تشهد الطائفة الدرزية في لبنان، منذ فترة، توتراً يعود الى سببين اساسيين، اولهما الصراع الحاد على زعامة الطائفة: بين الزعيم الأبرز فيها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الوزير وليد جنبلاط والنائب الأمير طلال ارسلان نجل الأمير الراحل مجيد ارسلان زعيم اليزبكيين الدروز لمدة طويلة، وثانيهما نشوب صراع داخل الطائفة بين جنبلاط وقائمقام شيخ العقل بهجت غيث بدأ يتخذ في الأسابيع القليلة الماضية طابعاً حاداً. واذا كان الصراع الأول محكوماً بضوابط تمنع انفجاره أو حسمه لمصلحة احد طرفيه، بعضها يتعلق بتكوين الطائفة الدرزية في لبنان القائم على الثنائية في الزعامة بين الجنبلاطيين واليزبكيين، وبعضها اقليمي اذ يرتبط كل من الفريقين المتصارعين بحلف ثابت وقوي مع سورية، فان الصراع الثاني غير المحكوم بضوابط مماثلة او الذي لم يمنح احد طرفيه الوقت الكافي ليجعله محكوماً بضوابط كهذه انفجر قبل حوالى اسبوعين عندما اجتمع في بلدة بعقلين عدد من كبار المشايخ والعلماء في الطائفة الدرزية في حضور وليد جنبلاط وعدد من نوابها والوزراء وقرروا تنحية قائمقام شيخ العقل بهجت غيث من منصبه متذرعين اساساً بعدم وجود منصب كهذا في الطائفة ومستندين الى أمور عدة ابرزها عدم اتباع الأصول في تعيينه مع تلميح الى وجود من هو اكثر أهلية منه لقيادة الطائفة من الناحية الدينية. كيف وصل الشيخ بهجت غيث الى منصب قائمقام شيخ العقل وما هي الأسباب التي أدت الى "خلعه" من قبل المشايخ وعلماء الدين بمباركة جنبلاط وتياره الدرزي الواسع؟ شيخان لطائفة واحدة يجيب مصدر قريب من جنبلاط عن السؤالين بالآتي: 1 - للطائفة الدرزية، حسب القوانين اللبنانية، شيخا عقل، واحد للجنبلاطيين وآخر لليزبكيين. وفي اوائل السبعينات توفي شيخ عقل اليزبكيين الشيخ رشيد حمادة، فلم يتم تعيين شيخ آخر مكانه. اذ اتفق زعيما الدروز في ذلك الحين الراحلان كمال جنبلاط والأمير مجيد ارسلان على ان يستمر شيخ عقل الجنبلاطيين محمد ابو شقرا شيخ عقل للدروز جميعاً. واتفقا على ضرورة توحيد مشيخة العقل بادخال التعديلات اللازمة على النصوص القانونية والمعمول فيها بهدف تجنب الخلافات واشاعة تفاهم بين الدروز على رغم انقساماتهم العائلية. لكن الحرب ما لبثت ان اندلعت بعد سنوات قليلة من وفاة حمادة فلم يتيسر للزعيمين الدرزيين انجاز ما اتفقا عليه. 2 - قبل وفاة الشيخ ابو شقرا بوقت قصير جداً استدعى الأخير، وكان على فراش الموت، جنبلاط وبعدما دعا له بطول العمر وبدوام التوفيق في خدمة الدروز والمحافظة على وجودهم وكرامتهم وارضهم قال له: "لي عندك وصية هي الموافقة على ان يكون الشيخ بهجت غيث قائمقام شيخ عقل بعد وفاتي". وقدم له ورقة خطية ممهورة بتوقيعه تضمنت تكليف غيث بالمنصب. وحاول جنبلاط اقناع ابو شقرا بالعدول عن رأيه لأن المرجعيات الدينية الدرزية لن تستسيغ ذلك، ولأن لا وجود لشيخ عقل بالتكليف وما الى ذلك. لكن الشيخ المحتضر تمسك بموقفه وكرر تمنيه على جنبلاط، فوافق الأخير وتم استدعاء غيث من الحقل حيث كان يعمل وأبلغ اليه ابو شقرا موافقة جنبلاط ودعاه الى ان يكون سنداً له ومعيناً نظراً الى ما قدمه الى الطائفة في الظروف الصعبة. واستعمل في شرح فكرته كلمات جازمة كررها اكثر من مرة مثل "اياك وليد بك". ويعيد المصدر نفسه موافقة جنبلاط الى تقديره للشيخ ابو شقرا الذي وقف معه في اوقات الشدة على رغم وجود تيارات في أوساط المشايخ تعارض السياسة المحلية والاقليمية لجنبلاط وساهم ابو شقرا في وقفها عند حدها. 3 - لم يرتح كبار العلماء والمشايخ في الطائفة الدرزية لما حصل. لكنهم لم يعبّروا عن عدم ارتياحهم بمقاطعة قائمقام شيخ العقل او التشكيك في شرعيته، اذ كان رائدهم حفظ وحدة الطائفة في وقت كانت الاخطار لا تزال محدقة بها. واكتفى بعض الذين كانوا قريبين من جنبلاط بالابتعاد قليلاً عن دار المختارة مع استمرارهم في تأكيد زعامة سيدها وتقديم الدعم اللازم اليه. اما بعضهم الآخر فراح يتردد على دار خلدة معقل الزعامة الارسلانية اليزبكية حيث كان الأمير طلال نجل الأمير مجيد ارسلان يحاول القيام بموجبات ارث الزعامة الذي حمله بدعم من والدته الأميرة خولة ومن وليد جنبلاط وبمباركة من سورية. الا انه في موقفه هذا كان يعبر عن احتجاج اكثر مما كان يعبر عن رغبة في القيام بعمل ضد جنبلاط يضعف الدروز في مرحلة دقيقة من تاريخهم. 4 - ارتكب قائمقام شيخ العقل بهجت غيث سلسلة اخطاء ادت الى الموقف السلبي الذي اتخذه حياله المشايخ والعلماء والسياسيون وأبرزها ثلاثة: الخطأ الأول ممارسته السياسة اسوة بالمرجعيات الدينية عند الطوائف اللبنانية الأخرى. وقد شجعته على ذلك عوامل عدة، منها تحول المرجعيات المذكورة مرجعيات سياسية يعود اليها السياسيون اياً تكن عراقة زعامتهم عند كل صغيرة وكبيرة. ومنها ايضاً قيام تحرك رسمي لهذه المرجعيات بهدف المساعدة على ايجاد حلول للمشاكل اللبنانية، لا سيما بين المسلمين والمسيحيين. ومنها ثالثاً اندفاع اخصام جنبلاط من داخل الطائفة وخارجها الى الافادة من موقع القائمقام غيث للاضرار به وبطائفته وبمصالحها، وقد دفعه ذلك الى اطلاق تصريحات سياسية والقاء خطابات سياسية واعلان مواقف سياسية يتعلق بعضها باستحقاق الانتخابات الرئاسية مناقضة تماماً لمواقف الجنبلاطيين، ومنها اخيراً امتلاكه ثروة مادية كبيرة استعمل قسماً منها لاجتذاب عدد من الأنصار ولفتح قنوات اتصال مع جهات سياسية نافذة. والخطأ الثاني محاولته ادخال تعديلات جوهرية على المعتقد الديني الدرزي وتحديداً على اصول الصلاة من شأنه الانعكاس سلباً على الدروز كطائفة في لبنان وفي العالم الاسلامي، اذ سعى الى ابدال البسملة في الاسلام اي عبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" ببسملة اخرى هي: "باسم الحاكم الحكيم والعالم العليم". وقد اعتبر جنبلاط ودروز كثيرون ان هذه المحاولة تشكل تنكراً للتراث والتقاليد وتمايزاً عن المسلمين، بل اشارة الى انفصال عنهم. وانعكاسات ذلك خطيرة على الدروز، خصوصاً في زمن الصحوة الاسلامية او الاصولية الاسلامية التي تكاد ان تشمل العالم الاسلامي كله. اما الخطأ الثالث الذي ادى الى قرار "خلع" غيث على هذا النحو والذي كان نتيجة للخطأين السابقين، فكان اصراره على حضور حفل تخرج في مدرسة بعقلين على رغم مقاطعة الجنبلاطيين لها ودعوتهم الى مقاطعتها والى الاضراب في البلدة ضدها، اضافة الى التحدي الذي اتخذته الدعوة الى الحفل وكذلك الى كون بعقلين معقل احد أبرز المشايخ الدروز المعترضين اساساً على "قائمقامية غيث". لماذا لم تحل مشكلة مشيخة العقل قبل استفحالها وتحولها أزمة؟ اتفاق من دون تنفيذ جرت محاولات في الأشهر الماضية لحلها انطلاقاً من مبدأين: اولهما ضرورة ان يكون للدروز شيخ عقل واحد، ويقتضي ذلك تعديلات للقانون في مجلس النواب. وثانيها ضرورة تشكيل مجلس مذهبي درزي غير قائم حالياً ومجلس يتولى ادارة اوقاف الطائفة. لكن الخلاف الحاد بين وليد جنبلاط وطلال ارسلان حال دون ذلك، خصوصاً بعدما دخلت على خط الخلاف جهات لا مصلحة لها في وحدة الطائفة الدرزية، لا سيما من الناحية السياسية. ويقول المصدر المقرب من جنبلاط ان اجتماعاً حصل قبل فترة بين الزعيمين الدرزيين في حضور وزراء الطائفة ونوابها وعدد من شخصياتها ومشايخها اتفق فيه بعد مناقشات حادة على ان يكون للدروز شيخ عقل واحد طلب جنبلاط ان يسميه الأمير طلال. واتفق ايضاً على ان يتولى الأمير الارسلاني مهمة اقناع رئيس مجلس النواب نبيه بري بالسير في تعديل القانون المتعلق بتوحيد مشيخة العقل، على ان يتولى الزعيم الجنبلاطي اقناع رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري بتبني هذا الأمر واحالة مشروع قانون به الى المجلس النيابي، وتم في الاجتماع نفسه تشكيل لجنة من عشرة اشخاص، سبعة منهم ينتمون سياسياً الى الأمير طلال للاعداد للقانون والاهتمام بالأوقاف وما الى ذلك. وفي النهاية طلب الأمير الارسلاني ضمانات من الزعيم الجنبلاطي الذي ثارت ثائرته لهذا الطلب، وانزعج النواب والوزراء وعدد من الشخصيات لأنه لم يعتبر وجودهم ضمانة كافية، ثم طلب توقيع جنبلاط على الاتفاق وحصل عليه. ووقعه بدوره. لكن هذا الاتفاق لم ينفذ. ويتابع المصدر ان الأمير طلال لم ينجح في اقناع الرئيس بري بتبني الاتفاق، وقال رئيس المجلس انه لن يحرك ساكناً حيال هذا الموضوع الا في حال حصوله على موافقة اجماعية من النواب الدروز بمن فيهم النائب عصام نعمان. وعزا الجنبلاطيون ذلك الى رغبة رئيس المجلس في الشغل في الطائفة من داخلها فيما استمرار الخلاف بين زعيميها يسهل له ذلك. والسبب الأساسي لهذه الرغبة هو الخلاف الواسع بين بري وجنبلاط بخلفياته السياسية والمذهبية. والجدير ذكره في هذا المجال ان الارسلانيين حسبوا القائمقام الشيخ بهجت غيث على الجنبلاطيين منذ تعيينه فيما اصبح الجنبلاطيون اخيراً يعتبرونه اقرب الى الارسلانيين، خصوصاً بعدما تعاطى السياسة مباشرة واتخذ فيها مواقف مطابقة لمواقفهم ولمواقف اخصامهم السياسيين في الطوائف والمؤسسات الأخرى. ما هي قصة الخلاف بين وليد جنبلاط وبين طلال ارسلان؟ يقول المصدر القريب من جنبلاط ان الأخير كان دائماً حريصاً على متابعة التعاون الجنبلاطي - الارسلاني والتفاهم على الثوابت التي ارسى اسسها والده الراحل كمال جنبلاط والأمير الراحل مجيد ارسلان. ويروي حادثة حصلت في اثناء الحرب لتأكيد ذلك، مفادها ان مشاكل واشكالات حصلت في عاليه بين اشتراكيين دروز وانصار الأمير مجيد وظن الأمير الارسلاني ان الاشتراكيين حصلوا على ضوء اخضر من زعيمهم وليد، لكن هذا الظن خاب اذ استدعاهم جنبلاط وطلب منهم زيارة دار خلدة و"الوقوف على خاطر المير مجيد" الذي كان المرض بدأ يهدده. وهكذا حصل. وفي اثناء الزيارة صادف ان كان معظم اعضاء الوفد الاشتراكي يزبكيين في الأساس. فسأل الأمير مجيد عن أهلهم وأبنائهم وعاتبهم، مازحاً، على تحولهم. ثم سأل عن صحة وليد، فقيل له انه مصاب بالرشح فطلب منهم ان ينقلوا اليه تمنياته بأن "يدير باله على صحته وعلى أمنه لأنه ما بقي عندنا غيرو". وأوصل هؤلاء الرسالة الى جنبلاط فتأثر كثيراً. وعند وفاة الأمير مجيد احتضن الزعيم الجنبلاطي ارملة الزعيم الارسلاني خولة ونجله طلال وأمدهم بكل الدعم خلال الحرب، وساعد النجل بوسائل عدة لامتلاك ناصية الزعامة الارسلانية التي كان ينافسه عليها شقيقه الأكبر الأمير فيصل. بعد انتهاء الحرب لاحظ الارسلانيون، وتحديداً زعيمهم طلال، ان تغييرات عميقة حصلت في الواقع الدرزي ابرزها تكتل الدروز بنسبة شبه اجماعية حول جنبلاط على حساب الثنائية في الزعامة التي كانت سمة الطائفة الدرزية في لبنان منذ عقود. ورأى طلال ان هذا الواقع واستمراره في خط واحد مع وليد سيؤدي مع الوقت الى احتوائه وتالياً الى انتهاء الزعامة الارسلانية. فقرر التمايز عنه معتقداً ان من شأن ذلك ان يعيد له الحضور أولاً ثم الوزن وأخيراً الزعامة. ولم يكن مخطئاً كثيراً في ذلك كما ان جنبلاط لم يمانع في هذا الأمر لكنه طرح مع طلال مباشرة، والبعض يقول في صورة غير مباشرة، امراً مهماً هو ضرورة ألا يؤدي التمايز عنه الذي يسعى اليه الى المساس بالثوابت الدرزية وخرقها. وهي تتعلق بالوجود في لبنان الذي جرت محاولة جدية لاقتلاعه في اثناء الحرب حرب الجبل وبالدور السياسي لهذا الوجود فضلاً عن العيش الحر والكريم. ويرى الجنبلاطيون استناداً الى المصدر القريب من جنبلاط ان الأمير الارسلاني راح بعيداً في سعيه الى التمايز، وعندما ذهب الى التحالف مع الجهات السياسية والطائفية التي "اشتبك" معها الدروز سياسياً وعسكرياً، بدءاً من وريث زعامة آل فرنجية النائب سليمان، مروراً بالكتائب والقوات والرهبان وانتهاء بالجيش الذي كان في رأيهم احد أهم ادوات الحرب ضد الدروز. ويعترف هؤلاء بأن الذهاب بعيداً في التمايز وفّر للأمير طلال ارسلان حضوراً سياسياً. لكنه ألحق به ابلغ الضرر في القاعدة الدرزية حتى في شقها الارسلاني. فهذه القاعدة تدرك ان الحرب العسكرية انتهت لكن ذيولها ونتائجها لم تنته بعد وان المطلوب رص الصفوف لئلا يكون السلام النهائي في لبنان على حسابها كما حصل في الماضي. وبهذا المعنى يعتقد الجنبلاطيون ان مواقف الأمير طلال الأخيرة حمت زعيمهم وضاعفت منعته وجعلته يستقطب اكثر من ثمانين في المئة من الدروز. حيال هذا الوضع كيف يمكن حل مشكلة مشيخة العقل في الطائفة الدرزية بعد التطورات الأخيرة، وهل من حل للخلاف المتفاقم بين جنبلاط وارسلان؟ يقول المصدر القريب من جنبلاط جواباً عن السؤال الأول ان لا خطوات اخرى بعد "خلع" قائمقام شيخ العقل بهجت غيث سوى اظهار الدعم الدرزي الجماهيري الواسع لها مضيفاً ان سورية لا بد ان يكون لها الدور الأساسي في حلها عندما يحين الوقت لذلك. ماذا يقول الارسلانيون في خطوة خلع القائمقام غيث؟ خرق الاتفاق يرد الارسلانيون اليزبكيون، على لسان مصدر قريب من اميرهم طلال ارسلان، بأنهم وقفوا موقفاً غير ايجابي من تولي الشيخ بهجت غيث قائمقامية مشيخة العقل قبل زهاء اربع سنوات، اذ اعتبروا تزكية جنبلاط له خرقاً لاتفاق تم يوم وفاة شيخ عقل اليزبكيين رشيد حمادة وقضى باختيار الفريقين الدرزيين الأساسيين شيخاً للعقل عند وفاة الشيخ الراحل محمد ابو شقرا وبوضع قانون جديد بهذا المعنى. ويضيف المصدر ان الزعيم الجنبلاطي لم ينفذ تعهداً اعطاه للأمير طلال ليلة وفاة ابو شقرا بأن يستقيل الشيخ بهجت غيث في اليوم التالي بواسطة السيد ابو سعيد فايز ابو دياب الذي كان اتصل بالهيئة الروحية من اجل هذا الغرض. وكان التعهد دافعاً للأمير الارسلاني للاشتراك في مأتم شيخ العقل الراحل. وكان لوح بمقاطعته. ويقول، ثالثاً، ان عدداً من المشايخ المنزعجين من الشيخ غيث منذ تعيينه اعتبروا ان الوقت حان للتخلص منه لأنهم تلقوا موافقة الوزير وليد جنبلاط على ذلك وكان يطلِعه على الموقف الارسلاني السلبي حياله. لكن هذا الموقف قديم، يقول المصدر، مضيفاً ان هناك "كرامات يجب المحافظة عليها"، خصوصاً ان الصراع الدائر بين جنبلاط والشيخ غيث هو في حقيقته "صراع بين الديموقراطية في الجبل وعند الدروز وبين الزعامة الاحادية، التي حققها جنبلاط في سنوات الحرب في حرب الجبل تحديداً والتي يحاول الحفاظ عليها بكل قوته غير مدرك او غير معترف بالتطورات التي طرأت منذ سنوات قليلة وابرزها انتهاء الحرب وعودة الوضع الدرزي الى ما كان عليه قبلها وعودة الوضع في البلد الى حاله السابقة. تحد في الشوف ويعطي امثلة عن الأسباب التي دفعت الزعيم الجنبلاطي الى الغضب على غيث، أولا الخلاف معه لأسباب مادية اذ ان المادة كانت احد أبرز عناصر اللقاء بين المرجعيتين السياسية والدينية. وعندما قررت القيادة الدينية، وهي تملك ثروة شخصية ضخمة اقفال هذا الباب بدأت المشاكل تحصل. وتفاقمت عندما بدأ الشيخ غيث سلسلة اعمال اظهرت ان عند الدروز عموماً وفي الشوف خصوصاً المعقل الأساسي لآل جنبلاط خطاً ثالثاً، الى الخطين الجنبلاطي واليزبكي. وكان ذلك في نظر دار المختارة تحدياً ومن هذه الأعمال تبني مساعدة أولاد شهداء الحرب وسد العجز في مستشفى عين وزين التي اسسها الشيخ الراحل ابو شقرا وتأسيس معهد الشوف التقني. وبلغت الخلافات ذروتها قبل مهرجان النبطية بقليل الذي دعت اليه حركة أمل في ذكرى تغييب الامام السيد موسى الصدر. ذلك انها تحولت سياسية بعدما اتخذ القائمقام غيث مواقف سياسية مناقضة للمواقف الجنبلاطية من قضايا حساسة ودقيقة وبعدما كرر هذه المواقف في خلدة وفي بعقلين. وأكثر ما آلم جنبلاط، يقول القريب من الأمير الارسلاني، ان الشيخ غيث لم يخضع ولم يخف وانما رد على التحدي بالمواجهة والاستمرار، وتمكن على رغم التعبئة والتجييش من حشد زهاء الف شخص في بعقلين قبل اقل من اسبوعين. طبعاً، يستدرك المصدر نفسه، ان الارسلانيين لا يزالون مع أميرهم يعتبرون قائمقامية شيخ العقل مركزاً غير موجود ولا يزالون يدعون الى وضع قانون عصري يؤدي الى تعيين شيخ عقل واحد للدروز لكن ذلك لا يعني مماشاتهم الزعيم الجنبلاطي وقرار بعض الهيئة الروحية الدرزية في تنحيته لأن البديل من غيث يجب ألا يكون الفوضى وانما تنظيم عصري يحفظ حقوق الناس وكراماتهم. وفي هذا المجال يستغرب المصدر ما يقوله جنبلاط عن "الارتباطات المشبوهة" للقائمقام غيث. ذلك انه اي غيث يدعو في خطابه السياسي الى علاقات وثيقة ومميزة مع سورية ويدعم المؤسسة العسكرية ويرفض التمديد لرئيس الجمهورية الياس الهراوي، ويرشح العماد اميل لحود ليشغل سدة الرئاسة الأولى، وهذه كلها ليست على حد علم الارسلانيين مواقف مشبوهة تستدعي العقاب. وفي اي حال يبدو ان الأمير طلال أفادته، على حد قول مطلعين، احداث بعقلين وتطوراتها، اذ بدلاً من معركة مباشرة بينه وبين جنبلاط بدأت معركة بين الأخير وبين قائمقام شيخ العقل وفي الشوف معقله الأول والأخير. ويبدو ايضاً استناداً اليهم ان المشايخ كلفوا النائب الدرزي عن بيروت عصام نعمان وضع مشروع قانون عصري يحل محل قانون 1962 الذي يعالج اوضاع الطائفة الدرزية من حيث تنظيم امور مشيخة العقل والاوقاف وما الى ذلك وهم يعتقدون بأنهم يستطيعون الحصول على موافقة وليد جنبلاط وطلال ارسلان عليه وتالياً على دعميهما لكي يدرسه مجلس النواب ويقره في وقت سريع. رأي قانوني درزي قال قانوني درزي ضليع وبارز ان قانون 16 تموز يوليو 1962 يحدد طريقة انتخاب شيخ عقل الطائفة الدرزية. وأنه تم اختيار الشيخ بهجت غيث قائمقام شيخ عقل بعد شغور المركز بوفاة الشيخ محمد ابو شقرا قبل زهاء 4 سنوات وفي غياب المجلس المذهبي الدرزي الذي تنتخبه عادة النخبة الدرزية من نواب ووزراء وقضاة ومحامين وفاعليات معينة وفي ظل عدم مبادرة الجهات المعنية الى تعيين الهيئة الناخبة لشيخ العقل والمؤلفة من الذكور الدروز البالغين. وهذا الاختيار قام به السيد وليد جنبلاط وعدد كبير من أبناء الطائفة وفرضه على الدروز. ولما كان سماحته أي غيث مارس عمله مدة من الزمن وعبر موافقة ضمنية او انتخاب ضمني ممن اجاز لهم القانون انتخابه وكذلك عبر اقرار ضمني وصريح من الدولة، فإن ذلك كله يشكل أمراً واقعاً يؤدي الى اعتبار الصيغة القانونية للشيخ غيث في مركز قائمقام شيخ العقل قائمة. وعلى هذا فإنه لا يمكن المساس بها الا بقرار من مجلس شورى الدولة ينزع عنه صفته القانونية، وعليه، اضاف القانوني الدرزي، لا يمكن لأي كان أو لأي جهة في الطائفة اقالة الشيخ غيث أو محاولة اقالته بعدما توافرت له ولمدة من الزمن ولاية عامة اسمها مشيخة العقل. والمساس بهذه الولاية يعطي الشيخ غيث حق مقاضاة من حاولوا اقالته أمام القضاء المختص. وخلص القانوني الى تأكيد ان رأيه ينطلق من القانون فقط والى الاشارة الى أنه كان ضد تعيين الشيخ غيث قائمقاماً للمشيخة قبل أربع سنوات لأسباب قانونية أيضاً والى اعتبار ان المعركة الدائرة حالياً في أوساط الطائفة الدرزية هي بين الديموقراطية واعدائها.