بلغت العائدات الحقيقية للنفط العربي نحو 61 مليار دولار في العام 1992، في مقابل 186 مليار دولار في العام 1980. وعلى رغم تراجع هذه العائدات الى الثلث تقريباً، فهي ضعف ما كانت عليه في العام 1972. ولكن اللافت في الأمر ان متوسط نصيب الفرد من العائدات النفطية لم يتغير منذ أكثر من عشرين سنة بحيث بلغ 400 دولار، وهو الرقم نفسه لعام 1972. أكدت ذلك احصاءات اعدتها الادارة الاقتصادية في منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول اوابك. وأشارت الى ان القيم الحقيقية للعائدات النفطية للدول الأعضاء ارتفعت من 23 مليار دولار في 1970 الى 186 ملياراً في 1980، وبمعدل سنوي 23 في المئة، ثم أخذت اتجاهاً مغايراً في الثمانينات حيث انخفضت الى 61 مليار دولار في 1992 وبمعدل سنوي قدره 9 في المئة. وبما ان عدد السكان في الدول الأعضاء ارتفع خلال الفترة ذاتها 1970 - 1992 من 78 مليون نسمة الى 150 مليوناً، أي بمعدل 3 في المئة سنوياً، يتضح ان متوسط نصيب الفرد من العائدات النفطية الحقيقية لعام 1992 أصبح مقارباً لما كان عليه في 1972 عندما بلغ 400 دولار، مع العلم ان هذا الرقم يقل عن ربع مستواه في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات عندما وصل الى 1780 دولاراً. فما هي الأسباب؟ لا شك في انه مع كل تراجع في سعر الدولار الأميركي في مقابل العملات الرئيسية الأخرى في الأسواق العالمية تتراجع القيمة الفعلية لثمن النفط وتنخفض بالتالي عائدات الدول المنتجة، وتفاقمت حدة تأثير تراجع عائدات النفط للدول العربية المنتجة، نتيجة تراجع قيمة الدولار خلال النصف الثاني من الثمانينات، الأمر الذي أدى الى انخفاض القوة الشرائية الحقيقية لعائدات هذه الدول لتصل الى أقل من خمسين في المئة فقط من مستواها لسنة 1985، ما اضطرها الى تأجيل أو الغاء عدد كبير من مشاريع البرامج التنموية. وبالتالي الى تراجع حجم الاستثمارات لديها بشكل كبير، الأمر الذي يعني انخفاض فرص النمو في المستقبل. وهكذا تكون عائدات الدول المنتجة خسرت جزءاً من قيمتها ليس فقط نتيجة عدم قدرتها على حماية السعر الرسمي المعلن لأوبك والبالغ 21 دولاراً للبرميل، بل أيضاً نتيجة تراجع سعر صرف الدولار الأميركي في مقابل العملات الرئيسية في الأسواق العالمية. وساهم هذا الوضع في اضطرار عدد من الدول المنتجة للنفط داخل وخارج اوبك الى زيادة انتاجها حتى تتمكن من مواجهة اعبائها المالية، لذلك لوحظ ان انتاج اوبك تجاوز 25 مليون برميل يومياً. وفي هذا المجال أشارت دراسة مالية واقتصادية وضعها خبراء عرب ان الفرق بين سعر النفط الخام المستورد وأسعار المنتجات في الأسواق الاوروبية المحلية، يمثل جزءاً كبيراً من "الريع" النفطي الذي يتم تحويله من الدول المصدرة الى الدول المستوردة. وان استمرار زيادة اسعار المشتقات المكررة في الدول الأوروبية، يعكس بوضوح تصميم هذه الدول أي الأوروبية على تحويل الجزء الاكبر من "الريع" المتأتي من النفط الى خزائنها. اما بالنسبة الى قيمة خسائر كل دولة من دول النفط العربية من جراء تراجع سعر الدولار الأميركي فهي مرهونة بمدى تأثر سعر صرف عملة الدولة النفطية المعنية بعوامل أساسية تتحكم بسعر الصرف وأهمها: 1 - سيطرة عائدات النفط على اقتصادات تلك الدول وعلى موازناتها، مع العلم ان جميع هذه العائدات بالدولار الأميركي. 2 - ارتفاع الواردات وأسعارها وتأثير ذلك على نسبة التضخم. 3 - التجارة والحسابات الجارية والفوائض المستمرة. 4 - التزام الدول المنتجة الأعضاء في منظمة اوبك تنفيذ قراراتها في شأن تسعير النفط. 5 - التزام الدول المنتجة الخليجية الأعضاء في مجلس التعاون تنسيق وتطبيق سياسة الصرف في ما بينها. 6 - انفتاح اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي، على الخارج، لا سيما في مجالات التبادل التجاري والمالي والنقدي والاستثماري بمختلف وجوهه. وتتبع دول العالم انواعاً عدة من ترتيبات سعر الصرف، حسب وضع كل منها، وتتراوح بين التعويم الحر أي ترك سعر الصرف يتحدد بعوامل العرض والطلب في السوق والربط بعملة أو سلة عملات رئيسية. بعض عملات الدول الصناعية الرئيسية "معومة" اما تعويماً حراً، أو مع بعض التدخل. وترتبط عملات دول أوروبا الغربية ببعضها البعض باتفاقية النظام النقدي الأوروبي الذي يقتضي مرونة محدودة. اما دول العالم الثالث فان معظمها عمد الى ربط عملاته، اما بعملة واحدة كالدولار الأميركي، او بسلة عملات معيارية، كوحدة حقوق السحب الخاصة او بسلات خاصة. ولكن ما هو وضع عملات دول مجلس التعاون الخليجي؟ ينقسم وضعها الى ثلاثة أنواع: الاول: يرتبط بسلة عملات خاصة، مثل الدينار الكويتي. الثاني: يرتبط بالدولار الأميركي، مثل الريال العماني. الثالث: ويشمل معظم دول الخليج، التي ترتبط عملاتها بسلة حقوق السحب الخاصة مع المحافظة على مرونة محدودة في مقابل الدولار. لقد كان نصيب الدول المصدرة للنفط يتحدد في ظل السيطرة الكاملة لشركات البترول العالمية الكبرى الشقيقات السبع بمبلغ ثابت يدفع كضريبة عن كل برميل ينتج بصرف النظر عن السعر الذي تحدده تلك الشركات في الأسواق العالمية، وتراوحت عائدات الدول المصدرة في الشرق الأوسط في ظل العائد المقطوع بين 10 الى 30 سنتاً لكل برميل. لكن عندما وافقت الشركات تحت الضغوط المتزايدة عليها في العام 1959، على مبدأ مناصفة الأرباح، الذي يتخذ السعر أساساً لاحتسابها عمدت بحكم سيطرتها المطلقة على الانتاج والتصدير والتسعير الى تخفيض الأسعار بشكل تدريجي رغم اعتراض الدول المنتجة. وأدى التدهور الكبير في الأسعار الى اسراف الدول المستهلكة للنفط خصوصاً الدول الصناعية الغربية في استخدامه كوقود. غير ان العالم بدأ يدرك في مطلع السبعينات ان امكانيات الانتاج اخذت تقصر عن الوفاء بمتطلبات الاستهلاك، وأصبحت السوق جاهزة لحركة تصحيحية، ووقعت حرب اكتوبر 1973، التي ساهمت برفع الأسعار من ثلاثة دولارات في أول تشرين الأول اكتوبر الى 11.65 دولار في اوائل 1974. واستمرت عملية التصحيح من قبل الدول المصدرة التي أصبحت للمرة الأولى في تاريخ الصناعة النفطية سيدة نفسها في تحديد الأسعار، الى أن قامت الثورة الايرانية عام 1979، وساهمت في ارتفاع الأسعار تدريجياً حتى وصلت الى 36 دولاراً عام 1980. ثم بدأ المشوار العكسي نحو الانخفاض الذي وصل الى 13 دولاراً في العام 1986، ومع أزمة الخليج بسبب اقدام العراق على احتلال الكويت تضاعف السعر الى 40 دولاراً، ثم تراجع الى 16 دولاراً للبرميل. في العام 1967 كان حجم الريع النفطي 5.95 دولار للبرميل، وكانت حصة الدول المصدرة فقط 85 سنتاً في مقابل 5.10 دولار لدول المجموعة الأوروبية تحصل عليها في صورة ضرائب على النفط. اي ان حصة الدول المصدرة فقط 14 في المئة. وعندما استردت الدول المصدرة، في ظل حرب اكتوبر، حريتها في تحديد الأسعار، تحول توزيع الريع لمصلحتها تدريجياً، الى ان بلغ ذروته في 1981. حيث كانت تحصل على 30 دولاراً للبرميل، اي 57 في المئة من الريع، في مقابل 22 دولاراً لضرائب الحكومات الأوروبية، غير ان عقد الثمانينات شهد تحولات عكسية بسبب زيادة الضرائب الاوروبية، ووصل حجم الريع النفطي في أوروبا الغربية الى 66.7 دولار في 1990، وبلغت حصة الدول المصدرة 17 دولاراً او ما يعادل 26 في المئة في مقابل 49 دولاراً لضرائب الدول الأوروبية المستوردة، اي 74 في المئة من القيمة الحقيقية لسعر برميل النفط الى المستهلك. وبذلك حرمت هذه الدول شعوبها من الاستفادة من الانخفاض الكبير الذي طرأ على أسعار النفط خلال الثمانينات، بالاضافة الى حرمان شعوب الدول المنتجة من أخذ حصتها الكاملة من العائدات. ولكن هل تستطيع دول أوبك مواجهة هذه المشكلة؟ في الواقع، هناك اقتراحات وضعها عدد من خبراء النفط العرب، منها على سبيل المثال: أولاً: اقدام الدول المنتجة للنفط على فرض ضرائب على مستورداتها من البلدان الصناعية على ان تستثني من ذلك الدول التي لا تفرض الضرائب على النفط المستورد. ثانياً: رفع سعر النفط الى معدلات تشكل عامل ضغط اقتصادي واجتماعي على الدول المستهلكة. ولكن هل تستطيع الدول المنتجة تنفيذ هذين الاقتراحين؟ أو احدهما؟ الجواب مرهون بمدى قدرة هذه الدول على مواجهة الدول الصناعية، وهي دول كبيرة، ودورها في مشاركتها في "لعبة الأمم" التي تسعى الى تحقيق مصالح سياسية واقتصادية، في عالم ينتصر فيه القوي على الضعيف، وفي بحر يأكل فيه السمك الكبير... السمك الصغير.