تراجعت الصادرات السورية من الفوسفات الى أقل من 600 ألف طن العام الماضي، بعدما كانت بلغت مليوني طن في العام 1988 لتعود وتتراجع بصورة تدريجية الى 1.6 مليون طن في العام 89، ثم الى 1.2 مليون طن في العام 1990. وتسعى الحكومة السورية حالياً الى اعادة هذه الصادرات الى ما كانت عليه قبل ست سنوات، وفي هذا السياق، تحاول دمشق اقناع البرنامج الانمائي التابع للامم المتحدة بالمساهمة في دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية اللازمة لتنفيذ مشروع جديد لغسل خام الفوسفات وتخليصه مما يعتقد انه نسبة مرتفعة من الاشعاع النووي المرافق له، الذي ساهم في السنوات الخمس الاخيرة في تدني قدرته التنافسية في الاسواق الخارجية، واتجاه الدول المستوردة لهذه المادة الى مصادر اخرى. وكانت سورية تعتمد حتى أواخر الثمانينات على الاتحاد السوفياتي كأكبر سوق خارجية للتصدير اليها، اضافة الى التصدير، ولو بكميات اقل، الى أسواق اوروبا الشرقية سابقاً، في اطار اتفاقات المقايضة التي كانت تحكم التبادل التجاري بين دمشق وعواصم الكتلة الشرقية سابقاً. الاّ أنه مع انهيار الاتحاد السوفياتي، وتحوّل الدول الشرقية الى اعتماد انظمة اقتصادية حرة أقفلت امام الفوسفات السوري اسواقه الاساسية، ما جعله يتجه الى دخول اسواق جديدة، تتميز بمقدار واسع من الشروط والمواصفات التي تفرضها على الواردات اليها. ويقول مسؤول في مديرية مناجم الفوسفات السورية، ان الاتصالات مع البرنامج الانمائي للامم المتحدة في دمشق تستهدف الحصول على مساعدات فنية لتنفيذ مشروع لفصل اليورانيوم المشع عن الفوسفات لتشجيع تسويقه في الخارج. وكشف المهندس محمد علي الدريبي مدير مناجم الفوسفات السورية في منطقة خنيفيس، وسط سورية، ان الحكومة السورية تلقت عرضاً روسياً للمساهمة في استخراج الفوسفات، حمله نائب رئيس الوزراء الروسي اوليغ سوسلوفيتش الى دمشق قبل حوالي الشهرين، وجرى درسه بصورة مبدئية مع وزير النفط والثروة المعدنية المهندس نادر النابلسي الذي طلب اعداد دراسات فنية ومالية عن المشروع، والصيغة الممكنة لمساهمة الجانب الروسي. وتقول معلومات مصدرها دمشق ان الحكومة السورية تعطي اهمية خاصة للتعاون مع البرنامج الانمائي التابع للامم المتحدة لهدف آخر، الى جانب الهدف الاساسي، وهو الحصول على الخبرات التقنية والفنية. ويتمثل هذا الهدف في اعطاء تأكيد، ولو غير مباشر، بأن مشروع فصل اليورانيوم المشع عن الفوسفات هو لاعتبارات اقتصادية بحتة، ومن دون اية خلفية تتصل بإمكان استخدام اليورانيوم المشع لاغراض اخرى. ويقول مسؤولون سوريون انهم تلقوا معلومات عن مخاوف غربية، وتحديداً اميركية، "من احتمال الافادة من مشروع فصل اليورانيوم المشع عن الفوسفات لاغراض اخرى عسكرية"، وهو ما يؤدي، وفق تقديرات هؤلاء المسؤولين، الى زيادة العراقيل امام تنفيذ المصنع الذي يحتاج الى استثمارات ضخمة، والى خبرات فنية متقدمة. ومن المعروف ان خام الفوسفات في سورية يتركز بصورة أساسية في منطقة خنيفيس، وسط سورية، في منجمين. وحسب الدراسات التي أنجزتها الشركة العامة للمناجم في سورية، وهي شركة حكومية بالكامل، وتتولى عمليات المسح والانتاج، فإن عمق خام الفوسفات يتراوح بين 35 و40 متراً في الطبقات السفلى، وتتراوح سماكة الخامات بين 8 أمتار و12 متراً. ووفق الدراسات نفسها، فإن خام الفوسفات في خنيفيس غني بالفوسفور، اذ تصل نسبة خامس اوكسيد الفوسفات الى 31 - 32 في المئة، ما يجعله من الاصناف الجيدة القادرة على منافسة الاصناف المتوافرة في الدول الاخرى المعروفة بانتاجها لهذه المادة. وحسب المدير العام للمناجم محمد علي الدريبي، فإن الشركة العامة للفوسفات تقوم حالياً بالتعاون مع المؤسسة العامة للجيولوجيا بتوسيع دائرة المسح والتنقيب في المنطقة بهدف زيادة حجم الاحتياط، اضافة الى اجراء دراسات تتعلق بتخليصه من النفايات. وكانت الحكومة السورية أنشأت معملين للتركيز في المنطقة لتصنيع الفوسفات وازالة الشوائب: الاول نمسوي تصل طاقته التصنيعية الى 800 ألف طن سنوياً. أما المعمل الثاني فروماني ولا تزيد طاقته التصنيعية عن 400 ألف طن سنوياً، من الفوسفات المركّز، الاّ أنه متوقف عن العمل منذ اكثر من 4 سنوات، فيما تقول الشركة العامة للفوسفات انه يستخدم كاحتياط في حال توقف المصنع الاول. الى ذلك، أقامت الحكومة السورية مصنعين للتجفيف: الاول نمسوي بطاقة 600 ألف طن، الاّ أنه متوقف عن العمل بسبب كثرة الاعطال فيه، في حين ان المصنع الثاني للتجفيف، وهو روماني المنشأ، يعمل بطاقة 400 ألف طن سنوياً. وحسب الدريبي، فإن غالبية الشركات المستوردة للفوسفات السوري تسعى الى الحصول عليه مجففاً نظراً الى وجود معدلات مرتفعة للرطوبة تصل شتاء الى 11 في المئة وتتراجع صيفاً الى 6 في المئة. وكانت الحكومة السورية خططت العام الجاري لانتاج 650 ألف طن. إلاّ أن تحقيق مثل هذا المستوى قد يصطدم بفقدان الآليات التي تحتاجها ادارة المنجم، ما يدفعها في معظم الاحيان الى الاستعانة بقطع غيار يتم تفكيكها من بعض الآليات الموجودة لتشغيل آليات اخرى. قد تستفيد سورية من العرض الروسي للمساهمة في اقامة مصنع غسيل الفوسفات، إلاّ أنها تركز على مساهمة الاممالمتحدة في المشروع لإبعاد ما يسمى في دمشق "الشبهات الدولية".