مشروع الاتفاق بين القاهرة والبنك الدولي على إسقاط الدفعة الجديدة من الديون الخارجية المتوجبة على مصر أصبح في مراحله النهائية، بعدما توصل الطرفان الى تفاهم على 90 في المئة من النقاط، كما يقول الدكتور يوسف بطرس غالي، وزير الدولة للتعاون الدولي، الذي تتركز مهمته الاساسية على متابعة العلاقات المالية مع الخارج، الى جانب كونه احد أهم الخبراء المصريين في موضوع الديون الخارجية، سواء عندما كان أحد مستشاري رئيس الحكومة، وقبلاً عندما عمل في صندوق النقد الدولي لمدة ست سنوات. وحسب تقديرات رسمية في القاهرة، فإن الاسقاط الذي ستحصل عليه مصر في تموز يوليو المقبل، قد يتراوح بين 3 و4 بلايين دولار، ما يعني ان ازمة الديون التي عانت منها الحكومات المصرية المتعاقبة طوال العقدين الماضيين باتت في مراحلها الاخيرة. وفي الواقع، وطبقاً لاحصاءات رسمية أعدها البنك المركزي المصري اخيراً، فإن اجمالي الديون المتوجبة على مصر حتى نهاية العام 1993، تراجع الى 9.8 بليون دولار، وهو رقم كبير قياساً بقدرة الاقتصاد المحلي على مواجهته، إلاّ أنه أقل أهمية بالقياس الى حجم الايرادات من العملة الاجنبية. وبالفعل تراجعت كلفة خدمة الديون في مصر الى 1.5 بليون دولار سنوياً. بما يعني انها لا تزيد عن 15 في المئة من اجمالي ايرادات البلاد بالعملات الاجنبية، وهي نسبة متدنية بالقياس مع المستويات القائمة في دول مشابهة لمصر من حيث حجم الديون، مثل اندونيسيا التي يقدر اجمالي ديونها الخارجية بحوالي 30 بليون دولار. التفاؤل الموضوعي الى ذلك، يعتمد المسؤولون المصريون على كون غالبية الديون المتوجبة على مصر هي ديون متوسطة وطويلة الاجل، وبنسبة تزيد 78 في المئة، في حين ان دولة مدينة مثل ايران بحجم ديون يقدر ب 20 بليون دولار، تصل خدمة ديونها الى حوالى 4 بلايين دولار سنوياً باعتبار انها ديون قصيرة الامد بنسبة 68 في المئة. ويحرص المسؤولون على ابراز اسباب اخرى للتفاؤل، ابرزها التراجع الذي سجله معدل التضخم في البلاد، وهو تراجع استمر طوال السنوات الثلاث الماضية بصورة مستقرة توحي بأنه مرشح لبلوغ ما هو متفق عليه، بما لا يزيد عن 5 في المئة. وكانت الارقام التي أعدها البنك المركزي اخيراً أظهرت تراجع نسبة التضخم في كانون الثاني يناير الماضي، إلى7 في المئة، في مقابل 9 في المئة للنصف الثاني من العام المالي الماضي الذي يبدأ في تموز يوليو. ويقول رئيس الحكومة الدكتور عاطف صدقي ان ثبات معدلات التضخم على اتجاهها التراجعي من شأنه ان يوفر اطاراً اقتصادياً ومالياً ملائماً لمتابعة سياسة الاصلاح التي كانت بدأت منذ سنوات. ويعترف وزير التعاون الدولي بوجود ملاحظات لدى مؤسسات التمويل الدولية على ما تسميه "تباطؤ" القاهرة في تنفيذ برنامج التخصيص الذي يقوم على خروج الدولة من ملكية الشركات من خلال طرحها للبيع الى القطاع الخاص، إلاّ أنه يشير إلى أن المحادثات التي جرت في الاشهر الاولى من العام الجاري نجحت في اقناع هذه المؤسسات بصواب السياسة التي تنتهجها الحكومة المصرية في مجال التخصيص، خصوصاً لجهة الاهمية الخاصة التي تصر القاهرة على إعطائها لمواضيع ذات طابع اجتماعي، مثل العمالة الفائضة، وقدرة السوق المحلية على استعياب كميات كبيرة من الاصول التي يتم طرحها في السوق دفعة واحدة. ويعترف مسؤولون في القاهرة بأن تطبيق برامج التخصيص حتى الآن لم يمر من دون مصاعب كبيرة، ترتبط بالظروف التي نشأت في مصر نتيجة اعمال العنف من جهة، ومحدودية الامكانات المتوافرة لدى القطاع الخاص على استيعاب اصول تصل قيمتها الاجمالية الى حوالى 80 بليون جنيه 23.7 بليون دولار. الا أن الوزير غالي يعتبر إن سياسة الخصخصة حققت اهدافها حتى الآن، وان جميع الشركات الحكومية ستشق طريقها الى القطاع الخاص، وفق الامكانات المتوافرة لاستيعاب اصولها، مشيراً الى أن أحد أهم الشروط التي اصرت عليها الحكومة المصرية تمثل في الزام المستثمرين الجدد المحافظة على عمالة الشركات وتطوير رساميلها لتحسين كفاءتها الانتاجية، وزيادة قدرتها التنافسية في الاسواق. ويحرص المسؤولون المصريون على التفاؤل بقرب انتهاء مرحلة التقشف وبداية الافادة من سياسات الاصلاح الاقتصادية التي طبقتها القاهرة منذ سنوات، ومن المقرر ان تكون ثمارها اصبحت اكثر نضجاً، فهل التفاؤل المصري في محله؟ التقرير الذي أعدته ادارة البنك وصندوق النقد الدوليين ابدى ارتياحه الى ما تحقق في مصر، خصوصاً على صعيد تحرير اسعار العملة وعمليات التحويل من والى والخارج. كما أبدى خبراء البنك الدولي ارتياحهم الى تحسن احتياط البلاد من العملات الاجنبية وتقليص فاتورة الديون الخارجية وبرنامج تحرير اسعار السلع والخدمات وزيادة الاستثمارات الخاصة في البلاد، ولو انهم لا يزالون يسجلون بعض الملاحظات على برامج تحرير بعض القطاعات، وتحرير عمليات الاستيراد والتصدير. ومع ذلك فإن ثمة سباقاً لا يزال قائماً بين الثمار التي يأمل المصريون ان الوقت حان لقطافها، وقدرتهم على تحمل الاعباء المعيشية، وقد لا يكون تدخل الرئيس حسني مبارك في مواضيع يومية، مثل اسعار الكهرباء والمياه، إلاّ إشارة واضحة الى احتدام السباق.