لم يخف عدد من النواب اللبنانيين، في حلقاتهم الخاصة، انزعاجهم من الطريقة التي تمت بها تسوية الخلاف الأخير بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري. لكن الانزعاج لم يبلغ حد التعبير عنه في الصحف، لكن "الهمسات" النيابية بلغت مسامع الرئيسين المعنيين. وجاءت الانتقادات النيابية الخجولة بعد التصريحات التي أدلى بها السيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري وأكد فيها ان بري والحريري توافقا على مسألتي التمديد وقانون الانتخاب، مشيراً الى ان المسألتين هما شأن لبناني. وتركزت ملاحظات النواب على النقاط الآتية: - ذهب بري والحريري بعيداً في الخلافات بينهما، على نحو جعل الخلاف يظهر وكأنه يتخطى الشخصين الى الطائفتين اللتين ينتميان اليهما، وبدا للمرة الأولى وكأن الأمر يتعلق بسباق بين الشيعة والسنة على امتلاك الموقع الأول في "الجمهورية الثانية". واذا كان لبنان يتطلع الى إلغاء الطائفية السياسية برمتها فإن ايقاظ الحسابات المذهبية، ولو عن غير قصد، يشكل انتكاسة لاجواء السلم والوحدة الوطنية. يضاف الى ذلك ان ظهور الصراع بين الرئاستين الثانية والثالثة وكأنه الصراع الحاسم زاد من شعور بعض اللبنانيين بأن الرئاسة الأولى لم تعد قادرة لا على ممارسة الحكم ولا على لعب دور الحكم. ومن شأن هذه الصورة ان تضاعف مشاعر الاحباط لدى المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً، لا سيما ان البعض حاول الصيد في مياه الأزمة بتصويرها كسباق على "وراثة الموارنة". - اظهر الخلاف بين بري والحريري ان "الجمهورية الثانية" التي قامت استناداً الى اتفاق الطائف لا تملك مرجعية محلية لحل الخلافات وبالتالي فإن المرجعية الفعلية موجودة في دمشق وهذا الأمر يصب في خدمة المعارضين لاتفاق الطائف الذين يسعون دائماً الى اقناع اللبنانيين بأن قرار "الجمهورية الثانية" موجود خارج الحدود. - ان التطرق الى موضوع التمديد للرئيس الياس الهراوي في اجتماع خارج لبنان واعلان خدام ان توافقاً حصل على هذا الموضوع يعطي الانطباع بأن سورية ليست فقط الناخب الكبير في الاستحقاق الرئاسي بل انها الناخب الوحيد فيه. ومن شأن ترسيخ هذا الانطباع النيل من صدقية المجلس النيابي الحالي وهو مجلس يمكن تصنيف كل اعضائه في خانة الموالين لسورية أو المؤيدين لها أو الاصدقاء. - هناك اجماع على ان الرعاية السورية للسلام في لبنان هي ضرورة لبنانية تحظى بقبول اقليمي وتأييد دولي، لكن من مصلحة سورية كما من مصلحة لبنان ان يكون الهامش المتاح للبنانيين في ادارة شؤونهم أوسع من الهامش المتاح حالياً لئلا تتحمل سورية مسؤولية أي تعثر في الوضع الداخلي. - يتحمل الحريري مسؤولية واضحة في محاولته التغلب على أي معارضة نيابية لحكومته عن طريق الاتصالات مع دمشق عوضاً عن القبول بشروط اللعبة الداخلية ولو تحت السقف السياسي المعروف. ويتحمل بري مسؤولية مشابهة بمساهمته في تصعيد الموقف الى درجة لم يعد يمكن معها الخروج من المأزق إلا بوساطة سورية ورعاية سورية. كما يتحمل الرئيس الهراوي ايضاً مسؤولية البحث في دمشق عن حلول لمشاكله مع هذا الرئيس أو ذاك خلال الحروب المتعددة التي شهدتها "الترويكا"، وهي قيادة ثلاثية تتخطى في الواقع ما يقوله الدستور عن فصل السلطات وتحديد المسؤوليات. - يرى النواب في التوضيح الذي أصدره مكتب بري وجاء فيه "ان المجلس النيابي هو صاحب القرار في انتخاب رئيس الجمهورية..." دليلاً الى ان الرئيس بري ادرك خطورة اضعاف اللعبة اللبنانية الداخلية الى أقصى حد. واعترف النواب في "همساتهم" الانتقادية ان ملاحظاتهم لن تغير شيئاً لكنهم اعتبروا ان من واجبهم تسجيلها "لتذكير الرئيسين بضرورة تغيير قواعد الاتفاق والاختلاف بينهما". ورأوا ان سورية كانت تفضل بالتأكيد ان يكون الحكم المؤيد لها في لبنان متماسكاً وان لا تشغلها الخلافات بين أركانه عن المواضيع الرئيسية في المنطقة، وأهمها المفاوضات مع اسرائيل ومراقبة ملف التغيير في العراق.