بعد مضي ثلاث سنوات على إلغاء نتائج الانتخابات النيابية 26 كانون الأول/ ديسمبر 1991 التي حقق فيها الاسلاميون الجزائريون فوزاً ساحقاً كان سيمكنهم من تسلم الحكم في الجزائر، اختارت "الجماعة الاسلامية المسلحة" الاحتفال بالمناسبة بخطف طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية كانت تستعد للاقلاع من مطار هواري بومدين الى مطار أورلي في رحلة عادية. وانتهت العملية بمقتل الخاطفين الأربعة في مطار مارينيان في مارسيليا وجرح تسعة من رجال الشرطة الفرنسية و13 راكباً، فضلاً عن قتل ثلاثة من ركاب الطائرة برصاص الخاطفين في مطار الجزائر. لم يكن رجال "الجماعة" وهم مزيج من قدامى المجاهدين في أفغانستان وأنصار مصطفى بويعلي داعية الكفاح الاسلامي المسلح الذي قتل عام 1986 في الجزائر العاصمة، من غلاة المؤيدين للمشاركة في الانتخابات النيابية، لكن منظمتهم انبثقت من الحدث نفسه، اي من الغاء نتائج تلك الانتخابات. وكان زعماؤهم المنصوري الملياني وعبدالله قلال وعبدالحق العيايدة وجعفر الافغاني... الخ يكفِّرون "الجبهة الاسلامية للانقاذ" لمشاركتها في الانتخابات، وصاروا "على حق" بعد الغاء نتائجها. ثم انطلقوا من هذا "الحق" في ممارسة العنف المسلح ضد أهداف مرسومة بالأبيض والأسود على طريقة "كل من ليس معنا فهو ضدنا" لا فرق في ذلك بين مدني وعسكري، جزائري وأجنبي. وعلى رغم فشل الخاطفين في تحقيق مطالبهم المباشرة التي وردت في بياناتهم المترافقة مع خطف الطائرة الفرنسية اطلاق سراح عبدالحق العيايدة زعيم الجماعة السابق الموجود في سجن سركاجي، وقف الدعم الفرنسي للنظام الجزائري، الكف عن التحرش بالمسلمين في فرنسا، تقديم تعويضات للجزائريين "عن الأضرار اللاحقة بالأمة" خلال حرب التحرير 1954 - 1962، التعهد بتقديم نصف التعويضات الى المسلمين المتضررين من "الانقلاب الى يومنا هذا"، أي منذ الغاء نتائج انتخابات العام 1991 فان "الجماعة المسلحة" تمكنت من استخدام "الطائرة المخطوفة" لطرح المسائل الآتية: المواجهة الدامية أولاً - إلقاء الضوء على المواجهة الدامية التي تشهدها الجزائر يومياً وتتم بصمت شديد خلف الاضواء. اذ تفيد أنباء متعددة المصادر ان مئات القتلى يسقطون أسبوعياً في هذا البلد في صفوف المسلمين الاسلاميين وقوات الأمن والمدنيين. ولعل هذه المواجهة بدأت تتضح معالمها منذ نهاية تشرين الأول اكتوبر الماضي حيث صرح الرئيس الجزائري الأمين زروال بأن الحوار مع "الانقاذ" فشل بسبب مواصلة قادة الجبهة الدعوة الى العنف وتشجيعه. وتلا تصريح زروال مقال كتبه الجنرال محمد العماري زعيم تيار الاستئصاليين، ونشرته مجلة "الجيش" الناطقة باسم القوات المسلحة قال فيه انه سيبذل "كل التضحيات اللازمة، مهما كلّف ذلك لاستئصال الارهاب". وأعقبت هذه التصريحات حملة عسكرية شاملة نظمتها قوات مكافحة الارهاب بقيادة العماري نفسه وشملت مناطق واسعة في شمال البلاد بغية القضاء على قواعد الاسلاميين الظاهرة تمهيداً لقطع صلاتهم بالمدن ثم تمشيط ضواحي المدن. وإذا كانت هذه الحملة ألحقت ضربات كبيرة بالاسلاميين فانها لم تشلّ حركتهم شللاً كاملاً. وكان مُقدّراً لهذه الحملة ان تتواصل في ظل صمت اعلامي هو من بين شروط نجاحها، فجاء خطف الطائرة ليظهر حدود الحل الأمني في معالجة ظاهرة الاسلاميين وليكشف وقائع الحملة بعدما انشغل الاعلام الدولي لأكثر من خمسين ساعة متواصلة بعملية الخطف. ثانياً - اظهرت عملية الخطف وجود خلل كبير في أحد أهم المرافق الجزائرية التي تدافع عنها السلطة، أي المطار. وتفيد الأنباء الواردة من الجزائر ان المسؤولين الامنيين كانوا يفخرون امام محدثيهم الاوروبيين بأن من دخل المطار اصبح آمناً "لأن نصف الموجودين داخل القاعات هم من رجال الاستخبارات"... ولكن بدا واضحاً ان الخاطفين استطاعوا تجاوز كل الحواجز الامنية وصولاً الى الطائرة التي تقف عادة في منطقة بعيدة تحسباً للهجمات. وتجمع الاجهزة الامنية الجزائرية والفرنسية والاجنبية عموماً على انه لم يكن بوسع الخاطفين الوصول الى الطائرة لولا استنادهم الى شبكة محلية داخلية تعمل ربما داخل الامن الجزائري نفسه. مما يعني ان الاجراءات الامنية للسلطة ليست فعالة كفاية. ثالثاً - فتحت عملية الخطف ملف العلاقات الفرنسية - الجزائرية على نطاق واسع ولعل هدفها الضمني وغير المعلن هو اخراج هذا الملف الى العلن. وهنا تتدافع المؤشرات: الخاطفون اختاروا ليلة عيد الميلاد لتنفيذ عمليتهم في وقت تكون الحياة السياسية الداخلية معطلة تماماً بما في ذلك وسائل الاعلام. فضلاً عن الدوافع الدينية لأنصار "الجماعة المسلحة" التي تعتبر الفرنسيين كفاراً ولا تقيم اعتباراً لمناسباتهم الدينية. ثم اختاروا أيضاً يوم 26 كانون الأول، وهو اليوم الذي طلبت فيه فرنسا من الجزائر الغاء نتائج الانتخابات النيابية في العام 1991. وعلى رغم النفي الفرنسي، فان الامر صار معروفاً لدى كل المعنيين بالأزمة ولا ينفيه الفرنسيون في الجلسات الخاصة. اذن الطائرة فرنسية والمناسبة متصلة بفرنسا فلماذا باريس وليس غيرها؟ "المساعدة" الفرنسية يتهم الاسلاميون - على اختلاف حساسياتهم - فرنسا بأنها الضامن الوحيد للنظام الجزائري والمساند الوحيد له، وبأنها تخوض معركة "النظام" ضدهم. ويقولون انها توفر للحكم الجزائري مساندة سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية ويستدلون على ذلك بالبراهين الآتية: 1 - ساعدت فرنسا الحكم الجزائري في الخريف الماضي على اعادة جدولة الديون الخارجية. ومارست ضغوطاً كبيرة لدى الجماعة الأوروبية والمؤسسات النقدية الدولية للتوصل الى هذا الاتفاق. وتدين الجزائرلفرنسا بأكثر من ثلث دينها الخارجي 30 مليار فرنك فرنسي لفرنسا وحدها. ولم تكتف باريس بذلك بل عمدت الى فتح اعتماد بقيمة مليار دولار لمصلحة الدولة الجزائرية لمساعدتها على استيراد الحاجات الضرورية. ولولا هذا الاعتماد لما بادر احد في الخارج الى التعامل مع دولة تشرف على الافلاس ويتدهور اقتصادها بسرعة قصوى وتتراجع عائداتها النفطية بسبب انهيار اسعار البترول. ما يعني ان الدعم الاقتصادي الفرنسي هو مسألة حياة أو موت بالنسبة الى الحكم الجزائري. ويعرف الاسلاميون ذلك ولعل اغتيالهم لمدنيين فرنسيين بايقاع متواصل يعكس استياءهم من هذا الأمر. 2 - تقدم فرنسا دعماً عسكرياً، الى الجيش الجزائري. وهذا الأمر لم يعد سراً. فقد تحدثت وسائل الاعلام الفرنسية مراراً عن تزويد هذا الجيش معدات وتقنيات للقتال الليلي، وعن تجهيز طائرات مروحية جزائرية تقنيات فرنسية، وتدريب عسكريين جزائريين على القتال ضد العصابات المسلحة. وليس معروفاً بعد هل للمساعدات العسكرية الفرنسية اثرها المباشر في النجاحات التي حققتها حملة النظام الاخيرة في شمال البلاد، علماً ان الاسلاميين يؤكدون ذلك. 3 - يتهم الاسلاميون فرنسا بتقديم دعم امني مباشر الى النظام الجزائري وهم يستدلون على ذلك بوقائع من بينها اقدام السلطات الفرنسية على طرد أو اعتقال أو اعتماد الاقامة الجبرية لمئات من مؤيدي التيار الاسلامي المسلح، في حين تدعم النظام وتوفر المأوى لأنصاره. 4 - يتهم الاسلاميون فرنسا بتوفير الدعم السياسي للحكم الجزائري. ويستشهدون بمواقف وزير الداخلية شارل باسكوا ومسؤولين فرنسيين آخرين، ولعل ابرز مثال في هذا الصدد يكمن في التصريحات التي أدلى بها باسكوا في بداية آب اغسطس الماضي، حين انتقد بحدة مواقف الولاياتالمتحدة وألمانيا وبريطانيا بسبب إيوائها مسؤولين ومؤيدين لپ"جبهة الانقاذ الاسلامية" و"الجماعة الاسلامية المسلحة". ويسود اعتقاد مفاده ان توقف فرنسا عن دعم الحكم الجزائري يمكن أن يؤدي الى ابتعاد كل الدول الغربية عنه. ولعل هذه الاتهامات ليست قاصرة على الاسلاميين وحدهم فبعض الشخصيات السياسية الفرنسية الرفيعة المستوى تتحدث في الاتجاه نفسه ومن بينها فاليري جيسكار ديستان، رئيس الجمهورية السابق الذي طالب حكومة بلاده مطلع الصيف الماضي ب "التمييز بين النضال ضد الارهاب الذي يجب ان يكون بلا شفقة والدعم غير المشروط الذي تقدمه فرنسا الى الحكومة الجزائرية". وطالب جان فرنسوا دونيو، وهو أحد القادة البارزين في الاتحاد الديموقراطي الفرنسي، باتخاذ موقف الحياد في الصراع الدائر بين الدولة والاسلاميين في الجزائر. ولا تنفي الحكومة الفرنسية الدعم الاقتصادي للجزائر لكنها تتحدث عن "دعم لكل الجزائريين وليس لطرف بعينه" على حدّ تعبير وزير الخارجية آلان جوبيه الذي يؤكد ان امتناع فرنسا عن دعم الجزائر يمكن ان يؤدي الى "إغراق هذا البلد في الفوضى". ويشدد على ان بلاده تدعم تياراً واحداً في الجزائر هو "التيار الديموقراطي وفكرة واحدة هي الديموقراطية". ويدعو الى انبثاق محور ثالث بين الدولة والاسلاميين، لكن هذه الدعوة التي تجد صدى لدى فئات سياسية ضعيفة التمثيل وتغلب عليها النزعة البربرية لا تغيّر شيئاً من واقع العلاقات المتينة على كل صعيد بل المصيرية بين باريسوالجزائر. وأراد الاسلاميون، بخطفهم طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية - وهي الشركة الاجنبية الوحيدة التي تواصل رحلاتها الى الجزائر بعد امتناع الاميركيين والبريطانيين والالمان - إلقاء الضوء على الملف الفرنسي - الجزائري الذي يستند الى علاقات وثيقة بين فرنسا والحكم الجزائري تصل الى حدّ التنسيق المباشر في مكافحة الأصولية . الاشتباك الاول رابعاً - استطاع الاصوليون، باستنادهم الى اتهاماتهم لفرنسا، ان ينقلوا الحرب الجزائرية - الجزائرية الى داخل الاراضي الفرنسية، كما يقول جيل كبيل وهو باحث فرنسي متخصص في الشؤون الاسلامية. ولعل خطف الطائرة ومقتل الخاطفين على ايدي وحدات الشرطة الفرنسية الخاصة بمكافحة الارهاب هو الاشتباك المباشر الاول من نوعه بين فرنسا والاصوليين. ويتخوف مراقبون محليون من ان يؤدي هذا الحادث الى دخول فرنسا مباشرة خط الحرب الجزائرية وقيام ردود فعلٍ عسكرية مسلحة داخل الاراضي الفرنسية. واذا كان الاسلاميون المتطرفون ردوا مباشرة على تصفية الخاطفين بقتل 3 من رجال الدين الفرنسيين وآخر بلجيكي غداة العملية، فإن حادث الطائرة لن يقف عند حدود الردّ والردّ المضاد. فالاعتقاد السائد في باريس اليوم هو ان فرنسا لا يمكنها ان تدافع من الآن فصاعداً عن "حياد" مزعوم في الحرب الاهلية الجزائرية، فهل تغيّر سياستها تجاه هذه الحرب ام تستمر فيها؟ الردّ على هذا السؤال لن يكون سريعاً ففرنسا تعيش الآن اجواء حملة الانتخابات الرئاسية، واي تغيير في سياساتها تجاه الجزائر او غيرها لن يتم الآن، وانما مع انبثاق العهد الجديد مع الرئيس الجديد. لكن عدداً من المراقبين السياسيين المحليين يرى ان موضوع الجزائر سيتحول من الآن فصاعداً الى واحد من أبرز المواضيع السياسية في الحملة الانتخابية المستمرة. أزمة علاقات خامساً - لا ينحصر تأثير حادث الطائرة المخطوفة بالملف الفرنسي - الجزائري من زاوية الصراع بين الحكومة الجزائرية والاسلاميين المتطرفين وحدهم، فقد ادى الحادث الى نشوء ازمة في العلاقات بين حكومتي البلدين. وليس معروفاً بعد مدى الآثار التي ستنجم عن هذه الازمة بين الطرفين. بدأ الأمر مع الساعات الاولى من خطف الطائرة اذ أصرّ كل طرفٍ على معالجة الحادث بنفسه. لقد عرفت الجزائر في الماضي عمليات "خطف طائرات" دخلت التاريخ كعملية كارلوس الشهيرة يوم احتجز وزراء اوبيك في السبعينات او خطف الطائرة الكويتية في الثمانينات وغيرها. وكانت السلطات الجزائرية تجد حلولاً مرضية لعمليات الخطف وتحظى بثناء كل الاطراف المعنية. ولعل سمعتها في هذا المجال هي التي حملت الجزائريين بين اسباب اخرى على معالجة موضوع الطائرة محلياً، فضلاً عن اعتزاز المسؤولين الجزائريين بسيادتهم وكرامتهم، لذا رفضوا محاولات التدخل الفرنسية في هذا الموضوع ومن بينها: أ - ان يتحدث ممثل فرنسي مع قائد الطائرة المخطوفة. ب - ان تتقاسم السلطات الفرنسية والجزائرية ادارة الازمة. ج - ان يسمح للطائرة بالإقلاع الى مطار فرنسي. د - ان تعطى معلومات للفرنسيين عن عملية الخطف وهوية الخاطفين. ه - ورفض الجزائريون اخيراً عرضاً فرنسياً يقضي بإرسال وحدات خاصة الى الجزائر لتحرير الرهائن، وقرروا تحريرهم بأنفسهم باستخدام قوات ال "نينجا" الجزائرية. مساء الاحد، بعدما أصرّ الجزائريون على عدم السماح للطائرة بالاقلاع بادر الخاطفون الى قتل مواطن فرنسي من ركاب الطائرة عندها تدخل رئيس الحكومة ادوار بالادور شخصياً لدى الرئيس زروال ورئيس حكومته المقداد سيفي وحمّلهما المسؤولية عن حياة الركاب الفرنسيين. ويقول بالادور انه "طلب السماح للطائرة بالإقلاع الى مطار فرنسي" ولعل فعل طلب باللغة الفرنسية EXIGER يحمل معنى قوياً جداً ويقترب كثيراً من الامر. وهذه اللغة ليست معتادة في التخاطب بين المسؤولين في البلدين، خصوصاً ان الجزائريين سواء أكانوا في الحكم او المعارضة يحتفظون بحساسية خاصة تجاه فرنسا بسبب تاريخ الاستعمار الفرنسي وهو تاريخ حديث. ان رضوخ الحكومة الجزائرية للطلب الفرنسي يشكّل حالة فريدة في العلاقات بين البلدين قد تكون الاولى من نوعها بعد استقلال الجزائر ولعلها مبنية على الحاجة الماسة التي تميز علاقات الجزائريينبفرنسا اليوم. ولعل ما كان يتخوف منه اهل الحكم في الجزائر ليس مجرداً من الاسباب الوجيهة، ذلك ان تولي فرنسا حلّ مشكلة الطائرة بخسائر بسيطة وحديث السلطات الفرنسية عن عدم اهلية الحكومة الجزائرية لمثل هذا الحلّ، كل ذلك ترك مرارة كبيرة لدى المسؤولين الجزائريين من الصعب محوها بسرعة. خصوصاً ان اضطرار الحكومة الجزائرية الى استجابة الطلب الفرنسي جاء في وقت يبدي الحكم اعتزازاً ملحوظاً من جراء "الانتصارات" الميدانية التي حققها في شمال البلاد في مواجهة الاسلامية المسلحة. لقد أظهرت عملية الخطف وتطوراتها الحكم الجزائري ضعيفاً ومضطراً الى استجابة طلب فرنسي مستعجل في وقت هو في أمسّ الحاجة الى الظهور مظهر القوي والمستقل، وبالتالي دحض التهمة التي يطلقها عليه الاسلاميون والقائلة انه يمثّل "حزب فرنسا" وهي تهمة كانت تُطلق على الجزائريين المؤيدين للاستعمار الفرنسي خلال حرب التحرير 1954 - 1962. سادساً: أدت عملية خطف الطائرة الى الحاق الأذى بقادة "الجبهة الاسلامية للانقاذ" الذين وجهوا ادانات صريحة للعملية على لسان رابح كبير رئيس الهيئة التنفيذية وانور هدام رئيس البعثة البرلمانية في الخارج وموسى قراووش الناطق باسم "جمعية الاخوة الجزائرية في فرنسا". وأجمع هؤلاء على التنديد بپ"التعرض للمدنيين" وممارسة "القرصنة الجوية". ولعل كشف نيّة الخاطفين تفجير الطائرة بركابها فوق باريس يؤكد ان "الجماعة المسلحة" قادرة على بلوغ أعلى درجات الارهاب والعنف وضرب ارقام قياسية في التعرض للمدنيين بغض النظر عن هوياتهم وجنسياتهم. ويطرح هذا الأمر صدقية "الانقاذ" على المحك من زاوية قدرتها على السيطرة على متطرفي "الجماعة المسلحة" في حال التوصل الى اتفاق سياسي بينها وبين الحكومة الجزائرية. ان خطف الطائرة الفرنسية وما تلاه من اغتيال رجال دين مسيحيين في تيزي اوزو يشكل ضغطاً حقيقياً على "الجبهة الاسلامية للانقاذ" التي تعتبر نفسها الناطق الشرعي باسم التيار الاسلامي الجزائري المناهض للسلطة، ويطرح اسئلة جدية حول صدق هذا التمثيل. بهذا المعنى يمكن القول ان "الجماعة المسلحة" قادرة على تعميق الصراع بين الدولة والاسلاميين وبالتالي عرقلة محاولات التفاهم السياسي بين الطرفين في اللحظة التي تراها مناسبة. والراجح ان استمرار الصراع بين الحكم والاسلاميين من شأنه ان يعزز مواقع المتطرفين من الجهتين وبالتالي قيادة الجزائر نحو كارثة حقيقية لن تقتصر آثارها على هذا البلد وحده فهي قد تطاول منطقة المغرب العربي كما يتخوف كثيرون. باختصار يمكن القول ان عملية الطائرة الفرنسية شبيهة بإثارة خلية نحل هادئة. والآن تتطاير آثارها في كل الاتجاهات، اما حصر اضرارها وفوائدها فيحتاج الى المزيد من الانتظار.