قبل اسابيع افتتح في الرياض المبنى الجديد ل"جمعية الثقافة والفنون" بحضور الرئيس العام لرعاية الشباب، الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز. وأجمعت الاوساط الاعلامية والادبية والفنية على اعتبار هذا الحدث نقطة تحول في مسار الحركة الثقافية السعودية. فالمبنى الجديد المجهز احدث تجهيز، هبة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز. وتدشينه يجيء تكريساً لسياسة ثقافية تمضي بها منذ سنوات، تلك الجمعية التي تملك فروعاً في مختلف انحاء المملكة، كما نتبين من خلال هذا الحديث مع رئيس مجلس ادارتها محمد أحمد الشدي. استبشرت الاوساط الثقافية في المملكة العربية السعودية خيراً عندما اعلن الامير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز، الرئيس العام لرعاية الشباب، عن انشاء صندوق لرعاية الادباء والفنانين، وعن جوائز لثقافة الطفل والابداع ولأفضل كتاب سعودي في القصة والرواية "تمنح كل عامين"، اضافة الى مشروع لانشاء بيوت للتراث الشعبي في عدد من المدن السعودية، ومكتبات عامة في مدينة الرياض تكون جميعها تحت اشراف "جمعية الثقافة والفنون" التي ستفتتح فروع جديدة لها في انحاء المملكة. وهذا الاعلان الذي جاء في كلمة القاها الأمير فيصل بن فهد في حفلة افتتاح المبنى الجديد ل "الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون" في الرياض خلال الربيع الماضي، لفت الأنظار بقوة الى انجازات الجمعية خلال السنوات الماضية، ووضعها امام عدد من التحديات المستقبلية. فعلى عاتقها ستقع مهمة الاشراف على صندوق الأدباء والجوائز المعلنة، اضافة الى استمرارها في تسيير دفة النشاط الثقافي والفني في السعودية بطريقة ترضي صموحات الوسط الثقافي. هذه الطموحات عبر عنها الرئيس العام لرعاية الشباب بقوله "نأمل ان يكون المقر الجديد للجمعية في المستقبل المنظور مجمعاً شامخاً للعمل الثقافي والتراثي المثمر، لكي تستطيع التجربة السعودية ان تسهم بدورها على كل المستويات محلياً وعربياً ودولياً، في كل المجالات عامة وفي مجال الثقافة بصفة خاصة". ويدرك القائمون على ادارة الجمعية ابعاد هذه الطموحات، بعد ان باتت الطريق مفتوحة امام هذه المؤسسة الرائدة التي اعطيت دفعات قوية الى الامام تأكيداً على دورها الفاعل في اثراء الحركة الثقافية السعودية خلال السنوات الماضية. فالجمعية شهدت توسعاً ملحوظاً في نشاطاتها داخل السعودية، كما حققت حضوراً فاعلاً في العديد من المهرجانات والمناسبات الثقافية التي تقام في الخارج. وليست المشاركة المكثفة لرجال الفكر والثقافة والفن في السعودية، اضافة الى اعضاء السلك الديبلوماسي في الرياض، في حفلة افتتاح المبنى الجديد ل"جمعية الثقافة والفنون"، الا مؤشراً هاماً على الآمال التي تعلقها النخبة على الانجازات المستقبلية في مجالات الفكر والابداع والثقافة والفنون. كما رأى كثيرون في قيام المبنى الجديد الذي تبرع به خام الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، لفتة تقدير للمثقفين بصفة عامة. التوباد يقع هذا المبنى في احد أرقى احياء الرياض حي المعذر، وتبلغ مساحته الاجمالية حوالي 12 ألف متر مربع. وزعت وحداته المجهزة باحدث المعدات، لتشمل الى جانب المكاتب الادارية والمالية ورشاً فنية وجناحاً للمكتبات الثقافية والسمعية والبصرية والوثائق، واخر للاعلام، ووحدة المصنفات الفنية وأرشيفاً للوحات التشكيلية يتسع لخمسة آلاف لوحة، وقسماً للمحترفات التشكيلية، وآخر لنادي القصة. كما خصصت مساحات للعروض الفنية والبروفات، الى جانب جناح متكامل لمجلة "التوباد"، وهي فصلية ادبية رصينة استمدت عنوانها من "جبل التوباد" الذي يعتبره الكثيرون رمزاً ادبياً للمدرسة العذرية التي خلدها قيس بن الملوح في قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: "وأجهشت للتوباد حين رأيته وسبح للرحمن حين رآني وقلت له: اين الذين عهدتهم بربك في خفض عيش كيان؟ فقال: مضوا واستودعوني بلادهم ومن ذا الذي يغتر بالحدثان؟ وأني لأبكي اليوم من حذري غداً وأقلق والحيان مؤتلفان...". وخرجت "التوباد" المجلة من رحم الأدب عام 1985 لتحم همومه التي تتزايد يوما بعد يوم. واصبحت القضايا الادبية والثقافية تمثل محوراً للهم "التوبادي"، فجاء تناول المجلة لها متميزاً كتميز سائر نشاطات "جمعية الثقافة والفنون". فهي انجزت حتى الآن من خلال مركزها الرئيسي في الرياض، وفروعها العشرة المنتشرة في مختلف المدن السعودية، 17 عدداً من هذه المجلة، اضافة الى العديد من الملفات الثقافية والاصدارات الأدبية التي ساهمت في تقديم اعمال قصصية لعدد من الكتاب الشباب من امثال خالد اليوسف، عبدالعزيز مشري، عبدالله العتيق، رقية الشبيب، فهد العتيق، شريفة الشملان، قماشة السيف، فوزية الجارالله. منذ بدايات القرن ... "الوسط" التقت محمد احمد الشدي رئيس مجلس ادارة "الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون"، وأحد الأسماء البارزة في الوسط الثقافي في السعودية. والشدي معروف بثقافته الواسعة ومساهماته الادبية والصحافية المتنوعة، منذ كان رئيس تحرير مجلة "اليمامة". وهنا نص الحوار: كيف تقومون الحركة الثقافية في المملكة العربية السعودية بصفة عامة خلال السنوات الماضية؟ - ليس من اليسير اختزال العطاء الفكري والثقافي في المملكة العربية السعودية في هذه العجالة، اذ ان عمر هذه الحركة يرجع الى بواكير توحيد البلاد على يد مؤسس وموحد المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه. فمنذ بداية هذا القرن تقريباً، والمملكة تهتم بالانسان وبعطائه الفكري والثقافي، وتعمل على تنمية نتاجه سواء كان ادبياً او فنياً، حسبما تمليه الشريعة الاسلامية السمحة. ولو نظرنا الى واقع الحركة الثقافية، لوجدناها متمحوراً حول الجامعات السعودية، والمكتبات العامة والمتخصصة، ودور الطباعة والنشر بما تصدره من صحف ومجلات وكتب علمية متنوعة. ولا ينبغي هنا ان ننسى الدور الكبير الذي تضطلع به وزارة الاعلام وغيرها من الهيئات والمؤسسات الحكومية. كما تعد الرئاسة العامة لرعاية الشباب اكثر واهم القطاعات المسؤولة عن تنمية الحركة الثقافية، بما انشأته من اندية ادبية ومكتبات داخل الاندية الرياضية الموزعة على مناطق ومحافظات المملكة. فعدد هذه الاندية يتجاوز اليوم ال 150، وكلها تحظى برعاية ومتابعة الامير فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب، ونائبه الامير سلطان بن فهد. وكل هذه المؤسسات قطعت شوطاً كبيراً في مسيرة العمل الثقافي وحركته المنطلقة من خطط عملية مدروسة، تأخذ في الحسبان كافة التطورات التي يعيشها العالم ثقافياً وحضارياً. ما هي استراتيجية الجمعية في مواجهة التحديات الجديدة، على ضوء الطموحات الكبيرة والآمال المعلقة على هذه المؤسسة الثقافية، خصوصاً بعدما تذللت في طريقها كل العقبات؟ - مع افتتاح المقر الجديد ل"الجمعية العربي السعودية للثقافة والفنون" في مدينة الرياض ليكون مركزها الرئيسي، تكون الثقافة السعودية وضعت نفسها، بفضل هدية خادم الحرمين الشريفين، على مشارف القرن الجديد، بما يهيئه المقر لمرتاديه من امكانات كبيرة ومناخ ملائم للابداع والتقدم. والجمعية، كما تعلمون، تعتبر من اوسع وابرز المؤسسات التي تتولى مسؤولية نشاطات عديدة ومتنوعة. حيث انها ملتقي لرجال الفكر والادب والفن، كما انها تحتضن الادباء والفنانين وتنشر نتاجهم وترعاهم، متعاونة في كل ذلك مع الاجهزة الاخرى المعنية بشؤون التعليم والثقافة والاعلام. وقد وافق الرئيس العام لرعاية الشباب الامير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز، خلال الاجتماع الذي ترأسه اثناء افتتاحه للمقر الجديد، على قيام الجمعية بتنفيذ عدد من البرامج والأنشطة الثقافية. وكان من ابرزها اعلان جائزة الامير فيصل بن فهد لثقافة الطفل السعودي، اقامة مهرجان الطائف الثقافي، انشاء عدد من المراكز الثقافية الجديدة داخل فروع الجمعية، انشاء صندوق الادباء والفنانين، افتتاح فرعين جديدين للجمعية في تبوك وجيزان، افتتاح بيتين للتراث في ينبع وعنيزة، تسيير المرحلة الثانية من القوافل الثقافية والغاء رسوم العضوية، انشاء مكتبات في الاحياء واقامة معارض للفنون التشكيلية بوتيرة معرض في الشهر واقرار جائزة احسن كاتب سعودي ... وغير ذلك من القرارات المهمة. ما هي ابرز الانجازات التي حققتها جمعية الثقافة والفنون خلال السنوات الماضية؟ - انجزت الجمعية مئات البرامج والانشطة والدورات التي تعكس مستوى الدور الذي تضطلع به في خدمة الثقافة الوطنية والمبدعين السعويين. ولو استعرضنا بالأرقام بعض ما تم تحقيقه، لوجدنا ان المعارض التي نظمتها الجمعية زاد عددها على 600 معرض تشكيلي جماعي وشخصي، كما انتجت 10 مسرحيات فاز بعضها بجوائز في المهرجانات العربية، وأصدرت اكثر من 100 كتاب طبع منها ما يزيد على نصف مليون نسخة واستفاد منها اكثر من خمسة ملايين قارئ ومتلق. اما على مستوى التظاهرات والنشاطات المنبرية، فأقيم ما يقارب ال1500 محاضرة وندوة وأمسية. كما اشتركت الجمعية في الدورات العشر ل"المهرجان الوطني للتراث والثقافة" الذي يقام سنوياً في الجنادرية، من خلال تنظيم محاضرات وتقديم مسرحيات او عروض شعبية. أسئلة التطبيع أسئلة التطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني هي الاكثر جدلاً لدى الاوساط الثقافية العربية فما هو موقفك من هذه القضية؟ - ليس هناك ما يسمى تطبيعاً ثقافياً مع الكيان الصهيوني، لأن كل ثقافة لها سماتها الخاصة. فالتطبيع الثقافي غير ممكن، ولا يمكن ان يتم التوصل الى صيغة توفيقية في العلاقات الثقافية بالمعنى المطروح هنا. فثقافة كل شعب تبقى لها اطرها وسماتها التي تميزها عن ثقافات الشعوب الاخرى. هناك علاقات ثقافية يمكن ان تتم بين مؤسسات دولتين مختلفتين او اكثر، لكن كل طرف يبقى في كل الاحوال متمسكاً بسماته الثقافية، قادراً على مقاومة المؤثرات الخارجية وتحجيم نتائج وانعكاسات الاحتكاك بالثقافة الاخرى. ان ثقافات الشعوب "الاصيلة في عصرنا، استطاعت ان تحتفظ بجذورها وسماتها وقوة تأثيرها، على رغم ما يمكن ان نطلق عليه "الهجمات الثقافي" التي تتجلى في تطور وانتشار وسائل الاتصال التي باتت اليوم تتحكم بهذا العالم. كيف توفقون بين النهجين التراثي والحداثي في اطروحات مجلة "التوباد"؟ - "التوباد" مجلة ثقافية تهتم بجميع انواع الادب، التراثي منها او الحداثي. وهي تحرص على الجمع بين مختلف التيارات والاتجاهات لارضاء جميع الأذواق. لا غرابة اذاً في ان يقع القارئ بين دفتي هذه المطبوعة على صيغة من التنوع المنتاغم، سواء في القصة القصيرة او المقالة او الشعر. ما دامت النصوص جيدة في مضمونها، منسجمة مع سياسة التحرير، فلا بأس من نشرها. ونحن نريد ل"التوباد" ان تكون مجلة المثقف العربي اينما كان، خصوصاً وانها توزع عن طريق شركة "الاهرام" في جميع الدول العربية. وما ينشر فيها من طروحات او دراسات او نصوص ابداعية، انما تعكس ما يبدعه المثقف العربي بشكل عام. وبالتالي فإن المزج بين المنهجين التراثي والحديث يتسع لكل الاشكال والقوالب والابتكارات والاجتهادات التي يمكن لهذا المثقف ان يختارها لايصال ابداعه الى الملتقي.