العجز المتواصل في موازنة الكويت أصبح الحديث اليومي للكويتيين، خصوصاً بعدما انتهت السنة المالية 1993 - 1994 بنهاية حزيران يونيو الماضي بعجز يقارب خمسة مليارات دولار. وعلى رغم تراجع هذا العجز بنسبة 25.3 في المئة عن عجز العام السابق، فإن القلق الذي يساور الكويتيين يكمن في توقع ارتفاع العجز في موازنة السنة المالية 1994 - 1995 الى حوالي 2.1 مليار دينار كويتي، أو ما يوازي سبعة مليارات دولار أميركي، وهو عجز كبير جداً ويمثل 64 في المئة من الدخل المتوقع من النفط في حال استمرار الحفاظ على حصة التصدير الحالية وبمعدل سعر للبرميل يساوي 15 دولارا. ما هي أسباب هذا العجز؟ وهل يمكن تقليصه؟ لقد تراكم على الكويت منذ تحريرها في شباط فبراير 1991 عجز الموازنة الناجم عن انخفاض العوائد النفطية وارتفاع النفقات الرامية الى اعادة تأسيس البنى التحتية التي تضررت أثناء الأزمة، واضطرت الدولة الى تصفية جزء كبير من موجوداتها في الخارج. وطبقاً للتقديرات بلغت هذه الموجودات قبل الحرب 100 مليار دولار، لكنها لا تمثل حالياً الا قرابة 35 ملياراً. كذلك لجأت الكويت الى الاقتراض من السوق المالية الدولية. وخلال عام واحد، من 1991 الى 1992، تضاعف اجمالي الناتج المحلي من 11 الى 21.8 مليار دولار، وفي المقابل تراجع اجمالي الناتج القومي الذي تدخل فيه عائدات التوظيفات المالية الخارجية بشكل ملموس، بسبب انخفاض قيمة محفظة الموجودات الخارجية. وفي عام 1992 سجل الميزان الجاري للبلاد عجزاً محدوداً على رغم نمو في الواردات تجاوز 60 في المئة، وهذا بفضل عودة صادراتها النفطية التي تمثل 87 في المئة من اجمالي الصادرات. فقد استعادت الامارة طاقة انتاجها النفطية الى ما كانت عليه قبل حرب الخليج، أي 2.7 مليون برميل يومياً. وهكذا اختفت معظم آثار الدمار الذي أحدثته الحرب في الكويت، وعاد اقتصادها للنهوض، رغم تراجع عدد السكان من 2.2 مليون عام 1990، الى 1.5 مليون حالياً، منهم 643 ألف كويتي، أي حوالي 43 في المئة من السكان. وكذلك رغم الديون المشكوك فيها، اذ اشترت الحكومة من ستة مصارف تجارية محلية ديوناً تعادل 19 مليار دولار. ومع أن تقديرات الخبراء أشارت الى أن عجز موازنة 1994 - 1995 سيكون في حدود 2.1 مليار دينار، فإن تقديرات البنك المركزي الكويتي توقعت ان يبلغ العجز 1.6 مليار دينار، وان اجراءات ستتخذ لرفع رسوم الخدمات مثل الكهرباء والمياه والرعاية الطبية. جدل حول أنجح السبل وفي هذا المجال لا يزال الجدل دائراً بين الكويتيين حول أنجح السبل لتقليص العجز الكبير في الموازنة. ويريد بعض النواب طرح مشروع فرض ضريبة دخل لاعادة ملء خزائن الدولة، لكن الحكومة تقول ان هذا الاقتراح لن يكون ضرورياً. ولا تعرف الكويت التي كان أفرادها يتمتعون بأعلى نسبة داخل للفرد على مستوى العالم، الضرائب، ويتمتع المقيمون فيها بمزايا لخدمات مجانية. ويعيش الكويتيون، حسب رأي ديبلوماسي عربي، في صدمة نتيجة للتغير المفاجئ الذي عاشه هذا الجيل، فهم يعلمون ان الثروة تتقلص، الا ان صورة أيام الثراء لا تزال مسيطرة على نمط تفكيرهم. وكان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله الصباح، دعا الكويتيين الى قبول قدر من التقشف لم يعتادوه لمعالجة العجز. ونادى بتقديم تضحيات لم يحددها لكنه وصفها بأنها "ضرورية لضمان رخاء الأجيال المقبلة". وفي مجال تقليص العجز في الموازنة، ينسب الى وزير المال الكويتي قوله ان الوزارة ستقترح على مجلس الوزراء خفضاً في المصاريف بحدود 200 مليون دينار وزيادة الايرادات من الرسوم واعادة تسعير سلع وخدمات عامة بأكثر من 100 مليون دينار كويتي أي بخفض للعجز بأكثر قليلاً من 300 مليون دينار. ويرى بعض الخبراء ان مواجهة مشكلة العجز تتطلب ضغط النفقات على ما دون حاجز الأربعة مليارات دينار مع وعد بخفضها المستمر بغض النظر عن أي تحسن في جانب الايرادات، ومن غير أن تتأثر وزارة المال أو الحكومة بتطورات المدى القصير في السوق النفطية، مع العلم ان التحسن في أسعار النفط منذ بداية العام 1994 بلغ 30 في المئة للبرميل، وان كان في الوقت الراهن أعلى قليلاً من المقدر لموازنة 1994 - 1995 التي بدأ العمل بها نظرياً في أول تموز يوليو الماضي، وهو 12 دولاراً للبرميل. ولا شك في أن المطلوب لمجابهة هذا الوضع زيادة مساهمة الكويتيين في النشاط الاقتصادي. فهل يمكن ذلك؟ قوى بشرية وبطالة مقنعة في الواقع يشكل هذا السؤال محوراً أساسياً في اعادة الهيكلية الاقتصادية وتمكين الادارة من مجابهة معضلات التنمية المقبلة في ظل تراجع القدرات المالية لدى الدولة. وهنا تبرز مشكلة القوى البشرية، حيث يزداد عدد الكويتيين الذين يدخلون سوق العمل. وهناك تقديرات تشير الى أن عددهم سبعة آلاف كويتي سنوياً، فهل يستطيع الجهاز الحكومي أن يستوعب هذا العدد في الوقت الذي يعاني من البطالة المقنعة؟ وهل يمكن ان يتحول عدد كبير من العاملين بالاضافة الى خريجي المؤسسات التعليمية الى القطاع الخاص أو يحلوا بشكل تدريجي في موقع العمالة الوافدة؟ في رأي بعض الخبراء ان هذا التطور قد لا يحدث خلال فترة زمنية قصيرة، لكن المطلوب وضع خطة لانجاز التحولات في تركيبة قوة العمل في القطاع الخاص خلال فترة زمنية معقولة وواقعية، بحيث يمكن أن توضع أهداف لرفع نسبة العمالة الكويتية في القطاع الخاص من 2 في المئة الى 30 في المئة، على سبيل المثال، بعد خمس سنوات. ويبرز هنا سؤال: ما هي قدرة القطاع الخاص على تحسين مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي؟ لقد قدرت بعض الدراسات هذه المساهمة بما لا يتجاوز 25 في المئة، في حين تمثل مساهمة القطاع الحكومي أكثر من 75 في المئة، وإذا قيست بالمساهمات غير المباشرة، فإنها ربما ترتفع الى أكثر من ذلك. وهل هناك امكانية لرفع مساهمة القطاع الخاص الى 50 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي على مدى خمس سنوات؟ الخبراء يستبعدون ذلك من دون اعادة النظر في هيكلة الاقتصاد الكويتي الذي تهيمن الدولة فيه على معظم القطاعات الاقتصادية وتمتلك مساهمات في أكثر الشركات والمؤسسات وتضطلع بالخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والخدمات الهاتفية والتعليم والعلاج الصحي الخ، وربما يساعد برنامج تخصيص الملكية الذي ما زال الحديث عنه مستمراً من دون انجاز، على زيادة فعالية القطاع الخاص، وتعظيم دوره الاقتصادي، لكن هناك معوقات ادارية وحضارية ربما تعرقل محاولات التخصيص، فالقطاع الخاص اعتمد لسنوات طويلة على الانفاق العام، وفي الوقت الذي أصبح من الضروري زيادة مساهمته في النشاط الاقتصادي، لا يجد فرصاً استثمارية واعدة، كذلك لا تحاول الحكومة أن تجعل من برنامجها لتحويل الملكية جذاباً نتيجة الاصرار على أسعار لحقوق الملكية لا تتناسب مع القيمة الاقتصادية. ومن غير المؤمل، حسب رأي الخبراء، أن يقوم القطاع الخاص بإعادة توظيف أمواله في الكويت من دون جعل الاستثمار أكثر جدوى وأكثر مردوداً من توظيف الأموال في الخارج، خصوصاً في الدول الصناعية.