يتناول رئيس وزراء أفغانستان السابق قلب الدين حكمتيار، في هذه الحلقة الأخيرة من ذكرياته عن ملفات الجهاد وأحداث الماضي، التحديات التي واجهها المجاهدون الأفغان في تصديهم للاحتلال السوفياتي ورفضهم الدخول في أي مفاوضات لحل الأزمة الأفغانية سياسياً. ويتحدث عن ذكرياته مع الرئيس الباكستاني الراحل الجنرال محمد ضياء الحق الذي يقول انه كان ينوي تحويل بلاده دولة اسلامية بالكامل اذا ما تحقق النصر للمجاهدين الأفغان حتى تكون ثمة دولة اسلامية لحماية ظهر باكستان. ويشير الى آرائه في اجتهادات الزعيم الايراني آية الله الخميني ويتهم ايران باتخاذ مواقف من أفغانستان لم تكن في مصلحة الشعب الأفغاني. ما هي وجهة نظركم في ما قيل عن دواعي التدخل الروسي في أفغانستان؟ - لا شك في ان الروس كانوا يحلمون منذ القدم بالوصول الى مياه المحيط الهندي الدافئة. ومثل هذا التحرك لا يتأتى الا بالاستيلاء المباشر على أفغانستان. وترى موسكو ان أكبر عقبتين أمامها هما باكستان وأفغانستان ثم تتفرغ الى الاضطرابات أو المتاعب على الحدود الايرانية - الروسية وكذلك الصين. وبدأ الروس العمل والنشاط في أفغانستان في الفترة 1953 - 1963 أثناء حكم محمد داود، ولا ريب في ان سقوط افغانستان في أيدي الروس جعلهم قريبين من باكستان، ورأوا ان الأخيرة ستواجه مشكلات داخلية، وانها ستكون بين قطبي الرحى - الهند من جانب والروس من الجانب الآخر - الى جانب مشكلاتها الداخلية. وكان الروس يأملون في تنفيذ ذلك من خلال الانقلاب العسكري الشيوعي، وحين فشلوا في ذلك تدخلوا تدخلاً سافراً ومكشوفاً. وهكذا غزت موسكوكابول، لكن الهدف الأساسي والرئيسي كان ضرب الحركة الاسلامية الأفغانية التي كانت على أبواب كابول. لكنهم لم يتمكنوا من تنفيذ خطتهم الطموحة وفي الوقت المناسب، لأنه كما يُقال سبق السيف العذل، فالحركة الاسلامية شبت عن الطوق وغدت عصيَّة على الاختراق أو الضرب والابادة. ولا يشك أحد في ان انقلاب الشيوعية وقع قبل وقته، فالحزب الشيوعي كان ضعيفاً، ولم يكن بوسعه ادارة أفغانستان، لهذا واجهوا متاعب التدخل الروسي المباشر. ولا شك ايضاً في ان التدخل جاء لانقاذ ما يمكن انقاذه من تدهور قوة حزبي خلق وبرشم الشيوعيين وهيبتهما وسمعتهما. الساعات الأولى للغزو هل تتذكر الساعات الأولى للغزو السوفياتي لأفغانستان؟ أين كنت؟ وما هي انطباعاتك؟ وماذا كان ردّ فعلك؟ - الكثيرون حتى من أصدقائنا اعتبروا عملنا هذا انتحاراً، ولم يصدقوا مقاومتنا لتلك القوات. مع ان المجاهدين كانوا على وشك اسقاط النظام الشيوعي قبل الغزو السوفياتي، لأن الوضع العسكري في تلك الفترة كان في مصلحة المجاهدين، وكنا نحاصر كابول فعلياً، ولم يكن حفيظ الله أمين قادراً على الوقوف في وجه المجاهدين، وأدرك الروس آنذاك انه من دون تدخل عسكري لن تبقى حكومة كابول، فاضطرت روسيا الى ارسال قواتها الى أفغانستان. وكان ارتباطنا مع الجيش قوياً وكنا نخطط لانقلاب، واستطيع ان أقول بأن وضعنا كان جيداً جداً، وقد تيقن الروس انهم ما لم يرسلوا قوة عسكرية الى كابول فالعاقبة وخيمة عليهم وعلى عملائهم، ولا شك في ان هناك فارق الآن في التنظيم والأوامر، فوضعنا من ناحية التنظيم الآن أفضل من السابق، وكذلك قوة المجاهدين العسكرية والتجارب ايضاً، أما في تلك الفترة فلم نكن مطمئنين الى قدرتنا على تأسيس حكومة اسلامية قوية بعد الاطاحة بالحكومة العميلة. وقد كشف الغزو السوفياتي لأفغانستان عورات الجيش الأحمر، فحين دفعوا بأبناء الجمهوريات الاسلامية للحرب في أفغانستان اندفع هؤلاء الجنود الى شوارع كابول وكان عددهم يفوق العشرة آلاف، وأقبلوا على شراء المصاحف الممنوعة في بلادهم، والبحث عنها بشغف، الأمر الذي ازعج القيادة الروسية فأعادتهم الى روسيا، وأرسلت قوات جديدة من الروس الأصليين وأبناء دول أوروبا الشرقية وكوبا وغيرها. توقعت منذ بداية الغزو السوفياتي ان تطرأ تغييرات كبيرة على النظرية الشيوعية والعالم بسبب الجهاد الأفغاني. واعتقادنا ان الحرب بين الشيوعية والاسلام انتهت لصالح الاسلام، ومما يؤسف له ان الغرب استغل هذه الفرصة واعتبر انه هو الذي هزم النظرية الشيوعية، لكن الواقع والحقيقة غير ذلك، اذ ان الشيوعية انما نشأت وترعرعت في أحضان الغرب الذي فشل في مواجهة النظرية الجديدة بسبب الخواء والفراغ الروحي والنظام الحياتي الغربي. لكن بفضل الله اندحرت الشيوعية أمام الحركة الاسلامية في أفغانستان. اتهمت روسيا الرئيس الأفغاني حفيظ الله أمين بأنه كان عميلاً أميركياً. وأنت تقول انه شيوعي. لماذا اذن قتله الروس؟ - الأسباب التي تدل على انه كان عميلاً روسياً لا تعد ولا تحصى، فبعد وصوله الى السلطة كانت الآلة الاعلامية الروسية تطبل له، وتنشر أخباره على الملأ، وحتى ان الروس تحدَّثوا عن ان نور محمد طراقي كان أيضاً عميلاً أميركياً. لكن حتى أطفال أفغانستان يعرفون ان أمين كان شيوعياً ومن قادة الماركسية في أفغانستان. وانه كان مسؤولاً عن ابتعاث الدارسين الى روسيا للتدريب العسكري. وضمت حكومته شيوعيين عدة. وحين علم بانقلاب الروس عليه والسعي من خلال طراقي الى القضاء عليه انقلب على معلمه ونصَّب نفسه زعيماً للبلاد، وكان أول قراراته ابعاد السفير الروسي من كابول خلال أربع ساعات لأنه كان مقتنعاً انه وراء مخطط تصفيته. ورغم ذلك أعلن راديو كابول أنباء الانقلاب الجديد وأعلن الروس تأييدهم للانقلابيين الجدد. ولا أحد يعرف حتى الآن طريقة قتل أمين، ولم يعثر على أي جرح في جثته. لوحظت ابان الاحتلال زيادة عدد اللاجئين الأفغان الى باكستان، أيشير ذلك الى سيطرة الروس والجيش الأفغاني في الوضع الداخلي؟ - ليس الأمر كذلك، اذ كلما اشتدت الحرب ودنا النصر لجأ الأعداء الى اساليب وحشية في طرد السكان وابعادهم. ولذلك كان جيش الروس وقوات كارمال تهجم على القرى والبلدات الأفغانية مما يرغم العامة على اللجوء الى باكستان. وكان الشباب يبقون للمشاركة في الجهاد، ويضطر العجزة والنساء الى الهجرة الى باكستان. كنتم تشيرون كثيراً الى وصف أفغانستان انها "فيتنامروسيا". ماذا كان يعني ذلك؟ - كانت الحرب في فيتنام بين الدول الكبرى أميركا وروسياوالصين. كلها كانت مشاركة في الحرب، وبعد ان تحررت فيتنام من أميركا وقعت في حضن روسيا. وفيتنام لم تتحول دولة مستقلة بعد تحريرها، بل غدت عالة على جيرانها، لكن بعد انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان لم تكن هناك قوة بديلة عنها في بلادنا. ترددت كثيراً الدعوة الى حل سياسي للقضية الأفغانية. لكن خصومكم يقولون ان رفضكم لتلك الدعوة كان سبباً في اطالة عمر الأزمة الأفغانية؟ - صحيح اننا رفضنا الحل السلمي ونعتقد انه لم يكن في مصلحة الحركة الاسلامية، ورؤيتنا كانت ان تحل القضية في ميادين الجهاد. واذا تركناها للمفاوضات فسيكون ذلك في مصلحة الآخرين كان ذلك هو السبب الرئيسي لرفضنا الدخول في مفاوضات. وكنا نقول: كيف نقبل اجراء محادثات من دون وجود ممثلين للشعب الأفغاني، خصوصاً ان أهم طرفين فيها كان باكستان ونظام كابول الذي كان ممثله يذهب من موسكو وليس من كابول الى مكان المفاوضات ويرافقه المستشارون الروس. ولم يكن لدينا مطلب سوى انسحاب السوفيات وهو أمر لم يكن قابلاً للتفاوض. وما دام الروس في أفغانستان لم يكن ممكناً وقف المقاومة، ولم نرضى بأقل من انسحاب الروس من بلادنا من دون قيد أو شرط. هل ترى ان عودة الملك ظاهر شاه للحكم في أفغانستان ممكنة أو محتملة؟ - الشعب يكره ظاهر شاه ولا يؤيده. وأعتقد انه لن يعود، اذ انتهى عهده. والشعب الأفغاني ليس ساذجاً حتى يقبل رجلاً كظاهر شاه، انه شعب مجاهد ولن يقبل بزعامة غير المجاهدين. أيدتم محاولة الانقلاب التي تزعمها وزير الدفاع الشيوعي الجنرال شاه نواز تاناي مما أثار الشكوك في وجود تعاون بين الحزب الاسلامي وجناح خلق الشيوعي الذي ينتمي اليه تاناي… - كان لهذا الانقلاب أثر كبير ودور فاعل في انطلاق المجاهدين لاحقاً، الى جانب انه كان ضربة قاسية لحكومة كابول، ومن الصعب حصر حجم الخسارة المعنوية التي تلقتها الحكومة، بجانب الخسارة الهائلة المتمثلة في تدمير طائرة في قاعدة بغرام الجوية. ولعل الخسارة الحقيقية لنظام كابول هي ازمة الثقة التي حصلت على الاثر بين الجيش والحكومة، فنجيب الله لم يعد يثق بأحد، وصار يخاف من كل شخص. ويمكن القول ان حكومة كابول سقطت داخل أفغانستان وخارجها. كما أفشل الانقلاب جميع المؤامرات التي كانت ضد شعبنا، فكان رداً قوياً على الدعاية الغربية التي كانت تزعم ان ساعد نجيب الله كان يشتد يومياً، وان المجاهدين عجزوا عن حل القضية عسكرياً كما حدث في الهجوم الفاشل على جلال آباد وخوست. الى درجة ان الولاياتالمتحدة أعلنت انها على استعداد للتخلي عن شرط ازاحة نجيب الله، كما اتفقت الولاياتالمتحدة والسوفيات في فترة من الفترات على اعادة الملك ظاهر شاه مع ابقاء نجيب الله في الحكم سنة اخرى للتمهيد لعودة الملك السابق، وذلك لأنهم - الأميركيون والسوفيات - كانوا يعرفون ان أمامهم عقبات تتمثل في وجود المنظمات الاسلامية على الساحة، وهي تعارض مجيء ظاهر شاه، ولا بد من ازاحة هذه العقبات ليعود. والحقيقة ان الغرب لم يكن يرىد انتصار المجاهدين عسكرياً، لأن ذلك يعني منع حصول أي تدخل اجنبي في تقرير مصير الشعب الأفغاني، وكنا عندما نصل في كل معركة الى عتبة الانتصار يجبروننا على التوقف كما حدث في جلال آباد وخوست. هل يعني ذلك ان الخيار الوحيد المتبقي أمام المجاهدين كان تعبئة ضباط الجيش من الداخل؟ - لم يكن أمامنا طريق آخر سوى تعبئة الضباط من الداخل، خصوصاً الذين أدركوا ان حكومة كابول سببت استمرار الحرب. وأولئك الضباط تعبوا وعارضوا استمرار الحرب. أولئك الضباط تعبوا وعارضوا استمرار القتال ضد شعبهم، واعلنا اننا نشجع الجيش على التحرك ضد النظام من الداخل، واقترحنا حل القضية بقيام أولئك الضباط، بانقلاب عسكري يشكلون بعده مجلس ثوري من ضباط غير حزبيين مع قادة الجهات الموجودين حول كابول. على ان يبقى المجلس ستة أشهر تجرى خلالها انتخابات عامة تسفر عن حكومة منتخبة. وركزنا على بث اقتراحنا عن طريق الاذاعات حتى يصل الى جميع قادة الجيش. لكن هل ناقشتم تلك الأفكار مع أحزاب أخرى، أم كان رأياً انفرادياً؟ وهل لذلك عارضه كثيرون بعد وقوع الانقلاب؟ - ناقشنا مسألة الانقلاب مع الاخوة في التنظيمات الأخرى قبل ثمانية أشهر من وقوعه، وأخبرتهم ان بعض ضباط الجيش اتصلوا بنا، وانهم يريدون الانقلاب على النظام ولو أيد المجاهدون هذا العمل فسيكون لذلك دور ايجابي في تشجيع الجيش لكن للأسف اتخذ الاخوة موقفاً مناوئاً وشنوا دعاية سيئة ضد حزبنا واتهموه بأنه يريد الوصول الى الحكم من خلال الانقلاب. على أي شيء انصب اعتراض القادة الآخرين على مشروعكم؟ - كان رأيهم ان الجيش يجب ان يسلم السلطة الى حكومة المجاهدين الانتقالية. فقلت لهم ان الجيش لا يريد نقل السلطة انما يريد اجراء انتخابات، فتحولوا الى شن حملة ظالمة على حزبنا. وحاول بعض الأصدقاء اقناع هؤلاء الأخوة بجدوى الانقلاب العسكري فانقسم قادة المنظمات الى ثلاث فئات بين مؤيد ورافض وفئة لم تحسم رأيها. الانقلابيون كانوا شيوعيين ربما لذلك رفض قادة الأحزاب الانقلاب؟ - كنا أعلنا العفو العام، ولا بد من صدقية لهذا الاعلان. وقد قبلنا صديق شقيق نجيب الله وكان عضواً بارزاً في الحزب الشيوعي، كما قبلنا الجنرال فاروق ظريف المسؤول الأمني في اللجنة المركزية وكان من الأفضل فتح الباب للجميع. لكن حين لجأ قادة الانقلاب الينا اتهمت الأحزاب الأخرى الحزب الاسلامي بأنه يريد حكومة ائتلافية مع الشيوعيين. وأنا أقول وأكرر اننا لن نقبل أي حكومة تضم أي شخص غير مسلم مهما كانت المبررات. هل أيدت باكستان ذلك الانقلاب؟ - نعم. وكذلك جميع الذين كانوا يريدون حل قضية أفغانستان، وما رأيت أحداً يعارض الانقلاب الا هؤلاء القادة الستة من الأفغان، اضافة الى اصدقاء نجيب الله وزملائه. وقد خرج جميع اللاجئين في المخيمات، لذلك كانوا يدعون الله لدعم الانقلابيين. هل تعتقد ان حركة الطالبان أفغانية محلية أم ان ثمة أطرافاً أخرى لعبت دوراً في تكوينها ودعمها؟ ولماذا انسحبتم بشكل مفاجئ من جهار سياب أمام تقدم قوات الطالبان؟ - لا شك في ان الشيوعيين الأفغان السابقين هم الذين يقفون وراء الحركة، ويقدمون الدعم ويعدون الخطط العسكرية. وحسب معلوماتنا فإن هناك 1600 شيوعي في صفوف الحركة وهم المسؤولون عن الخطط الاستراتيجية والمهمات مثل ادارة الوحدات العسكرية وسلاح الجو، وتدرك الأمة الأفغانية طبيعة الأيادي الاجنبية التي تلعب دوراً مهماً في تفعيل هذه الحركة، وهذه العناصر تتلقى الدعم من مصادر اجنبية، وسيتعرف الشعب الأفغاني لاحقاً على الوجه الحقيقي للطالبان وعلى القوى التي تقف خلفها بعد ان يهدأ الغبار. وبعد انسحابنا من جهارسياب اتصل بنا القائم بأعمال السفارة الفرنسية في كابول وطلب منا ان نقف مع أحمد شاه مسعود ضد حركة الطالبان، وقلت للمسؤول الفرنسي حينها سنناقش ذلك في اجهزة الحزب قبل اعطاء الجواب، اما انسحابنا من جهارسياب فقد جاء لأننا قررنا ترك مواقعنا في جنوب العاصمة لأننا لم نشأ القتال على جبهتين، اذ ان الطالبان هجموا من الجنوب، وأحمد شاه مسعود بدأ بتحريك قواته من العاصمة حتى انه قصف أرتالنا المنسحبة رغم تعهداته الخطية بعدم التعرض لمواقعنا أثناء قتالنا الطالبان. لقد كانت خطوة ذكية من جانبنا للحيلولة دون تقدمهم باتجاه العاصمة، وما حصل لم يكن هزيمة لنا ولم نفقد شيئاً بل كنا في وضع جيد. ما هي الأسباب التي دفعت الرئيس برهان الدين رباني الى تقديم تنازلات حتى تشاركوا في الحكومة؟ - أدركت الحكومة انها لا تستطيع السيطرة على كل أفغانستان وحدها من دون التفاهم مع الحزب الاسلامي. ويعرف قادتها ان هناك محاولات لتقسيم أفغانستان على يد دوستم أو الطالبان أو باعادة ظاهر شاه. سيكون البديل من ذلك هو التقسيم. والحدود ستكون الهند وكوش، وهو مخطط منذ أيام الاحتلال الروسي لأفغانستان. وثمة دول ترى استمرار المعارك في مصلحتها، وهناك دول أخرى ترى مصلحتها في اعادة الأمن وتشكيل حكومة مركزية في كابول، وعدد كبير من أعضاء الجمعية الاسلامية التي يتزعمها رباني يعرف هذه الحقائق وانهم لا يستطيعون وحدهم الصمود امام كل هذه المؤامرات الدولية. ذكريات مع ضياء الحق قل لنا شيئاً عن ذكرياتك وعلاقاتك مع الجنرال ضياء خصوصاً انك كنت على صلة وثيقة به... - كان رحمه الله - يقول ان الروس سينسحبون في كل الاحوال، ولا مجال لهم ان يبقوا في بلادنا، وعلينا الا نخضع للشروط الروسية. وعندما حدث الخلاف بينه وبين رئيس وزرائه جونيجو عزله. واعتقد ان ضياء الحق كان ضحية وقوفه الى جانب المجاهدين الأفغان. وكما تعرفون وقعت انفجارات عدة في مخازن الأسلحة الباكستانية لاصرار اسلام آباد على دعم المجاهدين حتى اسقاط حكومة نجيب الله. وقد اغتيل في نهاية المطاف. قال لي الجنرال ضياء الحق انه اذا تسلم المجاهدون الحكم فسيمكنه الاعلان عن دولة اسلامية في بلاده، لأن ظهره سيكون محمياً. وكان يردد دائماً انه لو قامت دولة اسلامية في افغانستان فسيقوى ظهرنا ونستطيع ان نفعل أشياء كثيرة في باكستان وكان يصرّح بذلك. هل تدخل الاميركيون في شؤونكم وهل تلقيتم دعماً منهم؟ - كانوا يقولون لنا نحن على استعداد لمساعدتكم شهرياً بمبالغ مالية. وقلت للجنرال ضياء الحق ان هؤلاء يتدخلون في شؤون افغانستان ويريدون التعامل المباشر مع المجاهدين، وكنا نقول له ان اصدقاءك يجب ألا يتدخلوا في شؤوننا الداخلية، بل انهم يسببون لنا مشكلات. كيف تقوِّم مواقف وسياسات طهران من الجهاد والأزمة الافغانية؟ - لدينا ملاحظات كثيرة على سياسة طهران اثناء الجهاد على وجه الخصوص. وللأسف ان ايران اعترفت بحكومة كابول وساندتها قبل انضمامنا الأخير اليها. ونستطيع القول ان جميع المساعدات لحكومة كابول تأتي عبر ايران حتى المساعدات الروسية والهندية، ونرى ان ايران لا تزال ناشطة في القضية الافغانية وكنا نتمنى ان تتخذ ايران موقفاً اسلامياً اصيلاً. وكان الشعب الأفغاني يتطلع اليها لتلعب دوراً تصالحياً بين الفئات الأفغانية وعدم النزوع لتأييد طرف ضد آخر، ولا شك في ان سياسة الوقوف مع طرف دون آخر ستضر بمصلحة الشعبين الافغاني والايراني، ومثل هذه المواقف لم نكن ننتظرها، وللأسف ذلك كان دور ايران، خصوصاً حيال الحزب الاسلامي خلال الجهاد وبعده وهي مواقف لم نكن ننتظرها ولم نتوقعها. وما هو رأيك في أفكار وآراء آية الله الخميني؟ - قرأت بعض كتبه ووجدت فيها آراء غير سليمة، ولم أكن أظن ان عنده مثل هذه الافكار، ووجدت عنده تعصباً شديداً ضد بقية المذاهب، لكن بعد ان غدا زعيماً حدث بعض التغيّر في آرائه وافكاره، ولكن في كتبه قبل توليه القيادة يُلاحظ التعصب الشديد ضد بقية المذاهب. هل ترى ان الثورة الايرانية نجحت بذاتها أم ان ثمة قوى خارجية مثل اميركا مهدت لوصولها الى السلطة؟ - الحقيقة ان الذين قاموا بالثورة ليسوا هم المسيطرين على الأمور الآن، فمجاهدو خلق كان لهم الدور الأكبر وهم الذين اختاروا الامام الخميني واجهة لهم. والواقع ان الشيوخ كان دورهم ضئيلاً، لكن بعد ان وقفوا الى جانب مجاهدي خلق تصاعد دورهم، والغرب كان يريد حدوث تغيير في ايران، فكان يرى ان وجود نظام ديموقراطي في ايران أفضل من النظام الملكي، وكانت للثوار صلات قوية مع الغرب الذي اقتنع بضرورة تغيير النظام لمصلحة الثوار. اما العامل الآخر فيتمثل في ان الغرب يعرف ان نسبة الشيعة الى بقية الامة الاسلامية ضئيلة، ولذلك رأى ان يشق الامة الاسلامية بغض الطرف عن قيام ثورة شيعية في ايران، وإلا كيف سقط. نظام ملكي قوي بتظاهرات محدودة! وكان لحزب توده الشيوعي الايراني ايضاً دور كبير، ولم يكونوا يتصورون ان مجيئهم بالخميني لقيادة النظام الجديد سيخلق لهم كل هذه المشكلات الحالية. واعتقدوا ان من السهولة اقصاء الخميني من السلطة ساعة يشاؤون باغتياله. وكانت لي نقاشات مع قادة الثورة الايرانية الكبار، وكانوا يعترفون بأنه لم يكن عندهم تنظيم لمدة ستة أشهر بعد توليهم السلطة. ولم يكونوا يعرفون ماذا يفعلون. وذكر لي ذلك آية الله بهشتي. وقال انه وخلال هذه الفترة اقترح بعض الاخوة قيام الحرس الثوري حتى سيطروا على الوضع. ولم يكن عندهم حزب كذلك. فالدور الكبير في الثورة كان لمجاهدي خلق وبرزت بعدها الاشتباكات بين مجاهدي خلق والشيوخ الايرانيين. مرجعية شيعية وسنية إذن بماذا تفسر وصول الآيات للسلطة بهذه السهولة وصعوبة وصولكم انتم للسلطة على رغم التضحيات التي قدمتموها؟ - لا شك في ان الغرب هو الذي مهّد لهم الطريق، وكان للثوار الايرانيين اتصالات مع فرنسا وأميركا وهم يكتبون عن هذا، ويقولون ذهبنا الى فرنسا وطلبنا تغيير الشاه. وكذلك ذهبوا الى أميركا ولا شك في أنهم مهدوا الطريق وساعدوهم. والواضح ان الغرب لا يقدر على تحمّل أي حكومة اسلامية في أي بلد خصوصاً اذا كانت سنية. ويتصور انه لو اسست دولة اسلامية بأيدي السنة في اي بلد فستخلق له للغرب مشكلة كبيرة، ولهذا يقفون ضدنا، وما فعلوه بالجزائر هو ما فعلوه بإيران وكذلك بكشمير وأفغانستان. ولا شك في انهم استفادوا من تجربة الانقلاب الايراني في ضرب الأمة ولو قلت ان الغرب يؤيد ايران الآن فهذا غير صحيح، فالغرب لا يود ان تبقى حكومة ايران. هناك مسألة شائكة لدى أهل السنة وهي عدم توافر مرجعية عندهم كما هي الحال لدى الشيعة... - يجب ان نعترف انه وسط أهل السنة لا توجد مرجعية وهذا سبَّب مشكلات للأمة، والشيعة من هذه الناحية أفضل، بل نستطيع القول انهم متقدمون علينا، ولكن المرجعية الشيعية لديها مشكلاتها ايضاً، فهم يتبعون مراجعهم في كل شيء. وعند السنة لا نرى نظاماً معيناً لمن يغدو عالماً، فمثلاً في افغانستان كل من دخل المدرسة يصبح ملا أو مولوي، ولا فرق بينه وبين من يدرس ويجتهد سنوات في هذه المدرسة أو تلك. وليس هناك تدرّج تعليمي ديني. والنظام المدرسي ضعيف في أفغانستان، وبدلاً من ان يبقى العلماء مستقلين غدت الدولة تسيطر عليهم. وبسبب وجود نظام الزكوات والعشر عند الشيعة كانت مدارسهم مستقلة وتتمتع بالحرية، اما في بقية الدول التي لها سيطرة على المدارس يتخرج الطالب بالشكل الذي تريده له الدولة والنظام، اما المراجع والشيوخ عند الشيعة فمعظمهم من المعارضين للدولة، والشعب بطبيعته يحب المعارضة، فلو كان نظام المدارس عندنا مستقلاً بحيث لا يعتمد المدرس في معاشه على الدولة والنظام لكان ذلك افضل، ولكانت لنا مرجعياتنا