القوة الشرائية لعملة اي بلد، تعكس عادة القوة الاقتصادية له والتي تبقى مرهونة بالازدهار الاقتصادي الداخلي، وتطور التجارة الخارجية تصديراً واستيراداً، وما يؤدي اليه هذا التطور من نتائج سلبية ام ايجابية على الميزان التجاري وبالتالي على ميزان المدفوعات. وفي هذا المجال يبرز درهم الامارات العربية المتحدة الذي سجل في العام 1993 تحسناً كبيراً مقابل معظم العملات الرئيسية وبنسب متفاوتة، فتحسن بنسبة 2،17 في المئة على الجنيه الاسترليني، و25 في المئة على الليرة الايطالية و5،4 في المئة على المارك الألماني، و9،3 في المئة على الفرنك الفرنسي، وذلك بالمقارنة مع متوسط سعر صرفه في العام 1992، غير انه تراجع مقابل الين الياباني الذي ارتفع عليه بنسبة 1،9 في المئة. ما هي الأسباب؟... وما هي علاقة درهم الامارات بالدولار الاميركي؟ عندما طرح درهم الامارات للتداول لأول مرة في 20 أيار مايو 1973، تم طرحه بقيمة تعادل 186621،0 غرام من الذهب الخالص، وبناء على سعر التعادل هذا، تم ربطه بالذهب وبقيمة تعادلية بالدولار. وضمن اطار اهداف السلطات النقدية في المحافظة على استقرار سعر صرف الدرهم ومحاربة المضاربة والتضخم المستورد، لجأت الى رفع سعره مقابل الدولار في عام 1977. غير انه تعرض بعد ذلك الى تقلبات حادة، اضطرت معها السلطات الى فك ارتباطه بالدولار في 28 كانون الثاني يناير 1978، وربطه بوحدة حقوق السحب الخاصة بمعدل 7619،4 وبهامش زائد 25،2 في المئة، واستمر الدولار الاميركي كعملة "تدخل"، كما رفع سعر صرف الدرهم امام الدولار ليصل الى 88،3 درهم لكل دولار. وحيال تراجع العملة الاميركية امام العملات الرئيسية الاخرى، ارتفع بعد ذلك مرات عدة، حتى وصل السعر الوسطي الى 6710،3 في تشرين الثاني نوفمبر 1980، وبقي مستقراً على هذا السعر. الا ان ثبات الدرهم مقابل الدولار، وتقلب الدولار مقابل وحدة حقوق السحب الخاصة، جعل الدرهم يتقلب مقابل وحدة الحقوق ايضاً ويتجاوز الهامش المحدد بالزيادة خصوصاً في العام 1985، ولكن عندما عاد الدولار للهبوط تراجع الدرهم امام وحدة الحقوق. ويتبين من تطور الارقام ان سعر الصرف الفعلي للدرهم تعرض لتقلبات شديدة خلال الثمانينات، حيث ارتفع بين 1980 - 1985 بنسبة 3،44 في المئة ثم تراجع بنسبة 32 في المئة من عام 1985 وحتى عام 1988. ارتباط بالدولار ويلاحظ من كل ذلك مدى ارتباط درهم الامارات بتطور العملة الاميركية وتأثره بها، وقد برز ذلك بشكل واضح خلال السنتين الماضيتين. لقد حقق درهم الامارات مكاسب كبيرة مقابل العملات الأوروبية والين الياباني في بداية العام 1992 وذلك بسبب ثبات معدل صرفه بالدولار الذي تحسن بدوره تجاه تلك العملات نتيجة ظهور مؤشرات ايجابية في الاقتصاد الاميركي ودخول الاقتصادات الأوروبية واليابان في دورة ركود اقتصادي. لكن ما لبث بعدها الدرهم ان تراجع في الربعين الثاني والثالث من العام بنسب كبيرة لتعرض الدولار لضغوط شديدة نتيجة لضعف اداء الاقتصاد الاميركي وعدم تحقيق الانتعاش المتوقع وفروق معدلات الفائدة الاميركية والألمانية مع استمرار تشدد السياسة النقدية الألمانية وزيادة العجز في الميزان التجاري الاميركي. ولكن الدرهم عاود الارتفاع مع تزايد الضغوط على آلية الصرف الأوروبية وخروج الجنيه الاسترليني والليرة الايطالية من النظام في ايلول سبتمبر ما جعل الدولار الاميركي يحقق مكاسب كبيرة مقابل هاتين العملتين ومقابل بقية العملات الأوروبية الضعيفة التي تعرضت لضغوط المضاربات وحتى مقابل الين، وذلك في شهري تشرين الأول اكتوبر وتشرين الثاني نوفمبر 1992، خاصة بعد فوز بيل كلينتون بالرئاسة الاميركية واقرار برنامجه لانعاش الاقتصاد. وبشكل عام فان الدرهم قد تراجع في المتوسط خلال عام 1992 مقابل معظم العملات الرئيسية، حيث انخفض بنسبة 8،5 في المئة مقابل المارك الألماني وبنسبة 3،6 في المئة مقابل الفرنك الفرنسي وبنسبة 9،5 في المئة مقابل الين الياباني، وذلك باستثناء ارتفاعه بنسبة 2،0 في المئة مقابل كل من الجنيه الاسترليني والليرة الايطالية، اما مقابل وحدة حقوق السحب الخاصة فقد انخفض بنسبة 8،2 في المئة وذلك بالمقارنة مع متوسط عام 1991، في حين انخفض سعر صرف الدرهم الفعلي "مقابل سلة العملات" بنسبة 5،0 في المئة فقط خلال عام 1992. وفي عام 1993 حقق الدولار الاميركي ارتفاعاً مقابل العملات الأوروبية في النصف الأول من العام نتيجة استمرار الضغوط على العملات الضعيفة في آلية الصرف الأوروبية واستمرار التوتر في ذلك النظام وبدء تخفيض سعر الفائدة الألمانية مع تحسن المؤشرات الاقتصادية الاميركية. اقتصاد قوي تحولت دولة الامارات العربية المتحدة باكتشاف النفط، من دولة محدودة الموارد الى دولة غنية تمتلك فوائض كبيرة نتيجة تصدير النفط الخام وتصحيح مساره خلال فترتين بارزتين: الأولى: بين عامي 1973 - 1974، وذلك اثر حرب تشرين الأول اكتوبر بين العرب واسرائيل والتي قطع خلالها النفط عن أوروبا والولايات المتحدة الاميركية. الثانية: بين 1979 - 1980، اثر ثورة الخميني على شاه ايران، واندلاع الحرب العراقية - الايرانية التي استمرت حتى العام 1988. ووفقاً لتطور انتاج وأسعار النفط تطور الناتج المحلي في الامارات. ففي العام 1980 وكان عاماً ذهبياً لمنتجي النفط بلغ حجم الناتج المحلي 5،111 مليار درهم. وفي العام 1986 ومع تراجع الانتاج والاسعار، تراجع الناتج المحلي الى 8،81 مليار درهم، غير انه عاد الى التحسن بعد ذلك نتيجة ازدياد الطلب على نفط اوبك وارتفاع الاسعار، وخصوصاً بعد ازمة الخليج نتيجة اقدام العراق على احتلال الكويت، وقد بلغ في العام 1990 حوالي 128 مليار درهم، اي افضل مما كان عليه في "العام الذهبي". وقد أدى ذلك الى عودة مساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الى الارتفاع من 32 في المئة في عام 1986 الى 6،46 في المئة عام 1990، مقابل انخفاض الاهمية النسبية لبقية القطاعات الاقتصادية من 68 الى 4،53 في المئة. وعلى الرغم من تراجع الاسعار خلال السنتين الماضيتين فان الواردات النفطية لدولة الامارات قدرت في حدود 14 مليار دولار سنوياً على اساس انتاج 24،2 مليون برميل يومياً، مع العلم ان هذه الارقام مرشحة للارتفاع بفعل تطوير وزيادة الطاقة الانتاجية، بالاضافة الى تطوير دور الصناعة التحويلية في الاسهام بنمو الناتج المحلي والبالغة نسبته حالياً عشرة في المئة. ولكن ما هو تأثير تقلب سعر صرف العملة على الواردات النفطية للدول المنتجة؟ في الواقع، مع كل تراجع في سعر الدولار الاميركي مقابل العملات الرئيسية الاخرى في الاسواق العالمية، تتراجع القيمة الفعلية لثمن النفط وتنخفض بالتالي عائدات الدول المنتجة. وقد تفاقمت حدة تأثيرات تراجع عائدات النفط للدول العربية المنتجة، نتيجة تراجع قيمة الدولار خلال النصف الثاني من الثمانينات، الامر الذي ادى الى انخفاض القوة الشرائية الحقيقية لعائدات هذه الدول لتصل الى اقل من خمسين في المئة فقط من مستواها لسنة 1985، ما اضطرتها الى تأجيل او الغاء عدد من مشروعات البرامج التنموية، وبالتالي الى تراجع حجم الاستثمارات لديها بشكل كبير، الامر الذي يعني بدوره انخفاض فرص النمو في المستقبل. وهكذا تكون عائدات دول اوبيك خسرت جزءاً من قيمتها ليس فقط نتيجة عدم قدرتها على حماية السعر الرسمي الفعلي والبالغ 21 دولاراً للبرميل، سعر السوق حالياً 14 دولاراً، بل ايضاً نتيجة تراجع سعر صرف الدولار الاميركي مقابل العملات الرئيسية في الاسواق العالمية. وقد ساهم هذا الوضع في اضطرار عدد من الدول المنتجة للنفط داخل وخارج اوبيك الى زيادة انتاجها حتى تتمكن من مواجهة اعبائها المالية. وقد اشارت احدى الدراسات الاقتصادية التي وضعها عدد من الاقتصاديين العرب الى ان جزءاً كبيراً من "الريع" النفطي يتم تحويله من الدول المصدرة الى الدول المستوردة. وان استمرار زيادة اسعار المشتقات المكررة في الدول الاوروبية، يعكس بوضوح تصميم هذه الدول اي الأوروبية على تحويل الجزء الاكبر من "الريع" المتأتي من النفط الى خزائنها. اما بالنسبة الى مقدار قيمة خسائر كل دولة من دول النفط العربية من جراء تراجع سعر الدولار الاميركي فهي مرهونة بمدى تأثر سعر صرف عملة الدولة النفطية المعنية بعوامل أساسية عدة تتحكم بسعر الصرف. وأهمها: 1 - هيمنة عائدات النفط على اقتصادات تلك الدول وعلى موازناتها، مع العلم ان جميع هذه العائدات بالدولار الاميركي. 2 - ارتفاع الواردات وأسعارها وتأثير ذلك على نسبة التضخم. 3 - التجارة والحسابات الجارية والفوائض المستمرة. 4 - التزام الدول المنتجة الأعضاء في منظمة اوبيك، بتنفيذ قراراتها بشأن تسعير النفط. 5 - التزام الدول الخليجية الاعضاء في مجلس التعاون بتنسيق تطبيق سياسة الصرف في ما بينها. 6 - انفتاح اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي، على الخارج ولا سيما في مجالات التبادل التجاري والمالي والنقدي والاستثماري بمختلف وجوهه. وفي رأي الاقتصاديين في دولة الامارات العربية المتحدة، بما ان صادرات النفط تقوّم وتدفع بالدولار، كما ان جانباً كبيراً من المستوردات يسدد قيمته بالدولار، فان ذلك يؤدي الى تسهيل عملية التبادل التجاري الخارجي للقطاع الخاص، وتخطيط الموازنة للحكومة، وبالتالي تجنب مخاطر تغلب العملات الاجنبية في حالة التعامل بالدولار الذي يشكل نسبة كبيرة من المدفوعات والمقبوضات الخارجية. وهكذا يكون درهم الامارات العربية المتحدة صمد واستمر قوياً بعد مرور اكثر من 20 سنة على وضعه في التداول، رغم كل الهزات الامنية والسياسية والاقتصادية والمالية والنفطية والتجارية التي شهدتها المنطقة.