وأخيراً أقرّ صندوق النقد الدولي البرنامج الجديد للاصلاح الاقتصادي في مصر، بعد مفاوضات طويلة، لم تخل من الخلافات الكثيرة بسبب تباين وجهات النظر بين الطرفين، واصرار القاهرة على نسخة خاصة بها من الاصلاحات. وبموجب الاتفاق الجديد الذي ستتم مراجعته بصورة دورية كل 3 أشهر فإن الحكومة المصرية ستتابع تنفيذ برنامج التخصيص وصولاً الى بيع 202 شركة مملوكة كلياً او جزئياً للقطاع الخاص، بما في ذلك بيع حصة الدولة في المصارف المشتركة، الى توحيد شروط الاستثمار امام الرساميل المحلية والاجنبية، عن طريق اعتماد قانون موحد للتوظيفات الوطنية والخارجية، وفتح الباب امام الرساميل المحلية والاجنبية، للتوظيف في قطاعي الصناعة والخدمات، الى استمرار العمل بنظام الحوافز الممنوحة للاستثمارات الخاصة. كما يشتمل الاتفاق الجديد الذي سيستغرق تنفيذه فترة سنتين، على الاجراءات التي تنوي الحكومة المصرية تنفيذها في مجال تحرير التجارة الخارجية، عن طريق خفض معدلات الرسوم الجمركية واعادة النظر بالقيود المفروضة على بعض انواع الواردات والصادرات، الى جانب تبسيط الاجراءات التي تفرضها الجمارك لتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير. الى ذلك فإن على لائحة الاجراءات التي اشتمل عليها الاتفاق استكمال اعادة النظر بالنظام الضريبي، والتوسع في شموله فئات اكثر، مع التركيز على أن تكون المساهمة في الايرادات الضريبية اكثر عدالة، والتركيز على تحسين فعالية عمليات الجباية، والحد من تفاقم ظاهرة التهرب الضريبي. اسقاط 4 مليارات دولار ومع ان الحكومة المصرية وعدت بالحصول على تسهيلات من صندوق النقد بما تصل قيمته الى 390 مليون دولار لدعم ميزان المدفوعات لديها، الاّ أن الفائدة الاولى التي يقول المصريون ان الاتفاق مع الصندوق سيساهم في تحقيقها، تتمثل في مبادرة الدول الدائنة في اطار "نادي باريس" الى اسقاط ما تصل قيمته الى حوالي 4 مليارات دولار من فوائد الديون المتراكمة على مصر، علماً ان مبلغ 4 مليارات دولار، سيكون الدفعة الثالثة والاخيرة، من برنامج اسقاط الديون الذي بدأت القاهرة الافادة منه، منذ اوائل العقد الجاري. ويحرص مسؤولو الصندوق على ابداء تفاؤلهم بالنتائج الاقتصادية التي ستترتب على التزام الحكومة المصرية المرحلة الجديدة من الاصلاح. وفي هذا السياق يقول مصدر في الصندوق ان الهدف الاساسي للمرحلة الجديدة يتمثل في استكمال برنامج الاصلاحات الهيكلية، والمساعدة على رفع مستويات النمو الى 6 في المئة، والافساح في المجال امام استيعاب حوالي 300 - 400 ألف شخص في سوق العمل، في اشارة غير مباشرة الى أن المرحلتين السابقتين من برنامج الاصلاح اعتباراً من اواخر العقد الماضي، تركزتا بصورة رئيسية على إعادة بناء وتطوير البنية التحتية في البلاد، ثم على معالجة الوضع المالي، خصوصاً لجهة تقليص العجز في المالية العامة، وهو ما نجحت الحكومة المصرية في تحقيق الجزء الاهم منه، من خلال تقليص العجز في الموازنة من 20 الى 5،1 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. اعباء اضافية ومع ذلك فإن النجاح الذي حققته الحكومة المصرية على صعيد معالجة العجز في المالية العامة، لن يكون هدفاً قابلاً للتحقيق بسهولة في السنوات القليلة المقبلة، خصوصاً لجهة الاعباء الاضافية التي سيترتب على الدولة تحملها في مجال تحسين كفاءة الخدمات الاجتماعية، مثل الصحة والتعليم والنقل والمساهمة في خلق فرص عمل جديدة لتلبية احتياجات آلاف المصريين الذين يتدفقون سنوياً الى سوق العمل. ويسود اعتقاد متزايد بأنه يتوجب على مصر الاعتماد اكثر فأكثر على الاستثمارات المحلية لتسريع الدورة الاقتصادية في البلاد، بسبب مخاطر تراجع التدفق الاستثماري من الخارج، والذي لم يزد في متوسطه السنوي في خلال النصف الاول من التسعينات عن 400 مليون دولار سنوياً، نتيجة المنافسة القوية التي تشكلها اسواق اخرى جاذبة للاستثمارات، خصوصاً في القيود المفروضة على التبادل التجاري بين الدول العربية، وهو وضع من شأنه ان يؤثر سلباً على خطط الشركات الاجنبية التي تسعى الى التوسع الاقليمي، انطلاقاً من احدى دول المنطقة. وفي السياق نفسه فإن ثمة اعتقاداً بأن اسعار الفوائد على الجنيه المصري تتجه الى التراجع، لتشجيع المدخرين على التحول من الاستثمار في الودائع المصرفية الى التوظيف في قطاعات انتاجية أخرى، الاّ أن تقديرات متطابقة تشير الى أن قدرة الحكومة المصرية على متابعة خفض اسعار الفائدة ستكون محدودة جداً بسبب المخاوف القائمة من ان يؤدي التوسع في هذه السياسة الى تقليص الحوافز التي يحصل عليها المستثمر بالجنيه، وتالياً تزايد التحويلات الى العملات الاخرى. واضافة الى ذلك، سيتوجب على الحكومة المصرية ان تواجه احتمالات تراجع سعر صرف الجنيه، في المديين المتوسط والطويل، علماً انها قاومت بنجاح حتى الآن الضغوط التي حاولت المؤسسات المالية الدولية ممارستها لاعادة النظر بسعر الصرف القائم حالياً. تخصيص 200 شركة ومن التحديات التي يتوجب على الحكومة المصرية مواجهتها في السنتين المقبلتين، انجاز برنامج التخصيص الذي سيشمل أكثر من 200 شركة، ومع انه يقوم حالياً اتجاه الى زيادة التركيز على سوق الاوراق المالية لبيع اسهم الكثير من شركات القطاع العام، الى جانب الاجراءات الاخرى للافساح في المجال امام تملك العاملين في هذه الشركات، وفتح الباب امام بيع البعض منها، في اطار مزايدات مباشرة، الاّ أن ثمة مخاوف من قدرة الرساميل المحلية على استيعاب كامل الاصول المطروحة، في ظل محدودية التدفقات الاستثمارية من الخارج بسبب حرص الاستثمارات الاجنبية على التوظيف في مشاريع اساسية مضمونة الجدوى الاقتصادية والربحية المالية، مثل مشاريع الهاتف والكهرباء ومرافق النقل وغيرها. ويقول خبراء في صندوق النقد أنه سيتوجب على القاهرة التي تفاوض حالياً لاقامة شراكة تجارية مع الاتحاد الاوروبي، وتستعد للانضمام الى اتفاقية التجارة الدولية الحرة الغات ان تجد مصادر دخل كافية للتعويض عما ستخسره من جراء خفض الرسوم الجمركية، كما سيتوجب عليها أن تسرّع اجراءاتها لتحسين الطاقة التنافسية لصادراتها في مواجهة القدرة التنافسية الكبيرة التي تتمتع بها السلع الاوروبية، والصادرات من اسواق الدول النامية، في جنوب شرقي آسيا وشرق اوروبا، خصوصاً ان صادرات مصر الى الخارج تتركز بنسبة 40 في المئة في اسواق الاتحاد الاوروبي. حتى الآن تجاوزت الحكومة المصرية معظم التحديات التي واجهت خطط الاصلاح الاقتصادي التي باشرت تطبيقها منذ أواخر العقد الماضي، الاّ أن استمرار النجاح بات يشترط، كما يقول شابرييه، رئيس ادارة الشرق الاوسط في صندوق النقد، بذل جهود اكثر شمولاً في المرحلة المقبلة، وهو ما تعد القاهرة بالتزامه