تطرح الدوائر البترولية العالمية أسئلة كثيرة حول علاقة القرارات التي اتخذتها اوبيك في اجتماعها الأخير في جنيف باستراتيجية المنظمة على المدى الطويل ومدى ارتباط قرارها بتثبيت الانتاج عند مستوى 2،24 مليون برميل يومياً بهذه الاستراتيجية التي تقوم على زيادة حصة اوبيك في السوق النفطية، وما اذا كان القرار يشكل تراجعاً لحساب زيادة الأسعار التي تركتها اوبيك خاضعة منذ عام 1986 للعرض والطلب في السوق البترولية. والسؤال الأهم بين الأسئلة المطروحة هو: هل تخلت أوبيك عن سياستها الانتاجية بعد أن تخلت عن مهمتها في تحديد أسعار النفط؟ وهل يشكل قرار الأكوادور بالانسحاب من عضوية أوبيك بداية النهاية لهذه المنظمة التي بلغ عمرها الآن 32 عاماً؟ الاجابة على السؤال تأتي في آخره، فقد أكد الدكتور سوبروتو الأمين العام لمنظمة أوبيك ان الاكوادور ستبقى في عضوية المنظمة تحت بند آخر هو "عضو مساعد" وهذا سيتيح لها عدم دفع القسط السنوي في موازنة أوبيك وقدره 4 ملايين دولار ويتيح لها حرية انتاجية لزيادة انتاجها بمقدار الضعفين. ويؤكد المراقبون ان انسحاب الاكوادور من عضوية أوبيك، تحت كل المسميات، لن يكون له تأثير كبير على أوبيك وعلى السوق البترولية، وذلك نتيجة محدودية انتاجها النفطي الذي لا يتعدى حالياً 300 ألف برميل يومياً، ويتوقع ان يصل حسب اكبر التقديرات تفاؤلاً الى 600 الف برميل يومياً. اما الحديث عن تراجع عدد أعضاء الدول المشاركة في أوبيك واحتمالات انسحاب دول اخرى فان دلائل عدة تشير الى ان أية دولة من الدول الأعضاء لم تتقدم رسمياً بطلب للانسحاب، وإنما تدور احاديث واتصالات حول انضمام دول من خارج المنظمة الى عضويتها. وفي كل الأحوال تبقى أوبيك تجمعاً مهماً للمنتجين من داخل وخارج اوبيك لضبط حركة انتاج النفط في السوق البترولية باعتباره سلعة استراتيجية مهمة تلعب دوراً في الاقتصاد العالمي. ولكن السؤال الأكثر اهمية هو مدى ارتباط قرارات اوبيك الاخيرة باستراتيجيتها التي تبنتها بشكل عملي منذ عام 1986 وما هو تأثيرها على الأسعار؟ بالطبع ان حركة الأسعار خلال الربع الأخير من هذا العام ستحسم معظم الخلافات في وجهات النظر التي برزت بعد انتهاء اجتماع اللجنة الوزارية لمنظمة اوبيك حول تثبيت الانتاج والمستوى الذي يمكن ان تصل اليه اسعار النفط خلال الربع الأخير من العام الجاري. ويؤكد خبراء نفطيون ان سعر برميل النفط سيصل فعلاً الى 21 دولاراً للبرميل اذا التزمت دول اوبيك بهذا المستوى الانتاجي الذي تم الاتفاق عليه، وان محاولات التشكيك بالاتفاق بأي اتجاه كانت ستضغط على أسعار النفط وتحد من اتجاهها لبلوغ الهدف المطلوب وهو 21 دولاراً للبرميل. ولعل أبرز ما يميز اتفاق اوبيك لتثبيت الانتاج عند 2،24 مليون برميل يومياً انه جاء دون التوقعات التي كانت تقول بزيادة اوبيك لسقفها الانتاجي الى حوالي 25 مليون برميل يومياً. ويشير المراقبون الى ان القرار بتثبيت الانتاج جاء مفاجأة لمعظم الدوائر البترولية التي كانت تتوقع اقدام اوبيك على زيادة انتاجها الى معدل قريب من 25 مليون برميل يومياً، ولكنه جاء في الوقت نفسه دون طموح عدد من بلدان اوبيك بتخفيض الانتاج لدفع الاسعار بقوة الى 21 دولاراً للبرميل، خصوصاً بعد انخفاض اسعار صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية العالمية الاخرى. ولذلك وفي ضوء هذا التباين في الآراء، وإن كان في حدوده الدنيا، جاء قرار تثبيت الانتاج ليؤكد ان مساحة الاتفاق داخل اوبيك هي الاوسع دائماً وأن دور المنظمة سيبقى عاملاً ضرورياً ومهماً لضبط حركة الانتاج في الدول الأعضاء وتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية. إنّ اهمية اتفاق اوبيك الاخير، على رغم وصفه بالقرار الغامض، هي في كونه اتفاق "اقرار الأمر الواقع" لأنه نابع من المعطيات القائمة حالياً في السوق البترولية، ويأخذ في اعتباره أية تطورات مفاجئة خلال الاشهر الثلاثة المقبلة وذلك من خلال الفارق الواسع بين المعدل الانتاجي الذي تم تثبيته والبالغ 2،24 مليون برميل يومياً، وبين الحد الأدنى المتوقع للطلب على نفط اوبيك والبالغ 2،25 مليون برميل يومياً. فهذا الفارق يمكن من خلاله استيعاب المخزونات الاستراتيجية والتي تقدر بحوالي 700 الف برميل يومياً للضغط على اسعار النفط، كما يمكنه استيعاب اية زيادات في انتاج الكويت حتى نهاية العام الجاري والتي تقدر بحوالي 300 الف برميل يومياً. اما الحديث عن كون الاتفاق مبهماً لجهة عدم تحديد حصص الانتاج، فإن الحديث عن هذه الحصص في هذه المرحلة بالذات تراجعت أهميته، خصوصاً بعد ان مارست دول اوبيك سياسة انتاجية مفتوحة طوال العامين الماضيين بسبب ازمة الخليج لتعويض امدادات النفط الكويتي والعراقي، وأخذت هذه السياسة بعداً واقعياً مهماً في ضوء الالتزام الفردي والجماعي داخل اوبيك بأن تكون المعدلات الانتاجية متناسبة مع حجم الطلب العالمي على النفط بشكل يحافظ على استقرار الأسواق البترولية. وقد تأكد نجاح هذه السياسة من خلال الاستقرار في اسعار النفط وارتفاعها التدريجي لتكون أقرب من الهدف العربي الذي حددته اوبيك. وتؤكد تقارير المنظمة ان سعر سلة نفوط اوبيك ارتفع من 5،18 دولار للبرميل عام 1991 الى حوالي 5،19 دولار للبرميل في العام الحالي 1992. غير ان بعض الدوائر البترولية ترى ان القيمة الفعلية لبرميل النفط تراجعت خلال الفترة نفسها مع تراجع اسعار صرف الدولار من حوالي 5،18 الى 5،16 دولار للبرميل، وان هذا التراجع كلف دول اوبيك خلال الاشهر القليلة الماضية مليارات الدولارات. وبالطبع فان هذه تقديرات مهمة ذات تأثيرات قوية على عائدات دول اوبيك، ولكن الشيء الذي يجب التوقف عنده هو ان هذه التطورات ناجمة عن خلخلة قوية في اسواق المال العالمية ليس لدول اوبيك اية علاقات مباشرة بها، اضافة الى كونها تطورات حادة وموقتة ولا يمكن التعامل معها من خلال ردود الأفعال وقياساً الى فترة زمنية محدودة، ومع ذلك فقد تعاملت اوبيك مع هذه التطورات بشكل بعيد عن العصبية التي تميزت بها اسواق المال العالمية، وبالشكل الذي يبعد اسواق النفط قدر الامكان عن تأثيرات اسواق المال بتطوراتها المفاجئة والحادة. وتؤكد مصادر في اوبيك ان وزراء النفط كلفوا لجنة باجراء دراسات حول تأثير انخفاض اسعار صرف الدولار عملة تسعير النفط على العائدات والإمكانات البديلة، سواء كان "سلة عملات" او اعتماد وحدة جديدة مثل "الايكو" وحدة النقد الاوروبية او وحدات حقوق السحب الخاصة. كما اعطى قرار تثبيت الانتاج دفعة مهمة للأسعار نحو الارتفاع وتعويض ما خسرته القيمة الشرائية للدولار. ويأمل معظم الوزراء في هذا المجال ان يصل سعر البرميل الى 21 دولاراً خلال الربع الأخير من هذا العام. ان قرار اوبيك بتثبيت الانتاج، مع ما يحمله هذا القرار من مؤثرات قوية لزيادة اسعار النفط خلال الفترة المتبقية من هذا العام، دفع بعض المراقبين الى الاعتقاد بأن اوبيك وبعض الدول الرئيسية فيها، ومن ابرزها السعودية احدثت تحولاً في سياستها نحو دعم اسعار النفط وإعادة التدخل في السوق لزيادة السعر، وذلك بعد ان تخلت اوبيك منذ عام 1986 عن تحديد اسعار النفط تاركة هذه المهمة للعرض والطلب وعوامل السوق. وفي مقابل مثل هذه الاعتقادات، اكد وزير النفط والثروة المعدنية السعودي هشام ناظر ان السعودية لم تحدث اية تغييرات في سياستها الخاصة بالأسعار التي ترتبط بعوامل السوق. ويرى خبراء نفطيون ان قرار تثبيت الانتاج يؤكد الاستمرار في سياسة اوبيك نحو زيادة حصتها الفعلية في السوق البترولية التي بدأتها عام 1986، فقرار تثبيت الانتاج عند 2،24 مليون برميل يومياً يعني بشكل عملي اعتماد سقف انتاجي جديد يزيد بمقدار 2،1 مليون برميل يومياً عن السقف الانتاجي المعمول به رسمياً منذ آذار مارس 9921 وهو 982،22 مليون برميل، وبذلك تكون اوبيك اكدت رسمياً ان حصتها في السوق النفطية في ارتفاع مستمر بعد ان تراجعت الى أدنى مستوياتها في عام 1985 وبلغت حوالي 15 مليون برميل يومياً. ولكن قرار تثبيت الانتاج يعطي في هذه المرة اضافة الى ارتفاع السقف الانتاجي عملياً وليس نظرياً دفعة مهمة نحو زيادة الأسعار "سواء كانت هذه الدفعة كافية او غير كافية" من وجهة نظر بعض الدول في اوبيك. فتثبيت الانتاج يؤكد سياسة اوبيك نحو زيادة حصتها في السوق مع اعطاء دفع مهم للأسعار للوصول الى الهدف البالغ 21 دولاراً للبرميل، غير ان الالتزام الجماعي به سيضع مصداقية اوبيك مرة اخرى في الميزان.