفد الرئيس ميتران وفوداً الى عدد من الدول العربية والاسلامية ومن بينها وفد الى القاهرة للقاء الرئيس حسني مبارك برئاسة جان لوي بيانكو السكرتير العام لرئاسة الجمهورية. وعاد بيانكو الى باريس بصورة ايجابية عن الموقف المصري ونقل عن مبارك قوله: "قال لي معمر القذافي ان صدام حسين مجنون ... وروى مبارك لمحدثه انه "قبل ايام من العدوان العراقي على الكويت ارسل لي صدام شيكاً ب 20 مليون دولار، ثم وعدني بشيكات اخرى فأعدت له الشيك. اعتقد بأن الحرب مع العراق تستغرق ساعات قليلة فقط". وشرح مبارك للوفد بأن على فرنسا الا تظهر وكأنها في الخلف بقوله: "لماذا يجب انتظار السماح من الاممالمتحدة قبل التحرك. لو ان بارجة اميركية تدخلت لفرض احترام الحصار على العراق، قبل صدور قرار الاممالمتحدة، لكنت صفقت لها". وذلك رداً على الدعوات الفرنسية المتكررة في حينه التي كانت تطالب بأن تكون الاممالمتحدة راعية للتحرك الدولي في الازمة. الملك حسين في ايلول سبتمبر التقى ميتران الملك حسين الذي زار باريس للبحث في ايجاد حل سلمي لأزمة الخليج، وحاول الدفاع عن سياسة بلاده خلال الازمة. وتطرق البحث في هذا اللقاء الى العلاقات الفرنسية - العراقية في وقت كان العراق يحتجز عدداً من المواطنين الفرنسيين كرهائن ودروع بشرية الأمر الذي سبب صدمة كبيرة لميتران الذي خاطب الملك حسين بقوله: "يتجاهل العراق ما فعلناه من اجل انقاذه خلال الحرب الايرانية - العراقية وها هو يعاملنا معاملة الكلاب. صدام مدين لنا ب 24 مليار فرنك ويحتجز مواطنينا كرهائن عنده. هذا عمل جاحد ولا يمكن التساهل معه. انه عمل بربري. لم ار طيلة حياتي وخلال 74 سنة من عمري، رجلاً يتنكر لشرفه كهذا الرجل. اهكذا يكافئنا على مساعدتنا له"! ميتران - بوش عندما فشلت مساعي حل ازمة الخليج بالمفاوضات والحصار الاقتصادي والضغوط الدولية اندلعت الحرب. وفي سياقها جرت محادثات هاتفية بين بوش وميتران من بينها اتصال في غاية الاهمية حصل في 5 شباط فبراير 1991. بوش: عزيزي فرنسوا! اعتقد انه من المناسب ان نقوم الموقف بين الحين والآخر ونناقش تطور الاحداث. لدي انطباع بأن الامور جيدة بالنسبة الى الحرب والائتلاف صامد. لدينا خصم قوي وقادر على مفاجأتنا. اعرف ان برنت سكوكرفت والاميرال لانكساد يتشاوران بصورة مكثفة وهذا رائع. ان وجود فرنسا الى جانبنا بمنحنا شعوراً كبيراً بالقوة. ميتران: نحن بالفعل معكم بشكل كامل. بوش: اعتقد بأن عملياتنا منسقة جيداً ولا يوجد اختلاف في مقاربتنا للوضع يجب ان ينسحب العراقيون من الكويت انسحاباً كاملاً ومن دون تنازلات. لم نلحظ في هذا المجال اي تغيير في الموقف العراقي. هل لاحظت شيئاً؟ ميتران: لا ان كل الاتصالات المباشرة وغير المباشرة تؤكد ذلك. عندما يجري الحديث عن هدنة اردد دائماً: ربما. ولكن لا يوجد شيء على هذا الصعيد. بوش: لقد تحدثت قبل ساعتين مع الرئيس التركي اوزال الذي كان تحدث مع الرئيس الايراني رفسنجاني. ميتران: نعم. رفسنجاني يرغب ايضاً في الاتصال بي. بوش: أوزال موافق تماماً على مواقفنا وهو يعتبر ان العراقي صدام حسين شخص مرعب وانه يجب ان يترك الكويت. في ما يتعلق بالايرانيين لدي انطباع بأن موقفهم جيد وهم يواصلون الالتزام بقرارات الاممالمتحدة. وليس لدي ما اقوله حول ما يحاول ان يفعله رفسنجاني. بالنسبة الى المغرب اشعر بأنني مخطئ لأنني لم افعل شيئاً في هذا الموضوع وفق ما كلمتني. من المفيد ان تقول لي رأيك في هذا الموضوع. ميتران: لدينا اتصالات مكثفة جداً مع الجزائر. وزير خارجيتها يضعنا دائماً في صورة اتصالاتهم مع العراقيين والايرانيين. الحكومة الجزائرية تعبر عن تضامنها مع صدام حسين انما من دون حماسة كبيرة. تطرح دول المغرب بالنسبة الينا مشكلة حساسة فهي بلدان فرانكوفونية وتعرفنا جيداً ... ان المكان الوحيد الذي تدور فيه الامور بصورة مريحة هو من جهة القذافي. عنده تظاهرات في طرابلس ولكن المتظاهرين يطالبون بحق تقرير المصير للكويت. اتصل بين القذافي للمرة الاولى منذ سنوات من اجل ان يقول لي: "يوجد كثير من المجانين في هذا العالم وانه يجب على العقلاء مثله ومثلي ان يتدخلوا". بوش: سأكون فضولياً للغاية لمعرفة رد فعلك الديبلوماسي على طلبه؟ ميتران ... قلت له يسرني ان أجده بهذه الروح.