تدور خلافات باستمرار بين وزارة المال وبين المصرف المركزي في اسرائيل، حول كيفية رسم السياسة المالية للبلاد. وتفاقمت المعركة خلال الأيام الماضية بعد حصول وزير المال سيلفان شالوم على دعم رئيس الوزراء آرييل شارون من أجل تطبيق خطة ستتيح لوزارة المال تغيير قانون المصرف المركزي وتسهل التحكم في القرارات التي كانت حتى الآن حكراً عليه. تنص خطة وزارة المال على حق وزير المال في تعيين تسعة أعضاء مجلس إدارة، بما في ذلك حاكم المصرف المركزي ونائباه والأعضاء الآخرون، على أن تناط بوزارة المال مسؤولية إدارة سعر الصرف واحتياط العملات الصعبة. ويثير هذا الأمر مخاوف المحللين الاسرائيليين الذين يتوقعون أن يؤدي هذا الأمر إلى سنوات من البطالة والركود. ويعود السبب في ذلك إلى أن محاولة نقل صلاحيات رسم السياسة المالية من حاكم المصرف المركزي الى يد مجموعة موظفين يعينهم وزير المال، سترهن السياسة المالية بالحاجات الآنية لأي حكومة ولن تربطها بضرورة تثبيت سعر العملة والفائدة، وستكون بعيدة عن الشفافية ولن تتيح رسم سياسات مالية مستقلة عن السلطة التنفيذية ودواعيها الانتخابية، على غرار الدول الصناعية. إلا أن الأمر الأكثر خطورة يتمثل في إثارة قلق المصارف الدولية والمحلية ومؤسسات التمويل الدولية، بما فيها البنك الدولي ومؤسسات التصنيف الدولية، التي سينتابها الخوف من تعيين موظفين تابعين للحكومة، مهتمين أكثر بربط سياساتهم المالية بدواع انتخابية وسياسية آنية من رسم سياسات تؤمن للاقتصاد والشركات مناخاً استثمارياً مؤاتياً. وكانت مؤسسة "ميريل لينش" أعلنت نهاية الشهر الماضي أنها خفضت تصنيفها ل"بنك اسرائيل الأول الدولي" من "شراء قوي" إلى "محايد" على المدى القصير، نظراً إلى غياب توقعات التعافي من الأفق. واعتبرت أن تصنيف المصرف الذي يعتبر الأول بين المصارف الخمسة الرئيسية الكبرى في اسرائيل يُعد بمثابة "تحذير" مبكر ومفيد لبقية القطاع المصرفي، في ظل انخفاض تقدير المصرف الأكبر والأكثر سيولة والأكثر ربحية في السوق الاسرائيلية. وكان السبب في خفض التقديرات يعود الى أن الديون المشكوك بتحصيلها لدى المصرف المذكور ارتفعت من 116 مليون شاقل الدولار يساوي 4.79 شاقل عام 2000 إلى 434 مليوناً في الربع الأخير من العام الماضي، نتيجة الوضع الاقتصادي العام في اسرائيل. وساهمت أجواء الحرب في تراجع سعر أسهم المصارف الصغيرة والمتوسطة، على رغم التوقعات بأن يؤدي ارتفاع الاتجار بالعملات الصعبة، بعد انخفاض قيمة الشاقل، إلى ارتفاع دخل هذه المصارف. وينعكس هذا الجو المتشائم على السوق المالية عموماً، في ظل النتائج السيئة التي تواصل الشركات الكبيرة الاسرائيلية تحقيقها. فمثلاً زادت خسائر مجموعة "كلال" الصناعية القابضة التي يزيد دخلها السنوي على 3،6 بليون شاقل، من 89 مليون شاقل عام 2000 إلى 669 مليوناً العام الماضي، بسبب ارتفاع نسبة الديون الهالكة. وتعرضت أكبر الشركات القابضة في اسرائيل، وهي مجموعة "كور"، إلى أسوأ خسائر في تاريخ الشركات الاسرائيلية، إذ تكبدت العام الماضي وحده خسائر بلغ إجماليها 5،2 بليون شاقل، الأمر الذي خفض إلى أقل من النصف قيمة أصول المجموعة البالغة بليون دولار. وأثّرت هذه الخسائر على "بنك هابوعاليم" خسائره بسبب "كور" 600 مليون شاقل، و"بنك لئومي" اللذين يملكان حصتين تبلغان 20 في المئة وخمسة في المئة على التوالي في "كور". وأدى تراجع عوائد الشركات الصناعية والزراعية وشركات الاتصالات والخدمات إلى تراجع عوائد المجموعات المالكة لها. وهذه الشركات مملوكة بدورها جزئياً من قبل المصارف التي اشترت أسهماً فيها سعياً إلى توسيع دائرة استثماراتها، مع تركيزها على القطاعات الاقتصادية "الواعدة" قبل الانتفاضة. إلا أن الركود السائد وتراجع عوائد الشركات والمؤسسات أديا في نهاية المطاف إلى تكبد هذه المصارف خسائر لا يستهان بها. وساهم تراجع دخل المصارف، وهي المؤسسات الأكثر ربحية عادة في اسرائيل، في تراجع عوائد أكثر من 100 شركة متوسطة وصغيرة مدرجة تعمل في مجالات الانتاج التقني والصناعي، ممن سعت من قبل إلى تنويع محافظها الاستثمارية عبر شراء أسهم في المصارف. ويفسر هذا الأمر إعلان شركات عدة في الشهرين الماضيين عن تكبدها خسائر، بعدما عجزت استثماراتها في الأسهم المصرفية عن تعويض انكشاف حساباتها الدفترية، في مجال عملها التقليدي. وما يعزز هذا الاتجاه الأسود للاقتصاد الاسرائيلي التصنيفات الدولية، وآخرها التصنيف الائتماني لوكالة "ستاندارد آند بورز" التي استبعدت الخميس الماضي حصول أي تحسن كبير في النشاط الاقتصادي الاسرائيلي خلال السنة الجارية. وقالت الوكالة إن غياب احتمالات التحسن سببها عدم استقرار الوضع الأمني، معتبرة أنها ظاهرة تنفر المستثمرين من توظيف أموالهم في البلاد، كما أنها تعرقل عملية الاصلاح الهيكلي ولا سيما عمليات التخصيص وتصحيح وضع الموازنة.