بدأت المصارف السعودية تخرج من محليتها الى دور أكثر بروزاً في الأسواق الاقليمية والدولية، فقد أنجز معظم المصارف زيادة رساميله الخاصة. ومن المتوقع أن تستكمل المصارف المتبقية التي لا يزيد عددها عن مصرفين اثنين، تنفيذ هذه الخطوة قبل نهاية العام الجاري، ما يعني مزيداً من الملاءة المالية، وتوسعاً في الخدمات التي يمكن لهذه المصارف أن توفرها. وجاءت خطوة استكمال زيادة الرساميل بعد نجاح المصارف السعودية في اقفال ملف الديون الصعبة، وهي المشكلة التي بلغت ذروتها في الثمانينات نتيجة الاندفاع في منح قروض غير موثوقة، وتتميز بمعدلات عالية من المخاطر، إلا أن تدخل مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" البنك المركزي، واجراءات اعادة الهيكلية المالية، ساعدت المؤسسات المصرفية التي عانت من تفاقم المشكلة على استعادة ملاءتها بمعدلات مقبولة. وبالفعل زادت نسبة الملاءة لدى هذه المصارف في نهاية العام 1992 بما نسبته 13 في المئة، وهي نسبة تزيد كثيراً عن المعدل الذي كانت مقررات لجنة بازل في سويسرا حددته 8 في المئة، كما تزيد بصورة واضحة عن مستويات الملاءة القائمة في المصارف الفرنسية 8.8 في المئة، والمصارف البريطانية 10.6 في المئة واليابانية 9 في المئة. الى ذلك ارتفعت أصول المصارف السعودية الى 318 مليار ريال 85 مليار دولار، في خلال 20 سنة، ما يعني أن أصول هذه المصارف باتت كبيرة الى درجة انها تساوي حالياً أصول جميع المصارف في خمس دول عربية مجتمعة هي: المغرب ومصر والأردن وقطر وسلطنة عمان. واستفاد السعوديون مما يسمى صيغة المصارف المشتركة وهي المصارف التي تساهم فيها مصارف عالمية معروفة اذ تمكنوا من ادخال التقنيات المصرفية المتطورة الى جانب نظم الادارة المالية الحديثة وهو ما شكل دافعاً للمصارف الوطنية يملكها مساهمون سعوديون بالكامل لزيادة قدراتها التنافسية. وهناك إجماع على ان السياسات التي نفذتها "ساما" كانت من أهم العناصر التي وفرت للمصارف السعودية فرصاً كافية لتجاوز الأزمات التي واجهتها طوال العقدين الماضيين، كما وفرت لها فرصاً واسعة لتطوير أنظمة خدماتها. ومع ذلك فإن ثمة اعترافاً بأن النمو الكبير الذي حققته المصارف السعودية لم يلغ حتى الآن استمرار التحديات التي تواجهها هذه المصارف، وأبرزها الحاجة الى تطوير خدماتها الى المستوى الذي يغطي احتياجات الانتعاش الاقتصادي الكامل، ولجوء المؤسسات المحلية الى الاعتماد على مصارف أجنبية. كما ان المصارف السعودية، شأنها شأن القطاعات الأخرى، لا زالت مضطرة الى الاعتماد على الخبرات الأجنبية. ومن غير المتوقع أن تتخلص من حاجتها الى الاعتماد على هذه الخبرات في خلال السنوات المقبلة، نظراً الى ارتفاع نسبة هذه الكفاءات، خصوصاً في الوظائف ذات الاختصاصات التقنية لتشغيل التجهيزات والبرامج التي بدأ استخدامها بصورة متزايدة في خلال السنوات الأخيرة، واستحوذت على الجزء الأهم من خطط الانفاق لتطوير الخدمات وزيادة فاعليتها.