إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    5 مشاهير عالميين أصيبوا بالسكري    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهراوي وبري وجنبلاط يعيدون تقويم حساباتهم . لبنان : حروب الحريري والحروب عليه
نشر في الحياة يوم 28 - 10 - 1996

تدور الحياة السياسية في لبنان منذ أربعة أعوام حول مشروع رفيق الحريري وشخصه وفي كل يوم يعثر المؤيدون على مبررات جديدة لتأييدهم ويعثر المعارضون على مبررات جديدة لمعارضتهم. كان من الصعب على بحيرة السياسة اللبنانية احتمال دخول لاعب بحجم الحريري جاء من خارج النادي وقواعده. وربما لهذا السبب أثارت اطلالته اضطراباً واسعاً في تلك البحيرة، خصوصاً بعدما بدا أسلوبه غريباً وبدت شخصيته طاغية الى حد جذب اللعبة برمتها وتغيير قواعدها. حمل الحريري معه الى الحكم مشروعاً اعمارياً قد تنوء الدولة اللبنانية بحمله اذا استمر السلام العربي - الاسرائيلي في التعثر والابتعاد. ودخل اللعبة السياسية قطباً كبيراً لا تقر له الطبقة السياسية بالحجم الذي يريده أو يمتلكه وهو لا يقبل ان تقوده محاولات التصالح الى حجم يقل عما يعتبره ضرورياً لحماية مشروعه. واتكأ الحريري على مدى أربعة أعوام على سلسلة تحالفات بدأت مع الرئيس الياس الهراوي والوزير وليد جنبلاط وانتهت بتحالف انتخابي مع الرئيس نبيه بري. وخلال تلك الفترة خاض الحريري سلسلة اختبارات قوة داخل الترويكا وأبرم هدنات عدة، لكن الانتصار الكبير الذي حققه في الانتخابات النيابية ايقظ مخاوف الحلفاء قبل الخصوم. فالرئيس الهراوي لا يقبل بتمضية ما تبقى من ولايته "في عهد الحريري". والرئيس بري لا يقبل ان يكون رئيساً للبرلمان في "عهد الحريري" والوزير جنبلاط بدا كمن يعيد تقويم الخسائر والأرباح سعياً الى تحسين الحصة والموقع واستعادة لمسافة ضرورية خسرها عندما ظهرت سياسته وكأنها مطابقة لنهج الحريري. يعرف الهراوي وبري وجنبلاط ان ازاحة الحريري متعذرة وباهظة التكاليف، فكل القرارات الكبرى لا تولد في بيروت. وفي المقابل يصعب على الثلاثة، التسليم للحريري بأرجحية في ادارة البلاد، وان تكن اللعبة بمجملها تدور تحت السقف الذي رسمه الراعي الاقليمي وأوضح فيه حدود الأدوار والأحجام. هكذا اختلط الخلاف مع الحريري على الأولويات في مشروعه بالخلاف على حجمه في القرار، واختلط حديث الفساد بحديث الحصص الحكومية ومن دون ان تؤدي الخلافات والاختلافات الى تغيير كبير. فعندما انتهت ولاية الهراوي كان الهراوي المرشح الوحيد ليخلف الهراوي والأمر نفسه بالنسبة الى بري، وغداً بالنسبة الى الحريري. فالديموقراطية اللبنانية باتت ديموقراطية الكراسي المحجوزة اما المعارك فلا تؤدي الى ما يتجاوز الجراحات التجميلية طبعاً مع تأكيد عجز الطبقة السياسية وعدم بلوغها سن الرشد. خاض الحريري سلسلة حروب هادئة للامساك بخيوط اللعبة ويتعرض اليوم لسلسلة حروب من أجل منعه من تشديد قبضته عليها.
الذين واكبوا العلاقات بين رئيسي الجمهورية والحكومة الياس الهراوي ورفيق الحريري، لا سيما منذ تمديد ولاية الاول قبل زهاء عام، لم يتوقعوا ابدا اختلافهما على اي موضوع ايا تكن اهميته نظراً الى التنسيق الذي قام بينهما على اكثر من صعيد. والذين رافقوا العلاقات بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة الحريري، لا سيما منذ بدء الاعداد الجدي للإنتخابات النيابية قبل اشهر وفي اثناء حصولها، لم يتوقعوا ابدا عودة الاختلافات اليها خصوصا بعدما ابرما حلفا انتخابيا مقدسا في دوائر بيروت والمتن الجنوبي بعبدا والجنوب أثمر فوزا ساحقا لكل منهما. والذين راقبوا على مدى السنوات الاربع الماضية علاقات التحالف الوثيقة بين الحريري والعضو غير الرسمي في "الترويكا" الرئاسية الحاكمة الزعيم الدرزي الابرز الوزير وليد جنبلاط لم يخطر في بالهم ابدا ان غيوم الخلافات ستلبدها، وان وسائل الاعلام من مرئي ومسموع ومكتوب ستتداول في يوم من الايام اخبار هذه الخلافات بكل تفاصيلها.
لماذا حصلت الاختلافات المذكورة؟
المصادر السياسية المطلعة تقول ان الرئيس الهراوي قرر منذ حصوله على تمديد ولايته ان يسير على خطى معظم رؤساء الجمهورية السابقين، وكلهم موارنة، في اواخر ولايتهم اي ان يتحول رئيسا مسيحيا وتحديدا مارونيا بالمعنى السياسي طبعا واذا كانت الدوافع التي حملت اخوانه السابقين على التحول المذكور هي استقطاب القواعد الشعبية المسيحية من اجل الاستمرار في العمل السياسي بعد انتهاء الولاية فان دافع الرئيس الهراوي الى اجراء تحول مماثل اعمق من ذلك بكثير. فهو يشعر لا بل يعرف ان القواعد المذكورة لا تحبه وان معظمها يناصبه العداء لانهم يعتبرونه مسؤولا اساسيا عن التكريس السياسي لهزيمتهم العسكرية قبل سنوات وذلك من خلال تسليمه الكامل لسورية التي لولاها ما كانت الهزيمة حصلت ومن خلال موافقته على النهج الذي اعتمدته السلطة منذ انتهاء الحرب والذي انتج هيمنة فعلية اسلامية على الدولة على رغم التوازن الشكلي الذي احترم على المستوى السياسي وعلى مستوى راس الهرم في الادارات العامة، علما انه لم يحترم على الاطلاق في الادارة على المستويات الادنى.
حصة الهراوي
وقد ترجم الهراوي قراره المذكور اعلاه من خلال مواقف عدة ابرزها اثنان. الاول حضّه المرجعيات الدينية المسيحية، وان على نحو غير مباشر. على مواجهة القرار الذي عالج بواسطته مجلس الوزراء موضوع تنظيم الاعلام الديني المرئي والمسموع. وقد انعكس ذلك حملة اعلامية وسياسية ودينية واسعة على الخطة الاعلامية للحكومة استغلها اعداء للحريري وللحكومة للقيام بهجوم شامل عليهما وتحديدا على سياساتهما كلها. والثاني مطالبته بتكبير حصته في مجلس الوزراء بعدما كان له في المجلس الذي استقال حكما بعد الانتخابات النيابية الاخيرة وزيران هما فارس بويز وشوقي فاخوري ونصف وزير اذا جاز التعبير او انصاف وزراء من بينهم الوزير بيار فرعون.
والحجة التي استعملها في هذا المجال كانت انه يحق له تعيين الوزراء المسيحيين او على الاقل ان تكون له كلمة اساسية في تعيينهم بعدما احتكرت المراجع الاسلامية السياسية ولا سيما الرئيسان نبيه بري ورفيق الحريري والوزير وليد جنبلاط تسمية الوزراء المسلمين وشاركت في صورة فاعلة في اختيار الوزراء المسيحيين.
والمصادر السياسية الواسعة الاطلاع نفسها تقول ان الرئيس الهراوي قرر ايضا وبعد حجم التمثيل النيابي الكبير الذي حصل عليه في الانتخابات النيابية الاخيرة كل من الرئيسين بري والحريري وبعد تأكده من ان حجم تمثيله النيابي الجديد لم يكن قريبا ابدا من حجم التمثيل النيابي لكل منهما، قرر ان يعوض هذا الخلل في الحكومة وذلك عن طريق تعزيز حصته فيها. واذا كان الحجم النيابي الكبير للرئيس بري لا يضايقه كثيرا نظرا الى الفصل الدستوري بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية فان الحجم النيابي الكبير للحريري يضايقه كثيرا لانه "شريكه" في السلطة التنفيذية اذا جاز التعبير ولان هذه السلطة في يد مجلس الوزراء الذي رئس وسيرئس ولان انعكاس هذا الحجم على تمثيله الحكومي الحريري من شأنه شل فاعلية رئيس الجمهورية وجعل دوره التنفيذي صغيرا وبلا فاعلية. ولذلك انعش الهراوي اقنية الاتصال مع بري ومع جنبلاط.
بري والمسافة
ورئيس مجلس النواب نبيه بري وجد بعد الانتخابات النيابية الاخيرة ان الظروف الموضوعية والمصالح الخاصة لا تسمح له بتحويل تحالفه الانتخابي مع الرئيس الحريري تحالفا سياسيا لا بد ان يكون له مفاعيل في مجلس النواب وفي الحكومة المقبلة ابرزهاعلى الاطلاق اطلاق يد الاول في السلطة الاشتراعية واطلاق يد الثاني في السلطة التنفيذية ولكن على قاعدة اقتسام الحصص والمشاركة في كل شيء على حساب الاخرين. علما انه قد لا يمانع ضمنا في تحول التحالف مع الحريري على النحو المذكور اعلاه ليس فقط للسبب المشار اليه وانما لسبب آخر اكثر اهمية هو المساعدة التي يمكن ان يوفرها له التحالف السياسي لتصفية حساباته مع اخصامه في الساحة الشيعية وفي مقدمهم "حزب الله" والتيارات الاسلامية الاصولية ولحسم النفوذ فيها لمصلحته في صورة نهائية. هذا فضلا عن الدعم الدولي وربما الاقليمي الذي لا بد ان يلقاه بسبب تقليصه او ربما انهائه الوضع الاسلامي الاصولي وتحديدا الشيعي في لبنان. لكن رئيس مجلس النواب رأى في المقابل ان مصالحه على المدىين القريب والمتوسط تفرض عليه وضع حدود للتحالف مع الحريري وابقاء مسافة بينهما لاسباب عدة. ومن الأسباب اقتناعه بان شخصية الرئيس الحريري وشهيته الواسعة للسلطة ولامور اخرى غيرها لن تسمح له باحترام قواعد التوازن بين مجلسي النواب والوزراء، وعلى العكس من ذلك فانهما ستدفعانه الى السيطرة على مجلس النواب مثلما سيطر في حكومته الاخيرة على مجلس الوزراء، وهذا الواقع يناقض مصلحة بري ومصلحة الطائفة الشيعية التي يمثل خصوصا في ظل الحساسيات المذهبية الموجودة على الساحة الاسلامية.
هذا الاقتناع لا سيما لجهة شخصية الحريري وولعه بتوسيع صلاحياته يشاركه اياه رئيس الجمهورية الذي عبر عن ذلك اكثر من مرة امام كثيرين بقوله: "رفيق جيد جدا لكنه "بلدوزر" ومنها ايضا ان الراعي الاقليمي الوحيد للوضع في لبنان اي سورية يرفض على الاقل في المرحلة الراهنة اي حسم للوضع السياسي داخل الطائفة الشيعية يؤدي الى ضرب "حزب الله" العمود الفقري للتيارات الاسلامية الاصولية.
والركن الاساسي الذي يمكن ان يقوم عليه التحالف السياسي بين بري والحريري هو انهاء "حزب الله". والعامل الكامن وراء الموقف السوري هذا هو الوضع الاقليمي والمواجهة مع اسرائيل خصوصا في ظل التحالف القومي- الديني- اليميني المتطرف الذي يحكمها منذ شهر حزيران يونيو الماضي الذي يمكن ان يعيد اجواء المواجهة عسكرية بعدما كانت خلال السنوات الخمس الماضية وتحديدا منذ مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الاوسط مواجهة سلمية. وهو ايضا دور "حزب الله" في تعزيز الموقع السوري واللبناني في هذه المواجهة. ومنها اخيرا الشك الدائم الذي هو سمة النظام في سورية في كل شيء وكل الناس حتى الحلفاء منهم. والخوف ان يؤدي تفاهم المرجعيات الاساسية في البلد وان على امور داخلية على رغم استمرارهم في خيار العلاقة المميزة مع سورية الى تفاهم على تقليص دورها يمكن ترجمته عمليا عندما تتغير الظروف الاقليمية والدولية او يمكن الافادة منه لتحقيق التغيير المذكور. اما رئيس الحكومة رفيق الحريري فانه يريد ان يبقى طبعا رئيسا للحكومة ليس فقط اشباعا لشهوة السلطة وانما لان مشروعه الانمائي والاعماري لم يكتمل تنفيذه بعد. ويريد ايضا ان تكون له الاكثرية الكبيرة ان لم يكن الساحقة في مجلس الوزراء لكي يتمكن من استكمال تنفيذه من دون عوائق ولكي يركز الادارة العامة، على تنوع اجهزتها، وفروعها بطريقة تمكنه من النجاح في تنفيذ هذا المشروع. ويريد ثالثا ان يوفر كل الظروف التي تمكنه من تنفيذ مشروعه السياسي الذي يقول هو انه اتفاق الطائف الذي ساهم فيه على نحو جدي ويقول اخصامه انه مختلف عن هذا الاتفاق وان له خلفيات اقليمية وربما دولية.
وفي هذا المجال تقول المصادر السياسية الواسعة الاطلاع ان الحريري لمس خلال الانتخابات النيابية الاخيرة ان رئيس الجمهورية عمل ضد مرشحين محسوبين عليه مثل الوزير والنائب السابق روبير غانم. وتقول ايضا ان الرئيس الهراوي لمس خلالها ان رئيس الحكومة سعى لتحجيم وزير الخارجية فارس بويز صهره من خلال ارغامه على الفوز بأقل عدد ممكن من الاصوات وتقول ثالثا ان الحريري انزعج من بري لانه اعطاه كثيرا في الانتخابات وبعدها ولا سيما في موضوع الاعلام المرئي والمسموع ولم يحصل في المقابل على اي دعم منه في سعيه الى تثبيت وضعه في مجلس الوزراء.
وعلى العكس من ذلك فان بري بعدما حصل على حصته الاعلامية وعلى حصته النيابية مال الى رئيس الجمهورية وتفهم مواقف الوزير وليد جنبلاط واتخذ موقفا فيه شيء من السلبية من الطريقة التي بت فيها مجلس الوزراء موضوع الاعلام المرئي والمسموع. وتقول اخيرا ان خصخصة مرافق عامة عدة هي جزء اساسي من مشروع الحريري وان بري وجنبلاط لا يبدوان موافقين عليها على رغم تبني الهراوي لها. يبقى الزعيم الدرزي الابرز الوزير جنبلاط الذي اطلق سهامه على الرئيس الحريري على رغم ان الذي كان بينهما خلال السنوات الاربع الماضية جعل الناس يستبعدون تماما اي خلاف بينهما. واسباب تحوله بعضها خاص وبعضها عام وبعضها يتعلق بحاسة الشم القوية عنده التي جعلته يشعر ان راعي الوضع اللبناني اي سورية لا يحبذ بعضا من مشاريع الحريري، فاستغل ذلك للحصول على ما يريد من مكاسب من الحريري وليعزز وضعه الشعبي على مستوى لبنان ولا سيما على صعيد الطبقة العمالية.
الى اين ستؤدي الخلافات المذكورة؟
ولا تعتقد المصادر بأن الخلافات ستتطور على نحو خطير يجعلها تنعكس سلبا على الاستقرار السياسي القائم في البلد وان هشا. فأعضاء "الترويكا" الثابتة وشركاءهم وفي مقدمهم الوزير جنبلاط يشكلون فريقا واحداً في مواجهة افرقاء عديدين ولا سيما في الداخل. واي اختلاف جدي فيما بينهم غير قابل للحل لا بد ان يكون على حسابهم كلهم. ولذلك فانهم يمارسون على بعضهم عملية ابتزار واسعة من اجل ان يحقق كل منهم اقصى المكاسب التي يريد سواء على الصعيد السياسي او على الصعيد الخاص. الى ذلك فانهم يستعملون الخلافات فيما بينهم لاستقطاب الناس والفاعليات السياسية والدينية ولا سيما المعارضة منها مما يجعل ما يجري مسرحية او تمثيلية تراجيدية كوميدية معروفة نهايتها. وبسبب معرفتهم بالخطوط الحمر التي وضعها من زمان الراعي الاقليمي للبنان، اي سورية، والتي يراقب يوميا احترامها من الحكام على تنوعهم ومدى هذا الاحترام فانهم لن يذهبوا بعيدا في خلافاتهم وقد بدأ ذلك يظهر في الآونة الاخيرة. الى ذلك كله، تعتقد المصادر ان ما يجري حاليا بين اعضاء "الترويكا" الرئاسية وغيرهم انما هو تجميع قوى وتثبيت مواقع قائمة واكتساب مواقع جديدة استعدادا لمعركة رئاسة الجمهورية التي لا بد ان تفتح اواخر السنة المقبلة ذلك ان الولاية الممددة للرئي الهراوي تنتهي في خريف العام 1998.
وفي هذا المجال يحاول كل من الرؤساء الثلاثة اعداد مشروعه الرئاسي منذ الان. وهذا الامر يفسر الكثير من الخلافات الدائرة حاليا. وفي المجال نفسه يمكن الاشارة الى ان الهراوي قد لا يمانع في تمديد ثان لولايته اذا امد الله بعمره او يميل الى واحد من خيارين رئاسيين في حال تعذر التمديد الثاني، الاول من حيث الترتيب صهره الوزير والنائب فارس بويز والثاني النائب بطرس حرب.
من المسؤول عن الوضع التعيس للسياسة اللبنانية؟
فساد الطبقة السياسية اللبنانية بمواليها والمعارضين وانشغالها عن مصالح البلاد بتأمين المصالح الخاصة والفئوية والشخصية. يجيب بعض المصادر السياسية، لكن بعضها الاخر يحمل سورية مسؤولية الوضع المذكور لان دورها اللبناني حاسم على كل المستويات والمجالات. فالحاكمون وقسم من المعارضين حلفاء لها لا يقطعون خيطا من دون استشارتها. وحال الفوضى السياسية القائمة تخدم مصحلتها إذ تجعل لبنان في حاجة ماسة اليها سياسيا وعسكريا نظرا الى استمرار هشاشة استقراره السياسي واستقراره الامني. الا ان لعدد من القريبين من دمشق رأيا آخر. فهم يعترفون بان الوضع الشعبي في لبنان فضلا عن بعض الوضع السياسي غير متعاطف مع سورية ودورها اللبناني الكبير ويعترفون بان حلفاء سورية ارتكبوا الكثير من الاخطاء واقدموا على الكثير من الممارسات المسيئة للناس وللوطن، لكنهم يقولون انه ليست لسورية مصلحة في هذا الوضع اللبناني السياسي الشعبي. ذلك ان قيادتها السياسية العليا تعرف تمام المعرفة ان اللبنانيين سيحملونها المسؤولية وانهم سيكونون او معظمهم على الاقل، في انتظار اي تغيير اقليمي- دولي للنيل منها او للتخلص منها. ومشكلة سورية في لبنان هي ان لديها مصلحة عليا استراتيجية تتعلق بالوضع في المنطقة وبالمواجهة مع اسرائيل وان هذه المصلحة هي السقف. لكن هذا السقف يرتكز على دعائم او عواميد محلية - هذه العواميد ليست ثابتة اصلا لا في اقتناعاتها ولا في خياراتها السياسية المحلية والخارجية فضلا عن ان معظمها يسعى لتوفير ظروف تنفيذ مشاريع اقليمية من خلال لبنان تهدد فعلا المصالح السورية - وهذا الامر يؤدي الى "تهزهز" الدعائم احيانا او الى تخلخل بعضها فيهتز السقف. وعندها تتحرك سورية لضبط الوضع حفاظا على السقف اي على مصلحتها العليا الاستراتيجية. وهي لا تستطيع خلافا لظن اللبنانيين كلهم ان تخترع دعائم جديدة او عواميد جديدة ثابتة تسند اليها سقفها الامر الذي يؤدي الى انسجام كامل في العمل بينها في الداخل ومع سورية. ولذلك فان عليها التعامل مع الموجود. والموجود هذا جاهز باستمرار لمحاولة ان "يفتح على حسابه الخاص" او للنفاذ من اي ثغرة تظهر امامه الامر الذي يدفع دمشق حماية للسقف الى اخذ مصالح الموجود هذا في الاعتبار وان احيانا على حساب الناس.
ماذا يعني ذلك؟ يعني ان الوضع السياسي التعيس سيستمر اما الى ان تهتدي الطبقة السياسية الفاسدة الموالية والمعارضة واما الى ان تتكون طبقة سياسية جديدة واعية ووطنية ونظيفة وواقعية واما الى ان يعاد ترتيب الاوضاع في المنطقة في صورة نهائية واما الى ان تعلم سورية ان مصلحتها باتت تقضي بترتيب الاوضاع اللبنانية في صورة جدية على رغم استمرار اوضاع المنطقة من دون ترتيب. لكن الجميع يدرك ان كل ذلك صعب التحقيق على الاقل في المستقبل المنظور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.