بعد اسبوع ونيف يبدأ احتساب مهلة الشهرين الفاصلة عن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الياس الهراوي، لانتخاب خلف له في ظل حال من التوتر تسيطر على العلاقات الرئاسية، وعلى رغم دعوة دمشق الى التهدئة للحفاظ على الاستقرار السياسي الذي يتيح توفير الاجواء الطبيعية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي. ولم يعد خافياً على احد المصير الذي بلغته العلاقة بين رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري، اذ ان الاتصالات ما زالت مقطوعة وتتعرض الهدنة بينهما من حين الى آخر لخروقات سياسية يقودها النائب محمد عبدالحميد بيضون حركة "أمل" بذريعة الدفاع عن دور المجلس وموقعه في الانتخابات الرئاسية. واذا كانت الاتصالات بين الرئاستين الثانية والثالثة مغيبة لخلافهما على تقويم تجربتهما في الحكم، مع ان الرئيسين بري والحريري يتقاطعان في الموقف من اجراء مراجعة نقدية، فإن العلاقة بين الرئيس الهراوي ورئيس الحكومة تشهد ايضاً توتراً وإن لم يظهر الى العلن. ويعود التوتر المسيطر على العلاقات الرئاسية بما في ذلك علاقة رئيس الجمهورية برئيس الحكومة الى ان الاول يأخذ على الثاني مواصلته الحديث امام زواره عن ان التمديد او التجديد غير مطروح، مستشهداً بمواقف من هذا القبيل للرئيس الهراوي مباشرة او بالواسطة. وفي هذا الاطار، نقل زوار الهراوي عنه "لم يعد لرئيس الحكومة من عمل سوى الحديث عن رفض التمديد" مشيرين الى "دعوته الى التوقف عن تناول الاستحقاق الرئاسي من زاوية محصورة بالتمديد". ولاحظوا انقطاع الاتصال بين رئيسي الجمهورية والحكومة الذي لم يزر قصر بعبدا فور عودته من القاهرة، قبل ان يغادر لبنان الى فرنسا في زيارة عائلية، لإطلاعه كعادته على نتائج المحادثات التي اجراها في العاصمة المصرية وشملت الرئيس حسني مبارك. ورأوا ان الرئيس الهراوي يبدي امتعاضه من مواقف الرئيس الحريري من التمديد "ليس لأنه يتوخاه وانما لشعوره ان لا ضرورة لتكراره في كل مناسبة، وان يترك الامور تسير في صورة طبيعية". وأكدوا ان رئيس الجمهورية الذي كان رفض صراحة التمديد، بات على اقتناع بأن المشاورات التمهيدية الجارية في شأن الاستحقاق الرئاسي ستنتهي الى انتخاب رئيس جمهورية جديد يكون في مستوى التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة على اكثر من صعيد في ضوء استمرار جمود العملية السلمية، ومحاولات اسرائيل إنقاذ المسار الفلسطيني من التخبط، وانما على طريقتها الخاصة. أما لماذا بات التمديد في حكم المستبعد كأحد الخيارات السياسية على خلاف ما اعلنه اخيراً وزير الخارجية فارس بويز؟ فيقول قطب سياسي ل"الحياة" ان "الحصيلة النهائية لمعركة انتخابات الرئاسة وإن كانت لن تظهر الى العلن خلال مدة وجيزة والى حين بلورة الموقف النهائي في المشاورات المرتقبة بين بيروتودمشق، من معالمها الواضحة استبعاد التمديد لمصلحة انتخاب رئيس قوي يعكس مجيئه التوجه العام لمواجهة التحديات التي يتعرض لها لبنان وسورية على السواء". ويلفت الى اهمية الزيارة التي قام بها قائد الجيش العماد إميل لحود للرئيس الهراوي الجمعة الماضي، وإن كانت عادية يمكن ان يقوم بها عندما تستدعي الحاجة للرؤساء الثلاثة ووزير الدفاع محسن دلول. ويضيف ان "توقيت الزيارة، وان جاءت في سياق التشاور في وضع الجنوب والتطورات ذات الصلة المباشرة به، كان له معنى آخر على رغم عدم تبادلهما الحديث عن الانتخابات الرئاسية بما فيه تعديل المادة ال49 من الدستور". ويكمن معنى الزيارة اساساً في تطبيع العلاقة على المستوى الشخصي بين رئيس الجمهورية وقائد الجيش وصولاً الى الدخول في مرحلة من التطبيع الدائم بعد الحديث عن موقف ما للرئيس الهراوي منه باعتباره احد ابرز المؤهلين الى رئاسة الجمهورية. اي ان اللقاء انعش العلاقة الشخصية بينهما، انطلاقاً من ضرورة كسر الجليد في حال وجوده، واستكمالاً للمهمة التي بدأ بها اكثر من صديق مشترك لتنفيس الاحتقان بعد موجة من "القال والقيل" لموقف رئيس الجمهورية من الاستحقاق. فالزيارة أمّنت التواصل وفتحت الباب امام منحى جديد من التعاطي المستقبلي بين رئيس الجمهورية وقائد الجيش خصوصاً انه يمكن ان يكون مفتوحاً، ومن الباب الواسع، على الانتخابات الرئاسية مع ان البعض يعتقد ان الخيار الرئاسي يتجاوز العلاقات الشخصية الى تحديد طبيعة المرحلة التي يترتب عليها اختيار الرئيس العتيد، استناداً الى الصفات التي يتمتع بها، من دون اغفال ما يدور حول لبنان وسورية من تطورات تفرض مواجهتها رؤية مشتركة وخطة عمل ثنائية. والى ان يتم وضع الاستحقاق الرئاسي على نار حامية وربما في نهاية الشهر الجاري، او مطلع الشهر المقبل كأبعد تقدير، يتوقع القطب السياسي ان تظهر صورة رئيس الجمهورية الجديد في ختام المشاورات اللبنانية - السورية التي يفترض ان تدشن بلقاء قمة بين الرئيسين اللبناني والسوري. ولم يستبعد اتمام التعديل الدستوري للمادة ال49 في دورة استثنائية للمجلس النيابي تخصص لهذه الغاية، على ان يعقبها توجيه الرئيس بري دعوة الى النواب لانتخاب الرئيس الجديد في مهلة اقصاها النصف الاول من تشرين الاول أوكتوبر المقبل، موضحاً ان الخيارات الرئاسية اصبحت محدودة ويفترض ان تتبلور الصورة من خلال مشاورات تجرى على خطين: الاول لبناني - سوري والثاني لبناني - لبناني كمقدمة لإجراء الانتخابات