جون دوران يدخل تاريخ النصر    ورشة التوعية برؤية واستراتيجية وزارة الموارد البشرية بالمدينة    جالينو يُخرج فيرمينو من قائمة الأهلي المحلية    الهلال يُحافظ على سالم الدوسري    على كأس خادم الحرمين الشريفين سباقات القدرة والتحمل العالمي في العُلا    انطلاق بطولة VEX IQ لصُنّاع المستقبل في تصميم وبرمجة الروبوتات    جوجل تضيف علامات مائية خفية للصور للكشف عن التعديلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي    ترودو يدعو إلى أخذ تهديد ترامب بضم كندا على «محمل الجد»    إيمري يتطلع للتحدي الضخم بإعادة ماركوس راشفورد لمستواه    "الأونروا" تؤكد تعرض سكان غزة لعملية تهجير ممنهجة    إنجاز أكثر من 80% من مشروع الطريق الدائري الأوسط في الطائف    فعالية "حكاية شتاء" تجمع أكثر من 14,000 زائر في قاعة مكة الكبرى    الأهلي يتغلّب على الفتح بثنائية "توني" في دوري روشن للمحترفين    جامعة أمِّ القُرى تستضيف الاجتماع التَّشاوري الثَّامن لرؤساء الجامعات    الوحدة يُعلن عن تعرض أنظمة الشركة المشغلة لمتجر النادي ل «الاختراق»    مصرع شخصين في تحطم طائرة صغيرة في «البرازيل»    الفيفا: الإنفاق في الميركاتو الشتوي قياسي    بدء تسجيل رغبات الحج للمواطنين والمقيمين لموسم هذا العام.. إلكترونياً    فريق الوعي الصحي بجازان يشارك بمبادرة "سمعناكم" لذوي الإعاقة السمعية    ضبط شخص في جازان لتهريبه (60) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    «سلمان للإغاثة» يوزع 492 سلة غذائية في منطقة بإقليم خيبر بختون خوا في باكستان        «تعليم الرياض» يحصد 39 جائزة في «إبداع 2025»    تتويج السعودي آل جميان بلقب فارس المنكوس    درجات الحرارة الصفرية تؤدي لتجمد المياه في الأماكن المفتوحة بتبوك    وزير الصناعة يختتم زيارة رسمية إلى الهند    أمير القصيم يهنئ تجمع القصيم الصحي بفوزه بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    اتصالات «مصرية - عربية» لتوحيد المواقف بشأن مخطط التهجير    خطيب الحرم المكي: كل من أعجب بقوته من الخلق واعتمد عليها خسر وهلك    "احمِ قلبك" تنطلق لتعزيز الوعي الصحي والتكفل بعلاج المرضى غير المقتدرين    نددت بالعقوبات الأمريكية.. «الجنائية الدولية» تتعهد بمواصلة إحقاق العدالة    خطبة المسجد النبوي: من رام في الدنيا حياةً خالية من الهموم والأكدار فقد رام محالًا    مفتي عام المملكة ونائبه يتسلمان التقرير السنوي لنشاط العلاقات العامة والإعلام لعام 2024    النمر العربي.. مفترس نادر يواجه خطر الانقراض    السجن 45 ألف عام لمحتال «بنك المزرعة»    مجمع الملك سلمان لصناعة السيارات.. الحلم تحول إلى واقع    العُلا.. متحف الأرض المفتوح وسِجل الزمن الصخري    ملامح الزمن في ريشة زيدان: رحلة فنية عبر الماضي والحاضر والمستقبل    «الشورى» يوافق على 5 مذكرات تفاهم مع دول شقيقة وصديقة    «حصوة وكرة غولف» في بطنك !    أمانة المدينة تدشّن نفق تقاطع سعد بن خيثمة مع "الدائري الأوسط"    أدريان ميرونك يتصدر منافسات الأفراد في أول أيام بطولة "ليف جولف الرياض"    ما العلاقة بين لقاحات كورونا وصحة القلب ؟    أضرار الأشعة فوق البنفسجية من النافذة    لصوص النت.. مجرمون بلا أقنعة    الأردن: إخلاء 68 شخصاً حاصرهم الغبار في «معان»    سبق تشخيصه ب«اضطراب ثنائي القطب».. مغني راب أمريكي يعلن إصابته ب«التوحد»    لماذا لا يجب اتباع سنة الأنبياء بالحروب..!    دور وزارة الثقافة في وطن اقرأ    كيف كنا وكيف أصبحنا    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس الجزائر في وفاة رئيس الحكومة الأسبق    وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    الملك وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    ثبات محمد بن سلمان    «8» سنوات للأمير سعود في خدمة المدينة المنورة    لبلب شبهها ب «جعفر العمدة».. امرأة تقاضي زوجها    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات التركية : أوروبا والاسلام وجهاً لوجه
نشر في الحياة يوم 18 - 12 - 1995

تكتسب الانتخابات النيابية التركية في 24 الشهر الجاري أهمية استثنائية لم تعرف لها البلاد مثيلاً منذ تأسيس الجمهورية عام 1923. وللمرة الاولى يقف الناخب التركي امام خيارات مفصلية سيحدد الانحياز الى احدها مصير الكثير من القضايا الداخلية والخارجية المهمة. ولكن، بداية، من المفيد الاشارة الى ان هذه الانتخابات تجري في ظل ظروف "غير طبيعية" وقانون انتخابي جديد يحمل الكثير من العناصر الجديدة، منها:
- تجري الانتخابات قبل موعدها الطبيعي بسنة كاملة، اذ كان يفترض ان تتم في خريف العام المقبل بعد مرور خمس سنوات على آخر انتخابات نيابية في 20 تشرين الاول اكتوبر 1991.
- إن حسم الموعد النهائي للانتخابات لم يتم الا في اواخر تشرين الثاني نوفمبر الماضي اي قبل شهر واحد فقط من اجرائها، وبالتالي لم يستطع أي من الاحزاب التحضير لها بشكل جيد ولم تكن هذه المدة كافية لشرح البرامج الحزبية في كل انحاء تركيا.
- يتيح قانون الانتخاب الجديد حق التصويت، للمرة الاولى، لمن تجاوز سن الثامنة عشرة وبالتالي فإن نسبة كبيرة من الشباب ستكون عاملاً رئيسياً في ترجيح كفة هذا الحزب على حساب ذاك.
- يسمح قانون الانتخاب الجديد، للمرة الأولى ايضاً، للمواطنين الاتراك المقيمين في الخارج بالتصويت في مراكز خاصة اقيمت عند البوابات الجمركية التركية.
- يفرض القانون الجديد على الاحزاب ان تناقل نسبة عشرة في المئة وما فوق، على مستوى تركيا، ليحق لها الدخول الى البرلمان. وهذا يصب في مصلحة الاحزاب الكبيرة التي توافقت، على رغم تناقضها السياسي، على هذه النسبة. وفي غياب التحالفات بين الاحزاب الكبيرة والصغيرة فإن عدداً مهماً من الشخصيات "التاريخية" او المعروفة التي تتزعم احزاباً صغيرة ستكون مهددة بالسقوط والبقاء خارج الحلبة البرلمانية.
حتى الخامس عشر من شهر تشرين الاول اكتوبر الماضي، كانت رئيسة الحكومة طانسو تشيللر ترفض بعناد الدعوات الى اجراء انتخابات نيابية مبكرة في محاولة لكسب الوقت لتغيير الظروف السيئة جداً التي مرت بها البلاد في عهدها الذي بدأ في حزيران يونيو 1993، وشهد ازدياد الانقسامات العرقية والمذهبية والاجتماعية اضافة الى أسوأ وضع اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية، حيث لامس التضخم عتبة ال150 في المئة ووصل سعر صرف الدولار ازاء الليرة التركية عشية الانتخابات الى 57 ألف ليرة، مع دين خارجي جاوز 74 مليار دولار وعجز متفاقم في التجارة الخارجية ونسبة بطالة في تصاعد سريع، عدا الدين الداخلي الكبير. لكن المفاجأة التي لم تكن تتوقعها تشيللر وقلبت حساباتها رأساً على عقب كانت انسحاب شريكها في الائتلاف الحكومي، حزب الشعب الجمهوري، في 20 ايلول سبتمبر الماضي، وعدم قدرتها على تشكيل حكومة اقلية او ائتلافية مع اي حزب آخر. وهنا وصلت تشيللر الى "الشر الذي لا بد منه"، وهو انتخابات نيابية مبكرة، مع محاولة تجيير هذا الخيار لمصلحتها وايهام الرأي العام بأنها هي التي تريد هذه الانتخابات، وبعدما كانت تعارض اجراءها صارت تعتبر عدم اجرائها بمثابة "الكارثة"! ويفسر مراقبون اسباب تراجع تشيللر عن مواقفها الرافضة بعاملين: الاول ان الاقتصاد، على عكس توقعات تشيللر، يسير من سيئ الى أسوأ، وخوض الانتخابات الآن أفضل من اجرائها في ظل ظروف اقتصادية اكثر سوءاً تفقد حزب الطريق المستقيم كل حظ في الفوز. والثاني ان اختيار تاريخ 24 كانون الاول ديسمبر لاجراء الانتخابات هو اختيار متعمد، لأن الموعد يأتي بعد عشرة ايام فقط من تصويت البرلمان الاوروبي 13 كانون الاول على انضمام تركيا الى "الوحدة الجمركية" مع الاتحاد الاوروبي، وهي "الورقة الذهبية" الاقوى التي ستزيد من فرص فوز حزب الطريق المستقيم بالمركز الاول في الانتخابات.
انتخابات من دون تحالفات
تخوض الانتخابات المقبلة 12 حزباً من مختلف الاتجاهات السياسية في تركيا، تتفاوت احجامها بين كبيرة وصغيرة. وعلى عكس انتخابات 1991، يخوض معظم الاحزاب الانتخابات الحالية منفرداً، ما يجعل فرز القوى حاداً. وتتوزع الاتجاهات السياسية للاحزاب على اكثر من جبهة: جبهة اليمين، وتتمثل بحزب الطريق المستقيم الحاكم، وحزب الوطن الأم. وجبهة الديموقراطيين الاجتماعيين او اليسار الديموقراطي ويمثلها حزب الشعب الجمهوري وحزب اليسار الديموقراطي. اما الاتجاه الاسلامي فيمثله حزب الرفاه، فيما يخوض الانتخابات كذلك حزب الحركة القومية اليميني المتطرف، وحزب الديموقراطية الشعبي الكردي الذي خلف حزب الديموقراطية المحظور، وحركة الديموقراطية الجديدة الليبرالية، اضافة الى أحزاب صغيرة أخرى.
وباستثناء خوض حزب الاتحاد الكبير الذي يرأسه محسن يازجي اوغلو الانتخابات تحت مظلة حزب الوطن الام وانضمام ايدين عدنان مندريس رئيس الحزب الديموقراطي الى صفوف الرفاه، فإن الانتخابات ستفرز عدداً أقل من الاحزاب لكن ذات ثقل عددي اكبر. وكانت الاحزاب الثلاثة الكبيرة، الطريق المستقيم والوطن الام والرفاه، اتفقت على فرض "حاجز" آخر امام الاحزاب الصغيرة وهو ضرورة حصول الفائز، اضافة الى نسبة عشرة في المئة على مستوى تركيا، على عشرة في المئة على مستوى المحافظة التي يتم الترشيح عنها. وكان تطبيق هذا الشرط كفيلاً بخسارة عدد من الاحزاب الكبيرة. لكن رئيس الجمهورية سليمان ديميريل اعتبر ذلك "غير عادل" وقدم بنفسه اعتراضاً لدى المحكمة الدستورية التي ابطلت شرط العشرة في المئة على مستوى المحافظة، الأمر الذي فجر خلافاً بين ديميريل وتشيللر.
الارهاب والوحدة الجمركية
يخوض حزب الطريق المستقيم الانتخابات في ظل قيادة تشيللر وقد انقطعت آخر الخيوط التي تربطه بزعيمه التاريخي سليمان ديميريل. فبعدما طردت تشيللر مؤسس الحزب ورئيس البرلمان السابق حسام الدين جيندوروك ورفاقه من الحزب في منتصف تشرين الاول اكتوبر الماضي، كان الاعلان عن قوائم المرشحين للانتخابات بمثابة "نعي" الحزب كمؤسسة ارتبطت بشخص ديميريل، اذ قامت تشيللر بعملية "تصفية" كاملة لخطه في الحزب طالت اكثر من سبعين في المئة من نوابه، من ابرزهم باقي توغ، منيف اسلام اوغلو، نوزات اياز، وفا تانير. كما ادرجت اسماء بعض العناصر البارزة في مراتب دنيا من القوائم الانتخابية، مثل جوشكون قيرجا الذي ترشح في المرتبة الخامسة في الدائرة الثالثة في اسطنبول حيث قدمت عليه تشيللر مرشحين مغمورين بالنسبة الى الرأي العام. وليس من شك في ان تصفية جناح ديميريل في الحزب سينعكس حتماً بصورة سلبية على تأييد القواعد التقليدية للحزب في الريف الاناضولي التي تصوّت عادة لشخص ديميريل. في المقابل أبرزت لوائح مرشحي الطريق المستقيم الثقل المركزي الجديد لرجال الاعمال بحيث بدا الحزب معبراً حقيقياً عن مصالح التكتلات الرأسمالية الكبيرة في المدن، التي تصوّت عادة لمرشحي حزب الوطن الام. وترشيح تشيللر لرجال الاعمال وموظفي الاقتصاد في اسطنبول وانقرة وازمير محاولة لتقوية مواقع الحزب في المدن الكبرى ومرآة لتراجع "الثقل الريفي" في الحزب امام "التمدد المديني"، يعزز ذلك كثرة النساء المرشحات عن الحزب في المدن الثلاث المذكورة على رغم الحظوظ القليلة لمعظمهن في الفوز.
الى ذلك تسعى تشيللر الى كسب تأييد معظم المتشددين من القوميين الاتراك، وهو ما سيحرم الب اصلان توركيش من بعض ما كان يعوّل عليه، من خلال اظهار عزمها على المضي في المواجهة العسكرية مع حزب العمال الكردستاني. فما ان أُعلن عن تحديد موعد الانتخابات قبل شهرين، حتى سارع معظم كبار الموظفين الامنيين، في ظاهرة لم تشهدها تركيا من قبل، الى الاستقالة وترشيح انفسهم عن حزب الطريق المستقيم، بحيث بدا أن الاجهزة الامنية في الدولة انتقلت بكاملها الى حزب طالما كان رمزاً، بقيادة ديميريل، للدفاع عن الديموقراطية والحياة المدنية. وهكذا مثلاً ترشح رئيس الاركان السابق للجيش دوغان غوريش، عن محافظة كيليس، والمدير العام للأمن محمد آغار عن ايلازيغ، وقائد اقليم حالة الطوارئ اونال ايركان عن انقرة الدائرة الثانية، وقائد شرطة اسطنبول نجدت منزه عن اسطنبول الدائرة الثانية. ودلالات هذه الصورة "البوليسية" لحزب الطريق المستقيم خطيرة جداً ومؤشر واضح الى ان فوز تشيللر في الانتخابات يعني استمرار تقديم الحل العسكري على ما عداه من حلول للمشكلة الكردية. وبالطبع حرمت تشيللر حزبها، بهؤلاء المرشحين المتشددين "المعروفين" جيداً لدى اكراد تركيا، من ان ينال اية نسبة مهمة من الاصوات في المناطق ذات الغالبية الكردية في جنوب شرقي تركيا. كذلك فإن فوز تشيللر، مع هؤلاء الرموز، يعني استمرار التوتر في العلاقات مع سورية والمضي في اعتماد خيارات عسكرية في شمال العراق. وتبلغ ذروة "التهييج القومي" الذي تنتهجه تشيللر مع اعلان ايلينور تشيفيف، احد المعلقين المعروفين الاتراك، من ان تشيللر تسعى الى "اعتقال او قتل" عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني. ومع ان تشيللر وعدت الاكراد بإلغاء حال الطوارئ في جنوب شرقي البلاد، الا ان احداً لا يثق في ذلك، خصوصاً انها أطلقت عشية الانتخابات البلدية عام 1994 وعداً ذهب ادراج الرياح، بتحويل عيد النوروز الكردي الى عيد وطني.
واذ يبدو من الصعب على تشيللر ان تتباهى امام الناخبين بأي انجاز اقتصادي خلال عهدها الطويل، لم يبق ما تمنّي به المواطن سوى بالفوائد المتوقعة من اتفاقية الوحدة الجمركية مع الاتحاد الاوروبي. وفي الواقع فإن هذه "الورقة" هي أهم ما يمكن ان تعوّل تشيللر عليه لتحقيق الفوز في الانتخابات. وقد بذلت مع شريكها في الحكومة دينيز بايكال، جهوداً مكثفة عبر زيارات متتابعة الى باريس ومدريد وبرلين ولندن وغيرها من العواصم لحث زعماء هذه الدول على تصويت احزابها لمصلحة اتفاقية الوحدة الجمركية، وهي اذ "تهول" بأن البديل من الوحدة الجمركية سيكون استشراء "الخطر الاصولي" الذي يهدد اوروبا، في تركيا، لا تتوانى تشيللر عن استثمار الدين والمذهبية في الداخل لكسب الدعم والتأييد لحملتها الانتخابية. فهي تقول في احدى خطبها الاخيرة: "نحن مسلمون قبل اربكان بألف سنة". ولا تنسى ان تبدأ بالقرآن والادعية الدينية مهرجاناً في اسطنبول حضره وتحدث فيه المرشح اليهودي جيفي قمحي. ومن اجل كسب اصوات العلويين، خصصت تشيللر من موازنة الدولة ثلاثة تريليونات ليرة لبناء بيوت عبادة لهم، كما وعدتهم باختيار ممثلين عنهم في رئاسة الشؤون الدينية. اما ترشيح جيفي قمحي رجل الاعمال اليهودي، ومنسق شركات "بروفيلو" التي يملكها والده جاك قمحي، عن الدائرة الثانية في اسطنبول، فيعكس الثقل المالي داخل الحزب ورغبة تشيللر في كسب تأييد اللوبي اليهودي في اميركا ازاء اللوبيين الارمني واليوناني، والعلاقات الجيدة التي تربطها بإسرائيل، اذ اشار اكثر من مصدر الى دعم اسرائيلي لتشيللر في الحملة الانتخابية.
يلماز المنفتح
وتركز تشيللر في حمتلها الانتخابية على انتقاد حزبي الرفاه والوطن الام. فهي تعلم جيداً انه اذا كان الرفاه يملك حظوظاً كبيرة في الفوز فإن الحزب الذي ينافسها على القاعدة اليمينية في تركيا هو حزب الوطن الام الذي يدرك زعيمه، بدوره، ان مصيره السياسي سيكون في "مهب الرياح" اذا فازت تشيللر في الانتخابات. فالوطن الأم لن يستطيع تحمل هزيمتين اساسيتين الاولى عام 1991 في ظل زعامة مسعود يلماز. لذا حشد الزعيم الشاب كل طاقاته لانجاح معركة انتخابية قد تشهد تزعمه البلاد اذا لم يقع في اخطاء كبيرة. وانطلاقاً من عوامل ضعف تشيللر اطلق يلماز حملة مضادة.
فعلى الصعيد الاقتصادي، وفي ظل فشل سياسات تشيللر، يحاول يلماز استعادة "الروح" الاوزالية عبر احاطة نفسه بفريق من المرشحين المشهود لهم بكفاءاتهم وخبراتهم في المجال الاقتصادي، مثل الرئيس السابق للجنة تخطيط الدولة ايلهان كيسيجي في البورصة، ومحافظ البنك المركزي السابق رشدي سراج اوغلو الذي اقالته تشيللر بعد تسلمها السلطة، في الوقت الذي كان ديميريل، خصم اوزال، قد حافظ عليه في حاكمية المصرف، والخبيران محوي ايغيلميز وعلي تيغريل. واستكمل يلماز "الروح" الاوزالية في "ضربة معلم" كبيرة عندما نجح في "استعادة" كوركوت اوزال، شقيق طورغوت اوزال، الى صفوف الحزب وترشيحه في الدائرة الاولى في اسطنبول حيث لحزب الرفاه نفوذ قوي. واذ نجح يلماز في استقطاب معظم المنشقين عن حزب الطريق المستقيم وفي مقدمتهم وزير المال السابق سومر اورال فإنه مد جسوراً قوية مع الكثيرين من زعماء الطرق الدينية ورشح مقربين منهم في معظم الدوائر التي يتمتع فيها الرفاه بثقل انتخابي كوركوت اوزال هو احد ابرز زعماء الطريقة النقشبندية في تركيا. كذلك نجح يلماز في ضم حزب الاتحاد الكبير الذي يتزعمه محسن يازجي اوغلو وأفرد له 13 مقعداً لخوض الانتخابات. وهذا، عملياً، هو التحالف الوحيد الذي شهدته الانتخابات النيابية الحالية.
ويفترق يلماز عن تشيللر في واحدة من اهم المسائل التي تؤرق تركيا وهي المسألة الكردية، وفي موقفه الجديد المنفتح ازاء الاكراد، محاولة لكسب اصوات كل معارضي سياسة تشيللر الكردية من جهة، وكسب تأييد جزء من القاعدة الكردية التي تتوزع بين الرفاه وحزب الديموقراطية الشعبي الكردي من جهة ثانية. وقد تجلت مواقف يلماز الكردية في الكثير من الخطوات: زيارته لمنزل الروائي ياشار كمال الذي حوكم بسبب آرائه المؤيدة للاكراد واعلان تضامنه معه، تصريحه بضرورة ايجاد حل للمسألة الكردية مبني على الحوار والتوافق ومنسجم مع مطالب المناطق الكردية، وتأييده السماح بالنشر والبث والتعليم باللغة الكردية، وتوسيع الصلاحيات الممنوحة للادارات المحلية، والغاء حالة الطوارئ، وتأسيس المعهد الكردي في وقت لاحق، واستكمال مشروع تنمية جنوب شرقي الاناضول. وما من شك في ان هذه المواقف تعتبر تحولاً جذرياً في مواقف يلماز المعروفة من هذه المسألة. وستكون عاملاً في تعزيز نتائجه الانتخابية، وبداية لمرحلة مهمة على هذا الصعيد اذا فاز في الانتخابات المقبلة. اما نقطة ضعف يلماز الاساسية فهي احساسه بأن اقرار الوحدة الجمركية مع الاتحاد الاوروبي قبل ايام فقط من موعد الانتخابات، سيكون ميزة تفوق لخصمه تشيللر. لذا كشف صراحة انه سعى لدى البرلمان الاوروبي الى تأجيل التصويت على الوحدة الجمركية الى ما بعد اجراء الانتخابات لكي لا تستغل تشيللر ذلك، وردت رئيسة الحكومة متهمة يلماز بتقديم المصالح الشخصية والحزبية على قضية الوحدة الجمركية التي هي "مصلحة وطنية".
نحو ائتلاف يلماز وأجاويد
ان اشتداد الحملة الانتخابية وتقارب حظوظ الاحزاب الكبيرة في الفوز يجعل من المستبعد احتمال تحقيق احدها الغالبية المطلقة، الامر الذي دفع يلماز الى التلميح منذ الآن الى احتمال الدخول في ائتلاف مع حزب اليسار الديموقراطي بزعامة بولنت اجاويد. ويتبادل الزعيمان "غزلاً" انتخابياً واضحاً ويكيل الواحد منهما المديح للآخر. واذا كانت مواقف الحزبين متقاربة في معظم القضايا الخارجية الا أنهما لا ينسجمان ازاء حل المشكلة الكردية ومشاريع الخصخصة والوحدة الجمركية مع الاتحاد الاوروبي. ويؤكد يلماز انه اذا فاز حزبه بالمركز الاول دون الغالبية المطلقة فسيأتلف مع اجاويد الذي اعلن انفتاحه على مثل هذا العرض. والى حزب الوطن الأم، كان حزب اليسار الديموقراطي المستفيد الاكبر الثاني من حركة الانشقاقات داخل حزبي الطريق المستقيم والشعب الجمهوري. ذلك ان معظم المستقيلين من حزب الشعب الجمهوري، منافس اليسار الديموقراطي الرئيس في جبهة اليسار، انضم الى حزب اجاويد، وأبرزهم ممتاز سويسال وزير الخارجية السابق والنائب اسماعيل جيم وطاهر كوسيه وارطغرل غوناي ومحمد كريم اوغلو. وقد حولت هذه الانتقالات حزب اليسار الديموقراطي الى مركز الاستقطاب الجديد لليسار الديموقراطي الاجتماعي في تركيا. ويركز اجاويد حملته على حزب الرفاه وعلى حزب الطريق المستقيم. وتتسم مواقفه من المسألة الكردية بالتشدد، مع تغليب الطابع الاقتصادي للمشكلة، ويعارض عمليات الخصخصة وشروط الانضمام الى الوحدة الجمركية، وهو مع اعادة الحوار والعلاقات مع بغداد، وضد بقاء "قوة المطرقة" الغربية في جنوب شرقي تركيا ومع التمسك بالحقوق التركية في قبرص. ويتوقع اجاويد ان تحتل احزاب الرفاه واليسار الديموقراطي والوطن الأم المراكز الثلاثة الاولى، وهو لا يعطي حزب الطريق المستقيم اي امل بتحقيق نتيجة جيدة مشككاً في امكان تجاوز حزب الشعب الجمهوري نسبة العشرة في المئة المطلوبة. والواقع ان حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه دينيز بايكال نائب رئيسة الحكومة ووزير الخارجية، يذهب الى الانتخابات وهو مثقل بالطعنات ومثخن بالجراح. فالانهيار الذي شهده الحزب في شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي يمثل حالة نادرة حيث تزاحم نوابه على الاستقالة منه وانتقال معظمهم الى صفوف حزب اليسار الديموقراطي احتجاجاً على سياسة رئيسه وموافقته على قانون الانتخابات الذي اقترحته تشيللر. ولعل ذروة مأساة هذا الحزب، الشديد التعلق بالعلمانية، هو ان زعيمه السابق اردال اينونو، ابن الزعيم التاريخي عصمت اينونو، ترك الحزب واعتزل السياسة قبل ايام من الانتخابات الحالية من دون توجيه حتى رسالة وداع الى "الديموقراطيين الاجتماعيين"، ذلك ان الحزب الذي كان يضمهم هو في طور "الترنح". وازاء هذا الانهيار، لم يعد أمام زعيمه بايكال سوى التمسك بحبال الوحدة الجمركية مع الاتحاد الاوروبي ليعزز مواقعه الانتخابية ويبلغ، على الاقل، نسبة العشرة في المئة. وهكذا في عز الانهيار الحزبي كان بايكال يزور، بصفته وزيراً للخارجية، العواصم الاوروبية لتأييد التصديق على الوحدة الجمركية. فهل تسعف الوحدة الجمركية بايكال وينجح في الحصول على نسبة العشرة في المئة، ام ينفرد اجاويد، مختالاً، في تمثيل اليسار الاجتماعي صبيحة الخامس والعشرين من الشهر الجاري؟
تحولات الرفاه
لعل الاهتمام الاعلامي، خارج تركيا، بالانتخابات النيابية التركية مصدره الاساسي الاحتمال القوي لفوز حزب الرفاه فيها، كما حصل في الانتخابات البلدية عام 1994. وفي نظرة الى الارقام التي نالها منذ عام 1989 شهدت قوة حزب الرفاه صعوداً مطرداً من 9.8 في المئة عام 1989 الى 16.9 في المئة عام 1991 الى 19.07 في المئة عام 1994. ويبني معظم المراقبين ترجيحاته على فوز الرفاه قياساً الى هذا النمو المتصاعد، المستفيد اساساً من الازمات الاقتصادية والاجتماعية والانقسامات الحادة في صفوف اليمين واليسار على السواء.
ومصدر الخوف الاساسي للغرب من وصول الرفاه الى السلطة هو طروحاته الداعية الى فك ارتباط تركيا بالغرب، والدخول في علاقات تحالفية مع العالمين الاسلامي والعربي. واذ تبدو واضحة طروحات الرفاه على صعيد السياسة الخارجية من الانفتاح على العراق وانهاء مهمة "قوة المطرقة" والتعاون مع السعودية وايران ومعاداة اسرائيل وتأكيد الحق التركي في قبرص، اضافة الى وقف التطلع التركي الى اوروبا، فإن آراء اربكان ازاء مسألتين رئيسيتين داخل تركيا غير واضحة بما فيه الكفاية. فبينما يدعو الى حل المسألة الكردية في تركيا في اطار "الاخوة الاسلامية" لا يحدد بالضبط ماهية هذا الحل وهل يتضمن منح الاكراد حقوقاً ثقافية او حكماً ذاتياً... الخ. اما الامر الثاني فيتعلق بطبيعة النظام الاقتصادي الذي يسعى الى تطبيقه في تركيا. فبعدما كان شعاره الرئيسي منع الربا واصلاح النظام المصرفي والنظام الضرائبي برزت، خلال الحملة الانتخابية، تحولات اساسية على هذا الطرح، عندما دعا اربكان الى ترك الحرية للمصارف في اعتماد الفوائد، وقال انه لن يتدخل في عمل المصارف، ولن يغير من شروط عمل السوق الحرة، وهو الذي كان يصف خصومه بأنهم "اصحاب الفوائد" او "الربويون". كما اعلن قبل شهر واحد فقط ان "الاشاعات التي تقول اننا سنقطع الروابط مع اوروبا ليست صحيحة" وقال ان تركيا ستدفع كل الديون الخارجية المستحقة عليها.
ويعيد المراقبون اسباب هذا "التحول" في موقف اربكان الى رغبته في "طمأنة" الخائفين داخلياً وخارجياً، لا سيما في اوساط الصناعيين والتجار، وهذا ما قد يكسبه مزيداً من الاصوات في معركته الانتخابية، لافتين الى ان رحلة "التحول" هذه بدأت على الارجح اثناء زيارة اربكان للولايات المتحدة في اواسط تشرين الاول اكتوبر 1994، عندما ابلغ المسؤولين الاميركيين ثلاث رسائل: انه زعيم جناح مهم للنظام السياسي في تركيا، وانه يقبل بما تقرره صناديق الاقتراع، وان تركيا لن تكون جزائر اخرى.
لقد دخل حزب الرفاه معركة الانتخابات بصفوف اكثر استقراراً من سائر الاحزاب، بل نجح في ضم رئيس الحزب الديموقراطي الصغير، برئاسة آيدين ابن الزعيم التركي الذي اعدم عام 1960 عدنان مندريس. وشكلت هذه "الصفقة" دفعاً معنوياً للرفاهيين حين كانت الاحزاب الاخرى تعاني من التشرذم والاستقالات. لكن نقطة ضعف الرفاه الرئيسية في هذه الانتخابات هي عدم ترشيحه أية امرأة للانتخابات، وهو الحزب الذي يشكل العامل النسائي احد نقاط قوته الكبرى وعلى رغم الضغوط القوية التي مارستها نيرمين زوجة اربكان لترشيح رئيستي لجنتي النساء في اسطنبول وأنقرة وعارضتي الازياء السابقتين اللتين ارتدتا الحجاب لاحقاً سراب اكنجي اوغلو وغولاي بينار باشي. وقد برر مسؤولو الرفاه ذلك بأن الديموقراطية في تركيا لم تتطور بما فيه الكفاية لتكون مستعدة لدخول نساء محجبات حلبة البرلمان الذي ما زالت انظمته تحظر ارتداء الحجاب في حرمه.
الى ذلك سيؤدي خوض حزب الديموقراطية الشعبي الكردي الانتخابات الى حرمان الرفاه من جزء من الاصوات التي كان يحصل عليها بنسبة عالية في المناطق الجنوبية الشرقية ذات الوجود الكردي الكثيف. ومع انعدام ظاهرة التحالفات في الانتخابات الحالية استوقف المراقبين تقديم الرفاه لوائح ناقصة من المرشحين في الكثير من المناطق. وسرت اشاعات بأنها مقدمة لاعادة التحالف القديم بين حزب الرفاه وحزب الحركة القومية اللذين خاضا انتخابات 1991 بلوائح موحدة.
توركيش: حزب العائلة
قياساً الى نتائج انتخابات 1991 و1994، من المفترض ان يحقق حزب الحركة القومية اليميني المتطرف بزعامة الب ارسلان توركيش نتيجة تخوله دخول البرلمان المقبل. لكن الاستقطاب بين الاحزاب الكبيرة وخوض جميع الاحزاب الانتخابات منفردة قد يكونان على حساب الاحزاب الصغيرة، ومنها حزب الحركة القومية. وما يلفت في لوائح ترشيح الحزب انه اضافة الى ترشيح توركيش نفسه في اضنة فإنه يتهيأ لاعداد ابنه طغرل لخلافته في زعامة الحزب عبر ترشيحه في محافظة قيصري. كما ان صهره حميد هومريش ترشح عن الدائرة الثانية في انقرة. ومن المرشحين البارزين عن الحزب وزير الخارجية السابق ايلتير توركمان المعروف بعدائه لاسرائيل، وذلك في محافظة ازمير. كذلك ترشح نصرت ديميرال مدعي عام امن الدولة الذي تقاعد اخيراً والذي كان احد ابرز رموز التشدد في التعاطي مع المسألة الكردية. وقد اثارت دعوة ديميرال قبل ايام لرفع الآذان باللغة التركية عوضاً عن العربية عاصفة احتجاج داخل حزب الحركة القومية، لأنه يحرمه من اصوات عدد كبير من المحافظين الاسلاميين. ولم تهدأ الضجة الا بعد تدخل "الباش بوغ"، اللقب الذي يطلق على الب ارسلان توركيش الذي اعتبر ان كلام ديميرال "أُسيء فهمه".
أما بالنسبة الى حزب الديموقراطية الشعبية الكردي فهو يخوض الانتخابات منفرداً بعدما كان سلفه المحظور حزب الديموقراطية تحالف في انتخابات 1991 مع الحزب الشعبي الاجتماعي الديموقراطي وفاز تحت مظلته. اما الآن فإنه، مع زعيمه مراد بوزلاق، امام امتحان جدي لنفوذه وان كان يخوض الانتخابات في ظروف غير مؤاتية، ويأمل زعيمه ان يحصل الحزب على نسبة 16 في المئة، أي ما يعادل 100 نائب، وفي أسوأ الاحوال 60 نائباً. ومن الطبيعي ان يتساءل البعض عن موقف حزب العمال الكردستاني في هذه الانتخابات. والمرجح، كما في الانتخابات السابقة، ألا يدعو الحزب الى التصويت لأحزاب او مرشحين محددين. ومع ان حزب الديموقراطية الشعبي لا يخرج عن الاهداف العامة لحزب العمال إلا ان هذا الاخير لا يستطيع ان يغامر بإعلان تأييده لحزب الديموقراطية الشعبي حتى لا يتحول الى الممثل الرئيسي للاكراد ويكون بديلاً منه. ولا تخفي اوساط الحزب الكردستاني ان فوز الرفاه يزيد من التناقضات التي يتخبط فيها النظام التركي وهذا ما ينسجم مع الاستراتيجية العامة لحزب اوجلان.
ان التودد من الناخبين الاكراد الذين يشكلون ربع الاصوات هو من الاهداف الاستراتيجية لزعيم حركة الديموقراطية الجديدة جيم بوينر الذي اظهر شجاعة كبيرة في الاعراب عن رأيه لحل المسألة الكردية بصورة سلمية. ولعل بوينر هو الوحيد بين الزعماء الاتراك الذين خاطبوا، باللغة الكردية، جماهير احتشدت لسماعه في ديار بكر.
ولا يغيب "العامل العلوي" عن الانتخابات الحالية. وبعدما كان معظم العلويين يقترح لمصلحة حزب الشعب الجمهوري واحزاب علمانية اخرى، فإن الاحداث الدامية التي تعرض لها العلويون في سيواس في تموز يوليو 1993 وفي ضاحية غازي عثمان باشا في اسطنبول في آذار مارس 1995، افقدتهم الثقة في حزب الشعب الجمهوري الذي كان شريكاً في الائتلاف الحكومي اثناء اندلاع الاحداث. وعلى رغم تأسيس حزب علوي، فإن اصوات العلويين ستتوزع هذه المرة على احزاب عدة، ليس بينها بالطبع حزب الرفاه.
وقياساً الى نتائج الانتخابات البلدية في آذار مارس 1994، والى نتائج الاستطلاعات والظروف المحيطة بالحملة الانتخابية، تبدو حظوظ الاحزاب الثلاثة الكبرى، وهي الطريق المستقيم والوطن الام والرفاه، متقاربة في الفوز بالمرتبة الاولى. لكن من المستبعد ان يتمكن احدها من تحقيق الغالبية المطلقة وحكم تركيا بمفرده. لذلك تبدو العودة الى واقع الائتلافات تتوقف على من سيتبوأ المركز الاول ومن سيتجاوز نسبة العشرة في المئة من الاحزاب الاخرى. ففي حال فوز تشيللر بالمركز الاول فإن احتمالات دخولها في ائتلافات مع حزب الحركة القومية او حزب الشعب الجمهوري واردة اذا استطاع احد هذين الاخيرين دخول البرلمان. بينما يبدو مستحيلاً ائتلافها مع يلماز لأسباب شخصية ومع اجاويد للاختلاف الكبير في النظرة الى معظم القضايا السياسية. وتبدو مهمة يلماز سهلة نسبياً، اذا فاز في الانتخابات، لتشكيل ائتلاف قوي مع حزب اليسار الديموقراطي بزعامة اجاويد او حتى، ضمن بعض الشروط، مع حزب الرفاه الاسلامي. اما فُرص الرفاه لتشكيل ائتلاف حكومي في حال فوزه، فستكون ممكنة، الى حد ما، مع حزب الحركة القومية، اذا نجح هذا الاخير في تجاوز نسبة العشرة في المئة، وكذلك مع حزب الوطن الام. لكن من المتعذر تماماً على الرفاه الدخول في اي ائتلاف مع تشيللر او اجاويد او بايكال.
ويعني الدخول في لعبة الائتلافات شيئاً واحداً هو استمرار مرحلة التجاذب بين التيارات السياسية وعدم الاستقرار الحكومي الذي يؤثر في اتخاذ قرارات حاسمة في الكثير من المسائل الحساسة، وفي مقدمتها المسألة الكردية، لكن تمكن احد الاحزاب من الانفراد في حكم تركيا سيكون مثيراً لجهة حسم الخيارات المطروحة امام البلاد، والخياران الاكثر وضوحاً هما: الخيار الاوروبي لحزب الطريق المستقيم ونسبياً الوطن الام والخيار الاسلامي لحزب الرفاه. فمن ستختار تركيا في 24 الشهر الجاري ومن سيخرج من صناديق الاقتراع: أوروبا أم الاسلام؟
توزيع مقاعد الاحزاب في البرلمان
حزب الطريق المستقيم 177.
حزب الوطن الام 95.
حزب الشعب الجمهوري 60.
حزب الرفاه 38.
حزب الحركة القومية 17.
حزب اليسار الديموقراطي 10.
الحزب الجديد 3.
حزب الاتحاد الكبير 7.
حزب الامة 2.
حركة الديموقراطية الجديدة 2.
مستقلون 16.
مقاعد شاغرة 22.
ديميريل لتشيللر: "اخرسي! واخرجي!"
على رغم اتفاق الاحزاب الكبيرة في تركيا على قانون الانتخاب الجديد، فقد وجد رئيس الجمهورية سليمان ديميريل ان الزام المرشح الحصول على نسبة 10 في المئة على صعيد المحافظة للفوز "مناف للعدل"، فقرر تقديم اعتراض الى المحكمة الدستورية لإبطال هذه النسبة. وعندما علمت رئيسة الحكومة تشيللر بذلك كلفت وزيري الدولة منيف اسلام اوغلو وبكير سامي داتشه وأحد المساعدين القدامى لديميريل اكرم جيحون السعي لدى رئيس الجمهورية لثنيه عن تقديم الاعتراض. كان ذلك صباح الجمعة في 24/11/1995، لكن الموفدين فشلوا في مهمتهم، فقصدت تشيللر بنفسها، يرافقها اسلام اوغلو، قصر الرئاسة في تشانكايا في اليوم نفسه للقاء ديميريل، وقبل انتهاء الاجتماع "الثلاثي" بقليل خرج اسلام اوغلو منتظراً تشيللر التي سرعان ما لحقت به في حالة عصبية. وبعد اعلان اسماء مرشحي حزب الطريق المستقيم يوم 27/11/1995 سقطت اسماء الموفدين الثلاثة عن القائمة في بادرة انتقام واضحة من جانب تشيللر. ورد منيف اسلام اوغلو بكشف "اسرار" الاجتماع الثلاثي الذي اعتبر "سابقة" في تاريخ العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة. وأسرّ اوغلو بما جرى لوزير الخارجية السابق جوشكون قيرجا الغاضب بدوره من تشيللر، فسرّب الخبر الى الصحافي المعروف يالتشين دوغان الذي سرعان ما نشره في زاويته في صحيفة "ميللييت".
يقول اسلام اوغلو ان تشيللر خاطبت مساء ذلك اليوم ديميريل بقولها: "إن ابطال نسبة ال10 في المئة على صعيد المحافظة يفيد الرفاه. وأنتَ تعرف موقف الرفاه من وجودك في مقام الرئاسة". وأجابها ديميريل: "إذا كان الرفاه حزباً غير شرعي فلماذا لا تبادرين الى حظره؟" وهنا قالت تشيللر مهددة: "اذا أحَلْتَ اقتراح الإبطال الى المحكمة الدستورية فسأتعاون مع مسعود يلماز وأُقَصّر مدتكَ في رئاسة الجمهورية". وهنا بلغ السيل الزبى عند ديميريل فصرخ بها: "اخرسي!.. اخرسي واخرجي واذهبي. بنت مجنونة". فما كان من "البنت المجنونة" سوى النهوض والخروج برفقة اوغلو الذي قال انها بقيت عصبية جداً منذ خروجها وصعودهما معاً في السيارة وحتى وصولها الى منزلها حيث اجهشت بالبكاء. ونقلت المعلومات ان ديميريل قال لزواره فيما بعد ان "لو لم تكن تشيللر امرأة لرميتها من النافذة!".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.