حددت الحكومة الاسرائيلية نهاية العام 1996 مهلة اخيرة لالتزام المصارف تنفيذ الاجراءات التي قررتها في شأن ما يسميه البنك المركزي فك الارتباط بين القطاع المصرفي والقطاعات الاقتصادية الاخرى، فيما يسميه اميران سيفان، رئيس مجلس ادارة بنك "هابو عاليم" وهو احد مصرفين تستهدفهما الاجراءات بصورة مباشرة، الزام المصارف ب "قصقصة جوانحها بنفسها". وتشتمل الاجراءات التي قررتها لجنة حكومية اواخر تشرين الثاني نوفمبر الماضي على الزام المصارف تقليص مساهمتها في الشركات غير المالية الى 20 في المئة حداً اقصى، كذلك تقليص قيمة الموجودات غير المالية التي يملكها احد المصارف الى 15 في المئة من رأسماله الخاص حداً اقصى، ثم الزامها توزيع حصيلة تصفية موجوداتها في الشركات غير المالية على المساهمين فيها في شكل عائدات الأسهم، ومنعها من بيع الاصول التي يتوجب عليها التخلص منها الى الشركات القابضة الكبرى في اسرائيل 4 شركات اضافة الى حرمانها من تعيين رؤساء مجالس الادارة في الشركات غير المالية، وتحديد عدد المديرين الذين يحق لها تعيينهم. واللافت ان الاجراءات التي اقرتها اللجنة الحكومية اعقبت اجراءات مماثلة كان الكنيست اقرها قبل شهر تقريباً، وحدد بموجبها نهاية العام 1996 موعداً اخيراً امام المصارف لفك الارتباط بينها وبين الشركات غير المالية التي تملكها وتقليص النفوذ الذي تملكه على القطاعات الاقتصادية الأخرى في البلاد. ويقول خبراء اقتصاديون ان التشدد الذي اظهرته الحكومة جاء نتيجة الشعور لدى كبار المسؤولين في وزارة المال والبنك المركزي بأن الاجراءات التي اقرها الكنيست قد لا تكون كافية لاجبار المصارف على التنفيذ بصورة جدية، بحجة ان المهلة التي تحددت غير كافية، او انها قصيرة الى الحد الذي يجبر بعض المؤسسات المصرفية على بيع موجوداته غير المالية في ظروف غير مؤاتية. ومع ان التعليمات التي اقرتها الحكومة، ومن غير المستبعد ان يوافق عليها الكنيست في خلال الأسابيع القليلة المقبلة، تشمل جميع المصارف والشركات المالية العاملة في اسرائيل، الا انها تستهدف بالفعل مصرفين حكوميين تنوي الدولة تخصيصهما ابتداء من العام 1996، وهما بنك "هابو عاليم" الذي يملك اتحاد نقابات العمال الاسرائيلية "الهستدروت" غالبية اسهمه، وبنك لئومي" الذي تملكه الوكالة اليهودية. ويقول تقرير اعدته وزارة المال الاسرائيلية، ان المصرفين يسيطران على معظم السوق المصرفية في البلاد، كما يملكان حصصاً واسعة في عدد غير قليل من الشركات الاسرائيلية الكبرى. ووفق الارقام التي اشتمل عليها تقرير وزارة المال، فان اجمالي الودائع في "هابو عاليم" و"لئومي" يصل حالياً الى 60 مليار دولار، وهو رقم يمثل 64 في المئة من اجمالي الودائع في كامل القطاع المصرفي الاسرائيلي التي تقدر بحوالى 94 مليار دولار، كما يسيطران على 62 في المئة من القروض التي منحها القطاع المصرفي الاسرائيلي، و66 في المئة من الحسابات المصرفية، الى جانب سيطرتهما على 65 في المئة من اموال صناديق الاستثمار في اسرائيل التي تقدر ب 27 مليار دولار. ووفق تقرير وزارة المال فان قوة المصرفين لا تقتصر فقط على حصة الأسد من سوق الودائع والقروض، او صناديق الاستثمار، بقدر ما تتمثل في الحصص الكبيرة التي يملكانها في الشركات غير المالية، اذ يملك "هابو عاليم" حصصاً مسيطرة من اكبر شركتين قابضتين هما كوراندستريز و"كلال اسرائيل" كما يملك مساهمات متفاوتة في حوالى 770 شركة متنوعة في قطاعات مختلفة، مثل المنسوجات والكيماويات والانشاءات والالكترونيات، بما تصل قيمته الى حوالى 800 مليون دولار، فيما يملك "لئومي" مساهمات مسيطرة على عشرات الشركات العاملة في قطاعات مختلفة. ويقول مؤيدو اعادة هيكلية القطاع المصرفي، بما فيهم البنك المركزي، ان الزام المصارف التي تملك حصصاً مسيطرة في شركات غير مالية، خصوصاً في الشركات القابضة بتقليص هذه الحصص ضرورة مصرفية ومالية قبل اية اعتبارات اخرى، اذ غالباً ما يؤدي توسع مصرف ما في نشاطات غير مصرفية الى زيادة معدلات المخاطر التي يمكن ان يتعرض لها هذا المصرف، والى تعريض الودائع لديه الى المخاطر الناتجة عن قرارات خاطئة. اما المبررات الأخرى التي يقدمها مؤيدو اعادة الهيكلية فتتمثل في ان سيطرة المصارف على القرار في الشركات غير المالية قد يقلص من تنافسية القطاعات الاقتصادية، الى جانب تحريف القرار الاقتصادي، على اعتبار انه سيكون على المصارف ان تقوم بمهمتين متعارضتين: الاقراض والاقتراض في آن واحد. ومع ذلك فان هذه المبررات، على اهميتها، لا تلغي الاعتقاد المتزايد، سواء في اسرائيل ام في خارجها، بأن "تحجيم المصارف" الكبرى، وتحديداً مصرفي "لئومي" و"هابو عاليم"، قد يكون هدفه الأساسي البعيد المدى منع اشخاص او جهات معينة من السيطرة على احد مواقع القرار المالية والاقتصادية في اسرائيل. ويستند هذا الاعتقاد الى انه سبق للحكومة الاسرائيلية ان قررت المباشرة بتنفيذ برنامج تخصيص بنك "هابو عاليم" اعتباراً من العام 1996، وبدأ بعض المجموعات الدولية بالتعاون مع مستثمرين محليين التحضير لتقديم عروض تفصيلية، ومن بين هذه المجموعات "غولدمان ساكس" العالمية المعروفة، و"بير ستيرنر" ومجموعة "برونغمان" الكندية من اصل يهودي، والمضارب العالمي المعروف جورج سوروش. وقد باشرت هذه المجموعات مفاوضاتها على اساس شراء نسبة من الحصة الحكومية في المصرف، لكن على اساس الموجودات التي يملكها في الشركات الاخرى غير المالية، خصوصاً في "كوراندستريز" و"كلال اسرائيل". وحسب رئيس مجلس ادارة البنك، فان الحكومة ترى ان تملك جهات خارجية للبنك، بما في ذلك الأصول في الشركات الاخرى، ستزيد من مخاطر سيطرة هذه الجهات على النفوذ الذي يملكه المصرف في الاقتصاد الاسرائيلي، وهو من الخطوط الحمر التي تعتقد الحكومة انه لا يجوز تجاوزها.