على رغم ان البطريرك الماروني نصرالله صفير حاول ان يبقي جولته على الشوف وجزين، في اطارها "الراعوي"، فإنه بمحاولته هذه، لا يمكنه ان يبعد عنها الطابع السياسي الذي اتسمت به، خصوصاً ان مفاعيلها ستبقى قائمة ولن تبقى مجرد زيارة معنوية. وفي تقويم لأبعاد الجولة الراعوية، توقف قطب سياسي امام معانيها السياسية. ورأى فيها تكريساً للمصالحات المتقطعة التي حصلت في عدد من بلدات الشوف وعاليه لتعلن المصالحة الشاملة بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والبطريرك صفير بالانابة عن الموارنة والقسم الاكبر من المسيحيين. ولفت القطب السياسي الى أهمية الاحاديث التي تبادلها صفير وجنبلاط، واستحضرا فيها التذكير بالحوادث المؤلمة التي وقعت في عام 1860 بين الموارنة والدروز، وصولاً الى التأكيد أن الجرح الذي خلفته الحوادث قد ضمد وان لا عودة الى الماضي. وأضاف: ان استحضار حوادث 1860 شكل محطة للاشارة بصراحة الى ان الحرب ولّت من دون رجعة وان ملف الدمار والمآسي المترتبة على الحرب التي اندلعت أخيراً قد اقفل على قاعدة الاقرار بالتعايش والحوار بين القوتين الاساسيتين في الجبل اي الدروز والموارنة. وشدد على اهمية وجود اتفاق بين صفير وجنبلاط، مشيراً الى ان الاتفاق لا يعني استهدافاً لطرف ثالث، وهذا ما حرص عليه رئيس التقدمي عندما اصر على رفض الثنائية المارونية - الدرزية وكأنه لا يرغب في العودة اليها، بهدف دحض المزاعم التي يمكن ان ينبشها البعض من دفاتر الماضي البعيد، في اشارة الى ان التفاهم يبشر بالعودة الى اللعبة السياسية التي فرضها في السابق مشروع لبنان الصغير. متصرفية جبل لبنان. واعتبر ان التفاهم ينطلق من وجود قرار نهائي لدى الطرفين بالخروج من معادلة الحرب وعدم العودة اليها، في حال لا سمح الله تجددت في المستقبل دورة العنف. لكنه لاحظ ان تكريس المصالحة لا ينم عن وجود رغبة في عقد صفقة يشتم منها الاستقواء على الآخرين. وعزا السبب الى وجود تمايز في الخطاب السياسي بين صفير وجنبلاط. وأكد أن اهمية الزيارة تكمن في عودة القوى المسيحية بأحزابها الاساسية الى الشوف وعاليه. وقال ان هذه العودة تحصل للمرة الاولى بعد انتهاء الحرب في لبنان، مشيراً الى ان المعارضة المتمثلة بلقاء قرنة شهوان عملت على تكثيف حضورها في محاولة لتحميلها بعداً سياسياً أكثر من قدرتها على تحمله، على رغم انها تدرك قبل غيرها أن حضورها بقي في اطاره الرمزي. واذ شدد القطب السياسي على اعادة الاعتبار إلى الحضور المسيحي الحزبي رأى في المقابل ان اختيار البطريرك صفير قصر خلدة - مقر الزعامة الارسلانية - واحدة من محطاته - لن يبدّل من تكريس الزعامة الجنبلاطية على الجبل بمقدار ما انه اراد تأكيد الحضور الارسلاني ممثلاً بالوزير طلال ارسلان، في موازاة الآخرين من الاطراف السياسيين وصولاً الى تجنب ما يمكن ان يقال عن انحياز سيد بكركي لو لم يلبِ الدعوة الى زيارته. واعتبر ان للحضور الجنبلاطي في معظم المحطات، قراءة سياسية يستخلص منها، ان المخاوف الانتخابية لرئيس التقدمي الى زوال، وبالتالي فإن اي قانون انتخاب لن يقلقه في المستقبل وأصبح في وسعه ان يسحب مخاوفه وهواجسه من التداول، خلافاً لما كان يتصرف في السابق، خصوصاً انه قادر على توسيع تحالفاته والتحكم بالمعادلة السياسية في الجبل. الا ان استقراء الجولة من الزاوية السياسية، لم يقفل الباب امام وجود تمايز في الموقف من العلاقة اللبنانية - السورية، اضافة الى ان عدم شمول زيارة البطريرك المنطقة التي تحررت اخيراً في الجنوب ينم عن قرار لديه بتوجيه رسالة الى من يعنيهم الامر بأنه غير راضٍ عن الوضع القائم في هذه المنطقة. وقد اشار الى هذا الامر في خطابه الذي ألقاه في جزين. وختاماً، يمكن القول ان الجولة ليست للتأسيس لحلف بين بكركي وجنبلاط يستهدف الآخرين من دون استبعاد التوافق ولو من موقع التباين في طبيعة العلاقة مع سورية، وكأن رئىس الحكومة السابق المرحوم رشيد كرامي كان على حق عندما اشار في تصريح له اثناء احتدام الحرب اللبنانية أن الرئيس كميل شمعون والزعيم كمال جنبلاط يختلفان في المنطق ويتفقان في المنطقة.