عادت الثنائية في زعامة الطائفة الدرزية في لبنان الى البروز بعد انتهاء الحرب الاهلية وغير الاهلية التي عصفت بالبلاد بين العامين 1975 و1990، وبذلك يكون الوضع داخل هذه الطائفة عاد الى طبيعته باعتبار ان الدروز كانوا دائماً موزعي الولاء بين زعامتين الاولى جنبلاطية والثانية يزبكية بقيادة الارسلانيين ولا يعني ذلك ان الوضع الاحادي في زعامة الطائفة في اثناء الحرب كان غير طبيعي، ذلك أن الدروز المنقسمين الى زعامتين وحزبيتين أيام السلم كانوا دائماً يتوحدون أيام الحرب وتحديداً عندما كانوا يستشعرون خطراً داهماً على وجودهم ومقوماتهم وخصائصهم. وكانت الزعامة الاحادية هذه من نصيب آل جنبلاط الذين تمثلوا في بداية الحروب بالزعيم الكبير الراحل كمال جنبلاط ومن بعد اغتياله بنجله وليد الذي تولى الزعامة ومعها النيابة والوزارة ولا يزال. وعلى رغم اعتبار عودة الثنائية الى الزعامة الدرزية طبيعية في السلم فإن الفريق الجنبلاطي لم يرتح كثيراً الىها لاعتبارات عدة يتصل بعضها باقتناعه بأن إنتهاء الحرب العسكرية في لبنان لا يعني بلوغه مرحلة السلم الاهلي الكامل والشامل وتالياً بأن مصلحة الدورز تقتضي الاستمرار في توحيد الصفوف تحت رايته. كما يتصل بعضها الآخر برغبة هذا الفريق في ابقاء الجديد على حاله وفي عدم العودة الى الماضي بثنائيته ولعل ما يضاعف هذه الرغبة المرارة التي يشعر بها زعيم الفريق الجنبلاطي والزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط بسبب تحول وريث الزعامة اليزبكية الارسلانية عنه على رغم ما قدم له من اجل تثبيت وراثته للامير مجيد ارسلان التي نازعه اياها شقيقه الامير فيصل وكذلك بسبب سيره في خط سياسي يثبت استقلاله داخل الطائفة ويعيد العصبية الى محازبيه وانصاره ويثبت استقلاله ايضاً على الصعيد الوطني العام. وقد أفسح ذلك المجال، في رأي جنبلاط، لتقوية اخصامه السياسيين خارج الطائفة وتحركهم ضده من داخل ساحته اي ساحة الطائفة الدرزية. تحقيق المصالحة وقد تطور عدم الارتياح الجنبلاطي المذكور اعلاه مع الوقت وتحول خلافاً مهما مع الفريق الارسلاني بدأ الكثير من الدروز يخشون انعكاساته السلبية على الطائفة الدرزية عموماً في لبنان الوطني وفي لبنان التركيبة السياسية. وتلافياً لذلك نشطت المساعي من داخل الطائفة لمصالحة الفريقين لكنها لم تحقق النتائج المرغوب فيها. كما ان بعضها حاول الافادة من الحلف القائم بين كل من الفريقين وسورية لتحقيق المصالحة المطلوبة وذلك من خلال التمني على المسؤولين الكبار في دمشق التصدي لهذه المشكلة لكن المحاولة فشلت ربما لأن سورية لم تجد أن من شأن الخلاف الناشب التأثير على وضعها في لبنان نظراً الى احترام طرفيه السقف الذي وضعته له. وربما لان دمشق لا تمانع في عودة الوضع الطبيعي السياسي داخل الطائفة الدرزية الذي من شأنه اشعار الفريق الجنبلاطي انه ليس وحده على الساحة وبالتالي دفعه الى التخلي عن التصلب وعن المشاكسة في امور داخلية كثيرة. الاّ أن سعاة المصالحة لم ييأسوا واستمروا في بذل مساعيهم الخيرة. وتردد في الآونة الاخيرة انهم نجحوا في تحقيق المصالحة بين الزعيم الابرز وليد جنبلاط والامير طلال ارسلان وقيل ان السبب في نجاحهم هو احساسهما معاً بأن استمرار خلافهما يهدد الدروز خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان حيث يطرح البعض الغاء الطائفية السياسية ويطرح البعض الآخر قانوناً انتخابياً على اساس اعتبار لبنان دائرة واحدة ويطرح البعض الثالث اعتماد المحافظات الخمس دوائر انتخابية. وهذه الطروحات تهدد الدروز كونهم اقلية، فإلغاء الطائفية السياسية في الجو الطائفي والمذهبي السائد يعني عملياً الغاء دور الدروز. والخوف من ذلك في محله خصوصاً بعدما ترسخت الترويكا التي تضم الطوائف الكبيرة الثلاث الموارنة والشيعة والسنة والتي ضمنت مصالح ابنائها وتغاضت عن الآخرين. ولبنان دائرة انتخابية واحدة يجعل الدروز خارج الحساب في المطلق. اما اعتماد المحافظات الخمس دوائر انتخابية أي الجبل دائرة واحدة من شأنه السماح للمسيحيين الذين خاضوا والدروز حرباً قاسية بتصفية الحسابات مع هؤلاء. ولا تعكس هذه المخاوف في رأي قيادات درزية تعصباً مذهبياً او تطرفاً طائفياً. لكنه يعكس حرصاً على الذات في وضع طائفي ومذهبي. وقيل ايضاً أن أولى علامات المصالحة هي اتفاق الفريقين على تأليف لجنة للاشراف على الاوقاف الدرزية ولادارتها. وهو أمر تعذر اشهراً عدة وربما اكثر بسبب الخلافات المعروفة. هل أخبار المصالحة المذكورة صحيحة؟ القريبون من الزعامة الجنبلاطية ينفون حصول المصالحة لكنهم يؤكدون في الوقت نفسه اتفاقاً مبدئياً بين الزعيم وليد جنبلاط والامير طلال ارسلان على اللجنة التي ستكلف الاشراف على الوقف الدرزي وادارة شؤونه. وفي هذا المجال يقول هؤلاء ان هذا الموضوع كان موضع أخذ ورد بين الزعامتين منذ مدة وان جنبلاط أبدى تجاوباً وطرح اسماء عدة لعضوية اللجنة مقبولة من الجانبين ولم يمانع في اختيار ارسلان الاسماء التي يريد. ودافعه الى ذلك هو الافادة من وقف الطائفة لمساعدة أبنائها الذين أثرت الحرب كثيراً على مواردهم وزاد السلم من هذا التأثير لاعتبارات عدة. قانون انتخابات جديد أما موضوع المصالحة السياسية فلا يزال بعيداً في رأيهم وهو لم يطرح بعد، وتحقيقها اذا حصل لن يكون في اتجاه مخالف لتوجهات الوزير جنبلاط الذي لا يزال يعبر عن الرأي العام الدرزي برمته أو على الاقل بأكثريته على رغم الثنائية القائمة. وتوجهاته هذه ليست تقسيمية او فيديرالية كما يحلو للبعض داخل الطائفة وخارجها أن يوحي. ذلك ان الدروز لا يملكون لغاية الآن خلافاً للطوائف الأخرى مقومات تسمح بإقامة كيان مثل المستشفيات والجامعات، ووسائل الاعلام الخاصة بهم ومناطقهم فقيرة ولا يستطيعون تنميتها وحدهم. ولذلك فإنهم في حاجة الى العيش مع سائر اللبنانيين. والدليل على ذلك ان الجبل ازدهر عندما كان نقطة وصل بين البقاع والشمال، والجنوب وبيروت. وفي هذه الحال فإنه سيستمر متمسكاً بقانون انتخابات جديد يؤمن اعادة اللحمة الى البلد ويساعد على إقامة وحدة وطنية قد تؤدي مستقبلاً الى انصهار وطني ويحفظ في الوقت نفسه مصالح الدروز وإن أدى ذلك الى استمرار الخلاف بينه وبين الفريق الارسلاني الذي يتمسك حلفاؤه غير الدروز بأفكار لقانون انتخابات لا تحفظ هذه المصالح. علماً أن هذا الفريق قد لا يستطيع طويلاً الاستمرار في موقف يخاف الدروز تبعاته. ومن الافكار التي طرحها جنبلاط ولا يزال يطرحها على هذا الصعيد انشاء دوائر انتخابية مختلطة ومتوازنة في آن واحد. وقد قوبلت في حينه من الجميع ولا سيما من المسيحيين برفض ذلك انهم تمسكوا بالجبل دائرة انتخابية واحدة رغبة منهم في تصفية الحسابات معه انتخابياً. لكن المعلومات التي بدأت ترد عن موقف هؤلاء من هذا الموضوع منذ زهاء شهرين تشير الى تبدل محتمل. فهم باتوا أكثر انتفاحاً على فكرة تقسيم محافظة الجبل دائرتين انتخابيتين ربما بعدما ازداد خوفهم من طروحات الآخرين إلغاء الطائفية السياسية ولبنان دائرة انتخابية واحدة وبعدما رأوا أن مصالحهم والدروز تقتضي التفاهم على هذا الموضوع. طبعاً لا يعني ذلك، يتابع القريبون انفسهم أن أبواب المصالحة مقفلة لكنه يعني أن المصالحة يجب أن تعزز وضع الطائفة الدرزية في التركيبة السياسية اللبنانية ويجب أن لا تهز الزعامة الدرزية الواسعة للوزير جنبلاط. ما رأي الفريق الدرزي الارسلاني بذلك ؟ إنه يسعى الى المصالحة، في نظر مؤيديه ولكن ليس بأي ثمن درزي عام أو شخصي. وهو لا ينكر ما فعله الفريق الجنبلاطي للدروز في أثناء الحرب، علماً أن ذلك لم يكن ممكناً لولا توحد الطائفة تحت الراية الجنبلاطية ولكنه يرفض استمرار ادارة امورها ايام السلم بمنطق ايام الحرب. وهو يعتبر أن السلم يقتضي التحاور مع الاخصام والاعداء السابقين لاعادة بناء لبنان وقبله الجبل وليس استمرار التعبئة داخل الطائفة ضد الآخرين لأن ذلك يشكل مشروع حرب جديدة ليست في مصلحة أحد. وعلى هذا فإن التحالفات مع اعداء الأمس خصوصاً الذين منهم غيروا استراتيجيتهم واعترفوا بأخطائهم أيام الحرب ليس عيباً. لا بل انه مطلوب وهذه التحالفات مع الانفتاح الذي يرافقها على أكثر من جهة لا يقصد منها حشر الفريق الجنبلاطي وفريقه على الاطلاق. وانما تمليها مصلحة لبنان والدروز. واذا كانت تساعد في اعادة بناء الزعامة اليزبكية فلما لا خصوصاً ان الزعامة الجنبلاطية لم تترك شيئاً الاّ استعملته من اجل تثبيت نفسها والغاء أخصامها.