بتنظيم من اتحاد المصارف العربية، يعقد في عمان خلال الفترة من 9 الى 11 نيسان ابريل المقبل مؤتمر يناقش فيه خبراء المال والمصارف العرب استراتيجيات تنشيط البورصات العربية وتطوير الأسواق المالية في البلدان العربية. وسيتناول المؤتمر الاتجاهات المعاصرة في البورصات العربية، وتجارب بعضها مثل الأردن وسلطنة عُمان، وتجارب البورصات الدولية مثل لندن ونيويورك، وكذلك دور المصارف والأدوات الاستثمارية الاسلامية في تنشيط التداول وتطوير الأسواق المالية. وتشير المستجدات الاقتصادية والمالية الراهنة في منطقة الخليج الى وجود مؤشرات ايجابية الى استمرار عملية تعميق وتوسيع الطاقة الاستيعابية للأسواق المالية، وأهمها تعاظم التوجه الحكومي للاقتراض عبر إصدار سندات الخزينة وغيرها من أدوات المديونية، وسيساهم ذلك في الحد من تدفق رؤوس الأموال المحلية إلى الأسواق المالية العالمية بحثاً عن الفرص الاستثمارية. ويؤكد خبراء المال والاقتصاد ان وجود اسماء بعض الشركات المعروفة والناجحة في الأسواق المحلية الى جانب مجموعة كبيرة من أدوات المديونية، سيقلل من حاجة المستثمرين الى المغامرة في الأسواق الاجنبية سعياً وراء فرص الاستثمار المتنوعة. فالمستثمر الذي تكون معظم ايراداته مقومة بالعملة المحلية سيبحث اولاً عن فرص الاستثمار المتوافرة في السوق الداخلية، بدلاً من التعرض لمخاطر اضافية متمثلة في تقلبات أسعار العملات الاجنبية والضرائب الباهظة، عندما يستثمر في الأسواق الخارجية. لقد افرزت الثمانينات ظواهر عدة اثبتت بشكل قاطع ان المخاطر التي تتعرض لها الاستثمارات في الدول الصناعية المتقدمة ليست مخاطر مالية واقتصادية تهدد الأصل والمردود فحسب بل مخاطر سياسية ايضاً تتهدد كرامة أصحاب هذا المال وحرية قرارهم... وليست أزمة الديون العالمية وفوضى الأسواق النقدية وتجميد الأرصدة على الطريقة الاميركية إلا شواهد قليلة على ذلك. ويذكر المستثمرون باهتمام ما حصل في تشرين الأول اكتوبر 1987 عندما تعرضت أسعار الاسهم لانهيار متلاحق في الاسواق المالية، وسقطت معها مقولات الربحية والامان والاستقرار التي تفخر بها القوى المسيطرة على تلك الاسواق. واذا كان انهيار الأسواق المالية جاء عاماً حيث لحقت آثاره بالمتعاملين في هذه الاسواق على اختلافهم، فإن دولاً صناعية أبت إلا ان تخص الاستثمار العربي بالتمييز المجحف والتقييد. وتراوحت تطبيقات هذه المعاملة بين تجميد الأرصدة المصرفية والتلويح بتحميل الودائع العربية نصيبها من تبعة الديون الهالكة، الى فرض قيود على المجالات المتاحة للاستثمار بحجة حماية الاقتصاد الوطني للدولة المضيفة من السيطرة الاجنبية ومكافحة الاحتكار تارة، وبتعارض الاستثمار في بعض القطاعات مع المصالح الوطنية تارة اخرى. وفي ظل ازدياد مخاطر الاستثمار في الخارج، خصوصاً المخاطر التي تعرضت لها الاستثمارات العربية في الدول الصناعية المتقدمة، برزت صحة الدعوة التي أطلقتها المنابر العربية بتوطين الاموال العربية في أقطارها العربية حيث الامن والنماء. وأصبح من الثابت ان استثمار الأموال العربية خارج وطنها وضع غير منطقي فرضته ظروف التخلف والتجزئة، وعمقت اتجاهاته بعض القرارات الاقتصادية وغير الاقتصادية المرتجلة، ذلك انه حتى لو اغفل العرب كل الاعتبارات القومية على رغم اهميتها، واعتمدوا مختلف المعايير الاقتصادية، على كثرتها، فإنهم سيجدون ان استثمار المال العربي في المشاريع العربية هو أفضل سبل الاستثمار، ليس من حيث الربح التجاري والمردود الاقتصادي فحسب، بل ومن حيث الأمن العربي أيضاً. لذلك لم يعد السؤال في رأي الخبراء والمسؤولين الماليين والاقتصاديين العرب، يتعلق بجدوى ومبررات الاستثمار في الوطن العربي، لأن الاجابة حسمت قطعاً لمصلحة توطين الاستثمارات العربية بالتأكيد. وبالتالي اضحت التساؤلات القائمة بالفعل هي كيف، وضمن أية ظروف وأولويات يمكن ان يتحول المال العربي الى استثمارات منتجة في الوطن العربي؟ وطالما ان النفط العربي يتدفق الى الخارج، والوطن العربي بحاجة الى تنمية امكاناته الاقتصادية والانتاجية لتلبية حاجاته الاستهلاكية وتطوير اقتصادات اقطاره بمختلف قطاعاتها، فإن فرص الاستثمار متوافرة ومتنوعة، وفي مختلف المجالات. تطوير الأسواق المالية ومن هنا يرى خبراء المال والاقتصاد ان الضرورة تحتم الاسراع في عملية اقامة وتطوير أسواق رأس المال المحلية، ذلك ان المراكز العالمية استطاعت ان تحقق تقدماً هائلاً خلال السنوات الاخيرة، فأصبح في مقدورها ان تقدم الخدمات للمستثمرين بصورة أشمل واكثر كفاءة. وحتى تتمكن الاسواق المالية الخليجية من منافسة تلك المراكز، فهي تحتاج الى زيادة عمقها وتنويع أدوات الاستثمار والمديونية المتوافرة فيها، وتشجيع المستثمرين المحليين على المشاركة في نشاطات السوق الثانوية، وهذا كله يتطلب زيادة خبرة مؤسسات الاقراض والمقترضين والهيئات الاشرافية، كما تقتضي الضرورة انشاء المؤسسات الوسيطة لتعمل كجهات ضامنة للاكتتاب في الاصدارات المالية او مديرة للصناديق الاستثمارية او كسماسرة للأوراق المالية او كجهات استثمارية. ولا بد من قيام سوق ثانوية فعالة لتعزيز الطلب على أدوات المديونية من جانب المستثمرين، كما ان وجود مثل هذه السوق سيمكن المصارف المركزية من استخدام عملية بيع وشراء هذه السندات كوسيلة اضافية للتحكم في معدلات السيولة من خلال الشراء، اذا أرادت رفع هذه المعدلات، أو بيع السندات في حال تقليص تلك المعدلات. كما ينبغي تطوير نشاطات المصارف الاستثمارية، سواء تم تحقيق ذلك في إطار نظام البنوك التجارية القائمة أو من خلال انشاء مؤسسات جديدة يكون بمقدورها تأمين خدمات السمسرة والتداول وضمان الاكتتاب بالنسبة الى الأوراق المالية. وفي هذا المجال تبرز السوق المالية في المملكة العربية السعودية، بعدما اخذت المصارف في تطوير سوق تداول سندات الخزينة كأداة استثمارية جديدة، حيث أقدم بعضها على بيع هذه السندات الى عملائه لمدة ثلاثة اشهر، كما هو الحال بالنسبة الى شهادات الايداع، وبعد انقضاء الفترة تقوم المصارف باعادة شراء السندات، ما يعطي المستثمر عائداً أكثر مما تحققه الودائع لأجل، اذ تزيد نسبة الفرق في بعض الاحيان عن ربع في المئة. ولوحظ انه للسنة الثامنة على التوالي تواصل سوق الأسهم السعودية نموها، حيث ارتفعت في العام 1992 قيمة الأسهم المتداولة بنسبة 61 في المئة لتبلغ 13.7 مليار ريال في مقابل 8.5 مليار ريال في العام 1991. كما ازداد عدد الاسهم المتداولة من 30.8 الى 35.2 مليون سهم، اي بنسبة 14 في المئة، كذلك زاد عدد الصفقات من 90.5 ألف صفقة في العام 1991 الى 272 ألف صفقة في العام 1992. ويتوقع المستثمرون ان يكون العام 1993 سجل مزيداً من النمو لسوق الاسهم السعودية، خصوصاً مع ضخ حوالي أربعة مليارات ريال 1.1 مليار دولار في حركة التداول، وهي قيمة أسهم عائدة لمستثمرين احتفظوا بها عقب هزة تراجع اسعار اسهم الشركات المساهمة السعودية في نهاية العام 1992. وتجدر الاشارة الى تأسيس بنوك وصناديق استثمار محلية عدة في العام 1992 لمساعدة المستثمرين الذين ليست لديهم الخبرة أو الوقت لادارة استثماراتهم وشراء الأسهم، ما شجع على قفزة كبيرة في سوق الأسهم السعودية.