سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أربعة ملايين زائر ونقاشات صاخبة في القاعات والكواليس . الكتب المصادرة تعود الى "معرض القاهرة الدولي للكتاب" : تكريس الفكر التنويري وانتصار حرية النشر والتعبير
"معرض القاهرة الدولي للكتاب" الذي شارك فيه هذا العام 2175 ناشراً من 72 دولة، ليس تظاهرة عادية مخصصة للنشر والكتاب، بل موعد سنوي يعكس راهن الثقافة القاهرية، وحلبة تتواجه فوقها التيارات التي تعبر عن الحياة الفكرية في مصر والعالم العربي. والدورة السادسة والعشرون التي أسدل عليها الستار قبل أيام، حققت مكسباً أساسياً هو تحرير الكتاب من القيود التي كبلته في الفترة الاخيرة، وشهدت مجموعة من الندوات المخصصة للمرأة، وللمستجدات في منطقة الشرق الاوسط. من حيث لا تدري، كانت محكمة الجيزة الابتدائية هذا العام مع "معرض القاهرة الدولي للكتاب" على موعد. فالقضاء المصري ينظر منذ شهرين في دعوى، لا تخلو من العبثية والطرافة، تَقَدّم بها ثمانية اسلاميين ضد أستاذ جامعي وباحث معروف، مطالبين التفريق بينه وبين زوجته باعتباره "مرتداً". وها هي المحكمة تقضي عشية افتتاح "معرض الكتاب"، ب "عدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، ولعدم وجود أي صفة للمدّعين تخوّلهم اقامتها"، كما حكمت بتغريم هؤلاء نفقات القضية والمحامين. نقرأ تفاصيل القضية في الطائرة التي تقلّنا الى القاهرة، واذا بنا دفعة واحدة ومن دون مقدمات، في قلب "المعمعة"، على مشارف الحدث الثقافي الذي سيشكل السمة الاساسية لهذا الموسم، بأسئلته الملحّة ومعاركه المحتدمة. "انتهت المهزلة" عنونت مجلة "أخبار الادب" الواسعة الانتشار، مقالة فرعية على صفحتها الاولى. والكاتب الذي أقيمت ضدّه الدعوى هو، كما لا يخفى على أحد، الدكتور نصر حامد أبو زيد 47 سنة أستاذ اللغة العربية في جامعة القاهرة حيث رُفضت ترقيته في العام الماضي، بعدما رأت "اللجنة العلمية" المختصة في مؤلفاته "تحريفاً واساءة الى القيم الروحية"، ما يحول دون اعتبارها أبحاثاً علمية جادة. فكانت ولادة "قضية أبو زيد" التي ستصبح عنوان المرحلة، وشغلها الشاغل، وتفجر سجالاً لم تشهده مصر منذ العشرينات. أما رفيقة درب أبو زيد، فهي ابتهال يونس 34 سنة أستاذة اللغة الفرنسية في الجامعة نفسها. وها هو المنعطف الجديد الذي أخذته القضية، بعد قرار المحكمة، يجيء خير تمهيد للدورة السادسة والعشرين من "معرض الكتاب" التي ستتركز على اعادة الاعتبار - بدعم رسمي واضح - الى التقاليد الديموقراطية العريقة في مصر، وستخطو خطوات ملحوظة على طريق تكريس حرية النشر والتعبير، كما لمسنا على أرض الواقع من خلال سياسة البرمجة، والكتب المعروضة، والاجواء التي سادت على مختلف اللقاءات والندوات... و"معرض القاهرة" ليس مناسبة عادية. ولا حتى مجرد تظاهرة ضخمة للكتاب. اذ بات من المعروف أنه حلبة ثقافية تحتضن كل المعارك، فوقها تتواجه المواقف والاسماء والاتجاهات. والمعرض تحول مع السنوات الى المختبر الذي يعكس هواجس المرحلة ومشاغلها. من هنا خرج الشاعر صلاح عبد الصبور للمرة الاخيرة مطلع الثمانينات وكان رئيساً ل "الهيئة العامة للكتاب"، قبل أن ينفجر غيظاً ويترنح تحت عبء التساؤلات والشكوك. وهنا أقيمت الندوة الحاسمة التي تواجه فيها الشعراوي وفرج فوده بعد ذلك بعقد كامل، أشهراً قليلة قبل أن تودي رصاصات الغدر بحياة هذا الاخير... دفاعاً عن التنوير "معرض كتاب القاهرة" الذي درج رئيس الجمهورية على افتتاحه شخصياً، بلقاء مفتوح مع أهل الفكر والابداع، هو ال "آغورا" الاغريقية بامتياز، والدليل القاطع على أن الحياة الديموقراطية ما زالت بخير، على الرغم من الشوائب الكثيرة والمصاعب والعثرات. اذا شئت أن تجس نبض الرأي العام، وتأخذ فكرة عن المناخ الثقافي والسياسي المهيمن، ليس عليك سوى أن تحضر واحدة من تلك الندوات البارزة التي تجذب جمهوراً واسعاً متوزعاً بين القلق والحماسة والنهم... فتستمع الى ردود الفعل العفوية، وتقيس من خلال حدة التصفيق درجة شيوع فكرة ما، ومدى طغيان هذا الاتجاه أو ذاك الموقف. في العام الماضي احتفل المعرض الذي تنظمه "الهيئة المصرية العامة للكتاب" بيوبيله الفضي، واختار لدورته شعاراً صدامياً هو "مواجهة الارهاب". أما جمهور هذا العام الذي قصد أرض المعارض في مدينة نصر غزيراً متحمساً كعادته 4 ملايين زائر، فشارك في نشاطات فكرية وابداعية تتوزع على محورين رئيسيين: ابداع المرأة المصرية والعربية، ومسألة السلام في الشرق الاوسط. واستضافت الاجنحة 2175 ناشراً من 72 دولة مقابل 2150 من 69 دولة للدورة السابقة، عرضوا 5،17 مليون عنوان مقابل 16 مليوناً، فاذا بالاصدارات التراثية والدينية تحقق نسب الاقبال الأعلى، تليها العناوين السياسية، ثم المؤلفات العلمية وأخيراً الكتب الثقافية. أما قيمة مبيعات الكتب، فبلغت 55 مليون جنيه. ولا مفر من أن تضيع في أرض المعارض بين حشود الزائرين الذين يخرجون محملين بأكياس الكتب، يتناقشون في حلقات مصغرة، أو ينتظرون بصبر موعد حلول الندوة أو اللقاء أو الامسية الشعرية التي تهمهم. فنحن في أبرز التظاهرات المخصصة للنشر والكتاب في العالم العربي، وفي المدينة المحتضنة للتجارب الادبية والفكرية الرائدة، ومهد النهضة... هذه النهضة لاحظنا عودة كثيفة الى إرثها ورموزها، كشكل من أشكال الرد على الطروحات الظلامية ونزعات الانغلاق. نشير في هذا السياق الى كتاب جابر العصفور الجديد "هوامش على دفتر التنوير"، وفيه يواصل رئيس "المجلس الاعلى للثقافة" "دفاعه عن التنوير" ضد "الطغيان والاستبداد وانزواء العلم والتفكير العقلي المتجدد وانتهاء عصر الاجتهاد". كما نشير الى المسرحية التي افتتحت على هامش التظاهرة، على خشبة مسرح السلام، وهي بعنوان "صباح الخير يا وطن" تأليف سمير سرحان ومحمد عناني، اخراج فهمي الخولي، مع عمر الحريري وأحمد زكي...، وهي تستوحي - بتعليمية تطغى على الجانب الفني - سيرة علي مبارك وحركة التنوير في مصر. وقف مطاردة الكلمة في حوار أجرته معه "الوسط" قبل أسابيع، كان الكاتب سمير سرحان أعلن بصفته رئيساً ل "هيئة الكتاب" التي تشرف على سياسة النشر في مصر، أنه لم "يعد هناك أي رقابة على الفكر في مصر". لكن البعض اعتبر هذا التصريح مبالغاً وفيه وكلام مناسبات، لن يلبث أن يذوي، فيظهر مشهد الحقيقة المرّة. واذا برئيس الجمهورية المصرية حسني مبارك يكرس هذا المبدأ بنفسه يوم افتتاح المعرض الدولي للكتاب. بعد المعارك التي خاضها بعض أصحاب القلم في مصر بضراوة في الآونة الاخيرة، جاء كلام الرئيس المصري مشجعاً ومطمئناً. تكلم مبارك أمام النخبة الفكرية المصرية بصراحة قاطعة لا تترك مجالاً للالتباس. ورداً على سؤال طرحه الاديب جمال الغيطاني، توجه الى رئيس الوزراء عاطف صدقي ووزير الثقافة فاروق حسني، مصدراً تعليماته بوقف مطاردة الكلمة، ووضع حد لأي تدخل من قبل الجهات الادارية والروحية في هذا المجال: "المرجع الوحيد الذي يحق له أن يبت هذه المسائل هو القضاء" أكد الرئيس المصري. فكان أن طبع بتدخله ملامح هذه الدورة السادسة والعشرين التي انعقدت في المحصلة الاخيرة، تحت شعار حرية النشر والتعبير. كما طرحت خلال اللقاء مسألة تحرير صناعة الكتاب المصري من الاعباء الجمركية، وهو شرط أساسي للازدهار الفكري والتعددية والمنافسة التي لا تستقيم من دونها اللعبة الديموقراطية. هكذا أصبح حديث الزائرين والمثقفين والادباء الشباب، هو الكتب الممنوعة، أو بالاحرى عودة الكتب المصادرة. هذه السنة كانت الممنوعات هي "الموضة" السائدة، وكل العناوين التي بحثنا عنها خلال الدورة السابقة من دون جدوى، باتت متوافرة بكثرة، معروضة في الواجهة، لها مكان الصدارة... تجذب الفضوليين كما تجذب المعنيين الفعليين بها. وغالباً ما كنت تسمع هنا أو هناك، تعليقاً مسلياً من نوع "أسرع الى حجز نسختك من الكتاب الفلاني، فربما عاد فمنع في وقت قريب!". احساس بالحرية الموقتة إذاً، وشعور بأن هذا الحلم أجمل من أن يطول في هذا الزمن؟. هل تبحث عن رواية ادوار الخراط "مخلوقات الاشواق الطائرة"؟ ستجدها بغير عناء على رف خاص في أحد أجنحة "الهيئة العامة للكتاب" التي قامت بطبعها من جديد، بعد أن صدرت عن دار الآداب في بيروت. على الرف نفسه اصطفت مجموعة من الكتب التي كانت محتجزة في أقبية الهيئة ومستودعاتها، أو معتقلة في جحيم الاصدارات المغضوب عليها، وأغلبها منشور في "الهيئة": "آية جيم" لحسن طلب، "العراة" لابراهيم عيسى، "أنا بهاء الجسد واكتمالات الدائرة" لمحمد آدم، "هكذا قلت للهاوية" لرفعت سلام. وبعيداً عن الوهج الاعلامي للكتب الممنوعة، نكتشف أعمالاً أدبية شيقة لكتاب شبان من أمثال خيري عبد الجواد الذي أصدر أخيراً روايته "كتاب التوهمات"... "دار الصباح" تحتضر؟ غير أن "الثورة" الفعلية التي أطلقتها "الهيئة" ضمن سياسة تهدف الى الترويج للكتاب و... تحرير المستودعات من آلاف النسخ المتراكمة منذ سنوات، هي طرح مجموعة من العناوين الادبية والنظرية بأسعار متهاودة. 25 كتاباً بجنيه! تستهوينا مسرحية "أبو نظارة" لأبو العلا السلاموني، لكن عبثاً نقنع الصبية المسؤولة ببيعه مقابل جنيه! - عليك أن تختار 24 كتاباً آخر يا أستاذ... نروح ننقب اذاً في الاكداس، فنقع على نصوص أدبية ومسرحية، على دراسات نقدية وروايات ومجموعات قصصية سلسلة مختارات فصول... بعضها لكتاب بارزين: يوسف القعيد، والغيطاني، ألفريد فرج، أنيس منصور وآخرين... ويتدخل شاب متحمس وهاوي قراءة لاحظ معاناتي، مقترحاً عليّ فكرة جهنمية: نجمع ما نحتاجه من الكتب، أحاسب كما لو أنها لي، ثم نتقاسم الغلة في الخارج. وهكذا كان. "هيئة الكتاب" نافست هذا الموسم بائعي "سور الازبكية" الذين جاؤوا ككل عام، وفرشوا كتبهم القديمة - البخسة الثمن - بما فيها من كنوز مخبأة، على أرصفة أرض المعارض في مدينة نصر. كتب مثيرة للجدل وفي كواليس المعرض تدور الاحاديث والشائعات المتعلقة ب "دار سعاد الصباح". فالشاعرة الكويتية قررت الانسحاب من الدار التي تحمل اسمها، والبحث جارٍ مع بعض المرشحين لشرائها. لكن ما خلفية هذا القرار؟ "الخسارة كبيرة" حسب البعض، "هناك مسؤولون في المؤسسة تمادوا في سوء الادارة، وحتى في الاختلاس" يقول البعض، ونحن ننقل الكلام على ذمتهم. هناك من يرى أيضاً أن الدار "كانت ضرباً اعلامياً، وعملية ترويج شخصية للناشرة، ووصاية على فئة من المثقفين، واقتحام غير مبرر لحركة النشر في مصر"، بينما يرد المدافعون ليذكروا ب "الدور الايجابي والديناميكي الذي لعبته الدار، فاتحة المجال أمام صدور تجارب وأعمال وترجمات مميزة، أغنت الساحة الثقافية العربية"... ويستمر النقاش، فنمضي الى دار مصرية مستقلة، تتحلّى صاحبتها راوية عبد العظيم بالجرأة، وهي قدمت هذا العام مجموعة من الكتب المثيرة للجدل. إنها "دار سينا للنشر" التي قامت باعادة طبع كتاب مهم للراحل لويس عوض هو "مقدمة في فقه اللغة" الصادر عام 1980، والممنوع منذ العام 1981. ويتضمن الكتاب ملحقاً بالوثائق التي أدانته لدى الصدور الاول، ووقائع المعركة التي رافقت تلك الادانة. من العناوين الاخرى التي قامت الدار باعادة نشرها كتاب لعبد الرحمن بدوي وآخر لنصر حامد أبو زيد هو "نقد الخطاب الديني" طبعة جديدة "مع تعليق موثق على ما حدث"... وكانت "سينا للنشر" تعرّضت قبل عامين وخلال المعرض، الى مصادرة تسعة من عناوينها بينها كتب للمستشار سعيد العشماوي. أغلب هذه الكتب "لا يزال تصديرها الى الخارج محظوراً"، حسب الناشر، رغم الافراج عنها في مصر. وعلى لائحة اصداراتها كتب لافتة لمراد وهبه أو برهان غليون أو نوال السعداوي، لمحمد عفيفي مطر وسلوى بكر وفوزية رشيد... عند جناح "روز اليوسف" أيضاً، تطالعنا الدعاية نفسها. "هل هناك الاعداد الاخيرة من روزا؟" نسأل. "عندنا العددان الاخيران الممنوعان"، يجيب البائع بايجاز الرجل المشغول، واثقاً من قدرة كلماته القليلة على اقناعي بالشراء. فمن يفوت فرصة شراء منشورات ممنوعة تباع علناً، كما لو أن "الممنوع" ليس الا صنفاً محدداً من الاصدارات بين أصناف كثيرة أخرى؟! نشتري العدد ما قبل الاخير وفيه نشرت المجلة مقتطفات من نصوص أثارت غضب الرقابة في حينها، ليوسف ادريس ونجيب محفوظ ونزار قباني وسلمان رشدي وأحمد فؤاد نجم... وما أن نخرج حتى يخطفنا بائع شاب دون أن يأخذ رأينا لاطلاعنا غصباً على مبيعات شركته من الالكترونيات. فالاتمتة والبصريات تغزو عاماً بعد آخر معرض القاهرة، وآخر هذه المستحدثات الكتب المسموعة، وأسطوانات ال "سي دي روم" التي تجمع النص والصورة الجامدة والصوت والصورة المتحركة، فتؤدي وظيفة الكتاب والفيلم في آن واحد. حديقة عبده وازن نعبر بسرعة "المركز العالمي للكتاب الاخضر" الذي يغص بالكتب الخضراء، ومجموعة من الاجنحة الرسمية لدول عربية وأجنبية مشاركة... نصادف في الخارج بسطات الباعة الذين استنحوا الفرصة ليبيعوا الحلويات، أو الهدايا والبالونات وفقاعات الصابون. الوجهة: جناح الناشرين العرب. هنا أيضاً، جاء "العارفون" لاصطياد الكتب الممنوعة. فقد سرى الهمس بين قراء الشعر والادب التجريبي أن كتاب الزميل عبده وازن معروض في جناح "دار الجديد"، مع أنه ممنوع في بيروت. عند الركن الذي اجتمعت فيه بعض الدور اللبنانية والسورية، نسأل المسؤول عن المبيعات. - هناك كتاب لشاعر لبناني اسمه... - عبده وازن؟ - نعم، كيف عرفت؟ - كثيرون يطرحون السؤال نفسه. لا، لقد نفد الكتاب. "حديقة الحواس"... أليس كذلك؟ ويرفض الشاب اعطاءنا معلومات عن عدد النسخ التي بيعت خوفاً أو حرصاً، أو لسبب آخر نجهله... فنعزّي النفس بتصفح اصدارات "دار الجديد" البيروتية التي تكاد تتفرد بين كل الدور المصرية والعربية بنشر هذه الكمية من المجموعات الشعرية: محمود درويش، سعدي يوسف، شوقي أبي شقرا، عباس بيضون، وديع سعاده، بسام حجار، رينيه شار... وصولاً الى يوسف بزي واسماعيل الفقيه وشبيب الامين. هناك أيضاً كتب فؤاد كنعان وحسن داوود وسيوران. ولا ندري أية مصادفة شاءت أن يتجاور كتابا الزميلين حازم صاغية "أول العروبة"" وجوزيف سماحه "سلام عابر" دار النهار، كأنهما في مبارزة متواصلة، فيما ترف عليهما من الرف الاعلى كتب وضاح شرارة "الموت لعدوكم"، "الواحد نفسه"، الخ... بين كتب الساقي نتوقف عند كتاب مروان بشارة عن كلينتون، عند روايتي محمد شكري "الخبز الحافي" و"الشطار"، ورواية عبد الله العروي "الفريق"... ولاحظنا أن بعض دور النشر الدمشقية تشهد اقبالاً كثيفاً. ولما سألنا أحد المشترين، شرح لنا أن هذه الدور تقدم ترجمات محترمة للادب العالمي، وذلك بأسعار بخسة للغاية: "بيت الارواح" لايزابيل الليندي ترجمة سامي الجندي، "ساعة الشؤم" لعزيز نيسين، "النفق" لارنستو ساباتو... من الدور العربية الاخرى التي حظيت باهتمام الزوار نذكر: دار ابن رشد، الفارابي، الآداب، المؤسسة العربية... تكريم رائدات لكن "معرض القاهرة الدولي للكتاب" لا يكون له المذاق نفسه من دون لقاءاته، وحلقات نقاشه وندواته المختلفة. هذه السنة أقيمت سراي خاصة بالمرأة، ونظمت سلسلة من الندوات حول "وضع المرأة المصرية"، وألقيت الاضواء على شخصيات نسائية رائدة عائشة التيمورية، مي زيادة، زينب فؤاد، هدى الشعراوي...، وعرضت أفلام.كما تم تكريم الرائدات أمينة السعيد، أمينة رزق، تحية حليم، سهير القلماوي، لطيفة الزيات، بنت الشاطئ، وغنت فردوس عبد الحميد، ومحسنة توفيق... من الندوة المكرّسة لابداع المرأة فاطمة موسى، لطيفة الزيات، اعتدال عثمان، فوزية مهران، سلوى بكر، نهاد صليحة... حيث استمعنا الى بكر تؤكد أن "تراثنا الدبي عن المرأة منحاز للاسف لمصلحة الرجل..."، ننتقل الى "المقهى الثقافي" حيث تتخذ اللقاءات بعداً أكثر حميمية، ويسهل تعميق الطروحات بعيداً عن الخطابية والتعميم. ففي هذه "الخيمة" نوقشت رواية ابراهيم عيسى "مريم التجلي الاخير"، ومجموعة فتحي عبدالله الشعرية "راعي المياه". وهنا تناولت الفرنسية أني آرنو تجربتها الادبية، وكذلك فعل كل من الكاتبين السوريين خليل نعيمه ونبيل سليمان. وفي المقهى أيضاً تواجه حسن حنفي وصلاح قانصوه في مناقشة حامية حول "الابداع والحرية"... وشهد المعرض لقاءات يومية مع مبدعين بارزين تناولوا تجربتهم الادبية والانسانية عبد الرحمن الابنودي مثلاً، كما شهد مناقشات لاعمال بارزة تحت عنوان "كاتب وكتاب" "قضايا فكرية" لمحمود أمين العالم مثلاً، ناقشه حسن حنفي، مراد وهبه ونصر حامد أبو زيد. وكانت للشعر مكانة الصدارة كالعادة، من خلال حضور أسماء مهمة من العالم العربي كمحمد الفيتوري، سعدي يوسف، توفيق زياد... وبين الامسيات الشعرية نشير الى تلك التي أحياها الشاعر المصري المعروف سمير عبد الباقي، والى أخرى أحياها الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي في أول اطلالة له منذ سنوات... أما الموعد الاساسي في المعرض هذا العام، فكان اللقاء مع الكاتب والصحافي المعروف محمد حسنين هيكل الذي يعود الى مصر بعد غياب عامين. وكانت آخر مرة التقى فيها الجمهور هي في معرض الكتاب يوم 13 كانون الثاني يناير 1991 عشية اندلاع "عاصفة الصحراء". يومها فاضت القاعة، واحتشد المئات أمام سراي الندوات الفسيحة، يستمعون اليه عبر مكبرات الصوت، تحت المطر. هذه المرة أيضاً كان الاقبال غزيراً، والتوتر بادياً، حتى خال مسؤول الامن كاتب هذه السطور صحافياً اسرائيلياً فمنعه من دخول أرض المعارض! بحث هيكل في جذور العنف، وأعطى قراءته للتطورات الراهنة في الشرق الاوسط. "العالم العربي لم يعد يملك سوى الكلام - قال - أصبحنا أمة محبطة لا ترى سوى الماضي، حتى عندما تتحدث عن المستقبل"! وكانت سلسلة الندوات التي انعقدت تحت عنوان "مستقبل المنطقة في ظل المتغيرات العربية والعالمية"، هي حجر الاساس للنشاطات الفكرية في المعرض خلال هذه الدورة. أثارت زاوية طرح الموضوع جملة من ردود الفعل العنيفة من قبل بعض المشاركين، سيما وأن البعض رأى في التوجه العام كان العنوان أساساً: "نحو شرق أوسط جديد"، سعياً الى تناول الموضوع انطلاقاً من "اتفاق غزة أريحا أولاً"، لمناقشة "السوق الاوسطية الجديدة" و"التفاعل مع ثقافات الجوار" ايران، تركيا، اسرائيل... لكن جابر عصفور أعاد من خلال ادارته بعض الجلسات، الامور الى نصابها. وتعاقب على المنبر عشرات المفكرين والمبدعين الذين عالجوا خلفيات السلام الحالي، مطباته ومخاطره، وأشكال المواجهة الممكنة. ولعل الندوة التي شارك فيها حسام عيسى ورفعت السعيد وعصمت سيف الدولة وأمين هويدي وأسامة الغزالي حرب... وأدارها مصطفى الفقي، كانت الاكثر تفجراً وصخباً، وعكست بأجوائها المتوترة حركة احتجاج ومعارضة واسعة لا تزال تعتمل في الوجدان المصري والعربي في ما يتعلق ب "عملية السلام". على هامش معرض معرض الكتاب، سلّم وزير الثقافة المصري فاروق حسني الجوائز الوطنية للكتاب للعام 1993. وبين الفائزين: الكاتب المسرحي لينين الرملي صاحب التجربة الرائدة في المسرح المستقل، وحاز جائزة أفضل نص مسرحي على مسرحيته "بالعربي الفصيح" في الصورة يتسلم الجائزة من الوزير حسني. والدكتور محمد عناني الذي أغنى المكتبة العربية باسهاماته مؤلفاً وناقلاً وناقداً، وهو فاز بجائزة أفضل ترجمة عن نص شكسبير "روميو وجولييت". الروائي المعروف بهاء طاهر وكانت الجائزة الفكرية من نصيبه عن كتابه التنويري "أبناء رفاعة" الطهطاوي الصادر ضمن سلسلة "كتب الهلال".